الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
عبد الفتاح مورو: أخونة تونس بالتدريج بدلًا من أخونتها مباشرة
يختلف نائب رئيس حركة النهضة عن سواه بأنه يُضمر ولا يُعلن أحلام النهضة بالحكم الديني الشمولي!

كيو بوست –
يمتاز نائب رئيس حركة النهضة، عبد الفتاح مورو، ببراغماتية تفرّد فيها من بين زعماء الحركة المحسوبة على جماعة “الإخوان المسلمين”، فهو من جهة معروف بصبره على تحقيق ما تؤمن به النهضة، ومن جهة ثانية يبذل جهدًا أكثر من غيره في إظهار أفكارI لتسويق الحركة لدى الرأي العام.
براغماتية مورو وتأنيه عبّر عنهما أكثر من مرّة لمسايرة الرأي العام، حتى لو خالفت تلك الآراء معتقداته الشخصية، ومبادئ حركته الدينية؛ فهو يكاد الوحيد من بين قيادات الحركة، الذي رحّب بزواج المرأة المسلمة من غير المسلم، حتى لو كان ذلك يخالف معتقداته وأفكار الإخوان المسلمين، فهو برؤيته البعيدة، والحذرة، يرى بأنه يجب على الإسلاميين في الوقت الراهن “مجاملة” الجميع، وإضمار أهدافهم، حتى يأتي الوقت المناسب لفرض الإسلاميين لآرائهم على باقي الناس.
يستند مورو بفكرته حول التدرج في السيطرة على تونس، على عبارة لطالما استشهد بها في إطلالته الإعلامية: “الأمر قبل أوانه يعاقب صاحبه بحرمانه”، إذ يعتبر أن المطالبة حاليًا بـ”أخونة” تونس، ستلقى معارضة شديدة من قبل التونسيين، فهو يفضّل التغيير من الأسفل، قبل التغيير المباشر من الرأس. عندها ستكون القاعدة الإخوانية مستقرة، ومن الصعب تغييرها أو منافستها حتى أجل غير معلوم، وصولًا إلى الشمولية الدينية بالحكم!
وعلى خلاف “وسطيته” التي يدعيها على وسائل إعلام مقربة من المحور الإخواني، يعترف عبد الفتاح مورو صراحة بغاية جماعة الإخوان المسلمين، ويظهر ذلك في حديث له في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2014، مع صحيفة “العربي الجديد” القطرية -التي تعتبر الذراع الإعلامية الليبرالية للإخوان في العالم العربي- يقول مورو: “قد تتوقف الحركة عند مرحلة ما لأن ظروفها لا تسمح لها بالتقدم، لكن كان الهدف النهائي ضامرًا في أنفسنا ومن دون عنوان، وهو الوصول إلى تحكيم الشرع. لماذا كفّر سيد قطب المجتمعات؟ كفّرها لأنها لا تطبق شرع الله، وهذا يعتبر سياسة. هذا أمر لا يُعلن، وإنما يبقى ضامرًا داخل الأهداف البعيدة للحركة الإسلامية”.
فأهدافه السياسية بصفته قياديًا في جماعة الإخوان المسلمين فرع تونس، تتلخص بأخونة الدولة وتطبيق ما يسمى بالشريعة، لإبقاء السلطة بيد الجماعة إلى وقت لا يمكن للشعب تقريره، مثلما حدث في المناطق التي حكمها الإسلاميون، كإيران وأفغانستان وتركيا.
أما عندما يجري لقاءاته مع وسائل أجنبية، أو غير إخوانية، فهو يصبح علمانيًا أكثر من العلمانيين، عندما يتحدث عن المرأة والليبرالية السياسية وحرية الرأي، ولذلك تبقى هذه أهم نقاط ضعفه، عندما لا يستطيع التنسيق بين ما يقوله لأفراد الحركة وبين ما يصرّح به في العموم.
ومما يضمره مورو في نفسه، ولمّح به في لقائه الأخير على قناة فرانس 24، بخصوص الانتخابات الرئاسية القادمة، وقوله بأنه “يجب على حركة النهضة دعم شخصية من خارجها في الانتخابات الرئاسية المقبلة”، مؤكدًا “أن المرشح الذي ستقدمه الحركة سيجتمع الناس ضدّه باعتبار أن النهضة خصم سياسي غير مسلّم له إلى غاية اليوم”.
يُعتبر ما قاله مورو، اعترافًا مباشرًا، أو ربما زلة لسان، تكشف أن الناس في تونس (الشعب) يرفضون حكم النهضة التام، ولذلك يُفضّل أن تحكم النهضة من الظل، دون أن تظهر بمظهر من يسعى للسلطة أو الحكم.
الاختلاف بالطريقة فقط؟
رؤية مورو ربما لا تختلف كثيرًا عن رؤية أي عنصر إخواني متحمس لفرض الشريعة وأفكار الإخوان على المجتمع، ولكنه يبدو أكثر تأنيًا وحذرًا من سواه، خصوصًا أولئك الذين يدعون لترشح الغنوشي للرئاسة، إذ يعتبرهم مورو بأنهم “متسرعون”، ويعتبر الجدل القائم داخل النهضة بهذا الخصوص بأنه “مرض”، على الرغم من أن أفكاره لا تتعدى أفكار المتشددين من داخل الحركة، ولكنه يختلف في الطريقة.
في لقاء له مع جريدة “القدس العربي” القطرية، وضح مورو رؤيته المتدرجة للوصول إلى السلطة، مغلفة بغلاف ديني وشرعي، قائلًا: “أولئك الذين يغرقون في الجدل حول متى وماذا تلبس المرأة أو تخلع… ليس مهمًا متى تخلع الفتاة ملابسها ومتى ترتديها، الأهم أن تصل إلى قناعة وأن تتراكم معرفتها ويتمايز وعيها، هذا ما نحاول أن نفعله في المجتمع التونسي اليوم”.
وهو ما سيؤدي بالتالي إلى النتيجة ذاتها التي يدعو إليها عتاة المتطرفين داخل الحركة الإخوانية، ولكن بصبر أكثر، وبسيطرة أكبر على مفاصل الدولة والإعلام والبلديات وجميع مؤسسات الدولة، مما سيحول تونس إلى دولة شمولية، ربما ستصبح علمانيتها التي تفتخر بها -إذا ترسخت أفكار مورو- من الماضي التونسي العريق!