الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
عناصر جماعة الإخوان.. ثورة مضادة كامنة في مفاصل الدولة السودانية
سياسة التمكين كانت نهجاً للإخوان المسلمين عندما كانوا يمسكون بزمام السلطة في السودان.. واجتثاثهم يبدو شبه مستحيل في الوقت الراهن

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
يعتقد معظم السودانيين أن الإخوان المسلمين لا يزالون كامنين في أجهزة الدولة الحساسة والمهمة؛ خصوصاً الأمنية والعدلية، ويقودون من خلالها ثورة مضادة للانقلاب على الوضع الجديد الذي خلفته ثورة سبتمبر الشعبية.
ويُحاجج هؤلاء بأن جُلَّ الأزمات الأمنية والاقتصادية، والصراعات العرقية التي انتظمت البلاد بعد الثورة، ولا تزال ماثلة، هي من صنع فلول نظام الإخوان السابق، الذين يهيمنون على مفاصل الاقتصاد، ويديرون الأجهزة الأمنية، بينما تقف الحكومة عاجزةً وشبه مشلولة إزاء إزاحتهم؛ لما يجدونه من دعم من قادة الجيش (المكون العسكري) في مجلس السيادة.
اقرأ أيضاً: بعد سيطرة الإخوان وزعماء القبائل.. هل يصبح شرق السودان مقراً للجماعات الإرهابية؟
ومعلوم بالضرورة السياسية في السودان، أن جماعة الإخوان عمَدَت منذ انقلابها على الحكومة الديمقراطية في يونيو عام 1989، إلى تطبيق ما أطلقت عليها (سياسة التمكين)؛ حيث تورطت الجماعة في تصفية الخدمة المدنية، والأجهزة الأمنية والجيش من غير الموالين لها، وقامت بعملية إحلال لكوادرها مكانهم؛ حتى تتمكن من تحقيق نظام حكم سلطوي استبدادي قمعي.

ولم تكتفِ حكومة البشير/ الترابي بذلك؛ بل قامت بشنِّ حرب شعواء على رجال المال والأعمال التقليديين؛ وأطاحت بهم من المشهد الاقتصادي، وكرست موالين لها؛ عبر دعمهم من أموال الدولة، وتسخير المصارف لخدمتهم، وتقديم تسهيلات جمركية وإعفاءات من الضرائب لصالحهم؛ حتى أصبح فضاء التجارة والاقتصاد والأعمال خالياً إلا من الموالين للجماعة.
سياسة التمكين

هكذا كانت سياسة التمكين الإخوانية، يقول مصدر رفيع من لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة، التي أنشأتها الحكومة الانتقالية أواخر 2019، لـ(كيوبوست)، طالباً حجب اسمه لأسبابٍ تتعلق بطبيعة عمله؛ حيث أفرزت أوضاعاً شاذة ومشوهة على مدار ثلاثين عاماً من حكمهم؛ لذلك صار من الصعوبة بمكان على الحكومة الانتقالية القضاء على وجودهم في مفاصل الدولة قضاء مبرماً، وإلا لانهار كل شيء؛ فبعض قادة الجيش والأجهزة الأمنية الكبار، الذين وقَّعوا الوثيقة الدستورية التي تُدار بموجبها المرحلة الانتقالية، ينتمون إلى جماعة الإخوان أو متعاطفون معها، وقادة حركة العدل والمساواة المتمردة، التي وقعت اتفاقية جوبا للسلام، مع الحكومة الانتقالية، ينتمون إلى نفس الجماعة، هؤلاء يمثلون الجماعة داخل السلطة الانتقالية، ويعملون على عرقلة عمل لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد؛ خصوصاً أن طيفاً منهم يهيمن أيضاً على النيابة العامة والجهاز القضائي، لذلك فمهمة لجنة تفكيك النظام السابق وإزالة التمكين الإخواني شاقة جداً/ وتحتاج إلى المزيد من الدعم السياسي والشعبي.
اقرأ أيضاً: السودان في ذكرى الانقلاب.. 30 عاماً من الفساد والإرهاب بسبب الإخوان
الخلايا الإخوانية.. قيد العمل

محرر التحقيقات الاستقصائية بيومية “الحداثة” السودانية، محمد فضل السيد، أكد لـ”كيوبوست” أن عناصر إخوانية موالية لنظام المخلوع عمر البشير، كامنة في الأجهزة الأمنية والعدلية، لا تزال نافذة وقوية ومدعومة من أطراف معروفة في الحكومة الانتقالية، وتعمل بدأب ليل نهار لإجهاض العدالة، وطمس الحقائق والأدلة المتعلقة بقتل الثوار في ما عُرف بمجزرة القيادة التي صاحبت عملية فض الاعتصام الشعبي في 3 يونيو 2019، حينما اقتحمت مفارز تابعة للمجلس العسكري وقوات الدعم السريع، ساحةَ الاعتصام وقتلت المئات بدمٍ بارد، بينما لا تزال التحقيقات بشأن المجزرة ساكنة لا تتحرك، كما تتكدس مئات الجثامين في مشارح المستشفيات؛ حيث تم التخلص من بعضها بدفنها خارج السياقات الطبية والإجراءات القانونية.
يضيف فضل السيد، في حديثه إلى “كيوبوست”: حتى الآن، لم تنتهِ محاكمة الرئيس المخلوع وزمرته من المتهمين بتدبير وتنفيذ انقلاب جماعة الإخوان عام 1989، كما تتباطأ الحكومة الانتقالية في تسليم المطلوبين منهم لدى المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن عمليات التهريب لعناصر إخوانية إلى خارج البلاد؛ خصوصاً إلى تركيا وقطر.

ويشير فضل السيد، في معرض إفادته، إلى أن لجنة تفكيك النظام السابق، وإزالة تمكين جماعة الإخوان، تمكنت، الثلاثاء الماضي، 3 أغسطس الجاري، من القبض على مدير الإعلام والناطق الرسمي السابق باسم جهاز أمن جماعة الإخوان، اللواء الشاذلي المادح، بتهمة تورطه في إدارة مئات الصفحات المزيفة، وتلفيق الشائعات والأكاذيب لزعزعة الاستقرار، ويضيف: إن الجماعة تمول الآن الكثيرَ من الصحف والمواقع الإلكترونية؛ من أجل ضرب المرحلة الانتقالية وإطاحتها.
ملعب استراتيجي

بالنسبة إلى أفراح تاج الختم؛ صحفية ومحللة سياسية، فإن الأجهزة العدلية والأمنية تُعتبر ملعباً استراتيجياً للجماعة؛ إذ لا تزال تسيطر عليه بشكل ما؛ يبدو أنه ناتج عن دعم جهة نافذة في الحكومة الانتقالية، يُرجح أنها عسكرية، (قادة الجيش) في مجلس السيادة، حسب تعبيرها.
اقرأ أيضاً: السودان يطارد فلول الإخوان في الخارج.. فهل ينجح؟
وتلخص تاج الختم فكرتها بأن ما يحدث في هذه الأجهزة لا يمكن نسبته إلى الصدفة المحضة، وما تمرد هيئة العمليات، الذراع المسلحة لجهاز الأمن التابع لحكومة الإخوان الماضية، على الحكومة الانتقالية في يناير 2020، إلا دليل واضح على عمق تمكن الجماعة من الأجهزة الأمنية، فرغم أن قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، وصف هذا التمرد بالانقلاب، واتهم رئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق، صلاح قوش، الهارب خارج السودان، بالوقوف وراءه، ورغم أن العملية الانقلابية باءت بالفشل؛ فإنه لا أحد من السودانيين سمع حتى الآن بمحاكمة علنية لمَن اقترفوا هذا الانقلاب؛ هذا دليل واضح على تواطؤ الأجهزة العدلية، بما فيها القضاء العسكري، في ما يجري من مؤامرات لإجهاض الثورة، وإعادة جماعة الإخوان إلى السلطة بشكل نهائي وقطعي، إلا أن ذلك، وفقاً لتاج الختم، دونه خرط القتاد، ولا عودة إلى الوراء مرة أخرى؛ خصوصاً من خلال جماعة الإخوان التي لفظها الشعب السوداني مرة وإلى الأبد، وهو قادر على منعها والحيلولة دون عودتها إلى الحكم، ومستعد لمناهضتها حتى لو أدَّى ذلك إلى سفك مزيد من الدماء، على حد قولها.