الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

على طريقة الذئب المحارب.. الدبلوماسيون الصينيون مستعدون لقتال الخصوم

كيوبوست – ترجمات

بدأ الدبلوماسيون الصينيون، في جميع أنحاء العالم، التأكيد على أنفسهم بقوة لفرض روايات بكين حول وباء فيروس كورونا، والتشاحن مع القوى الغربية، وحتى بعض الدول الصديقة. وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الموقف الجديد المتهور جزءٌ من تحول متعمد داخل وزارة الخارجية الصينية، حفزه الزعماء الصينيون الذين يسعون إلى المطالبة بما يرونه المكان الصحيح لأمتهم في العالم.

في فنزويلا، أحد أكثر الدول استقبالاً للمساعدات الصينية، انتقدتِ السفارة الصينية المشرعين المحليين الذين وصفوا الفيروس المسبب لمرض (كوفيد-19) بأنه “فيروس كورونا الصيني”. وقالتِ السفارة، في بيانٍ على موقعها عبر الإنترنت، في مارس: إن هؤلاء المشرعين يعانون “فيروساً سياسياً”. وجاء في البيان: “بما أنكم مرضى جداً بالفعل من هذا، أسرعوا في طلب العلاج المناسب.. وقد تكون الخطوة الأولى هي ارتداء الأقنعة، والتزام الصمت”. بينما لم ترد وزارة الخارجية الصينية والسفارة على طلباتٍ للتعليق.

اقرأ أيضاً: وباء كورونا.. كيف استطاعت الصين إدارة الأزمة؟

وكان أحد أكثر دبلوماسييِّ بكين حدّة هو مبعوثها في باريس “لو شاي” الذي قال لصحيفة “لو أوبينيون” الفرنسية، الشهر الماضي، عن التغطية الإعلامية لتعامل الصين مع الفيروس: “في كل مرة يقدم فيها الأمريكيون ادعاءات، تقوم وسائل الإعلام الفرنسية بالإبلاغ عنها دائماً بعد يوم أو يومين، إنهم يعوون مع الذئاب؛ لإثارة ضجة كبيرة حول الأكاذيب والشائعات حول الصين”. ولم يرد “لو شاي” والسفارة على طلباتِ التعليق.

أصغى الدبلوماسيون الصينيون على مدار عقود إلى حد كبير لكلمات دينغ شياو بينغ، الزعيم الإصلاحي الذي حث مواطنيه على “إخفاء نورنا وانتظار مجيء وقتنا”، أي عدم جذب كثيرٍ من الانتباه، وفي الوقت نفسه، العمل على تراكم نقاط القوة الصينية. وأصبحت بكين أكثر وضوحاً ومكاشفة مع نمو قوتها الاقتصادية. وتسارع هذا الاتجاه في عهد الزعيم الصيني شي جين بينغ، الذي رهن شرعيته على “حلم الصين” لاستعادة المجد الوطني واتباع موقف لا هوادة فيه في الشؤون الدولية.

المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان في مؤتمر صحفي حول وباء كورونا- “رويترز”

ويهدف جزء كبير من الحزم المتزايد إلى تعزيز الفخر الوطني في الداخل -وهو أداة محورية في كتاب الحزب الشيوعي الحاكم- وإعادة التوازن إلى النظام الدولي بطرق تعزز مصالح الحزب. وتحت قيادة شي، صنفت الصين نفسها كقوة عالمية مسؤولة؛ حيث تقدم القيادة في الحوكمة العالمية، وتضخ القروض والمساعدات في البلدان النامية.

وقالت جيسيكا تشن فايس، الأستاذة المساعدة بجامعة كورنيل، والتي درست دور القومية في العلاقات الخارجية للصين: “يتوقع المواطنون الصينيون بشكل متزايد أن تقف الحكومة الصينية طويلة الهامة، وأن تفخر أمام العالم، إن ما تريده الصين حقاً في ظل شي جين بينغ هو عالم آمن لقيادته المستمرة”.

اقرأ أيضاً: ماذا علينا أن نفعل حيال الصين؟

ومن خلال اتباع أسلوب أكثر مشاكسة، يدفع الحزب الشيوعي للاستفادة من تراجع دعم الولايات المتحدة للمؤسسات العالمية، في ظل نهج الرئيس الأمريكي ترامب “أمريكا أولاً”. كما عملت الصين على زيادة نفوذها في المنظمات الدولية؛ مثل الأمم المتحدة، التي استخفت بها إدارة ترامب.

الضغط الاقتصادي

من جانبٍ آخر، كثّف الرئيس الصيني من سيطرة الحزب الشيوعي على وزارة الخارجية، التي يشتبه البعض في مسؤوليها بأنهم أقل التزاماً أيديولوجياً؛ بسبب تفاعلاتهم مع الثقافات الأجنبية. وفي العام الماضي، أصبح “تشي يو”، المتخصص في التدريب الأيديولوجي دون خبرة دبلوماسية سابقة، سكرتيراً للحزب الشيوعي بوزارة الخارجية، وهو تعيين غير عادي لمنصب يشغله عادةً نائب وزير الخارجية. وقد كرر تشي، النائب السابق لرئيس إدارة شؤون الموظفين بالحزب، مطالبه بمواقف أكثر قتالية في الشؤون الخارجية.

أحد مصانع الأقنعة الوقائية في الصين- فبراير 2020

وكتب في مقالٍ، نُشر في ديسمبر الماضي، أنه يجب على الدبلوماسيين الصينيين “شن هجوم مضاد بقوة على الكلمات والأفعال في الساحة الدولية التي تهاجم قيادة الحزب الشيوعي الصيني والنظام الاشتراكي في بلادنا”. وقد أظهر دبلوماسيون صينيون في الماضي لمحة من العدوانية؛ خصوصاً في ما يتعلق بالمصالح الأساسية، مثل المطالبات الإقليمية المتنازع عليها، والزيارات الخارجية للدالاي لاما، والنشاط المؤيد للاستقلال من قِبل شخصيات أخرى ترى بكين أنها تهديدات انفصالية. حيث دفعوا بروايات بكين بشأن مجموعة أوسع بكثير من القضايا في الآونة الأخيرة، بعيداً عن معاملتها للأقليات المسلمة؛ مثل المساعدات والقروض الصينية للدول النامية.

اقرأ أيضاً: بعد أزمة كورونا.. هل يتنبه حلف الأطلسي للتهديد الصيني؟

وفي براغ، تناقش دبلوماسيون صينيون مع العمدة زدينيك هريب (38 عاماً) من حزب بايريت (القرصان)، الذي يرفع علم التبت في قاعة المدينة. وفي اجتماع لرأس السنة الجديدة في مقر العمدة الرسمي، العام الماضي، رفض هريب طلباً من السفير الصيني بطرد نائب تايواني يختلط مع دبلوماسيين آخرين، وذلك وفقاً لدبلوماسيين كانوا حاضرين وتقارير إعلامية تشيكية.

وأصر هريب أيضاً على إزالة بند “صين واحدة”، الذي يشير إلى مطالب الصين الإقليمية بشأن تايوان، من اتفاق “المدينة الشقيقة” لبراغ مع بكين. بينما ردت بكين بإلغاء جولة في 14 مدينة صينية لأوركسترا براغ الفلهارمونية. وبعد أن تحرك هريب لإلغاء اتفاق المدن الشقيقة، أصدرت السفارة الصينية رسالة على “فيسبوك” تطالب فيها براغ بـ”تغيير نهجها في أقرب وقت ممكن.. وإلا فسوف تتضرر مصالح المدينة”.

تسليم المساعدات الطبية الصينية إلى إيطاليا- مارس 2020

إذن، قدمت الجائحة أكبر اختبار لدبلوماسية “الذئب المحارب” الصينية، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومات الأخرى لاحتواء أزمة فيروس كورونا؛ حيث ردت بكين بقبضة حديدية، وحظيت بالثناء في الوقت نفسه على توفير المعدات الطبية الحرجة للبلدان المحتاجة. كما أنها صدت النقاد الذين شككوا في تعاملها المبكر مع تفشي الوباء.

وفي فبراير، قالت السفارة الصينية في نيبال إنها قدمت شكاوى إلى “كاتماندو بوست” النيبالية، وأنها “تحتفظ بالحق في اتخاذ مزيدٍ من الإجراءات” بعد أن نشرت الصحيفة الناطقة باللغة الإنجليزية، مقال رأي ينتقد إدارة الصين لأزمة الفيروس، وأرفقته بصورة لليوان الصيني مع ماو تسي تونغ، وهو يرتدي قناع الوجه.

اقرأ أيضاً: صحيفة ألمانية عريقة تشن هجوماً عنيفاً على الرئيس الصيني

وندد الدبلوماسيون الصينيون ووسائل الإعلام الحكومية بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو؛ لزعمه أن الفيروس ربما انتشر من مختبر صيني. وبعد أن ألمح مبعوث بكين لدى أستراليا إلى تداعيات اقتصادية بسبب سعي كانبيرا لتحقيق في تفشي فيروس كورونا، علقت الصين هذا الشهر الواردات من 4 شركات أسترالية لتصنيع اللحوم، مستشهدة بانتهاكات تنظيمية.

مئات التغريدات

كما فرضت تعريفات مضادة للإغراق ومضادة للدعم بلغت 80,5% على الشعير الأسترالي. ووصفت أستراليا المخالفات التي تم ضبطها بأنها “مخالفات فنية طفيفة”، ونفت إغراق أو دعم صادرات الشعير إلى الصين. وبرز موقع “تويتر” باعتباره ساحة معركة رئيسة للدبلوماسيين الصينيين؛ خصوصاً بعد أن قامت وزارة الخارجية بترويج تشاو ليجيان، مستخدم “تويتر” الغزير الذي تم تعيينه سابقاً للسفارة في باكستان، كأحد المتحدثين باسمها في أغسطس.

المتحدث باسم الخارجية الصينية يتهم الولايات المتحدة بتصدير فيروس كورونا عبر منشور على “تويتر”- مارس 2020

وسكب تشاو الوقود على نار الخلاف بين الولايات المتحدة والصين حول أصول فيروس كورونا، من خلال الدفع بنظرية مفادها أن الجيش الأمريكي أحضر الفيروس إلى الصين، وهو ادعاء نفته واشنطن، لأكثر من 600 ألف من متابعيه.

بلغ مجموع حسابات الدبلوماسية الصينية على “تويتر” الآن 137 على الأقل، مقارنة بـ38 حساباً قبل عام، وذلك وفقاً لـ”التحالف من أجل ضمان الديمقراطية”؛ وهي جماعة مراقبة مقرها واشنطن. ويبث الحساب الأكثر نشاطاً مئات التغريدات كل شهر على قدم المساواة مع الحسابات الدبلوماسية الأكثر نشاطاً لروسيا.

اقرأ أيضاً: جائحة فيروس كورونا ستغيِّر النظام العالمي إلى الأبد

لقد صعد سفير الصين لدى فرنسا، السيد لو، من خلال صفوف وزارة الخارجية على مر السنين، حيث دعا إلى دبلوماسية أكثر صرامةً. وفي وثيقة عام 2016 ، نُشرت عندما كان مديراً لأبحاث السياسة لأعلى لجنة للسياسة الخارجية في الحزب الشيوعي، قال “لو” إنه يجب على الدبلوماسي الصيني محاربة الغرب وإقناع المزيد من الدول بـ”قبول الصين كقوة شرقية كبرى على قمة العالم”.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي -في الوسط- يطرح صورة جماعية مع بعض وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا - فينتيان- لاوس 2020 كيوبوست
وزير الخارجية الصيني وانغ يي -في الوسط- يطرح صورة جماعية مع بعض وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا – فينتيان- لاوس 2020

وفي باريس، حيث وصل السيد “لو”، الصيف الماضي، أجرى هو والسفارة الصينية أكثر من 50 مشاركة إعلامية في أقل من عام؛ بما في ذلك المقابلات والإحاطات ومقالات الرأي الصحفية، ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما سجله أسلافه في أكثر من 5 سنوات عمل. وقال السيد “لو”، في أغسطس، في أول إحاطة إعلامية له كمبعوث في باريس، عندما سُئل كيف سيساعد الصين على التحدث دولياً: “آمل ألا أضطر إلى محاربة فرنسا.. الأفضل هو العمل معاً.. ولكن إذا حدث أي شيء يضر بمصالحنا الأساسية، فسيتعين عليَّ القتال”.

أقوى وأكثر قسوة

وفي أبريل، أثارت السفارة الصينية غضباً في جميع أنحاء فرنسا بعد أن نشرت مقالاً منسوباً إلى “دبلوماسي صيني متمركز في باريس”، زعم فيه أن مقدمي الرعاية في دار الرعاية قد تخلوا عن السكان ليموتوا. كما اتهم المقال السلطات التايوانية، التي يؤيدها بعض المشرعين الفرنسيين، باستخدام إهانة عنصرية ضد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، وهي مزاعم نفتها تايوان.

اقرأ أيضاً: الصين تسيطر على سوق الدواء.. والغرب يعيش مرحلة ما بعد الصدمة

ونشرت السفارة، في وقتٍ لاحق، توضيحاً قائلةً إن المقال لا يشير إلى دور رعاية المسنين الفرنسية، ولم يزعم أن المشرعين الفرنسيين استخدموا اللا مبالاة العنصرية. وفي مقابلته، في أبريل، مع صحيفة “لا أوبينيون”، رفض السيد “لو” مزاعم بأن الدبلوماسية الصينية أصبحت عدوانية. وقال: “إنها بالأحرى شكل من أشكال الدبلوماسية الاستباقية”.

وقد انتقدت الولايات المتحدة وبعض الحكومات الغربية الأخرى بكين، متهمة الصين بالتخبط في استجابتها الأولية للفيروس، ودعت إلى إجراء تحقيق دولي في أصل الوباء. ويقول بعض المحللين إن الخلاف كلف الصين فرصة لكسب النيات الحسنة على الصعيد العالمي، وفضح حدود اعتماد بكين على الخطابة الكاشفة، والمساعدة المادية لثني النقاد وكسب التأييد.

وقالت أوريانا سكايلر ماسترو، الأستاذة المساعدة في جامعة جورجتاون التي تدرس السياسة الأمنية الصينية: إن الصين “تحرز الكثير من التقدم؛ لأن لديها الكثير من الموارد”؛ لكن نهجها لم يكسبها الكثير من الأصدقاء. وبدأت علامات عدم الرضا عن نهج “الذئب المحارب” للدبلوماسية الصينية تطفو على السطح بين الحرس الدبلوماسي الصيني القديم.

اقرأ أيضاً: تسييس “كورونا”.. يشعل فتيل حرب باردة جديدة بين أمريكا والصين

وكتبت فو يينغ، نائبة وزير الخارجية في الفترة من 2009 إلى 2013، تعليقاً للصحيفة، في أبريل الماضي، شددت فيه على أنه يجب على الصين الانتباه إلى كيفية استقبال جماهيرها لرسائلها. وكتبت “فو” في صحيفة “بيبولز ديلي” الخاصة بالحزب؛ حيث قالت: “إن قوة الدولة في الخطاب الدولي لا تتعلق فقط بحقها في التحدث على المسرح العالمي، ولكن الأمر يتعلق أكثر بالفاعلية وتأثير خطابها”.

وفي مقابلة جرى مشاركتها مؤخراً على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، قال يوان نانشنغ، وهو دبلوماسي صيني متقاعد، تضمنت مناصبه سفير الصين في زيمبابوي، والقنصل العام في سان فرانسيسكو: إن الدبلوماسية الصينية “يجب أن تصبح أقوى، وليس مجرد أكثر قسوة.. ويثبت التاريخ أنه عندما يتم اختطاف السياسة الخارجية من قِبل الرأي العام، فإن ذلك يؤدي حتماً إلى نتائج كارثية”.

المصدر: وال ستريت جورنال

 اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة