الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

عواقب الغزو!

احتمال تغيير الصراع على جزيرة تايوان للتوازن العسكري في المنطقة سيجبر واشنطن على مواجهة الخيارات الصعبة

كيوبوست- ترجمات

بريندن غرين♦

أعادت الزيارة المثيرة للجدل التي قامت بها نانسي بيلوسي إلى تايوان قضية هذه الجزيرة إلى واجهة الأحداث العالمية، مع تزايد المخاوف من رد الفعل الصيني على هذه الزيارة. مجلة “فورين أفيرز” تناولت هذه القضية في مقالٍ مطول، كتبه أستاذ العلوم السياسية في جامعة سينسيناتي بريندن غرين، يبحث في عواقب إقدام الصين على غزو تايوان.

افتتح غرين مقاله بالإشارة إلى أن مسألة تايوان تأتي على رأس القضايا التي يمكن أن تشعل حرباً بين الولايات المتحدة والصين؛ نظراً لأهميتها العسكرية الاستراتيجية، سواء للدفاع عن اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية ضد أي هجوم صيني محتمل، أو بالنسبة للصين؛ التي ستحسن موقفها العسكري كثيراً، وتعزز قدرتها على تهديد ممرات الشحن البحري في شمال شرق آسيا في حال سيطرتها على الجزيرة.

أثارت زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان، مخاوف عالمية- وكالات

لكن المشكلة لا تكمن -فقط- في أن القيمة العسكرية لتايوان تشكل تحدياً لأية استراتيجية أمريكية كبرى، فبغض النظر عما تفعله واشنطن، فإنها سوف تُضطر إلى المجازفة، وتحمل التكاليف في مواجهتها مع بكين، وهي لا تملك إلا عدداً قليلاً من الخيارات الجيدة، والكثير من الخيارات السيئة التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة.

يمكن للهجوم الصيني على تايوان أن يغير موازين القوة العسكرية في آسيا، بشكلٍ كبير. فإذا ما تمكنت الصين من الاستيلاء على الجزيرة بسرعة؛ فإنها ستتمكن من توجيه قواتها نحو أهدافٍ عسكرية أخرى، وستستفيد من الأصول العسكرية والاقتصادية لتايوان؛ لتعزيز قوتها.

ولكن إذا ما وجدت الصين نفسها غارقة في حربٍ طويلة أو احتلال طويل الأمد؛ فإن محاولة التوحيد القسري ستشكل عبئاً كبيراً على بكين.

اقرأ أيضاً: لماذا تعتبر زيارة بيلوسي إلى تايوان تهوراً؟

وفي محاولةٍ لاستشراف السيناريوهات المستقبلية للمنطقة، يرى غرين أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو قيام الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها، فيما يعرف بسلسلةِ الجزر الأولى قبالة البر الآسيوي، والتي تبدأ من شمال اليابان، وتمتد حتى جنوب غرب تايوان والفلبين، قبل أن تتجه نحو فيتنام.

وستكون العمليات البحرية الأمريكية في هذه المياه حيوية في الدفاع عن اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية؛ لأن القوة الصاروخية الصينية سوف تهدد المطارات الأرضية الإقليمية، وستجبر الولايات المتحدة على الاعتماد على الطائرات والصواريخ التي يتم إطلاقها من السفن.

وإذا ما اندلعت الحرب في المحيط الهادي اليوم؛ فإن قدرة الصين على شنِّ هجماتٍ بعيدة المدى ستكون محدودة، بعد أن تدمر الصواريخ الأمريكية الرادارات الكبيرة الموجودة في البر الصيني الرئيسي. ولكن إذا ما تمكنت الصين من الاستيلاء على تايوان؛ فإن الوضع سيكون مختلفاً تماماً، إذ ستتمكن الصين من زرع ميكروفونات تنصت في المياه العميقة قبالة الساحل الشرقي للجزيرة؛ تمكنها من رصد الأصوات منخفضة التردد للسفن الأمريكية على بعد آلاف الأميال، وتحديد مواقعها بدقة واستهدافها بالصواريخ، الأمر الذي سيجبر السفن الأمريكية على العمل خارج نطاق هذه الميكروفونات أو تحمل مخاطر كبيرة من جرائها.

تتمتع تايوان بأهمية عسكرية كبيرة نظراً لموقعها الجغرافي- فورين أفيرز

وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة تدمير هذه الميكروفونات؛ لأن الصين ستكون قادرة على الدفاع عنها بمختلف الوسائل بما فيها الألغام، وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من إتلاف الكابلات المائية الصينية؛ فإن سفن الإصلاح الصينية ستكون قادرة على إصلاحها تحت غطاء الدفاعات الجوية الموجودة على الجزيرة. كما أن الصين ستكون قادرة على إخفاء مراكز معالجة البيانات الواردة من هذه الميكروفونات في مبانٍ عادية، يصعب تحديدها واستهدافها.

وإذا ما سيطرت الصين على تايوان؛ فإن غواصاتها ستكون قادرة على التسلل بحرية من المياه الشرقية العميقة في الجزيرة إلى بحر الفلبين، متجاوزة نقاط الاختناق، حيث يمكن أن ترصدها طائرات التجسس الأمريكية.

كما أن الدفاعات الجوية الصينية على الجزيرة ستمنع الولايات المتحدة، وحلفاءها، من استخدام طائرات الدورية البحرية لتعقب الغواصات؛ مما سيسهل عليها أن تستهدف السفن الحربية الأمريكية بشكلٍ مباشر.

اقرأ أيضاً: هنري كيسنجر: لا ينبغي لتايوان أن تكون في قلب المفاوضات بين الصين وأمريكا

وبمرور الوقت، يمكن أن يوفر استيلاء الصين على تايوان مزايا عسكرية في غاية الأهمية للصين، إذا ما أرادت أن تستثمر أسطولها في هجوم نووي تشنه الغواصات الصينية المنطلقة من الساحل الشرقي لتايوان، التي ستتمكن من الإفلات من الميكروفونات الأمريكية المزروعة عند مخارج سلسلة الجزر الأولى، والوصول إلى المحيط المفتوح، الأمر الذي سيتيح للصين إمكانية تهديد الأراضي الأمريكية جدياً. ولكن هذا الأمر يبقى رهناً بقدرة الصين على تجاوز المشكلات الفنية التي ابتليت بها غواصاتها العاملة بالطاقة النووية.

مقاتلات تايوانية تحلق فوق تايبيه- فورين أفيرز

من الواضح أن الفهم الكامل للأهمية العسكرية لتايوان يعزِّز الحاجة لإبقائها في أيدٍ صديقة، ولكن هذا الأمر يعتمد بشكلٍ رئيسي على الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها الولايات المتحدة في آسيا. فإذا ما حافظت الولايات المتحدة على استراتيجيتها الحالية لاحتواء الصين، والاحتفاظ بشبكة تحالفاتها ووجودها العسكري في المنطقة، فإن الدفاع عن تايوان سيكون مكلفاً للغاية. وإذا ما تخلت واشنطن عن سياسة الغموض الاستراتيجي، وأعلنت عن التزامٍ واضح وصريح بالدفاع عن تايوان، فسيكون ذلك دافعاً لسباق تسلح جديد في المنطقة، والمزيد من التوترات فيها.

بدلاً من ذلك، فقد تلجأ الولايات المتحدة إلى التخلي عن التزاماتها تجاه تايوان، مع الاحتفاظ بتحالفاتها وبعض قواتها في المنطقة، وهذا الخيار سيقلِّل من احتمال نشوب نزاع على تايوان، ولكنه سيثير قلق حلفاء واشنطن، ويدفعهم للمطالبة بالتزامٍ أمريكي أكبر بالدفاع عنهم، وبنشر المزيد من قواتها في المنطقة بما في ذلك الأسلحة النووية.

ويتمثل الخيار الثالث، الذي يطرحه غرين في أن تنهي واشنطن التزاماتها تجاه تايوان، وتقلِّل كثيراً من وجودها العسكري في آسيا، ومن التزاماتها تجاه حلفائها في شرق آسيا. ولكن في هذه الحالة، فإن القيمة العسكرية التي ستكسبها الصين من استيلائها على تايوان سوف تثير مخوف دول المنطقة، وربما تدفع اليابان إلى الدفاع عن تايوان إذا ما تخلت الولايات المتحدة عنها.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تخسر الولايات المتحدة حرباً ضد الصين بسبب تايوان؟

وستكون النتيجةُ حربَ قوى كبرى في آسيا، ربما ستجر الولايات المتحدة إليها طواعية أو رغماً عنها. ومثل هذه الحرب ستكون مدمرة.

ويخلص غرين، في نهاية مقاله، إلى أن الأهمية العسكرية الكبرى لتايوان تطرح مشكلاتٍ جدية للاستراتيجيات الأمريكية الثلاث في المنطقة. وأياً كان الخيار الأمريكي، فإن احتمال تغيير الجزيرة للتوازن العسكري سيجبر واشنطن على مواجهة الخيارات الصعبة.

هذه هي الطبيعة الخطيرة للمشكلة التي تفرضها تايوان التي تقع في صميم العلاقة بين واشنطن وبكين، وفي صميم الجغرافيا السياسية، والتوازن العسكري في آسيا.

♦أستاذ مساعد في كلية العلوم السياسية، في جامعة سينسيناتي.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة