الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون خليجية

عبدالله السيد ولد أباه: دول الخليج تعيش لحظة فلسفية واعدة

الفيلسوف الموريتاني في مشاركة إذاعية يؤكد: فكرة الإسلام السياسي خرجت من وهم ظهر في بعض مدارس الاستشراق مفاده أن "الإسلام دين ودولة".. وهي نظرية مخالفة لكل التقليد والتراث الإسلامي

كيوبوست

في نص حول التنوير، يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: “إن التنوير موقف فكري وفلسفي للتحرر الذاتي مقابل السلطتَين؛ الدينية والسياسية، وعندما تكونا غير معيقتَين، عندها يصبح الفكر الفلسفي متاحاً”؛ وهي المقولة التي استعان بها الفيلسوف الموريتاني الدكتور عبدالله السيد ولد أباه، في حوار أُجري معه ضمن برنامج “ساعة خليجية”، في حلقة عنوانها “الفلسفة ومحاربة التطرف في الخليج”؛ حيث عبَّر عن اعتقاده بأن دول الخليج تعيش لحظة فلسفية واعدة.

ورأى ولد أباه، خلال استضافته في البرنامج الذي يُبث عبر راديو “مونت كارلو”، أن اهتمام دول الخليج بالفلسفة ينبع من مصدرَين؛ أولاً أن المنطقة كانت محرومة لسنوات ماضية من الفلسفة، بينما كان الصوت المسيطر صوت التطرف الديني… والمصدر الثاني يتمثل في المستوى العالمي؛ إذ يعيش العالم لحظة من لحظات التحوُّل الكبرى في تاريخ الإنسانية، والفلسفة في اللحظات الحاسمة تساعد في الإجابة عن الإشكاليات، مشيراً إلى أن منطقة الخليج معنية بالإجابة عن أسئلة جوهرية؛ كتركيبات الدولة، والانسجام الاجتماعي، ووضعية الإنسان وحقوقه، والمرأة…

اقرأ أيضاً: إلى من يهمه الأمر.. دراسة الفلسفة ليست ترفاً!

التجربة العُمانية

وتطرَّق ولد أباه، خلال حديثه، إلى التجربة العمانية في الفلسفة، عقب مشاركته في المؤتمر الفلسفي الأول لمؤسسة الزبير في سلطنة عُمان، ورأى أن الحالة العُمانية لها خصوصيتها؛ فالمجتمع هناك متسامح ولا يلاحظ فيه التركيبة الطائفية، ولكن التجربة الفلسفية تأخرت في عُمان، حسب ولد أباه؛ لأن المناهج التربوية التي اعتمدت فيها لم تكن تركز على الدرس الفلسفي.

ولاحظ ولد أباه أن التفكير الفلسفي في عُمان جاء وليداً لحالة مجتمعية حاضنة وانفتاح حقيقي على التفكير الفلسفي، وليس نتيجة لإملاءات من السلطات العليا فقط، لافتاً إلى أن موقف السلطات الحاكمة إيجابي وداعم، ولا يقف عائقاً في وجه الانفتاح الفلسفي الحاصل؛ الأمر الذي أكده الكاتب والباحث العُماني سعود الزدجالي، الذي شارك في الحوار عبر مداخلة هاتفية؛ لكنه بالمقابل وجد أن هناك معيقات مرتبطة بالخطاب الديني السائد ضد الفلسفة، بسبب اعتبارات في السلطنة وفي الخليج ككل.

الكاتب والباحث سعود الزدجالي- “تويتر”

وأضاف الزدجالي أنه من غير الممكن الزعم بأن الخطاب الديني منفتح على الفلسفة؛ بل هناك نوع من الاستعداء تجاه الفلسفة وهجوم عليها، باعتبارها خطاباً معادياً للدين وإلحادياً أحياناً، مؤكداً أنه لا يمكن الزعم بوجود إنتاج فلسفي في عُمان على المستوى التراثي؛ فلا نجد اهتماماً بالمنطق، إنما توجد بعض الومضات لا تدل على وجود خطاب فلسفي عميق إنما إنتاج يقترب من الإنتاج الخليجي؛ إنتاج ديني مكرر وليس فلسفياً.

مستقبل فلسفي زاهر

وفي ما يتعلق بالتجربة السعودية، عبَّر ولد أباه عن اعتقاده بأن المستقبل الزاهر والكبير للفلسفة سنشهده من السعودية ومن الخطاب الديني النقدي فيها، بناءً على عدة مؤشرات؛ كالاهتمام غير المسبوق في الكتاب الفلسفي، إضافة إلى تساوق الفلسفة مع الخطاب الديني المنفتح في تأويلاته النقدية، موضحاً أن كل الفلاسفة الكبار خرجوا من الدرس اللاهوتي؛ كالفيلسوف ابن رشد وكتابه “فصل المقال”؛ وهو فتوى دينية، لكنه مع ذلك مهم بتاريخ الفلسفة.

اقرأ أيضاً: هل يحتاج الناس إلى الدين والفلسفة؟

وعلى الرغم من أن لكل دولة خليجية خصوصيتها في ما يتعلق بالحالة الفلسفية فيها، وفقاً لولد أباه؛ كالكويت التي تدرس الفلسفة من فترة طويلة، والإمارات التي كانت تدرس الفلسفة سابقاً، وعادت لتدريسها في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية؛ فإن الحالة السعودية لها التأثير الأكبر والأوسع، كونها الدولة الأكبر في المنطقة.

أما تجربة الكويت في تدريس الفلسفة، فقد وصفها ولد أباه بأنها تجربة رائدة؛ لأن الكويت اختارت منذ سنوات طويلة فتح قسم للفلسفة في جامعة الكويت، وهذا التكوين الفلسفي بتناسب مع المشروع التنويري الذي بدأ بتلك الفترة فيها، إلا أن الشق الأكاديمي كان مقطوع الصلة عن الحركة المجتمعية العامة في الكويت.

وفي هذا السياق، أشار محمد الوهيب، رئيس قسم الفلسفة في جامعة الكويت، عبر مداخلة هاتفية له في الحوار، إلى أن الأصوات الفلسفية التي كانت تطرح رؤاها الفلسفية عموماً ما كانت تواجه آراء محافظة كانت تحاول إسكاتها دائماً، وهذا ينطبق على كل الدول العربية والإسلامية والغرب سابقاً.

الدكتور محمد الوهيب- أرشيف

وفي ما يتعلق بدور المفهوم الفلسفي في تشكيل التجربة السياسية الكويتية، رأى الوهيب أن التجربة الفلسفية الكويتية تجربة عريقة؛ فمنذ تأسيس جامعة الكويت خلال الستينيات كان قسم الفلسفة من الأقسام الأساسية فيها، معتقداً أن عمق التجربة السياسية الكويتية على الرغم من أخطائها؛ فإنها تعبير عن المبادئ العظيمة التي كانت تنادي بها الأغلبية السياسية، ما يدعو إلى الفخر والنظر إليها بالكثير من الاحترام.

الفلسفة السياسية

وتناولت الجزئية الأخيرة من الحلقة مفهوم الفلسفة السياسية، الذي وجده ولد أباه مهماً للغاية في منطقة الخليج؛ لإعادة بناء المنظور السياسي للدولة الوطنية في الخليج، والتي ظهر أنها متماسكة وصلبة على المستوى الوظيفي، في الوقت الذي انهارت فيه جل الدول العربية بالمشرق، مشيراً إلى أن ذلك الانهيار يحثّنا على إعادة التفكير في البناء السياسي للدولة الوطنية؛ وهو محور أساسي في التفكير الفلسفي، لأنه يتعلق بفكرة الدولة نفسها.

وبهذا الخصوص، طرح ولد أباه سؤالاً اعتبره أساسياً: “كيف يمكن أن نعيد بناء وتركيب الدولة الوطنية من المنظور المؤسسي؛ حتى تصبح صلبة وقادرة على مواجهة كل الصدمات، سواء إقليمية أو دولية؟”.

اقرأ أيضاً: يوسف الصديق: لم نستطع رفع النص القرآني إلى مجال الفكر والفلسفة

وكخيار لبناء الدولة الجديدة القائمة على مفاهيم فلسفية، رأى أن العلمانية ليست خياراً مطروحاً في دول الخليج؛ لسبب بسيط أن كل الدول الخليجية تعتمد الشريعة الإسلامية، علماً بأن ذلك لا يمنع من المرور إلى لحظة نهضوية تنويرية، مؤكداً ضرورة الخروج من مأزقَين؛ أولهما فكر الإسلام السياسي الذي أتى بمفهوم غريب للدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، في حين أن المجتمعات العربية تطبق الشريعة، ودساتير دول المنطقة تعتمد الإسلام ديناً لها، ولا توجد مشكلة شرعية دينية للدولة.

ووجد ولد أباه أن فكرة الإسلام السياسي خرجت من وهم ظهر في بعض مدارس الاستشراق، مفاده أن الإسلام دين ودولة؛ وهي نظرية مخالفة لكل التقليد والتراث الإسلامي، لافتاً إلى أنه لم يعرف أحداً قبل حسن البنا قال إن الإسلام دين ودولة؛ وهي فكرة أصبحت المعول الذي تهدم به الدولة الوطنية في إطار أن الدولة فاقدة الشرعية، علماً بأنه لا توجد مشكلة في الشرعية الدينية للدولة، فكل النظريات التي قام عليها الفقه السياسي الإسلامي كانت وظيفة الدولة حفظ الأمن ودرء الفتن، وهذا متحقق الآن.

أما المأزق الثاني، وفقاً لولد أباه، فيتمثل في فكرة بسيطة يجب الخروج منها؛ ألا وهي أن الشرعية في دول المنطقة قائمة على شرعية تقليدية محضة، فمثلاً هناك سردية يقوم عليها الفكر السياسي السعودي؛ متمثلة في الدولة السعودية الأولى والثانية… لكن السعودية الآن؛ دولة وطنية حديثة قامت على مرتكزات الدولة الحديثة، لافتاً إلى أن التركيز دائماً على فكرة الإمامة الشرعية والدولة الحاضنة للتوحيد تم تجاوزه؛ باعتبار أن الدولة الوطنية السعودية هي دولة مشروعة دينياً لكنها تقوم على التضامن الاجتماعي والتماسك الأهلي والمدني، وشرعية الإنجاز، مشيراً إلى أن كل تلك المفاهيم يمكن أن تُصاغ فلسفياً؛ فالمسألة لا تتعلق بشكل نظام سياسي معين، إنما بفكرة بناء الدولة القائمة على السيادة والانسجام المدني، وهي قائمة في الخليج وأثبتت نجاعتها على مستوى الأداء؛ لكن ما زلنا نحتاج إلى تفكير فلسفي معمق لبلورة الأطر الفكرية لهذا المشروع السياسي.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة