الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

عقبات كثيرة تبدد أحلام أردوغان في إفريقيا.. فما أبرزها؟

رغم تطلعات أردوغان الكبيرة في الساحل الإفريقي فإن الكثير من المطبات الداخلية والخارجية تجعل هذه الأهداف صعبة المنال

 كيوبوست- فاطمة بدري

قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤخراً، بزيارة إلى غرب إفريقيا؛ شملت كلاً من توغو ونيجيريا وأنغولا، بالتزامن مع الإعلان عن ارتفاع صادرات البلاد إلى ليبيا بـ60 في المئة، وعقد اتفاقيات شراكة مع الجزائر قبل أسابيع قليلة. وتأتي هذه الخطوة في فترة تشهد فيها علاقات أنقرة بحلفائها الغربيين وروسيا توترات كبيرة، ويواجه فيها الاقتصاد التركي أزمة كبيرة.

ويبدو أن أردوغان الذي يواجه أيضاً غضباً في الداخل ويخشى أن يُترجم في الانتخابات المقبلة، يراهن على إفريقيا بغربها وشمالها؛ للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية وكسر العزلة التي باتت عليها تركيا. ورغم نجاح أردوغان منذ توليه الرئاسة في الدخول بقوة إلى إفريقيا؛ فإن هناك الكثير من التحديات التي تواجهه من أجل تحقيق التوسع الذي يرنو إليه في إفريقيا.

اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل سعيه الحثيث لتوسيع نفوذه في إفريقيا

وقال الرئيس التركي، بعد أيام قليلة من عودته من إفريقيا، وخلال المنتدى التركي-الإفريقي الثالث للاقتصاد والأعمال بإسطنبول: إن حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا ارتفع إلى 25.3 مليار دولار نهاية 2020، ونهدف إلى رفعه إلى 50 مليار دولار في مرحلة أولى، ثم إلى 75 مليار دولار سنوياً.

البحث عن النفوذ في إفريقيا- (صورة وكالات)

ولكسب ود الدول الإفريقية التي انفتح على التعاون معها منذ سنوات، دأب أردوغان على الترويج لكون تركيا دولة إسلامية تسعى لمساعدة الدول والشعوب الإفريقية على خلاف الدول الأخرى ذات التاريخ الاستعماري التي سرقت ثرواتها، على حد تعبيره، ولا يتردد في استعادة مآسي هذه الدول في الحقبات الاستعمارية؛ سعياً منه لتأليبها ضدها لصالح بلاده. 

ويبدو أن هذه السياسة قد أعطت أكلها؛ فمنذ استلامه السلطة سنة 2003 زار أردوغان 30 دولة إفريقية، أسفرت عن فتح 44 سفارة تركية في القارة السمراء، بينما أصبح عدد سفارات الدول الإفريقية في أنقرة 37 سفارة بعد أن كانت 10 سفارات فقط عام 2008. كما ارتفع حجم التبادل التجاري التركي مع الدول الإفريقية من 5 مليارات دولار عام 2002 إلى 25 ملياراً في نهاية 2020.

أقرأ أيضاً: ماذا تريد تركيا من الساحل الإفريقي؟

ورغم ادعائه الانفتاح على كل الدول الإفريقية تحت شعار مساعدتها ودعمها وفتح أبواب التعاون المثمر معها؛ فإن أردوغان يتجه أساساً إلى الدول الإفريقية الغنية بالغاز والبترول والذهب.. وغيرها من المعادن المهمة؛ ليضمن فرصاً أكبر للاستثمار والاستفادة. ولهذا عندما تزايدت الخلافات مع الجيران وأوشك اقتصاد بلاده على الانهيار، اتجه الرئيس التركي إلى هذه الدول الإفريقية بحثاً عن منقذ، وليوجه رسائل إلى حلفائه الغربيين الذين دخل معهم جميعاً في خلافات؛ الأولى مفادها أن لديه بدائل أخرى عنهم، والثانية موجهة أساساً إلى الدول صاحبة الماضي الاستعماري في إفريقيا، والتي ترى أن هذه الدول هي مناطق نفوذ تاريخية لها، وأبرزها فرنسا، ومفادها أن أنقرة ستزاحمها بقوة في هذه المنطقة المهمة التي باتت محل صراع كل قوى العالم.

المرتزقة والميليشيات سلاح تركيا في ليبيا- (صورة وكالات)

تحرك في شمال القارة

ولم تكتفِ تركيا أدروغان بدول غرب إفريقيا؛ بل تتحرك أيضاً بقوة في شمال هذه القارة، خصوصاً في ليبيا، مستفيدةً من حالة انعدام الاستقرار ووجود حلفائها الإسلاميين في السلطة، والجزائر التي تتجه لتوسيع تعاونها الاقتصادي معها؛ خصوصاً في قطاع البتروكيماويات، بسبب المشكلات القائمة مع فرنسا، شريكها الاقتصادي الأول؛ إذ أعلن رئيس مجلس الأعمال التركي- الليبي بمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا مرتضى قرنفيل، السبت، ارتفاع صادرات بلاده إلى ليبيا 60 في المئة خلال أول تسعة أشهر من العام الحالي، مقارنةً مع الفترة نفسها من 2020، وبلغت ملياراً و717 مليون دولار. وتحاول تركيا الاستفادة من قربها من رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة، لتمسك بتفعيل اتفاقيات تجارية أبرمتها مع الحكومة السابقة بقيادة السراج، حليفها الاستراتيجي، رغم عدم مصادقة البرلمان عليها ومطالبة عدة أطراف سياسية داخلية وخارجية بالتخلي عن هذه الاتفاقيات. وتستفيد تركيا من سيطرتها على أغلب الميليشيات في الغرب الليبي وزرعها الآلاف من المرتزقة في هذا البلد؛ من أجل الضغط على الفاعلين السياسيين في البلاد لتمكينها من نصيب وافر من الكعكة الليبية التي تسيل لعاب قوى كبرى غيرها. 

اقرأ أيضاً: تضارب المصالح في ليبيا والساحل يقف خلف الخصام بين الجزائر وأنقرة!

أما الجزائر فأصبحت ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا، وبلغت قيمة التبادلات التجارية بينهما 4.2 مليار دولار في عام 2020، ويتطلع الجانبان لتوسيع تبادلاتهما التجارية لتصل قيمتها إلى 5 مليارات دولار في عام 2021، كما أصبحت أنقرة المستثمر الأجنبي الرائد خارج قطاع الهيدروكربونات؛ بحيث وصلت قيمة استثماراتها في الجزائر إلى 3.5 مليار دولار، متفوقةً بذلك على فرنسا. وفي السابع من أكتوبر الجاري أعلنت الشركة الجزائرية الحكومية للمحروقات “سوناطراك”، توقيع 3 عقود لتطوير مشروع بتروكيماويات لإنتاج البوليبروبيلان بمدينة جيهان التركية، بحضور الرئيس طيب أردوغان.

غايات وأهداف

وهناك ثلاث غايات وأهداف يتطلع إليها أردوغان من وراء هذا التوجه القوي إلى إفريقيا؛ الغاية الأولى اقتصادية تتمثل في سعيه للانفتاح على أسواق جديدة للمنتجات التركية، لتعويض الخسائر التي تكبدتها تركيا على أكثر من صعيد في الآونة الأخيرة التي شهدت تأزماً كبيراً لعلاقاتها مع جيرانها الغربيين، وما انجرّ عنه من تأثيرات كبيرة على اقتصادها، ومن المرجح أن يتفاقم أكثر؛ خصوصاً في ظل تواتر أنباء عن احتمال فرض عقوبات على تركيا في الأيام المقبلة في حال لم تنجح أنقرة في لملمة هذه التوترات عاجلاً.

الجزائر ترضي نهم تركيا- (صورة وكالات)

 وثانياً: عسكرياً؛ إذ تتطلع تركيا من جهة لضمان موطئ قدم في إفريقيا يسمح لها بحماية قواعدها العسكرية القائمة في بعض الدول على غرار الصومال وقواتها في ليبيا، والتحضير لنشر قواعد جديدة، مستفيدةً من حالة عدم الاستقرار وانفلات المتطرفين في الكثير من دول إفريقيا. ومن جهة أخرى، تريد أنقرة أن تحول إفريقيا إلى سوق للسلاح الذي تنتجه، وقد باشرت هذا الهدف ببيع الطائرات المسيرة لأغلب دول الغرب الإفريقي، مراهنةً على أنها ستكون أحد أسلحتها البارزة للتغلغل في القارة السمراء؛ نظراً لرخص ثمنها مقارنةً بالطائرات المسيرة التي تبيعها الدول الأخرى، ولانتشار الخلافات الحدودية في ما بين هذه الدول التي تجعلها في حاجة إلى هذه الطائرات. وهناك سبب عسكري آخر في غاية الأهمية؛ وهو رغبة تركيا في السيطرة أو على الأقل ضمان موطئ قدم راسخة على مقربة من ممرات الطاقة العالمية بعد أن ضمنت مكاناً لها في الخليج عن طريق حليفتها الاستراتيجية قطر، والبحر الأحمر من خلال الصومال، والبحر المتوسط من خلال قبرص وليبيا، وبحر قزوين أذربيجان.

وثالثاً: سياسياً؛ يتمثل في مساعي تركيا أردوغان في استفزاز خصومها الغربيين الذين كانوا دائماً المسيطرين على مناطق النفوذ في إفريقيا؛ وهي تحاول مزاحمتهم فيها، بل وافتكاك بعض المناطق والأسواق عسى أن يساعدها ذلك على المناورة وكسب نقاط ضدهم؛ خصوصاً في ظل تصاعد الخلافات بينهم وبين أنقرة.  

منافسة الخصوم القدماء في إفريقيا كفرنسا- (صورة وكالات)

تحديات كبيرة

ورغم تطلعات أردوغان الكبيرة؛ فإن الكثير من المطبات الداخلية والخارجية تجعل هذه الأهداف صعبة المنال.. ففي الداخل يعد التحدي الاقتصادي أحد أبرز العراقيل التي ستحول دون ديمومة ونجاح الوجود التركي خصوصاً في غرب إفريقيا. فالأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها البلاد وتراجع سعر وقيمة العملة التركية سيجعلان تركيا في حاجة إلى المساعدة، ولن يكون بوسعها أن تقدم الكثير لهذه الدول التي تنتظر بدورها مد يد العون، وهذا ما ستستغله الدول المنافسة لها على الوجود في هذه المنطقة؛ خصوصاً دول الاتحاد الأوروبي؛ وأبرزها فرنسا صاحبة النفوذ القديم في هذه الدول، والصين القادمة منذ سنوات بقوة.

اقرأ أيضاً: مسيرة أردوغان إلى إفريقيا.. علاقة غامضة مع موريتانيا

من جهة أخرى، يواجه أردوغان ضغوطات كبيرة في الداخل؛ سواء من الشارع التركي أو المعارضة اللذين يعارضان بشدة سياساته الخارجية، ولهذا فإن أية مغامرة في هذا التوقيت المحفوف بأزمات اقتصادية ألقت بظلال وخيمة على مواطنيه، ستؤدي إلى خسارة رصيده الشعبي. وكانت استطلاعات الرأي في تركيا قد أكدت مؤخراً أن نحو 70 في المئة من المواطنين الأتراك لا يؤيدون سياسات أردوغان الخارجية ويرفضونها تماماً؛ خصوصاً التدخل في سوريا، ويعتبرون أن مجمل أزماتهم الأمنية والاقتصادية والمالية، ووقوف بلادهم على حافة الإفلاس، سببهما الأساسي السياسات الخارجية التي اتبعها أردوغان.

في حين ترى أحزاب المعارضة أن كل الإخفاقات التي تشهدها البلاد هي نتيجة حتمية لسياسات أردوغان ومغامراته، مشددةً على أنها لم تحقق أي مكاسب اقتصادية ومالية لتركيا؛ بل أثقلت كاهل الاقتصاد الوطني.

الليرة في أسوأ أزماتها- (صورة وكالات)

ولا تقف الأمور عند هذا الحد؛ إذ إن سياسات أردوغان ستؤدي، حسب استطلاعات للرأي، إلى هزيمته في الانتخابات المقبلة، رغم محاولاته التحرك على أكثر من صعيد؛ لضمان عدم الانسياق للخسارة. ففي مايو الماضي، خلص 56.9 في المئة من المشاركين في سبر للآراء بتركيا، إلى أنهم لن يصوتوا لصالح أردوغان، وأن الأخير سيخسر في جولة الإعادة. ويرجح المتابعون للشأن التركي أن تزيد هذه النسبة في ظل تفاقم أزمات البلاد؛ وهذا ما تؤكده شركة “ميتروبول” لاستطلاعات الرأي، التي أعلنت أن الاستطلاع الذي أجرته، في سبتمبر الماضي، أظهر أن 69 في المئة من المستطلعين يرون العلمانية ضرورة، في حين عارض 85.1 في المئة استخدام الدين في الحملات الانتخابية، في إشارة إلى حملات أردوغان وحزبه.

أقرأ أيضاً: معركة تركيا من أجل النفوذ في جمهورية إفريقيا الوسطى: لماذا يجب على العالم أن ينتبه؟

وتجدر الإشارة أن الليرة التركية سجلت مستويات قياسية منخفضة جديدة مقابل الدولار واليورو، الجمعة الـ22 من أكتوبر الجاري؛ إذ هبطت نحو 0.9 في المئة لتسجل أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 9.28 مقابل الدولار الأمريكي، و10.7235 ليرة مقابل اليورو. علماً بأن الليرة خسرت أكثر من 19 في المئة من قيمتها حتى الآن هذا العام.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

فاطمة بدري

كاتبة صحفية تونسية

مقالات ذات صلة