اسرائيلياتالواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية

عام على “اتفاقات إبراهام”.. شراكات وتفاهمات تختصر المسافات

مراقبون خليجيون واسرائيليون لـ"كيوبوست": ماحدث قبل عام كان اختراقاً تاريخياً سيعود بالنفع على دول المنطقة

كيوبوست

شهد العام الأول من توقيع اتفاقات إبراهام للسلام بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، برعايةٍ أمريكية، تعاونًا وثيقاً بين الأطراف الثلاثة، وهو ما حفز انضمام المغرب لاحقاً إلى الاتفاقية، وشجَّع السودان على الانخراط بمسار السلام، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

كما ساهمت تلك الاتفاقات باختصار المسافات بين أطرافها، عبر تعزيز التعاون التجاري والأمني، وتبادل السفراء والزيارات، رغم قيود جائحة كورونا التي عطلت بعض المشاريع المشتركة الجاري العمل عليها.

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مكالمة هاتفية مع زعماء إسرائيل والسودان في البيت الأبيض بواشنطن – رويترز
يوسف الحداد

كان واضحاً منذ الإعلان عن توقيع اتفاقية السلام، أن أحد أبرز أهداف هذه الاتفاقية يتمثل في تدشين مرحلة جديدة قائمة على دبلوماسية السلام والتنمية وبناء شراكات اقتصادية بين دول المنطقة وشعوبها، بحسب الكاتب الإماراتي يوسف جمعة الحداد الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن مسيرة بناء العلاقات الثنائية في شقها الاقتصادي والاستثماري، منذ الإعلان عن التوصل لاتفاق إقامة علاقاتٍ رسمية بين البلدين، قد تحركت بشكل سريع، وتضمنت تطوراتٍ إيجابية عكست الرغبة المشتركة برسم مسارٍ جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة.

وأضاف الحداد أن الاتفاقية حقَّقت بالفعل الكثيرَ من هذه الأهداف في وقتٍ وجيز نسبياً، رغم تحديات الإغلاق العالمي بسبب تفشي وباء “كورونا”، فيما تم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وافتتاح السفارة الإسرائيلية في أبوظبي، وتدشين السفارة الإماراتية في تل أبيب مشيراً إلى أن إعلان الإمارات عن إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار يستهدف الاستثمار في قطاعات استراتيجية في إسرائيل، قد مثل مبادرة نوعية مهمة في مسيرة علاقات البلدين، ليس فقط لأنها تعكس جدية الإمارات في إثبات عمق يقينها بجدوى دبلوماسية السلام والتنمية، وحرصها على ترسيخ ركائز هذه الدبلوماسية، وبناء أطر سلامٍ حقيقية فاعلة مع اسرائيل، ولكن أيضاً لأن هذا الصندوق يستهدف الاستثمار في قطاعاتٍ استراتيجية مهمة تشمل الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية، وغيرها، فضلاً عن أن هذه المبادرة تشجع وتحفز الأطراف الشرق أوسطية الأخرى على الالتحاق بركب الاقتصادات المزدهرة.

اتفاقيات إبراهيم زلزال هز العالم- “ديترويت جويش نيوز”
د. موران زاغا

على الدول أن تضع بنية تحتية قوية لتكون قادرة على العمل معاً بسلاسة، بحسب الباحثة الإسرائيلية في شؤون الخليج والمحاضرة في جامعة حيفا د.موران زاغا التي تقول لـ”كيوبوست”: إن إسرائيل والإمارات والبحرين فعلوا ذلك بالفعل من خلال السفارات، والخدمات المصرفية، والاتفاقيات التجارية، وغيرها من الأمور التي جرى إبرامها على مدار عام، مشيرة إلى أن البلدين سعيا للعمل معاً على أساس قوتهما الرئيسية في المعرفةِ والتنمية.

وأضافت أن العديدَ من أوجه التعاون المشترك بدأت تتجذر بشكلٍ واضح، ومعظمها في المجالات التطبيقية؛ مثل الصحة، والطاقة المتجددة، والأمن المائي والغذائي، لافتة إلى أن البعد الاجتماعي لم يغِب عن العمل المشترك، حيث سعَت العديد من الشركات ومنظمات المجتمع المدني للوصول إلى نظرائهم الجدد، وهو ما يشير إلى وجود حماس للتعرف على الثقافات المختلفة؛ الأمر الذي يرسخ لبناء السلام الحقيقي.

اقرأ أيضاً: الأسس الدينية للسلام العربي- الإسرائيلي

دان فيفرمان

مدير الشؤون العالمية في منظمة شراكة غير الحكومية التي تروِّج للسلام في المنطقة، دان فيفرمان، يقول لـ”كيوبوست”: من المدهش مدى سرعة واتساع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في توقيع اتفاقيات التعاون بمختلفِ المجالات، بعدما فتحت اتفاقية إبراهام الباب أمام من كانوا في السابق خائفين أو مترددين في التعرف على بعضهم البعض.

فرصة للسلام

بالنظر إلى الاختلاف الذي حدث من النظر إلى الاتفاقية، يمكن ملاحظة انخراط إسرائيل بشكلٍ أكبر مع جيرانها في مشاريع سياسية وتطوير رؤى مستقبلية مشتركة، بحسب الكاتب البحريني عبدالله الجنيد الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الموقف الفلسطيني أيضاً على مستوى السلطة شهد تغيرًا جذرياً، وهناك تطورٌ لافت باللقاء الذي جرى بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي قبل أسابيع في أعلى مستوى للقاءات منذ سنوات.

د.عبد الله الجنيد

شاهد: فيديوغراف: الإمارات مستمرة في دعم القضية الفلسطينية وشعبها

يشير محمد بهارون؛ مدير مركز دبي لبحوث السياسات العامة، في مقاله بهذه المناسبة، إلى أن لدى الولايات المتحدة فرصة لتأخذ دوراً قيادياً يخدم أهدافها في دعم التوصل لسلامٍ مستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك عبر الاستفادة من الديناميكية الجديدة التي خلقها الاتفاق الإبراهيمي، لافتاً إلى أن واشنطن يمكنها استخدم سعي إسرائيل لخلق تكاملٍ اقتصادي بينها وبين دول المنطقة، كأحد وسائل منع الاستقطاب الديني الذي يخلق التطرف، وذلك لتوليد دفعة قوية لدعم السلام.

الوفد الإسرائيلي في زيارة أبوظبي- “أ ف ب”

ودعا بهارون الرئيس الأمريكي للبدء بتعيين مبعوث خاص للاتفاق الإبراهيمي، واستغلال الذكرى السنوية كمناسبة لعقد اجتماع سنوي لجميع الدول المشاركة في الاتفاق بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، لتطوير خطط تدعم أجندة السلام في المنطقة بأسرها قادرة على خلق العلاقات الاقتصادية، وتقليل فرص الاستقطاب بناء على الكراهية التي خلقت ميليشيات الموت والإرهاب في المنطقة، وتحقيق اختراقٍ تاريخي في أحدى أسوأ الأزمات السياسية على مستوى المنطقة، والعالم بأسره.

إيرينا تسوكرمان

تلفت إيرينا تسوكرمان إلى أن التحركات الإسرائيلية في الملف الفلسطيني ودعم إسرائيل لتحسين الوضع الاقتصادي والتعليمي للفلسطينين أمرٌ سيحظى بدعمٍ عربي، ويزيد من تدابير بناء الثقة والاستثمار بشكلٍ أكثر إيجاباً في تحقيق الحكم الذاتي، مؤكدة على أهمية الانفتاح الإعلامي، ومخاطبة الجماهير بشكلٍ مباشر، ضمن تشجيع الدبلوماسية الثقافية التي ستلعب دوراً كبيراً على تحقيق انخراطٍ حقيقي للشعوب العربية في عملية السلام.

اختراق تاريخي

داني سيترينوفيتش

تُعتبر اتفاقيات إبراهام بمثابة اختراق تاريخي في علاقات إسرائيل مع دول الخليج، بحسب كبير الباحثين بمعهد أبا إيبان للدبلوماسية الدولية في إسرائيل؛ داني سيترينوفيتش الذي يقول لـ”كيوبوست” إن السياح الإسرائيليين بات مرحباً بهم في الإمارات والبحرين، فضلاً عن أن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للإمارات عكست مؤشراً إيجابياً للعلاقات بين البلدين، مشيراً إلى أن هذه الخطوة التي اتخذتها الإمارات ستؤدي لتقدم إسرائيلي في المسار السياسي مع الفلسطينيين، بما يمكن أن يؤدي لتعزيز السلام الإقليمي، وبالتالي تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة.

تدعم هذا الرأي المحامية الأمريكية والمختصة بشؤون الأمن القومي؛ إيرينا تسوكرمان التي تقول لـ”كيوبوست” إن ما تمكنت البلدان الثلاثة من تحقيقه في عامٍ واحد كان كبيراً جداً، خاصة فيما يتعلق بالتعاون المشترك في مجالات التعليم، وريادة الأعمال، والتعاون في مجالات الطاقة فضلاً عن الإصلاحات الجارية في المناهج التعليمية لتعكس العلاقة الجديدة بين البلدان العربية وإسرائيل، مشيرة إلى أن الانخراط بشكلٍ متزايد بين الشعوب سيكون له دور كبير في ترسيخ هذا التعاون، وهو أمرٌ يحتاج لبعض الوقت.

وأشارت إلى أن اتفاقيات إبراهام فتحت الباب أمام أمورٍ عدة تمكن من تحقيق سلامٍ دافئ حتى مع بعض الدول التي كانت تقتصر علاقاتها مع إسرائيل على الاتصالات السياسية والدفاعية الرسمية، لافتة إلى أن زيادة عدد السائحين الإسرائيليين للمغرب على سبيل المثال سيكون أمراً مفيداً لتغيير الصورة النمطية التي تتطلب تغيير المناهج التربوية عن إسرائيل.

طائرة العال مزينة بكلمة “سلام” تحط في أبوظبي 2020- “أسوشييتد برس”

تقارب بين الأديان

عزَّزت الاتفاقيات التعاونَ الإماراتي- الإسرائيلي في السياسة والاقتصاد بالتأكيد، لكن من الأمور المهمة التي عززتها أيضاً هو تمهيد الطريق نحو التقارب بين الأديان، بحسب ديفيد روزين كبير الحاخامات، والمدير الدولي لشؤون الأديان في اللجنة اليهودية الأمريكية، ومقرها القدس الذي يتمنى في تعليقٍ لـ”كيوبوست” أن يرى استجابة أكثر تفاعلاً من إسرائيل في هذا الأمر.

اقرأ أيضاً: اتفاق إبراهيم يعيد صياغة الصراع ويعزل المتطرفين الإقليميين

وأضاف أن اتفاقيات إبراهام عبرت عن الروابط العائلية بين العرب واليهود، وكانت بمثابة تأكيد بأن الإسرائيليين لم يعودوا أعداء للعرب، ولكنهم أعضاء في عائلة واحدة لها قيم ومصالح مشتركة، وهذا التغيير في الإدراك سينتشر ببطء ولكن بثبات في العالم العربي، مؤكداً أن هذا الأمر سيعتمد بدرجةٍ ما على تقدم العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية.

يشير عبد الله الجنيد إلى أن ما ميَّز اتفاقيات إبراهام للسلام الأبعاد غير السياسية لها، حتى عندما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو استغلالها لصالحه سياسياً لم يكن الملف بيده بمفرده، ولكن بيد جميع الأطراف الإسرائيلية السياسية، وهو ما أكسبها فعالية أكبر.

خلق اتفاق السلام التاريخي بين الإمارات وإسرائيل واقعًا جديدًا – وكالات

نظرة للمستقبل

تحتاج الفترة المقبلة إلى مزيدٍ من التعاون والعمل، بحسب دان فيفرمان الذي يشير إلى أن جهود التطبيع على جميع المستويات بحاجة لاقناع المتشككين بأن ما يحدث في مصلحتهم، وأن العمل مع إسرائيل مفيد للجميع، فضلاً عن أهمية تضمين وسائل الإعلام العربية صورة أكثر إيجابية حول إسرائيل، لافتاً إلى أن نقل مستوى العلاقات مع الدول العربية إلى مستوى تبادل التعاون سيظهر مزايا التطبيع لجميع الأطراف.

اقرأ أيضاً: رؤية الإمارات الثقافية للسلام في الشرق الأوسط

أمرٌ يؤكد عليه الحداد، معتبراً أن الخطوات الإماراتية تتسم بقدرٍ عال من الذكاء والحنكة كون الاستثمار في هذا القطاعات يمثل المجال الأنسب في ظلِّ المعطيات والبيئة الاستثمارية العالمية الراهنة، إلى جانب أنه يحقق أهدافاً إماراتية أخرى مثل التوافق بين الأهداف الاقتصادية والتكنولوجية، فالإمارات باتت لاعباً رئيسياً في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ومركزاً مالياً مهماً، ومن الطبيعي أن تتعاون مع إسرائيل التي تمتلك خبراتٍ عالمية كبيرة في هذه المجالات، لاسيما بعد زوال العائق الخاص بعدم وجود علاقات دبلوماسية طبيعية بين البلدين، لتصبح إسرائيل شريكاً طبيعياً للإمارات في مجالات التكنولوجيا، والأمن السيبراني، والتقنيات المالية، والفضاء والقطاع الصحي والزراعي والغذائي، وغير ذلك، وهي المجالات التي تحتاج الإمارات إلى إحداث نقلة نوعية فيها، بما يتناسب مع الرغبة القوية في تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071.

جانب من توقيع اتفاق السلام في البيت الأبيض- “أ ف ب”

يختتم دان فيفرمان حديثه بالتأكيد على أن نظرة وسائل الإعلام في العالم العربي لإسرائيل عادة ما تكون سلبية، لكن من خلال العلاقات التي أقيمت مع أربع دول يشعر الناس بالانفتاح، لافتاً إلى أنه وبعد انتهاء جائحة كورونا، ورفع قيود السفر، ستنكسر الصورة النمطية السلبية التي يمتلكها البعض عن إسرائيل.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة