الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية

عبدالله بن خالد في حوار مع كيوبوست حول التطرف والإصلاح والتهديد الإيراني

كيوبوست – غازي الحارثي

تمهيد

رغم الجهود الدولية التي بُذلت على مدى عقودٍ لمحاربة تنظيم القاعدة في أفغانستان واليمن والعراق؛ فإن هذه الجهود لم تمنع التنظيم من الانتشار في مناطق عديدة في الشرق الأوسط وبعيداً عنه، ووصل إلى ذروة عملياته عندما استهدف مبنى برج التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001؛ الأمر نفسه تكرر باختلافات متباينة مع تنظيم داعش الذي ظهر نشاطه في المنطقة بشكل معلن على خلفية الاضطرابات الأمنية التي أعقبت أحداث ما يسمى بـ”الربيع العربي”، واختلفت الدراسات والتحليلات حول أسباب نشوئه وخلفيات دعمه وتنامي نفوذه في مناطق التوتر تلك.

وعلى الرغم من إعلان الحكومة العراقية، في نوفمبر عام 2017 القضاء على تنظيم داعش عسكرياً على أراضيها، وإعلان قوات سوريا الديمقراطية في مارس 2019 القضاء على “داعش” في سوريا؛ فإن جيوب التنظيم الإرهابي ما زالت تنشط من فترة لأخرى، وما زالت “ذئابه المنفردة” تقوم بعملياتٍ متفرقة في المنطقة وخارجها؛ في تكرار لنهج تنظيم القاعدة.

السعودية لم تكن مجرد هدف للتنظيمات الإرهابية وجماعات العنف بمختلف مذاهبها، وإنما كانت هدفاً أساسياً، وقد تعرَّضت إلى العديد من العمليات العنيفة، وخاضت حرباً ممتدة مع تنظيم القاعدة؛ انتهت بالقضاء على أعضائه المطلوبين داخل السعودية، وتَلَت هذه الأحداث تطوراتٌ كثيرة آلت إلى الإصلاحات الاجتماعية والتنموية والاقتصادية التي يقودها الآن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

اقرأ أيضًا: إصلاحات السعودية.. رؤية متكاملة نحو التنمية المستدامة

“كيوبوست” أجرى حواراً صحفياً مع الأمير عبدالله بن خالد آل سعود، الأستاذ في جامعة نايف للعلوم الأمنية، ناقشه فيه حول نتائج الجهود الدولية لمحاربة تنظيم داعش ومآلات التنظيم في ظلِّ التطورات الجارية، كما ناقش الإصلاحات الجارية في المملكة من زوايا فكرية واجتماعية.. في ما يلي الحوار:

* سمو الأمير، أنت من أكثر المتابعين لصعود وضمور وانبعاث التنظيمات المسلحة، ولك دراسة عن “داعش”، الآن نشهد شبه انبعاث للتنظيم، كيف تفسر ذلك؟

– هذا صحيح إلى حد كبير؛ فقد شهد عام 2020 وبداية 2021 نشاطاً متزايداً ووتيرة تصاعدية لهجمات التنظيم، خصوصاً في العراق وسوريا؛ ولكن أيضاً في مناطق متفرقة من القارة الإفريقية وأفغانستان. وهذا يؤكد ما نردده مراراً بأن مثل هذه التنظيمات الإرهابية لا يمكن مجابهتها عسكرياً فقط، فقد خسر التنظيم كل أراضيه التي كان يسيطر عليها، وتم القضاء على عددٍ من قادته؛ أبرزهم زعيمه الأسبق أبو بكر البغدادي. ومع ذلك نجده في ظروفٍ وسياقات معينة يعاود الظهور والتحرُّك والاستقطاب. السبب الأساسي هو أننا لم نعالج الظروف والبيئة المهيئة لبقاء التنظيم، والتي لعبت دوراً رئيسياً في صعوده في المقام الأول.

إن ترك أراضٍ محروقة بلا مؤسسات وخدمات، وخطة لإعادة البناء وتوفير الأمان بعد التحرير لا يحل الأزمة؛ بل يجعلها بيئة خصبة لمعاودة ظهور تيارات التطرف فيها.

إن ترك أراضٍ محروقة بلا مؤسسات وخدمات، وخطة لإعادة البناء وتوفير الأمان بعد التحرير لا يحل الأزمة؛ بل يجعلها بيئة خصبة لمعاودة ظهور تيارات التطرف فيها، وجود الفراغ الأمني، ضعف مؤسسات الدولة وهشاشتها، عدم قدرتها على توفير الخدمات الأساسية في العديد من المناطق، سيادة السياسات الطائفية وانتشار الميليشيات المسلحة المدعومة من دول خارجية على رأسها إيران، انتشار وتغلغل الفساد.. كل هذه العوامل ما زالت متوفرة وتخلق بيئات خصبة تمكِّن هذه الجماعات من الحفاظ على وجودها وإعادة الظهور. ومن الخطأ الكبير الاعتقاد أن ما يحصل في بلد معين لن يتطور ليهدد بلدانًا ومناطق أخرى في هذا العصر الذي نعيش فيه.

أبو بكر البغدادي في آخر ظهور له – أرشيف

أضف إلى ذلك عدم وجود استراتيجية دولية موحدة تجاه قضية ما اصطلح على تسميتهم بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب وعائلاتهم القابعين في السجون والمخيمات في العراق وسوريا؛ حيث لا تملك السلطات المحلية القدرة أو الرغبة في إبقائهم عدا عن محاكمتهم أو إصلاحهم وتأهيلهم. العديد من الدول؛ خصوصاً في القارة الأوروبية، أبدت تردداً كبيراً في استرجاع مواطنيها لأسبابٍ داخلية مختلفة سياسية وقانونية وأخلاقية؛ ولكن الأكيد أن عدم استرجاعهم من قِبل الدول ذات الأجهزة الأمنية والأنظمة القضائية المتقدمة لن يحل الموضوع، وإنما يؤجله إلى تاريخٍ لاحق قد تكون حينه المشكلة أكبر وأعقد.

أخيراً، لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته جائحة كورونا في الفترة الماضية في خلق فرصٍ سانحة للاستغلال؛ سواء على المستوى الفكري والأيديولوجي أو العملياتي، للتنظيمات المتطرفة والإرهابية على اختلافها، وقد كنت كتبت بحثاً مطولاً عن ذلك. ففي دولٍ تعاني أصلاً ضعف أجهزتها الأمنية وبنيتها الصحية والاقتصادية، شكَّلت الجائحة ضغطاً هائلاً على هذه المؤسسات مما خلق فراغاتٍ أمنية مكَّنت التنظيم من إعادة ترتيب الصفوف والتجهيز لإعادة الانطلاق.      

* ما أوجه القصور في المعالجة الدولية للجوانب الفكرية والعقائدية التي أسهمت في نشوء تنظيم داعش؟

 – أحد أهم أوجه القصور هو التركيز الكبير على تحقيق الأهداف والنجاحات قريبة المدى، والتي غالباً ما تتحقق من خلال المواجهة العسكرية الصلبة، وعدم إعطاء نفس التركيز والموارد والإمكانات؛ لتحقيق الأهداف طويلة المدى. على سبيل المثال، تعاني الكثير من الدول التي توفر محاضن وملاذات آمنة للجماعات الإرهابية ضعفاً في مؤسساتها الداخلية المعنية بمكافحة الإرهاب؛ من شرطة وقضاء وسجون؛ بل وحتى تعليم، إلا أن التعاون الدولي في سبيل بناء القدرات في هذا المجال ليس بالمستوى المطلوب؛ لأنه يستدعي التزامات أعمق وأطول وربما أعقد.

أحد أهم أوجه القصور الأخرى هو عدم الفهم العميق للسياقات المحلية المختلفة لظاهرة التطرف العنيف والإرهاب من قِبل العديد من الجهات الدولية المعنية؛ فالتعميم في ظاهرة معقدة ومركبة كالإرهاب لا يمكن أن يقود إلى سياسات مواجهة ناجعة، فالمحركات والعوامل الدافعة غالباً ما تنبع من سياقات محلية مختلفة، فهمها وتحليلها بالشكل الدقيق والصحيح يعد أمراً ضرورياً تفتقده الكثير من محاولات المعالجة الدولية. السبب يعود غالباً إلى تعقيدات السياقات المحلية وندرة المختصين.

عناصر إرهابية – أرشيف

لا بد من الإشارة هنا إلى نقطةٍ عامة؛ وهي أن الجانب الفكري على أهميته الشديدة واستحالة إغفاله عند الحديث عن عملية التطرف بشكلٍ عام، إلا أن دوره برأيي لاحق؛ بهدف إضفاء قيمة عليا ومعنى سامٍ لهذه العملية المركبة.

لا بد من الإشارة هنا إلى نقطةٍ عامة؛ وهي أن الجانب الفكري على أهميته الشديدة واستحالة إغفاله عند الحديث عن عملية التطرف بشكلٍ عام، إلا أن دوره برأيي لاحق؛ بهدف إضفاء قيمة عليا ومعنى سامٍ لهذه العملية المركبة، بمعنى أن الشخص المتطرف غالباً ما يسبق اعتقاده استدلاله، لذلك تجد أن الأيديولوجيات المتطرفة عموماً تحرص على توظيف المظالم التي يعتقد بها الكثيرون في السياقات المختلفة، والتي ذكرنا أمثلة على بعضها في إجابة السؤال السابق، وتدمجها في سرديتها لاستقطاب أصحابها، وإقناعهم بأنهم أصحاب قضايا عامة وسامية. هذا بالطبع لا يقلل من أهمية الجانب الفكري والأيديولوجي أياً كان وضرورة مواجهته؛ فدوره في تعزيز وتعميق الإيمان بالأفكار المتطرفة والدفع نحو تبنِّي خيار العنف والإرهاب لا يمكن تجاهله.

* شككت روسيا في إعلان الولايات المتحدة القضاء على “داعش” في سوريا، واستغربت الحكومة العراقية من تأخر هزيمة التنظيم في سوريا.. هل تلعب التباينات السياسية بين الدول دوراً في نجاح أو فشل جهود التصدي الدولية للتنظيمات الإرهابية؟

 – بلا شك؛ بل إن التباينات القيمية بين الدول وتحيزات المصالح الجيوسياسية أعاقت، ولا تزال تعيق، الإجماع الدولي حول تعريف الإرهاب وتحديد الجماعات الإرهابية، فضلاً عن التصدي لها. انظر إلى سوريا على سبيل المثال؛ حيث تنشط الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، تجد أن بعضها تحاربها دول بينما تدعمها دول أخرى، والعكس صحيح، انظر كذلك إلى موقف الصين في تعاملها مع القضية السورية، والذي يعد تعبيراً قوياً لرفضها القواعد والقيم الموضوعة من قِبل المنظمات الدولية التي ترى سيطرة الغرب عليها.

 موقف الصين في تعاملها مع القضية السورية، يعد تعبيراً قوياً لرفضها القواعد والقيم الموضوعة من قِبل المنظمات الدولية التي ترى سيطرة الغرب عليها.

كما أن في دعمها الدائم لإيران في المنظمات الدولية والمواقف، المعلنة على الأقل، تدليلاً واضحاً على هذه القضية. فعلى الرغم من دعم الأخيرة لجماعات إرهابية وميليشيات مسلحة دون الدولة، وانتهاكها محرمات في عرف السياسة الخارجية الصينية من حيث خرقها سيادة الدول، وتدخلها الفج المادي والمعنوي في شؤون دول أخرى صديقة للصين في المنطقة، فإن دعم الصين لها ينبع من الأولوية التي توليها لتنافسها الجيوسياسي والاقتصادي مع المعسكر الغربي والولايات المتحدة تحديداً.

دعم الصين إيران ينبع من الأولوية التي توليها لتنافسها الجيوسياسي والاقتصادي مع المعسكر الغربي والولايات المتحدة تحديداً.

في المقابل أيضاً، أعلنت “استراتيجية الدفاع القومي” الأمريكية، التي أفصح عنها البنتاغون في مطلع 2018م، أن “المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشغل الشاغل للأمن القومي الأمريكي”، ولا شك أن تصاعد حدة التنافس الجيوسياسي والتموضعات الاستراتيجية مستقبلاً سيكون له انعكاسات على أرض الواقع في مجالات عدة؛ من ضمنها أوجه التعاون الدولي الممكنة في مجال مكافحة الإرهاب.

اقرأ أيضًا: إيران تتحدى المجتمع الدولي.. وتستمر في احتضان تنظيم القاعدة

* لماذا تصر إيران على احتضان قادة “القاعدة”؟

– باختصار؛ لأن وجودهم لديها يخدم مصالحها وتوجهاتها الثورية لزعزعة أمن المنطقة؛ فهي تعدهم ورقة هجومية تستخدمها في ضرب مصالح خصومها من جهةٍ، ودفاعية تأمن بها، متى ما دعت الحاجة، من استهداف التنظيم مصالحها الشخصية من جهةٍ أخرى. فمن وسط إيران التي يقيم فيها منذ عام 2002م تقريباً، وتحت نظر سلطاتها، أَمَرَ ووجَّه ثاني أبرز قيادات “القاعدة” حالياً المصري محمد صلاح الدين زيدان، المعروف بسيف العدل، من خلال اتصالاته، العديد من هجمات وحملات التنظيم في المنطقة وخارجها، كحملة التنظيم في السعودية في عام 2003م. وعلى الجانب الآخر، تستخدم إيران هؤلاء القيادات وأهلهم المقيمين لديها في عقد صفقات تبادل الرهائن مع التنظيم في حال قام الأخير بخطف أحد دبلوماسييها، وقد تم ذلك أكثر من مرة؛ آخرها على حد علمي في عام 2015م. لذا فمن غير المستغرب احتضانها لهم، وهي الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم.

والعلاقة بين إيران و”القاعدة”، على الرغم من الاختلاف المذهبي، قديمة وسابقة لأحداث 11 سبتمبر، وقد كنت فصَّلت في ذلك في مقالٍ سابق في صحيفة “الشرق الأوسط“. وهذه العلاقة في طبيعتها أقرب إلى الزواج المصلحي المبني على توافق الأهداف منها إلى التحالف الاستراتيجي المبني على توافق الرؤى؛ ولكنها على مدى العقود كانت، ولا تزال، تلقي بآثارها الوخيمة على أمن المنطقة والعالم.

هجمات 11 سبتمبر عام 2001 التي استهدفت البرجَين التوأمَين في مجمع التجارة العالمي في نيويورك- the conversation

* الكثير من وسائل التقنية ومنصات التواصل الاجتماعي قامت بإجراءات -يراها البعض مؤقتة وزمنية- لاحتواء خطر استخدامها لصالح الجماعات المتطرفة.. هل سنشهد نجاحاً أم إخفاقاً لهذه الإجراءات؟

– هذه قضية مهمة، وقياس مدى النجاح والفشل فيها نسبي ويعتمد على زاوية الرؤية؛ فلو كان المقصود التجاوب الديناميكي والسريع لحذف المحتوى الإرهابي والمتطرف والحسابات الداعمة له، فلا شك أن العديد من منصات التواصل الاجتماعي، بالأخص “فيسبوك” و”تويتر”، حققت خلال السنوات الماضية نجاحات جيدة، وإن متفاوتة. أما إن كان المقصود القضاء على ذلك المحتوى تماماً في هذه المنصات وغيرها؛ فلا شك أن النتيجة هي الفشل الذريع لاستحالة ذلك.

صعوبة وتعقيد هذه القضية يعود برأيي إلى ثلاثة عوامل رئيسية: أولاً، هناك المعضلة المتكررة معنا دائماً حول التعريف وتحديد ماهية المحتوى الإرهابي الذي يجب حذفه وتقييده، مقابل ذلك الذي يدخل في إطار المسموح تحت شعار حرية التعبير. وهنا أيضاً نعود إلى قضية التباينات في منظومة القيم والأطر القانونية والأيديولوجية بين الدول والمجتمعات. ثانياً، حقيقة أن الفضاء الإلكتروني هو فضاء حر لا يعترف بحدود السيادة وقوانينها، وبالتالي يصعب جداً على الدول تقييده، إلا إذا ما استثنينا التجربة الصينية؛ لفرض سيادتها على الإنترنت، وهي التي يصعب جداً استنساخها برأيي. أخيراً، وكنتيجة لما سبق، فإنه مهما تم تضييق الخناق على الدعاية المتطرفة والمحتوى الإرهابي في مكان ما وسط هذا الفضاء الإلكتروني الفسيح، سيجد هذا المحتوى مكاناً آخر جديداً للظهور والتحرك بحرية. وقد تكرر ذلك خلال العقد الماضي أكثر من مرة على شكل موجات هجرة من منصة إلى أخرى جديدة بعد تضييق الخناق في تلك الأولى. على الرغم من ذلك، أرى أن هذا بحد ذاته يعد نجاحاً لا يجب الاستهانة به، فالمنصات ليست متساوية من حيث الانتشار والتأثير وحجم الضوء المسلَّط عليها، وبالتالي فإن دفع الدعاية والمحتوى المتطرف الإرهابي من المواقع الرئيسية في وسط دائرة الضوء إلى المواقع الطرفية والهامشية والأقل ضوءاً يعد هدفاً مهماً يستحق العناء والجهد.

المنصات ليست متساوية من حيث الانتشار والتأثير وحجم الضوء المسلَّط عليها، وبالتالي فإن دفع الدعاية والمحتوى المتطرف الإرهابي من المواقع الرئيسية في وسط دائرة الضوء إلى المواقع الطرفية والهامشية والأقل ضوءاً يعد هدفاً مهماً يستحق العناء والجهد.

لعبة القوات الخاصة التي لاقت إقبالًا واسعًا من الجماعات الإرهابية

* في عددٍ من الأوساط الغربية يستمر ربط السعودية بشكل مباشر وغير مباشر بنشر حالة العنف والتكفير.. ما السبب في ذلك برأيك؟

– مرد ذلك في أغلبه إما إلى الجهل بدور وموقف المملكة، أو العداء ومحاولة الابتزاز السياسي؛ وإلا فالسعودية هي المستهدف الأول لكل جماعات العنف والتكفير، فكيف تسعى لنشر ما يستهدف أمنها ووحدتها؟ كما أن جهودها في مواجهة هذه الجماعات شهدت بها العديد من الدول والمنظمات الدولية، وخلدتها دماء شهدائها من أبنائها؛ لذا إن كان المقصود السعودية كدولة وكيان سياسي فهذا غير منطقي ولا تدعمه الحقائق إطلاقاً. أما إن كان المقصود وجود سعوديين ينتمون إلى جماعات العنف والتكفير، ويروجون لأفكارها، فهذا بلا شك موجود؛ ولكن مثله موجود أيضاً في أغلب دول وبقاع العالم.

قد تكون السعودية، كغيرها الكثير من دول العالم، انتهجت بعض السياسات في الماضي والتي تبيَّن خطؤها في ما بعد؛ ولكنها تصحِّح من مسارها وتعالج أخطاءها متى ما تبيَّنت لها بشكل دائم ومستمر.

بالإضافة إلى ذلك، قد تكون السعودية، كغيرها الكثير من دول العالم، انتهجت بعض السياسات في الماضي والتي تبيَّن خطؤها في ما بعد؛ ولكنها تصحِّح من مسارها وتعالج أخطاءها متى ما تبيَّنت لها بشكل دائم ومستمر. والأهم أن ذلك ينبع بالدرجة الأولى من دافع داخلي ولأجل أبنائها وشعبها؛ لا نتيجة ضغط وابتزازٍ خارجي.

اقرأ أيضًا: القيادة القوية ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى

في أكتوبر 2017 تعهَّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بالقضاء على التيارات المتطرفة. كيف تردون على مَن يجادل بأن السياسة المتبعة لمحاربة هذه التيارات في المملكة تناقض خطط التعايش السلمي والانفتاح؟

– أقول إن تيارات التطرف، بطبيعتها، تأبى التعايش السلمي أصلاً ولا تنتظم فيه؛ لذلك على الدول الراغبة في تعزيز السلم والترابط المجتمعي تحجيمها ما أمكن. يجب التأكيد هنا أن لكل دولة كامل الحرية في سنّ قوانينها وأنظمتها لتحقيق أمنها بالمنظور الذي تراه مناسباً لها، وعلى مواطنيها والمقيمين فيها الالتزام التام بها، وعلى الآخرين خارجها احترامها، وإن لم يتفقوا معها. في عام 1435هـ (2014م)، أصدرت السعودية قائمة تضم عدداً من المنظمات الإرهابية داخل وخارج المملكة، وجرَّمت الانتماء إليها والتعاطف معها ومدّها بالدعم. من ضمن المنظمات التي شملتها القائمة، بالإضافة إلى “داعش” و”القاعدة”، كانت جماعة الحوثيين في اليمن، و”حزب الله” في السعودية، وجماعة الإخوان المسلمين. كما نص البيان نفسه على أن “الدعوة إلى الفكر الإلحادي بأية صورة كانت، أو التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي التي قامت عليها هذه البلاد” من الأمور الموجبة للمحاسبة والعقاب. هنا، لم تعد المسألة مسألة اجتهاد وتعايش؛ بل أصبحت واضحة ومجرَّمة بنص النظام. وولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ووفقه- تعهَّد وصدق، والنتائج واضحة للعيان. وأدعو أي مشكِّك، إن كان من خارج المملكة، أن يزورها ليشهد بنفسه حجم التغيير الإيجابي الذي حدث خلال بضع السنوات الأخيرة، وينعم معنا بحقبة فريدة من الانفتاح والتعايش السلمي.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان- “بلومبيرغ”

* هل يمكن النظر إلى مشروعات الثقافة والفن والترفيه في السعودية ضمن إطار المعالجات الفكرية لقضية التطرف والتشدد؟

– ضيق الأفق والثنائية الحدّية في الطرح والرأي من السمات البارزة للمتطرفين. والثقافة وتراكم رصيدها المعرفي وتقبُّل وتذوُّق الفنون بأشكالها المختلفة تفتح أبعاداً ومدارك جديدة للإنسان محفّزة على توسيع الأفق وتقبُّل الاختلافات في الرأي. وبالتالي يمكن اعتبارها داخلة ضمن المعالجات غير المباشرة. وكذلك الترفيه؛ فهو ضرورة لا ترف لتحقيق التوازن النفسي في خضم الوتيرة المتسارعة لضغوطات الحياة والدراسة والعمل.

اقرأ أيضًا: الأزياء السعودية.. قطاع زاخر يُعاد إحياؤه من رحم التراث

العائلة الحاكمة السعودية منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى وهي غنية، ولله الحمد، بأبنائها الذين حرصوا على طلب العلم وتميَّزوا في مجالاته المختلفة؛ بدءاً من الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وصولاً إلى وقتنا الحاضر.

* نادراً ما أخرجت عوائل سياسية أو مالكة عربية مفكرين من أبنائها، وهذا كان شبه قاعدة تقريباً. في العقود الثلاثة الأخيرة بدأنا نشهد بروز أسماء لأمراء في المجال الأكاديمي.. ما تفسيركم؟

– أعتقد أن السؤال ينطوي على افتراضٍ غير دقيق ابتداءً؛ فالتاريخ العربي والإسلامي مليء بأسماء أمراء مفكرين وأدباء وفقهاء وشعراء عدة، كالخليفة العالم الزاهد عمر بن عبدالعزيز، والشاعر أبي فراس الحمداني.. وغيرهما الكثير، والعائلة الحاكمة السعودية منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى وهي غنية، ولله الحمد، بأبنائها الذين حرصوا على طلب العلم وتميَّزوا في مجالاته المختلفة؛ بدءاً من الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وصولاً إلى وقتنا الحاضر، في نهاية المطاف، أبناء الأُسر السياسية أو المالكة مختلفو الثقافات ومتعددو الاهتمامات، ويعتريهم ما يعتري غيرهم من أبناء الأسر الأخرى. ففي مجالات الفكر والثقافة لا تمايز ولا تمييز بالأنساب.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة