الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
عن دينا سانيشار.. كارل سيفر يروي القصة المأساوية لـ”فتى الأدغال”
"لم يتعلم سانيشار كيف يكون إنساناً؛ لكن قصته ما زالت تؤثر في البشر، وتعلِّمنا أنه حتى الوحوش لديها القدرة على تعليم الآخرين الحضارة وجعل العالم مكاناً أفضل".

كيوبوست- ترجمات
كارل سيفر
إذا كنت من محبي رواية “كتاب الأدغال” عليك أن تقرأ قصة دينا سانيشار، الذي ولد في أدغال الهند وعاش حياته بين الحيوانات. كان سانيشار مصدر إلهام الروائي روديارد كيبلينغ، في كتابة قصته الشهيرة. لكنَّ كثيرين لا يعرفون قصة دينا سانيشار المأساوية.
في عام 1867 كانت مجموعة من الصيادين المحليين تتعقب ذئباً في أدغال ولاية أوتار براديش الهندية، عندما قادهم الذئب إلى كهف صغير؛ حيث وجدوا صبياً عارياً غير قادر على التفاهم معهم، وأيقنوا أنه كان طفلاً وحشياً قامت الذئاب بتربيته. لم يكن هذا الطفل حالة فريدة في الهند، فهنالك أطفال ربتهم نمور وكلاب وحتى غزلان. وكانت السمة المشتركة بين كل هؤلاء هي عدم استطاعتهم المشي على قدمَين.
اقرأ أيضًا: “لأن العالَم في ورطة”.. عالِم الطبيعة ديفيد أتينبرو ينضم إلى “إنستغرام”
أخذ الصيادون الطفل إلى قريتهم ومنها إلى دار سيكاندرا ميشن للأيتام في مدينة أجرا، وهناك أطلق القائمون على الدار اسم سانيشار على الطفل، ويعني “يوم السبت”، وهو يوم العثور عليه.
وعلى الرغم من أن سانيشار حصل على اسم وبيت؛ فإن دار الأيتام لم تكن المكان الأفضل بالنسبة إليه. حاول القائمون على الدار قصارى جهدهم للعناية به؛ ولكنهم لم يتمكنوا قط من التواصل معه بالشكل الصحيح.
لاحظ الأب إرهارت، رئيس دار الأيتام، أن سانيشار يظهر بعض علامات الذكاء والتفكير النقدي؛ ولكنَّ العاملين في الدار لم يكونوا قادرين على الاهتمام بحاجاته الجسدية أو دمجه في المجتمع الحضري.
كانت تربيته في الغابة هي المصدر الوحيد للحضارة التي كان يراها منطقية. وكثيراً ما كان يعوي مثل الذئاب، ولم يكن يُظهِر أي ارتباط بالبشر من حوله، ولم يكن يتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة أو المنخفضة.

كان سانيشار يأكل اللحم فقط، ويحاول أن يمضغ العظام مثل الذئاب. ولم يكن قادراً على الحديث على الرغم من محاولات القائمين على الدار تأهيله. ومع تقدمه في السن بدأ بإظهار بعض السلوكيات الشبيهة بالبشر، وتعلم كيفية استخدام الحمام، وتناول الطعام بالشكل الصحيح، وارتداء الملابس، والسير على قدمَين، بل وحتى ارتداء الأحذية. ولكنه لم يتعلم قط اللغة البشرية واستمر بالعواء، إلا أنه طور إحساساً بالفهم وأصبح بإمكانه أن يتواصل مع القائمين على الدار بطريقته الخاصة.
لم يستطع سانيشار تحقيق تقدم كبير في التواصل رغم جهود القائمين على الدار، إلا أن الفتى الذئب قام ببناء صداقة مع فتى أدغال آخر كان يتشارك معه الكثير من القواسم المشتركة؛ فكثيراً ما كان الطفلان يلعبان معاً، وكان واضحاً أن سانيشار كان يشعر براحة أكبر مع أطفال الأدغال. ولم يتغير هذا الأمر حتى مع تقدمه في السن.

بعد نحو عشرين عاماً في دار الأيتام، تمكن دينا سانيشار من تحقيق تقدم بسيط في تحوله إلى السلوك الإنساني. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أنه كان يأكل من الطبق؛ فإنه كان يشم رائحة الطعام قبل تناوله، وكان يرغب في اللحوم النيئة أكثر من أي شيء آخر.
ولسوء حظه؛ لم يكن ارتداء الملابس والسير على قدمَين هما السمتَين البشريتَين الوحيدتَين اللتين اكتسبهما فقط، فقد تعلم أثناء وجوده في دار الأيتام تدخين السجائر، ربما لأنه ظن أن التدخين قد يجعله أكثر إنسانية؛ لكن الإفراط في التدخين ترك أثراً سيئاً على صحة سانيشار الذي أُصيب بالسل، مما أدى إلى وفاته في عام 1895 عن عمر يناهز 34 عاماً.
كان دينا سانيشار شخصية فريدة، نشأ على أيدي الذئاب وقضى طفولته بينها في الغابة، وعندما أخذه الصيادون إلى المدينة لم يتعلم قط كيف يكون إنساناً. وفي كثير من النواحي كان ذئباً أكثر من كونه إنساناً.
تؤكد قصة دينا، بلا شك، أن الحضارة تأتي بالتعلم وليس بالغريزة؛ إذ يمكنك أن تخرج الصبي من الغابة، ولكنك لا تستطيع أن تخرج الغابة من الصبي.
لم يتعلم سانيشار كيف يكون إنساناً، لكن قصته ما زالت تؤثر في البشر. تعلِّمنا قصته أنه حتى الوحوش لديها القدرة على تعليم الآخرين الحضارة وجعل العالم مكاناً أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، تدفعنا قصة دينا إلى التفكير عما يعنيه أن نكون بشراً، ما الذي جعل هؤلاء الأطفال متوحشين؟ وهل التوحش متأصل في الطبيعة البشرية أم هو أمر مكتسب بالتعلم؟
قصة دينا تعطينا سبباً آخر للنظر في إخفاقات المجتمع والتساؤل حول كيفية تربية أطفالنا؛ هل نفعل ما يكفي لتعليمهم الحضارة؟ أم أننا نربيهم بطريقة تجعلهم أقرب إلى الوحشية؟
المصدر: هيستوري ديفايند