الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
عشرة صراعات يجب الانتباه إليها في عام 2021 (1-2)
سيعاني العام الجديد قضايا لم تُحل في العام الماضي.. مثل "كوفيد-19" والركود الاقتصادي والسياسات الأمريكية المتقلبة والحروب المدمرة

كيوبوست- ترجمات
روبرت مالي♦
إذا أُقيمت مسابقة لأكثر الأحداث تأثيراً على السلم والأمن العالميين في عام 2020، فسيكون التزاحم شديداً في الميدان. لقد كان عاماً حافلاً؛ فمن جائحة كورونا إلى التأثيرات المتزايدة للتغيرات المناخية، إلى سياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها ترامب بعد انتخاب بايدن، إلى الحرب في ناغورنو كاراباخ، والصراع الدامي في منطقة تيغراي في إثيوبيا. ويجب على عام 2021 أن يتعامل مع تداعيات كل هذه الأمور.
أبدأ بجائحة “كوفيد-19” وآثارها المستمرة؛ فعندما اندلعت الجائحة خشي كثيرون -وأنا من بينهم- أنها ستترك آثاراً مدمرة على الدول النامية؛ خصوصاً تلك التي تمر بصراعات مميتة. كان تأثير الوباء على الدول الفقيرة متفاوتاً، وتأثرت كثيراً الأنشطة الدبلوماسية والوساطات الدولية وبعثات حفظ السلام والدعم المالي للمجتمعات الفقيرة؛ ولكن ما لم يتأثر كثيراً هو مسار الحروب الدائرة في دولٍ؛ مثل أفغانستان، وليبيا، وسوريا، واليمن.. وغيرها.
اقرأ أيضاً: أردوغان يستقبل العام الجديد بخطط أكثر توسعية
تبقى التداعيات طويلة المدى مسألة مختلفة؛ فقد تسبب الوباء في أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، ودفع بما يزيد على 150 مليون شخص إلى ما تحت خط الفقر المدقع. ومع أن الفقر لا يرتبط بشكل مباشر بالصراعات، إلا أن العنف يصبح أكثر احتمالاً خلال فترات الاضطرابات الاقتصادية.
ففي دولٍ مثل السودان ولبنان وفنزويلا، على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يتوقع ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل، وانهيار مصادر الدخل، ومعاناة الحكومات في دفع رواتب قواتها الأمنية، وزيادة اعتماد الشعب على الدعم الحكومي، بينما تتراجع قدرات الحكومات على توفير هذا الدعم. إن الخطوط الفاصلة بين السخط الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية، وبين الاضطرابات الاجتماعية واندلاع أعمال العنف، دائماً ما تكون رفيعة للغاية. وفي الوقت نفسه، يبقى من غير المحتمل أن تقوم الولايات المتحدة أو أوروبا أو غيرها من الدول المانحة بتقديم القدر المطلوب من المساعدات؛ لأن هذه الدول نفسها تعاني صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية فيها.

المسألة الثانية هي التغيرات المناخية؛ فمع أنها ليست ظاهرة جديدة، إلا أنها متسارعة جداً في تأثيراتها على الصراعات، وغالباً ما تلعب الاستجابات السياسية للتغيرات المناخية دوراً أكبر من التغيرات المناخية نفسها. مع تزايد موجات الحر المتكررة والفيضانات، فإن العديد من الحكومات تواجه ضغوطاً كبيرة للتعامل مع انعدام الأمن الغذائي وشح الموارد المائية والهجرة والتنافس على الموارد. وهذه هي السنة الأولى التي تظهر فيها النزاعات العابرة للحدود على قائمة النزاعات لدينا؛ حيث يعدد العنف المرتبط بالمناخ مناطق تمتد من وسط إفريقيا إلى نيجيريا ومناطق في أمريكا الوسطى.
نظر كثيرون حول العالم إلى العام الماضي باعتباره عاماً مروعاً، وانتظروا انقضاءَه بفارغ الصبر، ولكن كما تشير قائمة الصراعات التي سنستعرضها بعد قليل على جزأين، فإن تداعيات هذا العام سوف تستمر. ربما يكون عام 2020 عاماً يجب نسيانه؛ ولكن مع الأسف فإن عام 2021 سوف يذكرنا به باستمرار.
1- أفغانستان
على الرغم من التقدم الضئيل والمهم في محادثات السلام؛ فإن أموراً كثيرة قد تتجه نحو الأسوأ في أفغانستان خلال عام 2021.
فبعد نحو عقدَين من الاقتتال، وقَّعت الولايات المتحدة صفقة مع متمردي “طالبان” في فبراير الماضي. وقد تعهدت واشنطن بموجب هذا الاتفاق بسحب قواتها من أفغانستان، في مقابل تعهد طالبان بمنع الإرهابيين من استخدام البلاد كقاعدة انطلاق لعملياتهم، والدخول في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية.
اقرأ أيضاً: الاتفاق بين الولايات المتحدة و”طالبان” لا يضمن السلامَ في أفغانستان
استغرقت محادثات السلام الأفغانية بعض الوقت قبل أن تنطلق. فقد أجَّلت الحكومة عملية تبادل السجناء التي وعدت بها الولايات المتحدة طالبان -إطلاق سراح 1000 عسكري وموظف حكومي معتقلين لدى “طالبان” في مقابل 5000 مقاتل من “طالبان” معتقلين لدى الحكومة الأفغانية- والتي اعتبرتها الحكومة الأفغانية غير متوازنة. رد المتمردون على مماطلة الحكومة بتصعيد هجماتهم الانتحارية، وعمليات الاغتيال التي كانوا قد قللوا منها عند بداية التفاوض.

في نهاية المطاف، بدأت المفاوضات في الدوحة في منتصف سبتمبر؛ حيث استغرق الجانبان حتى ديسمبر للتوصل إلى قواعد إجرائية. ولم يبد أي منهما حماساً لتقديم أي تنازلات، وتصاعدت إراقة الدماء. وتخلت “طالبان” عن أي ضبط للنفس، وشهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً في أعداد العمليات الانتحارية وهجمات أكبر على المدن.
يكمن أحد التحديات في كيفية رؤية الأطراف للمحادثات. فكابول ملتزمة علناً؛ ولكن كبار المسؤولين فيها لا يثقون في “طالبان” أو يرون أن المحادثات قد تؤدي إلى زوال الحكومة، وسعت كابول إلى إبطاء المحادثات دون أن تتجاوز واشنطن بشكل علني. وفي الجانب الآخر، كان قادة “طالبان” يرون أن حركتهم في صعود، ورأوا أن انسحاب الولايات المتحدة المزمع، والمفاوضات، هي انعكاس لهذا الواقع. وكذلك كان الأمر في صفوف المتمردين؛ فقد اعتقد كثيرون منهم أن المحادثات سوف تقدم لهم كثيراً مما كانوا يقاتلون لأجله.
يقترب الموعد النهائي للانسحاب الكامل للقوات الأمريكية وقوات الناتو في مايو 2021. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقول إن هذا الانسحاب مشروط بتحقيق تقدم في مفاوضات السلام في أفغانستان؛ فإن “طالبان” من المتوقع أن تبدي ردود فعل عنيفة على أي تأخير كبير في هذا الموعد. ومنذ فبراير الماضي، قام الرئيس ترامب بسحب الآلاف من القوات الأمريكية. نص الاتفاق الثنائي على تخفيض القوات إلى 8500 مقاتل؛ ولكن ترامب قلَّص عدد قواته إلى 4500، وتعهد بالوصول إلى 2500 قبل أن يغادر البيت الأبيض. وبالطبع فقد عززت الانسحابات الأمريكية غير المشروطة من ثقة “طالبان” بنفسها، ومن انزعاج حكومة أفغانستان.
اقرأ أيضاً: حزب التحرير.. تهديد متنامٍ في أفغانستان
إن مصير أفغانستان يقع بشكل رئيسي في أيدي “طالبان” وكابول ومدى استعدادهما لتقديم التنازلات؛ لكن الكثير أيضاً يتوقف على بايدن، فقد ترغب إدارته في ربط الانسحاب بالتقدم في المحادثات. ولكن الأمر سيستغرق وقتاً ليس بالقصير قبل أن تصل الأطراف الأفغانية إلى اتفاق، ولن يكون إبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان بعد شهر مايو من دون إبعاد “طالبان” أمراً هيناً. وما زاد الأمور تعقيداً هو تصريح بايدن عن رغبته في إبقاء بضعة آلاف من قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفغانستان، وقد يكون عليه أن يختار بين رغبته هذه وبين التوصل إلى عملية سلام ناجحة. فلا “طالبان” ولا الدول الإقليمية، التي يشكل دعمها لأي اتفاق شرطاً لنجاحه، تقبل بوجود عسكري أمريكي غير محدود.
قد يؤدي أي انسحاب أمريكي سريع إلى زعزعة استقرار الحكومة الأفغانية، وربما يؤدي إلى حرب أهلية متعددة الأطراف. وفي المقابل، فإن الوجود الأمريكي المطول قد يدفع “طالبان” إلى الخروج من المحادثات وتعزيز هجماتها؛ مما سيؤدي إلى تصعيد كبير. وكلا الاحتمالَين ربما سيعني أن عام 2021 سيكون العام الذي تفقد فيه أفغانستان أفضل فرصها لتحقيق السلام منذ سنوات عديدة.
2- إثيوبيا
في الرابع من نوفمبر، بدأت القوات الاتحادية الإثيوبية هجومها على إقليم تيغراي بعد هجوم نفذه مقاتلون من الإقليم على وحدات عسكرية اتحادية في المنطقة، استولوا خلاله على مواقع هذه الوحدات. وبحلول نهاية نوفمبر، كانت القوات الاتحادية قد دخلت العاصمة التيغرانية ميكيللي. غادر قياديو جبهة تحرير شعب تيغراي المدينة، زاعمين أنهم فعلوا ذلك لحماية المدنيين. لا يزال الغموض يلف الوضع في تيغراي؛ بسبب التعتيم الإعلامي، ولكن من المرجح أن أعمال العنف قد أدت إلى مقتل الآلاف بمن فيهم العديد من المدنيين، ونزوح أكثر من مليون شخص داخل البلاد، وفرار نحو 50 ألفاً إلى السودان.

ترجع جذور أزمة تيغراي إلى سنواتٍ خلت. وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إلى السلطة عام 2018 عقب موجة من الاحتجاجات التي نشأت بسبب الغضب المتراكم من الائتلاف الحاكم، آنذاك، منذ 1991، والذي تهيمن عليه جبهة تحرير شعب تيغراي. بدأت فترة حكم آبي بجهود كبيرة لإصلاح النظام القمعي؛ ولكنها تميزت بفقدان الكثير من القادة التيغرانيين الكبار لنفوذهم، حيث اعتبروا أنفسهم كبش فداء، ونظروا بريبة إلى تقارب آبي مع خصمهم القديم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي. وفي المقابل، اتهم حلفاء آبي قيادات جبهة تحرير شعب تيغراي بالسعي للاحتفاظ بحصة غير متكافئة من السلطة، وإعاقة الإصلاح، وخلق المشكلات عن طريق العنف.
اقرأ أيضاً: الأسباب والسيناريوهات المتوقعة للصراع الداخلي في إثيوبيا
صحيح أن النزاع في تيغراي هو الأكثر مرارة في إثيوبيا؛ ولكنْ هنالك خطوط صدع أوسع، حيث تتقاتل المناطق القوية، بينما يتصارع مؤيدو النظام الاتحادي العرقي الإثيوبي مع معارضي هذا النظام، الذين يرون أنه يعزز الهوية العرقية ويفاقم الانقسام. وبينما يُلقي الكثير من الإثيوبيين باللوم على جبهة تحرير شعب تيغراي في سنوات من الحكم القمعي، فإن الجبهة ليست الوحيدة التي يساورها القلق من أن آبي يحاول التخلص من النظام القديم من أجل الاستئثار بالسلطة. ومن الجدير بالذكر أن منتقدي آبي في منطقة أوروميا المضطربة -أكثر المناطق الإثيوبية سكاناً- يؤيدون هذا الرأي على الرغم من أن آبي ينحدر من المنطقة نفسها.
والسؤال الآن هو: ماذا بعد؟ فالقوات الاتحادية تقدمت، وسيطرت على ميكيللي، ومدن أخرى بسرعة، وتأمل أديس أبابا في أن ما تطلق عليه “عملية تطبيق القانون” الجارية سوف تهزم ما تبقى من المتمردين، وترفض الحوار مع قادة جبهة تحرير شعب تيغراي. يقول أنصار آبي إن السماح للخارجين عن القانون الذين يهاجمون الجيش وينتهكون الدستور بالإفلات من العقاب سيكون مكافأة على الخيانة. تعمل الحكومة المركزية حالياً على تعيين حكومة إقليمية مؤقتة، وأصدرت أوامر باعتقال 167 مسؤولاً تيغرانياً وضابطاً سابقاً، ويبدو أنها تأمل في إقناع التيغرانيين بالتخلي عن حكامهم السابقين. ومع ذلك، فإن جبهة تحرير شعب تيغراي لديها شبكة شعبية قوية في المنطقة.
ولكن هنالك إشارات تدعو إلى القلق؛ فهنالك تقارير عن تطهير الجيش من التيغرانيين، وعن إساءة معاملتهم في أماكن أخرى من الدولة. وقد سيطرت ميليشيات من منطقة أمهرة المحاذية لتيغراي على مناطق متنازع عليها كانت تحت سيطرة التيغرانيين، خلال العقود الثلاثة الماضية. وأطلقت جبهة تحرير شعب تيغراي صواريخ على إريتريا، ومن شبه المؤكد أن القوات الإريترية قد شاركت في الهجوم على الجبهة. كل هذا سوف يؤجج مشاعر التيغرانيين، ونزعتهم الانفصالية.
اقرأ أيضاً: يجب على العالم إيقاف جرائم الحرب في إثيوبيا
إذا قامت الحكومة المركزية بالاستثمار في إقليم تيغراي، وعملت مع الخدمات المدنية المحلية كما هي، بدلاً من إفراغها من مؤيدي جبهة التحرير، وإذا توقفت عن مضايقة التيغرانيين في المناطق الأخرى، وقامت بإدارة المناطق المتنازع عليها بدلاً من تركها للإدارة الأمهرية، فربما تكون هنالك فرصة لتحقيق السلام. وسيكون من المهم التحرك نحو حوار وطني لمعالجة الانقسامات العميقة في البلاد في تيغراي وغيرها. وفي غياب كل ذلك، سيكون المشهد قاتماً بالنسبة إلى عملية انتقالية ألهمت الكثير من الآمال قبل عام فقط.
3- منطقة الساحل (جنوب الصحراء الإفريقية)
تستمر الأزمة التي تجتاح منطقة جنوب الصحراء الإفريقية، بالتفاقم مع توسع العنف العرقي وتوسع مناطق سيطرة الجهاديين. كان عام 2020 هو الأكثر دموية منذ اندلاع الأزمة عام 2012 عندما اجتاحت ميليشيات إسلاموية شمالي مالي، ودفعت المنطقة إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار.
يسيطر الجهاديون أو يوجدون في مناطق واسعة من مالي وبوركينا فاسو، ويتقدمون في جنوب غرب النيجر. قامت قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية بعملياتٍ مكثفة في عام 2020، وجهت خلالها ضربات موجعة إلى المسلحين؛ حيث قصفت مواقع مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، وقتلت العديد من قادة تنظيم القاعدة. ويبدو أن هذه الضربات، إلى جانب الاقتتال الداخلي بين الجماعات الجهادية، قد أديا إلى تراجع الضربات المعقدة التي كانت تنفذها هذه المجموعات المتشددة ضد قوى الأمن. ولكن الضربات العسكرية، وقتل القادة، لم يؤديا إلى تعطيل هيكليات القيادة والتجنيد عند الجهاديين. في الواقع، فإنه كلما تدخلت الجيوش الأجنبية أكثر، تفاقم سفك الدماء في المنطقة، كما أن السلطات المحلية لم تتمكن من استعادة المناطق الريفية التي سيطر عليها المسلحون، وحتى في المناطق التي أجبر فيها الضغط العسكري الجهاديين على التراجع، فهم غالباً ما يرجعون إليها عندما تهدأ العمليات العسكرية.
من الصعب تغيير الظروف التي يزدهر فيها المسلحون في المنطقة؛ حيث انهارت علاقة الحكومات بالكثير من مواطنيها في المناطق الريفية، كما انهارت منظومة حل النزاعات التقليدية السائدة. ونتيجة لذلك، لم تعد الدولة ولا القوى المجتمعية التقليدية قادرة على تهدئة الاحتكاك المتزايد بين المجتمعات، والذي غالباً ما ينشأ نتيجة التنافس على الموارد. وبطبيعة الحال كان هذا الوضع نعمة بالنسبة إلى المسلحين الذين يملكون القوة النارية لتوفير الحماية للسكان المحليين أو حتى للتدخل في تسوية النزاعات. وعندما شكلت حكومات مالي وبوركينا فاسو ميليشيات عرقية لمواجهة الجهاديين أدى ذلك إلى صبّ الزيت على نار العنف الطائفي.
اقرأ أيضاً: مالي بين انقلاب العسكر وحراك “5 يونيو”.. لصالح مَن تميل الكفة؟
حتى خارج المناطق الريفية يزداد غضب المواطنين من حكوماتهم، ولم يكن الانقلاب الذي حدث في مالي في أغسطس الماضي إلا نتيجة الاحتجاجات التي اندلعت بعد انتخابات مطعون في نزاهتها، وبشكل أكبر نتيجة السخط المتراكم على الفساد وسوء الإدارة. ولا يختلف الوضع كثيراً في النيجر وبوركينا فاسو.

ودون المزيد من الجهود المتضافرة لمعالجة أزمة الحكم في مناطق جنوب الصحراء الإفريقية الريفية، من الصعب رؤية سبيل الخلاص للمنطقة من الاضطرابات الحالية. وبشكل عام، فإن مثل هذه الجهود يتطلب من الجهات الحكومية الفاعلة التركيز قبل كل شيء على التوسط في الصراعات المحلية، والتحدث مع المسلحين، عندما يكون ذلك ضرورياً، والتوصل إلى اتفاقات يؤدي إلى عودة سلطة الدولة على الأرياف. كما أن العمليات العسكرية الأجنبية مهمة جداً؛ ولكن يجب على اللاعبين الدوليين أن يركزوا على صنع السلام، والدفع باتجاه الإصلاحات الحكومية. ليس هنالك ما يشير إلى أن مقاربة “العمل العسكري أولاً” ستؤدي إلى استقرار المنطقة، وخلال السنوات القليلة الماضية يبدو أن هذا النهج قد أسهم في زيادة إراقة الدماء بين الأعراق المختلفة، وزيادة التطرف الإسلاموي.
4- اليمن
تسببت الحرب في اليمن، التي أشعلها اقتحام الحوثيين العاصمة صنعاء والجنوب اليمني بقوة السلاح، في ما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ كارثة إنسانية في العالم. وقد أدت جائحة “كوفيد-19” إلى تفاقم معاناة المدنيين الذين أنهكهم الفقر والجوع والأمراض الأخرى. ومرة أخرى، يحذر كبار المسؤولين في مجال الإغاثة من مجاعة في البلاد.
قبل عام، كانت هناك فرصة سانحة لإنهاء الحرب؛ لكن المتحاربين أهدروها، وتصاعد القتال؛ لا سيما في مأرب، آخر معاقل حكومة الرئيس هادي الحضرية في الشمال. استغرق الأمر عاماً من المفاوضات الشاقة بين الفصائل المناهضة للحوثي؛ كي تتوصل إلى اتفاق على كيفية توزيع المسؤوليات الأمنية في الجنوب، وإبعاد قوات هذه الفصائل عن خطوط الاشتباك في ما بينها، وتشكيل حكومة جديدة. ومن المتوقع أن تلاقي المفاوضات عقبات جديدة حول نقل الحكومة إلى عدن. كما أن جهود الأمم المتحدة لصنع السلام قد وصلت إلى طريق مسدود أيضاً.
اقرأ أيضاً: هل يقود استهداف الحكومة اليمنية العودة إلى نقطة الصفر؟
يمتلك كل من الحوثيين وحكومة هادي أسباباً للمماطلة. فإذا تمكنوا من السيطرة على مأرب سيكون الحوثيون قد سيطروا على الشمال بشكل كامل واستولوا على النفط والغاز ومحطات الطاقة في المنطقة؛ مما سيسمح لهم بتوليد ما يحتاجون إليه بشدة من الكهرباء والأموال. وفي المقابل، لا يمكن للحكومة أن تتحمل خسارة مأرب؛ ولكنها تتعلق بأمل آخر، ربما تقوم إدارة ترامب قبل رحيلها بتوجيه ضربة أخيرة إلى إيران بإعلان الحوثيين منظمة إرهابية، وتشديد الخناق الاقتصادي على المتمردين، وتعقيد المفاوضات معهم عبر عوامل خارجية. إن خطوة مثل هذه سوف تزيد من خطر المجاعة بإعاقتها للتجارة مع اليمن الذي يستورد ما يصل إلى 90% من حاجته من القمح، وكل حاجته من الأرز. كما أن هذا الأمر سيكون بمثابة إعلان وفاة جهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة.

وعلى جميع الأحوال، فإن إطار العمل ثنائي الأطراف الذي تقوم عليه جهود الأمم المتحدة في اليمن، قد عفَّى عليه الزمن؛ فالبلاد لم تعد كما كانت عليه في الأيام الأولى للحرب، فقد تشرذمت مع احتدام الصراع. ولم يعد الحوثيون، ولا الحكومة، يحتكرون الشرعية على المناطق التي تقع تحت سيطرتهم؛ فهنالك لاعبون محليون آخرون ممن لهم مصالح وتأثيرات وقوة فاعلة. ويجب على الأمم المتحدة البدء في التخطيط لعملية أكثر شمولاً تشجع التوصل إلى صفقة بين جميع اللاعبين الرئيسيين بدلاً من التركيز على صفقة بين فريقَين فقط.
وفي حال غياب تصحيح المسار، فإن عام 2021 سيكون عاماً آخر أسود لليمنيين تستمر فيه الحرب، وتنتشر الأمراض، وتضرب المجاعة، وتتلاشى احتمالات التسوية، ويزداد وجع اليمنيين ومرضهم يوماً بعد يوم.
5- فنزويلا
مر ما يقارب العامَين منذ أن أعلنت المعارضة الفنزويلية والولايات المتحدة، ودول أخرى في أمريكا اللاتينية وأوروبا، البرلماني الفنزويلي خوان غوايدو، رئيساً مؤقتاً للبلاد، وتوقعت نهاية الرئيس الحالي نيكولاس مادورو. واليوم تلاشت مثل هذه الآمال؛ فقد فشلت حملة “الضغط الأقصى” التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تشمل عقوبات وعزلة دولية، وتهديدات ضمنية بعمل عسكري، وحتى انقلاب فاشل، في الإطاحة بمادورو. وإذا كان لها من أثر فهي قد جعلته أقوى؛ حيث احتشد خلفة الحلفاء، بمَن فيهم الجيش؛ خوفاً من أن يؤدي سقوطه إلى تعرضهم للخطر. والآن وصلت ظروف الفنزويليين المعيشية إلى الحضيض؛ بسبب عجز حكومتهم وحصار الولايات المتحدة لهم وجائحة “كوفيد-19”.
اقرأ أيضاً: 4 سيناريوهات لأزمة فنزويلا السياسية المتنامية
وإذا استمر مادورو في الصمود، فسيرى خصومه أن رصيدهم السياسي سينهار. يقوم إعلان غويدو نفسه رئيساً على أساس الأغلبية البرلمانية التي فازت بها أحزاب المعارضة في عام 2015، بالإضافة إلى الادعاء بأن إعادة انتخاب مادورو في مايو 2018 كانت صورية زائفة. الآن المعارضة ضعيفة، ومنقسمة، وبصعوبة تجد لها موطئ قدم في البرلمان. فازت الحكومة بانتخابات ديسمبر التشريعية، التي قاطعتها معظم الأحزاب المعارضة، بأغلبية ساحقة.

ينبع قلق المعارضة في المقام الأول من فشلها في إحداث تغيير؛ فقد استخفت استراتيجيتها بمقدرات مادورو على تجاوز العقوبات والعزلة الدولية، بينما بالغت في تقدير استعداد واشنطن بالوفاء في تهديداتها المبهمة باستخدام القوة.
كما أدى دعم خصوم مادورو للعقوبات على فنزويلا إلى خسارتهم التأييد الشعبي؛ لأن هذه الإجراءات قد عجلت بانهيار فنزويلا الاقتصادي، وفاقمت من فقر مواطنيها. غادر أكثر من خمسة ملايين مواطن البلاد؛ حيث يُقيم الكثير منهم الآن في المدن الكولومبية أو في المناطق الحدودية، بينما تعاني العائلات التي بقيت عجزها عن توفير الطعام، ويعاني آلاف الأطفال أضراراً غير قابلة للشفاء ناتجة عن سوء التغذية.
والآن يمكن لإدارة أمريكية جديدة أن توفر فرصة لإعادة التفكير. فمع أن دعم المعارضة الفنزويلية كان من الحزبَين في واشنطن؛ لا يزال بإمكان فريق بايدن أن يغير مساره ويتخلى عن محاولات الإطاحة بمادورو، ويطلق جهوداً دبلوماسية تهدف إلى تهيئة الأرض للتوصل إلى تسوية تفاوضية بمساعدة قادة اليسار واليمين في أمريكا اللاتينية.
ويمكنها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي طمأنة حلفاء مادورو في روسيا والصين وكوبا إلى أن مصالحهم الرئيسية في فنزويلا لن تتأثر من التحول فيها. بالإضافة إلى اتخاذ خطوات إنسانية فورية للتخفيف من وطأة فيروس كورونا في فنزويلا، يمكن للإدارة الجديدة أن تنظر في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كاراكاس، والالتزام برفع العقوبات تدريجياً إذا قامت الحكومة الفنزويلية بخطواتٍ ذات معنى؛ مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتفكيك وحدات الشرطة المسيئة. يمكن للمفاوضات المدعومة دولياً أن تؤدي إلى تنظيم انتخابات رئاسية ذات مصداقية في موعدها عام 2024 إذا ما أظهر الطرفان رغبة حقيقية في التوصل إلى تسوية.
شاهد: كيف تحولت فنزويلا من دولة متقدمة إلى فاشلة في وقت قصير؟
في الوقت الحالي، لا تعطي حكومة مادورو أية إشارات على نيتها إجراء انتخابات عادلة. وفي المقابل، يرغب كل خصومه في الإطاحة به ومحاكمته. ولا تزال التسوية بعيدة المنال؛ ولكن بعد عامين من الجهود غير المثمرة والضارة بهدف إحداث تغيير سياسي مفاجئ، ربما يكون المسار الوحيد للمضي قدماً هو دعم انتقال تدريجي في البلاد.
♦رئيس والمدير التنفيذي لـ”كرايسز غروب” منذ يناير 2018، وعمل في إدارة الرئيس أوباما مساعداً خاصاً للرئيس، ومستشاراً أول له في حملة مكافحة “داعش”، ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج. وعمل أيضاً مساعداً خاصاً للرئيس كلينتون للشؤون العربية- الإسرائيلية، ومديراً لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي.