الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجيةشؤون عربية
عرض كتاب: «المرأة والتطرف في المملكة العربية السعودية»

كيوبوست- ترجمات
يُعتبر هذا الكتاب، كما توضح هند السديري، وثيقة تاريخية تبحث الحركة الإسلاموية المتطرفة في المملكة العربية السعودية، بداية من فترة الستينيات إلى عام 2019، ويسعى لتوضيح أسباب انخراط بعض السعوديات في ممارسات الإرهاب.
من المعروف أن تحولاتٍ وتطورات بالغة الأهمية قد حدثت داخل الوسط الجهادي الدولي في العقد الماضي، مثل صعود وسقوط تنظيم داعش؛ وانتشار أنواع مختلفة من هجمات الذئاب المنفردة؛ والتقدم في مهارات التواصل بين الجهاديين وانتشارها؛ وغير ذلك الكثير. خلال الفترة نفسها، شهدت المملكة العربية السعودية عددًا من التغييرات الحاسمة، السياسية والاجتماعية والثقافية.

لهذه الأسباب، أصبح البحث بعمق في مشاركة المرأة السعودية في الجماعات الجهادية، وعمليات التطرف التي تجري داخل المجتمع، الذي يعج بالحركة والنشاط في المملكة، أكثر حتمية من ذي قبل.
الجدير بالذكر أن هند السديري، أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة الأميرة نورة، والعميدة المساعدة لشؤون القبول والتسجيل في جامعة الفيصل في المملكة العربية السعودية، أعدَّت أبحاثًا سابقة مهمة حول المرأة وأدوار الجنسين في المملكة. كما أنها مؤلفة كتاب «المرأة العصرية في المملكة العربية السعودية: الحقوق والتحديات والإنجازات ودور وسائل التواصل الاجتماعي في تمكين المرأة السعودية من التعبير». وقبل عامين، أجرى فريق موقع “عين أوروبية على التطرف” مقابلة مع هند السديري حول العلاقة بين المرأة السعودية ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلى نطاقٍ أوسع، التحولات الاجتماعية العميقة التي تحدث في المملكة.
اقرأ أيضًا: حوار خاص مع د. هند السديري حول المرأة السعودية ووسائل التواصل الاجتماعي
في كتابها الأخير بعنوان «المرأة والتطرف في السعودية»، تتناول الكاتبة مواضيع بالغة التعقيد “من أجل تمكين الجيل القادم من التمييز بين الأيديولوجيات الدينية الحقيقية والمعتدلة وتلك المتطرفة، والمساعدة في تحسين أساليب وسياسات مكافحة الإرهاب”.
يتسم الكتاب بالسلاسة والإيجاز، ويمكن للقراء الذين ليسوا على دراية بتاريخ المملكة العربية السعودية استيعابه بسهوله. ومع ذلك، فإن الموضوعات التي يتناولها أبعد ما تكون عن السهولة. فعندما يتعلق الأمر بقضايا المرأة والتطرف والمملكة العربية السعودية، يميل الجمهور إلى أن يكون مترددًا، وأكثر نفورًا إذا اقترنت هذه الموضوعات الثلاثة مع بعضها البعض.
في هذا الصدد، تشير السديري إلى أن الإرهاب وانخراط المرأة فيه يجتذب تخصصاتٍ مختلفة، حيث تتباين المحاور بناء على المقاربات المستخدمة، لكن معظم الأدبيات لا تتناول انخراط المرأة السعودية فيه، وإذا تناولتها، فهي من وجهة نظر مراقب خارجي قد لا يكون لديه معلومات مباشرة.

الكتاب، الذي ألّفته مثقفة سعودية لديها معرفة عميقة بطرق تصوير الديناميات الاجتماعية والثقافية السعودية في الخارج، يملأ هذا الفراغ جزئيًا. ومن أجل القيام بذلك، تحاول المؤلفة الإجابة على أسئلة معقدة ومتعددة المستويات منها على سبيل المثال: لماذا تنضم المرأة السعودية إلى الجماعات الجهادية؟ هل لديها أسباب مختلفة عن الرجال، وإلى أي مدى هي على استعداد للتضحية؟ ما هي الفئة العمرية للمشاركات؟ كيف تشاركن؟ ما هي أدوارهن؟ هل يشغلن مناصب رسمية في مكان عملهن أو مجتمعهن؟ هل لا يزال هناك أي خطر من انضمام الشابات السعوديات إلى التنظيمات الإرهابية؟ وما هي حالتهن الاجتماعية؟ بالإضافة إلى ذلك، يناقش الكتاب أيضًا الأسماء والشخصيات التي صنّفتها الحكومة السعودية رسميًا إرهابيات، وكذلك أولئك اللاتي اعتقلن وقدمن للمحاكمة.
في إطار الحديث عن المرأة والتطرف، تُعد حالة المرأة السعودية من بين أكثر السياقات إثارة للاهتمام لأنها قد تبدو أكثر إرباكًا لأسبابٍ عديدة. فالنساء السعوديات لسن فقيرات ماديًا، وبالتالي يقعن في أغلبهن خارج نطاق نظريات التطرف القائمة على الحرمان الاقتصادي والحرمان الاقتصادي النسبي. إضافة إلى ذلك، فإن كثير منهن موظفات وعلى درجة عالية من التعليم.
اقرأ أيضًا: كيف علقت الصحافة الدولية على قرار إلغاء حظر قيادة المرأة السعودية؟
علاوة على ذلك، تسلّط المؤلفة الضوء من منظور شخص عليم ببواطن الأمور على أن “السمعة هي جزء من هوية المواطن السعودي، وأي تشويه لتلك السمعة سيؤثر على الأسرة. ويتجلى ذلك في إعلان أسماء الإرهابيات المعتقلات. إذ لم يُكشف إلا عن عددٍ قليل من أسمائهن، احترامًا للعائلة، حيث إن السلطات السعودية نادرًا ما تعلن عن الأسماء باستثناء تلك اللواتي ذكرن بالفعل، وفضحن أنفسهن”.
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2004 تقريبًا، كُلِّفت النساء بالعديد من الأدوار غير المسبوقة في المملكة العربية السعودية من قبل الكيانات الإرهابية. وانتقلت المرأة الجهادية تدريجيًا من ربة منزل تقليدية إلى مساعدة لوجستية، وداعمة مالية، ومُجنِدة.

فيما يتعلق بهيكل الكتاب، ينقسم كتاب هند السديري إلى أربعة فصول. يعرض الفصل الأول “أصل المرأة الجهادية السعودية”، خلفية تاريخية مفيدة للغاية لمكافحة التطرف في المملكة العربية السعودية. ويولي اهتمامًا خاصًا للأحداث التي أعقبت المعالم التاريخية، مثل صعود تنظيم القاعدة في أفغانستان بعد حرب الخليج الأولى في 1990-1991.
ويقدم الفصل الثاني “الأحداث والدوافع المحلية والدولية”، وصف شخصية مُطَّلِعة لعواقب النفوذ المتنامي لجماعة الإخوان المسلمين في المملكة، وأعمال الصحوة الإسلامية. وفي هذا الصدد، تشير الكاتبة إلى أن العديد من الناشطات داخل حركة الصحوة كنَّ ناشطاتٍ حتى وقتٍ قريب، حيث كن يلقين محاضرات ويدعين كمتحدثات معترفٍ بهن اجتماعيًا بشأن مسائل الدين والحياة اليومية.
اقرأ أيضًا: المرأة على خارطة الوطن
وعلى حد تعبير هند السديري، كانت حركة الصحوة في حالة خصومة مع التحديث، إن لم يكن في حالة حرب معه، لأنها كانت حذرة أو متشككة في أي تغيير، واعتبرته تغريبًا. وكانت معارضة المساواة بين الجنسين متأصلة بعمق في خطاب الصحوة. وآمنت الصحوة بالقضاء على الطبيعة الشريرة والمغوية للمرأة، ولذلك أعلنت أن العمل في بيئات مختلطة بين الجنسين محظور، ويتعارض مع الدين.
أما الفصل الثالث “المثقفون المحافظون وتأثيرهم على المرأة السعودية”، فيتناول التأثير الثقافي لخطاب الصحوة على المرأة والأدوار الجنسانية. ويقدم رؤى مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بمفهوم “الالتزام”. وفي هذا الصدد، توضح السديري أن هذه الكلمة كانت جديدة على المجتمع السعودي.
ذلك أنه قبل فترة الصحوة، كان الناس متساوين كمسلمين، ما يعني أن كل واحد منهم يعتقد أن الآخر يطبق الإسلام في حياته. لكن مع الصحوة، بدأ الناس في التمييز بين الناس بناءً على مستوى التزامهم الديني. الشخص الذي يتبع بدقة مبادئ الإسلام سيطلق عليه اسم “ملتزم”، وهذا يعني في هذا السياق، “الشخص الذي يلتزم التزامًا صارمًا بالتعاليم الإسلامية”.

هذا الخطاب الإسلامي المتطرف جعل المرأة السعودية، خاصة تلك التي ولدت في فترة الثمانينيات، فريسة سهلة، لأنها لم يكن لديها ذاكرة صلبة للمناخ الاجتماعي السابق. وكانت العديد من الواعظات مؤثرات في إقناعهن وتحفيزهن على قبول مثل هذا الفهم المتطرف للإسلام. وكان خطابهن يركز على تذكير النساء بالحياة الآخرة، ويوم القيامة وأهوالها.
في الوقت نفسه، لم تستغل أي منهن وضعهن لتقديم أي نوعٍ من السرد المضاد للإرهاب والعنف السياسي. وكما توضح أمل زاهد: “يمكن للمراقب للخطاب الدعوي النسائي ملاحظة أنه لا يوجد اهتمام واضح بمكافحة الإرهاب أو تثقيف المرأة بدورها المهم في خلق جو من الحب والتسامح وقبول الآخر. (…) ربما تكون هناك إشارة إلى الإرهاب في بعض المحاضرات، لكنها لا تأخذ مكانًا أساسيًا في الخطاب الدعوي، على الرغم من أن الإرهاب من أكبر المشكلات التي يجابهها مجتمعنا الآن”.
شاهد: فيديوغراف.. أعوام المرأة السعودية الثلاثة خلف المقود بالأرقام
يتناول الفصل الرابع والأخير “المرأة الجهادية: لماذا؟” الاعتقادَ العام بأن المرأة الجهادية هي الجانب الضعيف من المشكلة، وعادة ما تكون مجرد تابعة لولي الأمر الذكر. وهنا، تذكِّرنا هند السديري بأن تنظيم داعش دشّن عهدًا جديدًا لتطرف المرأة. وهكذا، لم تعد المرأة مجرد زوجة وتابعة لزوجها، بل أصبحت فاعلة وقادرة على اتخاذ القرار، والسير على طريق الجهاد.
وختامًا، يمكن القول إن كتاب هند السديري يمثل نقطة انطلاق مفيدة لأولئك الذين يرغبون في معرفة التطرف الديني في المملكة العربية السعودية، ودور المرأة في الإرهاب المحلي والدولي السعودي. كما أن قراءته تعني أيضًا الاستماع إلى الأصوات الأساسية للمثقفات والباحثات والصحفيات السعوديات اللواتي يقدمن رؤى متعددة من خلال هذا الكتاب، ويمثلن موردًا معاصرًا لفهم دولة غالبًا ما يجنح البعض لتصويرها ببساطةٍ مفرطة تفتقر إلى العمق.
المصدر: عين أوروبية على التطرف