الواجهة الرئيسيةدراسات
فطن وبرامج مكافحة التطرف في السعودية

كيوبوست
محمد بن الشيخ♦
عانت المملكة العربية السعودية التطرف الفكري، الذي هدف إلى التركيز على النشء الصغير؛ في محاولة من التنظيمات الإرهابية لاستغلال ضعف إدراكهم الديني، وإغرائهم لتنفيذ عمليات إرهابية، تحت دعاوي ومنطلقات كاذبة عدة. ولهذا سَعَت الدولة السعودية إلى مكافحة الفكر المتطرف، وذلك عبر اعتماد عدد واسع من الوسائل؛ التي يأتي من ضمنها برنامج “فطن”، الذي بدأ العمل به في أبريل 2015، والذي ركَّز بدوره على التحصين النفسي للطلاب والطالبات من آفة المخدرات والسلوكيات الخطرة، والأفكار المنحرفة، وهو بهذا المعنى لم يركِّز على مكافحة التطرف وحده؛ بل تبنَّى مقاربة أكثر شمولية في علاج كل المشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجه النشء.
شاهد: فيديوغراف: أساسيات نجاح برامج تأهيل المتطرفين
وتعد المملكة من الدول الرائدة في تبنِّي برامج مكافحة التطرف (Counter Radicalization) ونزع التطرف (Deradicalization). وفي حين أن برامج مكافحة التطرف تهدف إلى التعامل الاستباقي لمنع انتشار الأفكار المتطرفة في المجتمع؛ فإن برامج نزع التطرف تهدف إلى محاولة تصحيح المعتقدات الخاطئة لمَن تطرَّف بالفعل، وانخرط في أنشطة تخريبية. ونجحت المملكة في تأسيس عدد من البرامج التي تندرج تحت كلتا الآليتَين، والتي كانت محل تركيز ومراجعة وتقييم؛ ليس فقط من جانب الدراسات العربية، ولكن كذلك من جانب الدراسات الأجنبية، التي اهتمت بتقييم التجربة السعودية بصورة مقارنة مع عدد من التجارب الأخرى، الأوروبية والعربية على حد سواء، خصوصًا مع وجود برامج غربية لمكافحة التطرف اليميني والإسلامي كذلك.
وعلى الرغم من تعدُّد الدراسات في هذا الإطار؛ فإن الجدل، على المستويَين النظري والعملي، لا ينقطع عن جدوى وفاعلية ونجاح هذه البرامج في تحقيق الأهداف التي صُمِّمت من أجلها. وإذا كانت البرامج المتعلقة بنزع التطرف يمكن الاستعانة في تقييمها بعدد من المؤشرات، والتي يأتي في مقدمتها المعيار العددي المتعلق بتحديد نسبة أولئك الذين ارتدّوا إلى تنفيذ عمليات إرهابية بعد خضوعهم لبرامج نزع التطرف مقارنة بأولئك الذين لم ينضموا إلى تنظيمات إرهابية؛ فإن برامج مكافحة التطرف تواجه معضلة كبرى، وهي صعوبة تحديد عدد أولئك الذين نجحت هذه البرامج في تصحيح آرائهم المتطرفة؛ نظرًا لأنها توجَّه بالأساس إلى عدد واسع من الأفراد قد لا يكونون مهيئين لتقبُّل الأفكار المتطرفة من الأساس، كما أن الأفراد الذين يتبنون أفكارًا متطرفة قد لا يكونون على استعداد للإفصاح عنها.
اقرأ أيضًا: برنامج سعودي يتميز عالميًا في تأهيل السجناء
وفي ظل هذا الوضع، تسعى الدراسة المعنونة “فطن وبرامج مكافحة التطرف في السعودية”، والتي أعدَّها الباحث محمد بن خلف بن الشيخ، والمنشورة في موقع حرف آند فاصلة ميديا، لتقييم أحد تلك البرامج المعنية بمكافحة التطرف بين فئة طلاب المدارس، وهو برنامج “فطن”؛ للوقوف على مدى نجاحه في تحقيق أهدافه، والمشكلات التي عاناها البرنامج؛ للمساهمة في الجهود الرامية إلى تقييمه بعد وقفه في أكتوبر 2017.
وفي هذا الإطار، سَعَت الدراسة لإلقاء الضوء على السمات الأساسية لبرنامج “فطن”، ومدى نجاحه في تعزيز الهوية الوطنية، ومعالجة الفكر المتطرف في ظل تنامي ظاهرة التطرف، داخليًّا وإقليميًّا، بل وحتى على المستوى العالمي. وأخيرًا، سَعَت الدراسة إلى تقديم تصور لما ينبغي أن تكون عليه برامج مكافحة التطرف؛ لإرشاد وتوجيه الجهود المستقبلية التي قد تُبذل في هذا الإطار.
وركَّزت الدراسة في تقييمها للبرنامج على استطلاع رأي للخبراء من العاملين سابقًا في البرنامج؛ للوقوف على تقييمهم لأهداف ومكونات برامج الوعي الفكري المناسبة لطلاب المدارس. كما سَعَت للاستفادة من الدراسات السابقة التي تمت في هذا المجال؛ سواء داخل السعودية أو في عدد من الدول العربية، وذلك في إعداد استطلاع رأي موجَّه إلى الخبراء والمهتمين؛ للتعرُّف على وجهة نظرهم في أهم الأهداف والمكونات التي ينبغي أن تكون في برامج الوعي الفكري ومكافحة التطرف المناسبة لطلاب المدارس.
وتشير الدراسة إلى تميُّز برنامج “فطن” عن غيره من البرامج، في كونه لا يهدف إلى التركيز على مواجهة الفكر المتطرف لدى النشء، ولكن يسعى إلى التركيز على بناء شخصية الطالب، خصوصًا لدى الأطفال الذين يعانون قلة مهاراتهم الاجتماعية والشخصية، فضلًا عن حماية الشباب من المؤثرات السلبية والمهددات بأنواعها، سواء أكانت إجرامية أم ترتبط بالتطرف، بالإضافة إلى التركيز على الشباب الذين يعانون أزمة الهوية. وسعى البرنامج إلى الاضطلاع بالأهداف سابقة الذكر من خلال تعزيز القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية، وإقامة البرامج التدريبية، والمحاضرات التوعوية، وورش العمل.. وغيرها.
وكشفت نتائج الاستطلاع عن أهم الجوانب الإيجابية في البرنامج، والتي تمثَّل أهمها في التدريب على تعزيز المسؤولية المجتمعية، وإبداء الرأي باحترام، بالإضافة إلى تقديم برامج تدريبية متنوعة وحلقات نقاش لمشكلات أُسرية ومجتمعية متنوعة. وأخيرًا، شموله جميع المدارس؛ البنين والبنات.

وفي المقابل، تمثَّل أبرز السلبيات التي عاناها البرنامج في الأسباب الإدارية؛ مثل عدم ثبات تبعيته الإدارية في إدارة محددة، وتنقله بين إدارات مختلفة، وضعف مهنية الإدارة التنفيذية للبرنامج، بل وعدم اقتناع مسؤولي البرامج بأهمية البرنامج وخطورة تأثيره؛ مما انعكس على فاعليته سلبًا، بالإضافة إلى تقاطع بعض الأنشطة المندرجة في إطار برنامج “فطن” مع بعض البرامج القائمة فعلًا؛ مثل برنامج “حصانة” وكذلك برامج التوجيه والإرشاد.
كما ارتبطت بعض أسباب تراجع فاعليته في محتوى البرنامج نفسه؛ مثل غموض المقررات التدريبية، فلم تكن الخطة تهدف بوضوح إلى مكافحة التطرف الفكري أو الإرهاب، إنما تناول بسيط لمفهوم الأمن الفكري فقط، بالإضافة إلى عدم ارتباطها بشكل واضح بالهدف الأساسي للبرنامج، وعدم ربط مكونات البرنامج بمفردات المقررات الدراسية، وهي كلها عوامل نتج عنها في النهاية غياب التأثير الواضح للبرنامج على الطلاب والطالبات في ما يتعلق بمحاربة التطرف والإرهاب.
شاهد: فيديوغراف: المبادرة السعودية للحد من التطرف ومكافحة الإرهاب
ونظرًا لأهمية البرامج التي تستند إلى التوعية الفكرية في مواجهة التطرف، فقد ركَّز الباحث على وضع عدد من التوصيات التي يجب أخذها في الاعتبار عند تصميم برامج مستقبلية، والتي يتمثل أبرزها في إجراء عمليات المسح وتحليل الواقع بأسلوب “التحليل الرباعي” (بأسلوب SWOT)؛ لتحديد واقع ظاهرة التطرف الفكري والمقترحات الأولية لمواجهتها، ثم تطوير برامج توعية فكرية بالاستناد إلى المعلومات السابقة، بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة خاصة للوعي الفكري تكون لها الصفة المستقلة، والتي تركز على توجيه ومراجعة هذه الجهود، فضلًا عن ضرورة شمول برنامج مكافحة التطرف مختلف أنواع التطرف الفكري (الليبرالي اليميني المتطرف- اليساري القومي- التشدد الديني)، وعدم الاقتصار على فئة واحدة.
وعلى الرغم من أهمية الدراسة؛ فإنها تمهِّد الطريق أمام إعداد مزيد من البحوث في هذا الإطار، والتي لا تهدف فحسب إلى التركيز على وجهة نظر القائمين على تنفيذ وتخطيط برامج مكافحة التطرف، ولكن إلى محاولة تطوير أدوات واستبيانات لقياس درجة استجابة واستفادة الطلبة من هذا البرنامج، من خلال مراجعة الطلبة أنفسهم؛ بما يُسهم في تقييم صورة أوضح لدراسة وتقييم هذا البرنامج، خصوصًا أن أغلب الدراسات السابقة أغفلت هذا الجانب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦ محمد بن خلف بن عبد الرحمن ابن الشيخ، مشرف عام بمركز الوعي الفكري بوزارة التعليم السعودية، ومستشار تطويري للبرامج بكلية التربية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، ومحاضر متعاون في مركز خدمة المجتمع بجامعة الملك سعود.
♦♦ ملخص دراسة للباحث منشورة في موقع حرف وفاصلة.