الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربيةمجتمع
عصابات الكنوز الأرضية تهدد الطفولة المغربية

المغرب- حسن الأشرف
توالت في الآونة الأخيرة حوادث اختفاء واختطاف أطفال في المغرب من قبل “عصابات استخراج الكنوز المدفونة تحت الأرض”، حيث تعتقد هذه العصابات فيما يذهب إليه مشعوذين وسحرة، من أن ذبح أطفال بمواصفاتٍ جسدية معينة، وتقديمهم قرباناً للجن ييسر العثور على الكنوز المزعومة.
ويبحث المنتمون إلى هذه العصابات عن أطفالٍ يسمون في المغرب “الزهريون” (من كلمة “الزهر” وهو الحظ)، للاعتقاد في امتلاك هؤلاء الأطفال للحظ الجيد في حياتهم من جانب، ووجود صفات جسدية نادرة فيهم من جانب آخر. من هذه الصفات: وجود خط عرضي مستقيم ومتصل في الكف الأيمن، وظهور خط طولي يقطع اللسان، بالإضافة إلى شكل معين للعين.
اقرأ أيضاً: المغرب يقود الحرب ضد تجنيد الأطفال
جرائم شنيعة
عُثر قبل أيام قليلة في أرضٍ خلاء من قِبل راعي غنم على جثة طفلٍ يُدعى عمر أمخشون، يبلغ من العمر أربع سنوات، في ضواحي إقليم ورزازات جنوب المغرب، بعدما اختفى عن الأنظار طيلة أيام. ووصل صدى قضية اختفاء الطفل عمر إلى البرلمان المغربي، حيث طرحت نائبة برلمانية السؤال على وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بخصوص مصير الطفل الصغير، خصوصاً وأن المنطقة نفسها شهدت عدة حوادث لاختطاف الأطفال.
وسبق أن أُلقي القبض على شخصين بجريمة اختطاف الطفلة نعيمة التي وُجدت مقتولة، وتفيد معطيات نشرتها الصحافة المغربية، أن أحدهما “فقيه” (يُطلق في بعض الأحيان هذه الصفة في المغرب على المشعوذ والساحر)، بينما الشخص الآخر له سوابق في التنقيب عن الكنوز الدفينة، وثبت تورطهما في استغلال الطفلة نعيمة وذبحها استجابة لأوامر الجن. وقد أدين كل واحد منهما بـ25 عاماً سجناً نافذاً.

جريمة نكراء
يعلق الدكتور خالد السموني الشرقاوي، رئيس المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات ضد الأطفال، على الموضوع لـ”كيوبوست”، ويقول: “إن ما يحصل للأطفال الزهريين من قبل عصابات الكنوز جريمة نكراء مزدوجة، لأنها تبدأ بالاختطاف وتنتهي بالقتل، تلبية لممارساتٍ وطقوس شيطانية تتعلق بالشعوذة والسحر”.

وأردف السموني بأن الذي يقف وراء الجرائم ضد الطفولة باسم البحث عن الكنوز، عبر طقوس الشعوذة والدجل، هو ضعف الوعي المجتمعي، وشيوع الجهل لدى هؤلاء المجرمين والمحتالين الذين يتدثرون باسم “الفقهاء”، وهم أبعد ما يكونون عن الدين والفقه، لأنهم يعتقدون في تأثير الشعوذة والخرافة على إيجاد كنوز وهمية لا توجد إلا في مخيلة هذه العصابات الخطيرة.
وشدد المتحدث ذاته على ضرورة الضرب بيد من حديد على “عصابات الكنوز”، لأنهم يتعمدون الاعتداء على الأطفال الصغار، عن سابق إصرار وترصد، ويتسببون في الكثير من الأحزان والآلام لعدد من الأسر والعائلات، من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية بحثاً عن أموال وأرباح وهمية.
اقرأ أيضاً: كيف تستفيد الجماعات الإرهابية من تجنيد الأطفال؟
رعب في الأسرة
وفي هذا السياق تقول السيدة رابحة، والدة “طفل زُهري” لـ”كيوبوست”، إن طفلها البالغ من العمر تسع سنوات لا يعرف ولا يدرك معنى أنه “زهري” أو أنه معرض في أي وقت للاختطاف من طرف المشعوذين ومنقبي الكنوز.
وتابعت الأم بأنه مقابل ذلك، فإن جميع من في الأسرة يحرصون على عدم تركه وحيداً. وأضافت أن اكتشافها أن ابنها “زُهري” قلب حياتها رأس على عقب، لأنها تعيش رعباً نفسياً بسبب الأخبار المتواترة عن قتل واختطاف أطفال زهريين.
واستطردت بأنها تحاول حماية وإخفاء ابنها حتى من الجارات حتى لا يعرفن أن ابنها “زهري”، ويتم نشر الخبر في المنطقة، ومخافة أن يصل هذا الأمر إلى سمع أحد المشعوذين والمنقبين عن الكنوز، متابعة بأنها ستصبر إلى أن يتجاوز طفلها مرحلة الطفولة، لأنه بعد أن يبلغ الطفل الحلم لا يصير مطلوباً من طرف عصابات الكنوز وفق ما هو رائج.
اقرأ أيضاً: أطفال “داعش”.. ضحايا التنظيم أم الحكومات؟
تراجع القيم المجتمعية

من جهته، قال رئيس جمعية منتدى الطفولة، عبد العالي الرامي، إن حوادث اختطاف الأطفال الزهريين لا تزال متواصلة في المجتمع المغربي، رغم كل الجهود المبذولة من أجل وضع حدٍّ لهذا النزيف والاعتداء. وشدد الرامي في حديثه لـ”كيوبوست”، على أن ظاهرة خطف الأطفال الزهريين تنم عن تراجع القيم المجتمعية، ما يستوجب التصدي للظاهرة من النواحي الاجتماعية والأمنية والنفسية والاقتصادية، وفتح نقاش حقيقي يشارك فيه الجميع لفهم الظاهرة وتداعياتها التي تسيء إلى صورة البلاد داخلياً وخارجياً أيضاً.
واستطرد الرامي بأن “استمرار ظاهرة الأطفال الزهريين يعكس عقلية تفشي الشعوذة والسحر التي تنخر عدداً من المجتمعات”، مضيفاً أنه يجب حماية الأطفال من الجهل والجهلاء الذين يمسون الكيان المجتمعي، ويستغلون براءة الأطفال وهذا دور المجتمع، وأيضاً دور الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال بهذه المواصفات، حيث إنه يتعين عليهم أن يراقبوهم ويحيطوهم بكثيرٍ من الحماية.
وطالب السلطات المعنية باتخاذ تدابير عاجلة لمكافحة ظاهرة اختطاف الأطفال الزهريين، من خلال إنشاء نظام للإنذار والتبليغ وإطلاق حملات توعية تستهدف الأطفال والعائلات في المدارس والأحياء والأماكن العمومية، والأسواق وغيرها، وأيضاً استثمار الوسائط التكنولوجية للتنبيه على خطورة الشعوذة وآثارها على المجتمع والأطفال.
من جانبٍ آخر من المهم تشديد العقوبات على المشعوذين، ومن يسمون أنفسهم “فقهاء” ويرتكبون جرائم في حق الطفولة.