الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دوليةمجتمع
عيد النوروز.. “اليوم الجديد” في الديانة الزرادشتية

كيوبوست
بمواعيد مختلفة، احتفل الإنسان في الثقافات القديمة بالسنة الجديدة، التي ارتبطت في الغالب بفصل الربيع، وتحديداً باليوم الذي تكون فيه الشمس متعامدة مع خط الاستواء في ما يُعرف بـ”الاعتدال الربيعي”؛ عندها كان يحتفل الإنسان بعودة إله الزراعة بعد انقضاء فصل الشتاء، ومن ضمن تلك الاحتفالات كان عيد النوروز أو النيروز الذي بدأ قبل نحو 3000 عام، ويعني اسمه “يوماً جديداً” في الديانة الزرادشتية، الإيزيدية اليوم، وهي أحد أديان المجوسية القديمة.
يمتد عيد النوروز من 19- 21 مارس في كل عام، وتحتفل به الشعوب الآرية (الفرس، والأكراد، والبشتون.. وغيرهم) في عدة دول؛ أبرزها إيران وأفغانستان وكردستان العراق، وكازاخستان، وتخصص له بعض الحكومات يوم عطلة رسمية.
روايتان
لعيد النوروز روايتان؛ إحداهما فارسية، تعود إلى “الشاهنامة”، وهي قصيدة ملحمية للشاعر الفردوسي، تربط العيد بملك فارسي كان اسمه “جمشيد”، وكان يتمتع بنفوذ واسع على الإنس والجن، وبصلاحيات استثنائية مستمدة من الإله، ووفقًا للرواية فإن جمشيد طاف في الأرض من شرقها إلى غربها محمولاً من قِبل الجن، على سرير ذهبي مرصَّع بالجواهر، حتى وصل إلى أذربيجان، وأمر بنصب عرش له.
وعندما جلس جمشيد عليه سطعت الشمس، وكان ذلك اليوم هو 21 مارس، أول يوم من أيام الربيع، ووقت حلول الشمس في برج الحمل؛ فاحتفل الناس، وأصبح ذلك اليوم عيداً من كل عام. وضمن الرواية الفارسية فإن لعيد النوروز رمزية؛ إذ يعتبر العيد انتصار النور على الظلام، والخير على الشر.

اقرأ أيضاً: الاحتفال برأس السنة الجديدة.. بدأ من بابل
أما الرواية الثانية فهي كردية ولها جانب ثوري؛ إذ تحكي قصة الشاب الحداد، كيخسرو، وكان يلقب بـ”كاوا الحداد”، قام بثورة ضد حاكم ظالم كان يُدعى أزدهاق (الضحاك)، لطالما قتل شباباً ظلماً.
تمكَّن كيخسرو من قتل الملك الضحاك، وبعدها صعد إلى الجبل وأشعل النار كإشارة منه إلى الناس، ومنذ ذلك الوقت، أصبح إشعال النيران في ليلة نوروز طقساً يدل على اليوم الجديد والحرية؛ فما زال الأكراد إلى اليوم يضيفون بعض المظاهر القومية إلى النوروز؛ لتأكيد هويتهم الذاتية والتاريخية، في مواجهة ما يتعرضون إليه من محو ثقافي.
زيارة مَن رحلوا
ولا يخص تقليد إشعال النار الشعب الكردي فقط؛ إذ إن شعوباً أخرى تحتفل بعيد النوروز وتشعل النيران في يوم الأربعاء الأخير قبل النوروز، ويُعرف ذلك اليوم بـ”جهارشنبه سور”؛ أي عيد النار، وهو مستمد بالأساس من الديانة الزرادشتية، وخلاله يقفز المحتفلون فوق النار، ويقرعون الأواني بالملاعق لطرد الحظ السيئ.

من ضمن الإجراءات التي تسبق العيد استعداداً له، أن المحتفلين يقومون بتنظيف المنزل بالكامل، ويتم إصلاح أو استبدال أي شيء مكسور، بمشاركة كل أفراد العائلة، كما يُزيَّن المنزل بالورود، ويشتري الناس ملابس جديدة، كل ذلك يرمز إلى الاستعداد للبداية الجيدة وزوال ما مضى، ومن ضمن مظاهر العيد الشائعة بين الإيرانيين تحديداً خلال أيام عيد النوروز، اللعب بالماء، في إشارة إلى التطهر.
اقرأ أيضاً: الاحتفال بالأطفال الصائمين أبرز طقوس المغاربة في شهر رمضان
ويمثل العيد للإيرانيين فرصة للقاء أحبائهم الذين رحلوا، إذ يزورون المقابر، كما يعتقدون أن أرواح أقاربهم وأحبائهم المتوفين، تزورهم خلال أيام العيد، لذلك يستقبلونهم خير استقبال، من خلال تحضير مائدة “هفت سين” المكونة من سبعة أطعمة كلها تبدأ بحرف السين، ولكل واحد منها دلالة.
وحسب الديانة الزرادشتية، فإن العيد يتضمن خمسة طقوس روحية؛ هي: دعاء الحب أو التسبيح (fringān)، وصلاة الـ((baj لمن يستحقون العبادة، وطقس “الياسنا”، الذي يشمل تقديم وشرب خمور مقدسة، إضافة إلى صلاة “فرافارتيجان” أو “فاروخشي”؛ إحياءً لذكرى الموتى، وأخيراً “الساتوم”؛ وهي صلوات تُتلى في الأعياد الجنائزية.
مائدة “هفت سين”
تعتبر مائدة “هفت سين” تقليداً جوهرياً من تقاليد عيد النوروز القديم، على الرغم من أن المائدة دخلت إلى قائمة تحضيرات العيد خلال القرن الماضي فقط.
وتتكون المائدة من سبعة أصناف؛ وهي سيركه (الخل)، في إشارة إلى النضج الذهني والسلوك الحكيم، وسنبلة (سنبل) وترمز إلى الطبيعة، وسكّه (عملة معدنية) كدليل على الثروة، وسبزه (الخضراوات) التي تشير إلى الحياة الجديدة، وسير (الثوم) وتدل على الصحة، و”سمنو” وهي حلوى إيرانية تقليدية وترمز إلى الوفرة، و”سنجد” وهي ثمرة برية تشبه العنَّاب وترمز إلى الحب والعطاء، ويمكن استبدال التفاح أو السُّماق بها.

وفي السابق كانت تتضمن مائدة “هفت سين” كتاب “آفيستا” المقدس لزرادشت، أما اليوم فتستبدل به العائلات المسلمة القرآن.
مر عيد النوروز بتحدٍّ مهم وانتصر فيه؛ فبعد أحداث عام 1979، حاول النظام الديني الجديد بقيادة الخميني محاربة الاحتفال بالعيد، كونه وثنياً! لكنه فشل، وفي عام 2009 حقق نوروز انتصاراً آخر، فقد أدرجت اليونسكو، الذراع الثقافية للأمم المتحدة، عيد النوروز ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، واليوم يحتفل به 300 مليون شخص في عدة دول حول العالم.