الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

عودة حركة طالبان الباكستانية بعد استعادة طالبان السلطة

كيوبوست – ترجمات

عبد الباسط*

في أعقاب استيلاء طالبان على أفغانستان في أغسطس الماضي، كثَّفت حركة طالبان الباكستانية من هجماتها ضد باكستان بشكلٍ كبير. تجدر الإشارة إلى أن حركة طالبان الباكستانية هي تكتل من الجماعات الجهادية المناهضة لباكستان التي تنشط داخل أفغانستان وخارجها. وعلى النقيض من التصورات (الخاطئة) بأن الانسحاب الأمريكي وعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان يشكِّلان انتصارًا استراتيجيًا لباكستان، فإن أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة تتحول إلى تحدٍ أمني أكبر لإسلام أباد.

في 16 فبراير، حثت باكستان الأمم المتحدة على المساعدة في وقف الهجمات (الإرهابية) من أفغانستان. وبالمثل، في 21 فبراير، أعرب مبعوث باكستان إلى أفغانستان منصور أحمد خان عن قلقه إزاء وجود جماعات إرهابية أجنبية في الدولة. وقد أدى النزاع حول حركة طالبان الباكستانية ومعارضة طالبان للسياج الحدودي الباكستاني-الأفغاني، المعروف أيضا باسم خط دوراند، إلى توتراتٍ بين باكستان وأفغانستان.

اقرأ أيضًا:  صعود حركة طالبان الباكستانية الجديدة

وفي ظلِّ نظام طالبان، تتمتع حركة طالبان الباكستانية بقدرٍ أكبر من الحرية العملياتية للتخطيط للهجمات ضد باكستان وتنفيذها. كما تشير مقاطع الفيديو، المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، الخاصة بإطلاق قناصة حركة طالبان الباكستانية ليلًا النار على القوات الباكستانية إلى تحسن قدراتها العملياتية. لا تستخدم حركة طالبان الباكستانية مدافع رشاشة M16 وبنادق هجومية M4 مزودة بتلسكوبات للرؤية الليلية فحسب، بل تقوم أيضًا بتصوير لقطات الفيديو باستخدام كاميرات الأشعة تحت الحمراء. وعلى الأرجح، تستخدم حركة طالبان باكستان الأسلحة التي تركتها القوات الأمريكية في أفغانستان. وقد أتاح توقف ضربات الطائرات بدون طيار الأمريكية بزيادة القوة التنظيمية لحركة طالبان باكستان.

العلاقات بين طالبان الأفغانية والباكستانية

على الرغم من احتجاجات باكستان ومطالبها بأن تحد طالبان من عمليات حركة طالبان الباكستانية، فإن طالبان لم تلتزم بذلك، واصفة الأمر بأنه شأن داخلي لباكستان. وكانت تأكيدات طالبان لإسلام أباد عبارة عن كلام مكرر وعام إلى حدٍّ ما، مثل عدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية في شنِّ هجماتٍ إرهابية ضد أي بلد آخر. وبدلًا من العمل ضد حركة طالبان باكستان، تحاول شبكة حقاني التابعة لطالبان التوسط في اتفاق سلام بين حركة طالبان الباكستانية وباكستان.

قادة جماعة دينية باكستانية في كويتا يوزعون الحلوى احتفالاً باستيلاء “طالبان” على الأراضي الأفغانية 2021- “أسوشييتد برس”

وفي نوفمبر الماضي، توصل الجانبان إلى وقفٍ لإطلاق النار لمدة شهر واحد لتمهيد الطريق لاتفاق سلام أوسع نطاقًا. بيد أنه بسبب انعدام الثقة المتبادل والعداء والادعاءات بانتهاكات وقف إطلاق النار، لم تمدد حركة طالبان باكستان الهدنة واستأنفت هجماتها ضد باكستان. وفي الوقت الحاضر، تجري محاولة أخرى لتحريك محادثات السلام. وأفرجت باكستان عن نحو ستة وأربعين مسلحًا من حركة طالبان باكستان كتنازل، في حين قلصت الجماعة الإرهابية هجماتها في المقابل.

الجدير بالذكر أن لدى طالبان روابط عرقية وأيديولوجية وسياسية عميقة مع حركة طالبان باكستان، ولن تتخلى عنها أبدًا لصالح الدولة الباكستانية. وبعد أحداث 11 سبتمبر، وفَّرت حركة طالبان باكستان المأوى لقادة ومقاتلي طالبان الفارين في منطقة المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سابقًا، التي اندمجت الآن مع إقليم خيبر بختونخوا، وساعدت في إحياء تمردهم في أفغانستان. وكانت حركة طالبان باكستان أول جماعة جهادية تهنئ طالبان على انتصارها في أغسطس الماضي، وجددت قسم الولاء لها. تنتمي كل من طالبان وحركة طالبان باكستان إلى الطائفة الديوباندية، وهي طائفة فرعية من المذهب الفقهي السني الحنفي.

اقرأ أيضًا: تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية: بعد عودة طالبان

وبالمثل، فإن كليهما من عرقيات البشتون، على الرغم من وجود بعض الأعراق غير البشتونية بين صفوفهما، ويعارضان الاعتراف بالحدود الباكستانية الأفغانية، ناهيك عن إنفاذها. معارضة الحدود الباكستانية-الأفغانية هي الدعامة الأساسية للقومية البشتونية، ولا يمكن لأي جماعة تدعي أنها قومية من البشتون أن تتغاضى عن السياج. ولا يعترف نظام طالبان بخط دوراند كحدودٍ معترف بها دوليًا للسبب نفسه. وتوفِّر حركة طالبان باكستان لطالبان أفغانستان، التي تضع نفسها الآن في موقعٍ يسمح لأعضائها بأن يطلقوا على أنفسهم القوميين البشتون، لكسب تعاطف مجتمع البشتون في أفغانستان، نفوذًا هائلًا ضد باكستان. ولا ترغب طالبان في فقدان هذا النفوذ.

عودة طالبان-باكستان

بعد تعرض طالبان باكستان لانتكاساتٍ عدة بين عامي 2014 و2019 ، بسبب عمليات مكافحة الإرهاب الفعّالة التي قام بها الجيش الباكستاني مثل Zarb-e-Azb (ضربة الغضب) و Radd-ul-Fasad (القضاء على الفتنة)، ما أدّى إلى نزاعاتٍ على القيادة والانقسامات، بدأت الحركة في التعافي تحت قيادة زعيمها الحالي نور والي محسود في عام 2020.

الزعيم السابق لحركة طالبان باكستان (في الوسط) مولانا فضل الله الذي قُتل في هجوم أمريكي بطائرة مسيرة على الحدود الباكستانية- الأفغانية- “راديو أوروبا الحرة”

وأدخل نور والي مدونة سلوك داخل حركة طالبان باكستان لفرض النظام على كوادرها، وتواصل مع الفصائل المنشقة لإعادة الانضمام. ونتيجة لذلك، جدَّد أكثر من أحد عشر فصيلًا مسلحًا قسم الولاء لنور والي، بما في ذلك جماعة الأحرار، وحزب الأحرار. ووفقًا لتقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، سهّل تنظيم القاعدة عمليات الاندماج هذه.

كانت عمليات إعادة التوحيد هذه جزءًا من استراتيجية حركة طالبان باكستان للعودة لسابق نشاطها بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. في عام 2007، عندما أنشئت حركة طالبان باكستان، كان الغزو الأمريكي لأفغانستان، وتعاون باكستان في مكافحة الإرهاب، مثل الدعم اللوجستي والتعاون الاستخباراتي والقواعد العسكرية، المبرر الرئيس لإنشاء الجماعة الإرهابية. وأنهى الانسحاب الأمريكي تدخلها في أفغانستان، والتعاون في مكافحة الإرهاب مع باكستان أيضًا. لذلك، احتاجت حركة طالبان باكستان إلى تماسك تنظيمي وسرد أيديولوجي جديد لمواصلة نزعتها العسكرية الجهادية.

السرد الأيديولوجي الذي يتمحور حول البشتون الذي تركز عليه حركة طالبان باكستان

عدّلت حركة طالبان باكستان، التي تعافت مجددًا، روايتها الأيديولوجية لتبرير هجماتها العنيفة ضد باكستان بعد الانسحاب الأمريكي. ويشمل جزء من هذه التعديلات استراتيجية استهداف انتقائية حولت التركيز من العنف العشوائي إلى العنف الأكثر تمييزًا، مستهدفة فقط أفراد قوات الأمن الباكستانية. وعلى نحوٍ مماثل، أصبح خطاب حركة طالبان باكستان مركزًا على باكستان ومتمحورًا حول البشتون لإظهار نفسها كجماعةٍ مسلحة محلية.

اقرأ أيضًا: متطرفون ضد متطرفين.. هل تنجح حملة “طالبان” ضد تنظيم الدولة الإسلامية؟

وقد أثرت استراتيجية طالبان الأفغانية المتمحورة حول أفغانستان على توطين حركة طالبان الباكستانية، خاصة بعد أن بدا أن هذه الاستراتيجية أكسبتها انتصارًا في أفغانستان. وأصبحت جهود حركة طالبان باكستان لصبغ نضالها المسلح بالصبغة المحلية واضحًا بشكلٍ متزايد في أعقاب هجوم إرهابي على مشروع داسو للطاقة الكهرومائية في منطقة كوهيستان في خيبر بختونخوا في أغسطس الماضي، ما أسفر عن مقتل تسعة عمال صينيين. ونفت حركة طالبان باكستان تورطها في الهجوم وأوضحت للصين أن نضال الجماعة الإرهابية كان ضد باكستان من أجل تطبيق نظام الشريعة الإسلامية في الدولة، وليس ضد بكين.

وبالمثل، يشير التحليل الدقيق للبيانات التي تصدرها حركة طالبان باكستان الأخيرة إلى استخدام لغة عرقية حادة في تبرير هجماتها. على سبيل المثال، في مقابلته مع شبكة “سي إن إن” في يوليو 2021، صاغ نور والي نضال حركة طالبان بعبارات عرقية-انفصالية من خلال التعهد بإنشاء وطن منفصل للبشتون، حيث سيتم تطبيق نظام الشريعة على غرار طالبان. وتنتقل حركة طالبان باكستان بسهولة بين الإسلاموية والقومية البشتونية لتبرير عملياتها.

جندي باكستاني يقف في مواجهة السياج الحدودي مع أفغانستان في منطقة شمال وزيرستان- “راديو أوروبا الحرة”

وتتمثل الركيزة الأساسية لرسائل حركة طالبان الباكستانية في معارضتها للسياج الحدودي بين باكستان وأفغانستان. ومثل غيرهم من القوميين البشتون، تعتبر حركة طالبان باكستان خط دوراند فرضًا استعماريًا بريطانيًا غير شرعي تسبب في انقسام مجتمع البشتون. وتعارض حركة طالبان باكستان أيضًا دمج منطقة المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية سابقًا مع إقليم خيبر بختونخوا ووجود القوات الباكستانية في المنطقة. وقد أضيف إلغاء اندماج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية السابقة، مع خيبر بختونخوا وانسحاب القوات الباكستانية من المنطقة، إلى إلغاء خط دوراند كأهداف للنزعة العسكرية المحلية لحركة طالبان باكستان. ودعمًا لهذه الرواية بالعمل الحركي، نفَّذت الحركة هجماتٍ عدة على أفراد الأمن الباكستانيين المتمركزين على الحدود الباكستانية-الأفغانية.

النأي عن القاعدة وإدانة داعش-خراسان

إلى جانب إضفاء الطابع المحلي على روايتها الأيديولوجية، بدأت حركة طالبان باكستان أيضًا في النأي بنفسها عن الجماعات الجهادية العالمية، مثل تنظيم القاعدة وداعش-خراسان. وفي حين أن علاقات القاعدة وحركة طالبان باكستان طويلة الأمد وموثقة جيدًا، فقد خرج داعش-خراسان من رحم حركة طالبان باكستان في يناير 2015. وانشق فصيلان من حركة طالبان باكستان، من منطقتي أوراكزاي وباجور القبليتين، وانضما إلى تنظيم داعش، وتعهدا بالولاء لأبي بكر البغدادي.

اقرأ أيضاً: داعش” يبعث برسائل مغلفة بالنار ليرسم شروطه بعد الانسحاب الأمريكي

في يوليو 2020، انتقدت طالبان باكستان بشدة داعش-خراسان، بينما ندَّدت بأي صلات مع الإرهاب بعد بعض التقارير التي أشارت إلى أنه بعد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، يمكن لمقاتلي طالبان باكستان الانضمام إلى داعش-خراسان، ووصفت حركة طالبان باكستان ادعاءات داعش-خراسان حول الخلافة بأنها زائفة، لأنها لا تفي بالمعايير المنصوص عليها في الإسلام.

وبالمثل، نفت حركة طالبان باكستان، في بيانٍ صدر في فبراير 2021، أي صلات لها بتنظيم القاعدة، بينما كررت مجددًا كفاحها المحلي الذي يركز على باكستان. ودحضت حركة طالبان باكستان بشدة تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أشار إلى دور القاعدة كوسيط في إعادة توحيد حركة طالبان باكستان. وأكدت أن عمليات الاندماج كانت مسألة داخلية بحتة للحركة، ولم يشارك أي طرف خارجي فيها. كما نفت بشدة وجود صلات لها بتنظيم القاعدة لتجنب استهدافها في الضربات الأمريكية المحتملة، ضمن ما يعرف باسم “استراتيجية ما وراء الأفق لمكافحة الإرهاب” (OTH-CT) في المستقبل. تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تبحث عن قاعدة عسكرية في المنطقة لتنفيذ عملياتها في أفغانستان بفعالية.

الشيخ أبو عمر مقبول المتحدث السابق باسم “طالبان” الباكستانية يتعهد بالولاء لـ”داعش” في مقطع فيديو- الدولة الإسلامية- “الغارديان”

وباختصار، فإن الجهود التي تبذلها حركة طالبان باكستان لتغيير صورتها والظهور كجماعة محلية مع إنكار صلاتها بتنظيم القاعدة وداعش-خراسان هي جزء من استراتيجيتها للبقاء. ويبدو أنها تتبع قواعد اللعبة التي تتبعها طالبان الأفغانية: فقد قللت طالبان علنًا أيضًا من شأن علاقاتها مع تنظيم القاعدة.

الخلاصة

تشكّل حركة طالبان باكستان تهديدًا طويل الأمد للأمن الداخلي الباكستاني من مخابئها الأفغانية. وقد استعادت الحركةُ القدرةَ على تنفيذ هجماتٍ بارزة في باكستان. إن الجهود التي تبذلها باكستان لإبرام اتفاق سلام مع حركة طالبان الباكستانية أو إقناع طالبان الأفغانية باتخاذ إجراءات ضد هذه الأخيرة ستكون بلا جدوى. وسيتعين على باكستان أن تعيد تقييم سياستها الأفغانية الحالية، إذا كانت تريد حلًا فعالًا للمشكلات الإرهابية التي تواجهها. وما دامت هناك بيئة مواتية لنمو الإرهاب في المنطقة، فإن الإرهاب سيستمر، وسيظل يمثِّل تهديدًا بشكلٍ أو بآخر. ذلك أنه لا يمكن القضاء على جماعةٍ إرهابية أو إضعافها بمعزل عن الأخرى.


* باحث في كلية س. راجاراتنام للدراسات الدولية، سنغافورة، حيث يركز على التطرف الديني والجماعات المسلحة في جنوب آسيا. يمكن متابعته على تويتر: @basitresearcher

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة