الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
علاء الدين تشاكجي.. التحالف بين المافيا والنظام في تركيا
أطلق سراح القومي المتشدد علاء الدين تشاكجي المتورط في جرائم حرب ضد الأكراد بموجب قانون العفو المرتبط بإخلاء السجون خوفاً من تفشي وباء "كوفيد-19"

كيوبوست
ما هي إلا بضعة أيام مضت على إطلاق سراح زعيم المافيا التركي علاء الدين تشاكجي، الذي تورط، كما نشرت وسائل الإعلام، في جرائم قذرة لقمع التمرد الكردي خلال تسعينيات القرن الماضي، حتى أرسل هذا الأخير رسالة شكر إلى الرئيس التركي، يعبر فيها عن ولائه التام له وإخلاصه لقيادته.
رئيس المافيا المتطرف، الذي عرف بنفوره وكرهه لأردوغان، وجه تحيةً بخط يده في تلك الرسالة: “إلى الرئيس الشجاع الذي يواصل القتال منذ أربع سنوات من أجل دولتنا، دون تقديم تنازلات للإمبريالية الغربية”.
تشاكجي ليس أول رجل يركع أمام أردوغان؛ فقبل أربع سنوات هدد عراب المافيا التركية سيدات بيكر، المستفيد هو الآخر من قرار عفور رئاسي، كلَّ معارضي الرئيس التركي ممن تجرؤوا على الدعوة إلى وقف القتال في كردستان التركية، وهي تهديدات وصلت إلى القتل والتنكيل.

من هو تشاكجي؟
حسب ما نشر عنه في الصحافة، فقد ولد تشاكجي عام 1953، في قرية مطلة على البحر الأسود بالقرب من طرابزون، ونشأ في إسطنبول في ظل والد مسجون بتهمة قتل، وبرز اسمه في أواخر السبعينيات كقائد لإحدى فصائل الذئاب الرمادية؛ وهي منظمة شبابية تنتمي إلى اليمين المتطرف التركي، وانخرطت، آنذاك، في اشتباكات عنيفة مع الجماعات اليسارية.
تم اعتقاله في يونيو 1981 مع نشطاء متطرفين آخرين بعد مقتل 41 شخصاً، وتم إطلاق سراحه في العام التالي؛ بسبب نقص الأدلة، ومنذ ذلك الحين امتهن عالم العصابات وشرع في قطع الطرق وعمليات الخطف والابتزاز والسرقة.
اقرأ أيضاً: تحت غطاء الاستثمار.. “النهضة” توسع نفوذ قطر وتركيا في تونس
وحسب تحقيق لموقع “ميديا بارت” الفرنسي، فإن نقطة التحول التي شهدتها مسيرة هذا الرجل كانت في عام 1987، عندما اتصل به جهاز المخابرات التركية (MIT)، الذي قرر تكليفه ببعض المهام الرسمية، في وقت كان يشن فيه الجيش الأرمني السري لتحرير أرمينيا (ASALA) مجموعة من الهجمات ضد المصالح التركية، وبالتزامن مع هجمات بدأ حزب العمال الكردستاني (PKK) في شنها ضد أنقرة؛ للمطالبة بالانفصال.
ورغم أن دوره في استهداف جيش التحرير الأرمني لا يزال مبهماً؛ فإن عملياته ضد الأكراد موثقة بالأدلة، ففي عام 1993 تم استهداف مجموعة من ممولي حزب العمال الكردستاني، كما قامت الذراع اليمنى لتشاكجي باغتيال محامٍ كردي معروف. وحسب تحقيق استقصائي للكاتب الصحفي جنكيز أردنيك، فإن هذا الرجل كان يقوم بـ”المهام القذرة” نيابةً عن الدولة، وشمل نطاق عملياته، عدا تركيا، دولاً في أوروبا والشرق الأوسط.

وحسب هذا التحقيق، فإن هناك تداخلاً ملحوظاً بين النضال الأيديولوجي وحرب العصابات تحت مظلة جهاز المخابرات التركي؛ وهو ما دفع بشخصياتٍ مثل علاء الدين تشاكجي إلى الواجهة، فلكل جهاز أمني في تركيا مجموعة من العلاقات المعقدة مع رجال المافيا الأتراك.
ظهر التواطؤ بين عالم الجريمة والأجهزة الأمنية في تركيا بوضوح في نوفمبر 1996، في أعقاب حادث سيارة مرسيدس، وقع بالقرب من سوسورلوك في محافظة باليكسير، وكان من ضحايا الحادث نائب مدير شرطة إسطنبول، وعضو برلمان يتزعم قبيلة كردية قوية، وقائد منظمة الذئاب الرمادية (وهو قاتل مأجور ومن المطلوبين على قائمة الشرطة الدولية الإنتربول منذ عام 1977)، وعرفت الحادثة باسم فضيحة سوسورلوك.
اقرأ أيضاً: أردوغان يفقد توازنه بعد تنديد الإمارات بالتدخلات التركية في ليبيا
ستجبر هذه الحادثة السلطات التركية على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجريمة المنظمة في البلاد، فاعتقلت ألفاً من أفراد العصابات في عام 1998. في 16 أغسطس من ذلك العام، كان دور تشاكجي الذي اعتقل من داخل أحد الفنادق وفي جيبه جواز سفر دبلوماسي؛ لكن محاكمته بجرائم القتل لم تفضِ إلى شيء فأُطلق سراحه ضمن قرار عفو في نوفمبر 2002.

عفو مشبوه
وحسب صحيفة “زمان” التركية، فقد حُكم على تشاكجي، المقرب من زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشه لي، بالسجن مدى الحياة عام 2006؛ لإدانته بإعطاء أمر بقتل زوجته السابقة، وتم تخفيض العقوبة لاحقاً إلى 19 عاماً وشهرين.
في 25 أغسطس 2018، وبعد يوم من الانتخابات التي أوصلت أردوغان إلى رأس السلطة، وجه تشاكجي رسالةً قاسية إلى الرئيس التركي، وخاطبه غاضباً: “أنت لست مالكاً لهذه الدولة، لا تنسَ أنك مجرد راكب وأن القوميين الأتراك هم من يدعمونك”، وكان تشاكجي قد وجه أنصاره بدعم حزب الحركة القومية مادياً وسياسياً من داخل سجنه؛ وهو أمر لم يزعج أردوغان المتحالف مع الحزب.
اقرأ أيضاً: كاتب روسي: قد يدفع اقتصاد أردوغان ثمنا باهظا لوجوده العسكري في ليبيا
كلام الرجل كان صحيحاً؛ فأردوغان لا يمكنه التخلي عن تحالفه مع حزب الحركة القومية، للتمتع بالأغلبية في البرلمان. قبل أزمة فيروس كورونا بلغت نيَّات التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، مجتمعةً، 45% فقط مقارنةً بـ53% في يونيو 2018. ولم يعد لحزب العدالة والتنمية أي صوت ليأخذه في مكان آخر.
تم إطلاق سراح زعيم المافيا بعد نحو 16 عاماً قضاها في السجن، ويبلغ من العمر الآن 67 عاماً؛ وهو في حالة صحية سيئة. بينما أثار إطلاق سراحه الكثير من الجدل بدءاً من استقباله في موكب ضخم خارج السجن، وصولاً إلى إبقاء أردوغان على معارضي نظامه من الصحفيين والكتاب والأكاديميين في السجن، وذلك في وقت يفرج فيه عن المجرمين ورؤساء العصابات؛ تخوفاً من تفشي وباء كورونا.
ولا يشمل قانون العفو “المشبوه”، الذي انتقدته بشدة منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الموقوفين على ذمة محاكمات سياسية؛ مثل السياسي الموالي للأكراد صلاح الدين دميرتاش، ورجل الأعمال الحقوقي عثمان كافالا، والصحفي المعروف أحمد ألتان.