الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات

“طالبان” قد عادت أم أنها لم تغادر أصلاً؟!

كيوبوست- خاص

دينيس ساموت♦

أُصيب العالم هذا الأسبوع بالذهول وهو يراقب انهيار حكومة أفغانستان السريع أمام تقدم “طالبان”، هذه الحكومة التي حصلت ولعقدَين من الزمن على دعمٍ دولي مالي وعسكري منقطع النظير. إن القرار الأمريكي بالخروج السريع من أفغانستان للحد من الخسائر، هو الذي مهَّد الطريق أمام تقدم “طالبان”، ومكَّنها من السيطرة. يمكن أن تكون حكمة أو حماقة القرار الأمريكي موضع نقاش؛ ولكن يجب أولاً الإجابة عن سؤال، وهو: كيف استطاعت “طالبان”، وهي من المفترض أنها هُزمت بالغزو الأمريكي عام 2001، أن تعود بهذه القوة الساحقة وتهزم القوى الحكومية في غضون أيام؟ هناك نقاط عدة يجب أخذها بعين الاعتبار:

  • إن “طالبان” هي حركة أفغانية متجذرة الأصول في المجتمع الأفغاني، وهي جزء منه على الرغم من أن العالم الخارجي يعتبرها حركة متطرفة. يجب الأخذ بعين الاعتبار والقبول بحقيقة أن أفكار “طالبان”؛ خصوصاً المتعلق منها بالقضايا الاجتماعية، هي ما يؤمن به الأفغانيون، خصوصاً في المناطق الريفية والقبلية. لم يتم تهميش “طالبان” على الإطلاق، وإنما كانت أفكارها موضع دعم دائم من قِبل السكان المحليين.

اقرأ أيضًا: نهاية الحرب في أفغانستان وخيبة أمل المحاربين القدامى

(2) إن المجتمع في أفغانستان هو مجتمع قبلي مقسم على أُسسٍ عرقية، والبشتون هي أكبر مجموعاته، وتشكِّل 43% من السكان. أما باقي المجتمع فهو مقسم إلى خمس أو ست مجموعات عرقية أخرى؛ أكبرها “داري” التي تتكلم اللغة الطاجيكية، وهي المجموعة البارزة الوحيدة ذات الوزن والقوة. إن تقارب “طالبان” من البشتون يعطيهم “عمقاً استراتيجياً” أبعد من الرابط الديني الذي يربطهما معاً.

  • حافظت “طالبان” منذ ظهورها على علاقاتٍ قوية مع الاستخبارات الباكستانية. وجود هذه العلاقة هو حقيقة ثابتة؛ ولكن مدى قوتها هو موضع الشك. لطالما أمنت هذه العلاقة لـ”طالبان” شريكاً استراتيجياً حتى في أحلك أيام التدخل الأمريكي والدولي.
  • النقطة الرابعة، وربما تكون الأهم هي أن “طالبان” لم تغادر أفغانستان إطلاقاً رغم استبعادها من الحكومة بسبب التدخل الأمريكي بعد 9/11.
سيطرت “طالبان” على كافة الأراضي الأفغانية- وكالات

قد يكون من الصحيح أن مقاتلي “طالبان” انسحبوا إلى المناطق الريفية على الحدود الباكستانية، وكانوا تحت ضغط لا يستهان به؛ ولكن ملايين المتعاطفين معهم كانوا منصهرين بالمجتمع الأفغاني في العاصمة كابول، وفي أنحاء البلاد كافة. بعد 2001 بوقتٍ قصير، استأنف الجناح العسكري لـ”طالبان” عملياته العسكرية بشكل حرب عصابات، مظهراً أن حكومة كابول لا تتمتع بالسيطرة الكاملة على البلاد، وعندما بدأت “طالبان” بعملياتٍ عسكرية صغيرة في كابول، أصبح من الواضح أن الحكومة لا تتمتع بالسيطرة الكاملة حتى على كابول. ومع مرور الوقت، تراجعت الرغبة الأمريكية في محاربة “طالبان”، فبدأت الأخيرة بالعودة إلى السلطة.

السؤال الثاني المطروح، هو: كيف انهارت في غضون أيامٍ قليلة حكومة أفغانستان برئاسة أشرف غني، مع الهيكل العسكري والأمني الذي أنفق عليه الأمريكيون وحلف شمال الأطلسي وآخرون المليارات؟

بعد 2001، أطلق المجتمع الدولي مشروعاً طموحاً يهدف إلى بناء الدولة في أفغانستان، يتضمن مختلف القضايا التي تحتاج إليها الدولة الناجحة. كان هذا المشروع بالأساس اختباراً شاملاً للأفغان الذين كانوا باستمرار بحاجةٍ إلى مَن يخبرهم بما يجب وما لا يجب عليهم فعله. أتت الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية بكل أشكالها وهيئاتها إلى كابول بتصورٍ مسبق عن الشكل الذي يجب أن تكون عليه الدولة في أفغانستان؛ تكلموا كثيراً ولم يصغوا إلا القليل، أنفقوا أموالاً طائلة؛ ولكن الفائدة التي جناها الأفغانيون كانت قليلة.

اقرأ أيضًا: جاسم تقي لـ”كيوبوست”: واشنطن تخلت عن الرئيس الأفغاني لفشله.. والجيش لم يدعمه

جنى بعض الأفغانيين أموالاً من العمل بشكل شرعي مع المنظمات الدولية أو مع الحكومة والهياكل العسكرية والأمنية المتنامية. والبعض الآخر جنى الأموال من الفساد. ظهرت في المجتمع الأفغاني بذور العمل النموذجي المتعلق بحرية التعبير وحقوق المرأة ومحاربة الفقر وغيرها من الأعمال التي كانت أملاً للكثيرين بأن تثمر وتنتشر أكثر في المستقبل؛ ولكن الحقيقة كانت أن هذه الأعمال انتشرت فقط على نطاقٍ ضيق لم يسمح لها بإحداث التغيير. هذه الأعمال أعطت للمنظمات الدولية شعوراً بالرضى؛ ولكن هشاشتها كانت واضحة للعيان.

إن المؤسسات التي تشكل العمود الفقري للدولة كانت دائماً مرتبطة بالوجود الدولي. انشغل القادة السياسيون الأفغان الذين تدعمهم القوات الأمريكية بالصراع على السلطة، وأغفلوا الأخطار المقبلة. فعلى وجه الخصوص، ظهر الجهاز العسكري والأمني الأفغاني بالمظهر اللائق فقط بسبب دعم الولايات المتحدة القوية، والوجود العسكري لحلف شمال الأطلسي، فأظهر الانضباط والشجاعة والتصميم، ولكنه في الحقيقة كان يفتقر إلى القدرة على الصمود وحده، كما ظهر جلياً في الأيام الأخيرة. إن الدولة في أفغانستان كانت جوفاء.

تظاهرة احتجاجية للنساء الأفغانيات للمطالبة بقانون يحمي من العنف ضد المرأة.. كابول- “أسوشييتد برس”

إن إدراك هذه الحقيقة قد يكون شجع الولايات المتحدة على اتخاذ قرارها بالخروج، ولذلك لم تكن الأحداث التي تلته مفاجئة لأحد. لقد فشلت عملية بناء الدولة في أفغانستان، وتقع مسؤولية هذا الفشل على جميع القوى التي حاولت بناءَها وليس فقط على الأمريكيين. إن السياسة الدولية تجاه “طالبان” اتسمت بالغموض، فبينما صُنفت الحركة على أنها تنظيم إرهابي، وهذه حقيقة من دون أدنى شك؛ فالتنظيم الذي يقتل الفتيات الصغيرات لذهابهن إلى المدرسة لا يمكن أن يوصف بغير هذا، نجد أن اتصالات المجتمع الدولي بكل أطيافه مع “طالبان” أخذت أبعاداً جعلتها تبدو في السنوات الأخيرة وكأنها حكومة مرتقبة بدلاً من كونها مجموعة إرهابية. في الوقت نفسه ظهرت الحكومة الشرعية في كابول غير ذات صلة بالواقع، وكانت في أحسن الأحوال لعبة في يد المشروعات الخارجية.

السؤال الثالث الذي يطرح نفسه في أحداث الأسبوع الماضي، هو: ما نوع الحكم المستقبلي في أفغانستان؟ وما تداعيات ما جرى على أفغانستان نفسها وعلى الخارج؟ لقد تم التركيز على حقوق المرأة، وأن هذه القضية رغم أهميتها تبدو ثانوية مقارنة بالسؤال عما إذا كانت “طالبان” مستعدة لتقاسم السلطة، ومع مَن؟ وما الدور الذي سيلعبه هذا الكيان الإسلامي في جزء استراتيجي من آسيا؟ وما التداعيات المترتبة على ذلك؟

إن الحقيقة التي يجب على “طالبان” التعامل معها هي أنه خلال العقدَين الماضيَين ظهرت في المجتمع الأفغاني طبقة متوسطة يصل تعدادها إلى مئات الآلاف من السكان ممن استفادوا من السياسة القائمة في العقدَين السابقَين، وممن سيفتقدون كثيراً الوجود الغربي في البلاد. صحيح أن بعضهم سيغادر أفغانستان؛ ولكن القسم المتبقي في البلاد سيكون كافياً ليتحدى إملاءات “طالبان”، ويكون شوكة في خاصرتها.

اقرأ أيضًا: أربعون عاماً حزينة تتوج “طالبان” حاكماً على أفغانستان عشية الـ11 من سبتمبر

لم تتغير “طالبان” كثيراً؛ ولكنها تطورت بما يكفي لتعي الخطوط الحمراء التي ينبغي عدم تجاوزها. لقد أعطت الضمانات بأنها لن تكون الملاذ الآمن لمن يخططون لاستعمال العنف تجاه الآخرين. يبدو أن هذه الضمانات كانت قوية لدرجة أقنعت الأمريكيين، وأسهمت في قرار الولايات المتحدة الخروج من أفغانستان. لكن هذا لا يعني أبداً أن “إمارة إسلامية” قائمة على تفسير ضيق الأفق ومتشدد للدين الإسلامي لن تكون تهديداً للاستقرار في دول المنطقة المجاورة كافة؛ بما في ذلك آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية ودول الخليج، وغيرها.

سيطرت “طالبان” على العاصمة الأفغانية كابول- وكالات

لقد ورثت “طالبان” دولة جوفاء رغم كل الدعم منقطع النظير الذي كانت تتلقاه، وهي على الرغم من هذا، أفضل حالاً من الدولة التي كانت قائمة عندما غادرت “طالبان” عام 2001 بنواحٍ عدة؛ ليس أقلها الناحية العسكرية بتجهيزاتها السخية. قد يكون باستطاعة الغرب تجميد أصول أفغانستان المالية في البنوك؛ ولكن “طالبان” لا تزال قادرةً على استثمار الإمكانات الموجودة على الأرض. يبدو جلياً أن “طالبان” متلهفة لتضع يدها على هذه الغنيمة؛ خصوصاً المعدات العسكرية، فهي ستحتاج إليها عاجلاً أو آجلاً، ليس لمحاربة القوات الأمريكية المغادرة وإنما لمنع ظهور أية قوى ثورية؛ خصوصاً في صفوف أقليات الطاجيك والأوزبك التي قاومت سابقاً حكم “طالبان”، ربما تكون هذه المجموعات وقادتها قد غادروا البلاد في الأيام القليلة السابقة؛ ولكن هذا لا يعني أنهم غير قادرين على إعادة تنظيم صفوفهم، والظهور من جديد في المستقبل.

اقرأ أيضًا: مقالة نشرت عام 1989 للرئيس الأفغاني أشرف غني بعد الانسحاب السوفييتي

إن ظهور “الإمارة الإسلامية” من جديد كنموذج للحكم سيكون بمنزلة مثالٍ يُحتذى للمجموعات التي تستخدم الجهاد أداةً سياسية لمحاربة الغرب والمسلمين والدول الإسلامية التي لا تتبع القرآن بالطريقة الصحيحة، حسب وجهة نظرهم. من السابق لأوانه التكهن كيف سيتم هذا.

إن “طالبان” وبعد الثمن الباهظ الذي دفعته، قد لا تنوي العودة إلى سابق عهدها عندما كانت تؤوي على أراضيها تنظيم القاعدة وأعوانه من التنظيمات الأخرى؛ ولكن هذا لا يعني عدم تعاطفها معهم، وربما قدمت لهم ما هو أكثر من التعاطف. سيعتمد الكثير في قادم الأيام على انضباط وتماسك القوة المسيطرة على كابول؛ فالوجوه اللطيفة المتحدثة باللغة الإنجليزية التي تمثل “طالبان” على وسائل التواصل الاجتماعي، هي ليست أكثر من الوجه الناعم لصناع القرار الحقيقيين في الحركة. بالإضافة إلى هذا هناك باكستان والتساؤل عن مدى سيطرتها على “طالبان”، وعن المدى الذي يمكنها به استخدام “طالبان” لتنفيذ أجندتها الخاصة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمواجهتها مع الهند.

تقدم نحو 20 ألف أفغاني بطلبات للحصول على تأشيرة هجرة إلى الولايات المتحدة.. مطار كابول أغسطس 2021- “نيوز ويك”

إن المجتمع الدولي أمام خيارات صعبة؛ هل يجب التعامل مع إدارة “طالبان” الجديدة ومحاولة التأثير والتدخل في العملية السياسية؟ أو سيكون من الأفضل محاصرة “طالبان” ومنعها من الخروج خارج حدودها وترك الأفغانيين وحدهم يتعاملون معها ما دام العالم الخارجي بمعزل عن أية سلبيات؟

إن لدى الصينيين والإيرانيين، وإلى حدٍّ ما الروس، قنوات اتصال جيدة مع قيادات “طالبان”؛ الأمر الذي يمكنهم من لعب بعض الأدوار التي قد لا تكون إيجابية تماماً، في حين يفضل الغرب البقاء بعيداً، مفضلاً سياسة الاحتواء على الاشتباك. أما حال الدول الإسلامية فهي أكثر تعقيداً، قد تكون وجهة النظر الداخلية في هذه الدول هي اتباع سياسة التقرب من حكام كابول الجدد؛ ولكن هذه الحكومات قد تقع في المستقبل القريب فريسة لمكائد “طالبان” خارج حدود أفغانستان. مهما كانت وجهة نظرك في مقاربة الموضوع، وبطرق لم يكن من الممكن التنبؤ بها قبل أسابيع عدة، فقد عادت أفغانستان، ولأسبابٍ غير جيدة، لتكون حاضرةً بقوة على الأجندة الدولية.

♦ مدير موقع “لينكس يوروب”، ومدير تحرير موقع “كوزموسبيس”.

لقراءة الأصل الإنكليزي: The Taliban are back

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة