الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
طالبان في أفغانستان: تحليل لنقاط القوة والضعف

كيوبوست- ترجمات
فرزاد رمزاني بونيش*
كثفت طالبان، بداية من مايو 2012، جنبًا إلى جنب مع القاعدة، تقدمهما عبر أفغانستان، واستوليا على عواصم المقاطعات، وصولًا إلى السيطرة على العاصمة كابول في 15 أغسطس 2021. السبب الرئيسي وراء تمكّن الجهاديين من التقدم بهذه السرعة، هو قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الالتزام بالاتفاق الذي أبرمه سلفه دونالد ترامب مع طالبان، وسحب الدعم العسكري الأمريكي للحكومة الأفغانية. وهناك عوامل ثانوية ربما تكون قد أسهمت في تسريع الانهيار، كان الفساد من ضمنها. والآن، وقد مرّ قرابة عام منذ أن استولت طالبان وحلفاؤها على السلطة، ورغم أنها أظهرت بعض نقاط القوة في محاولة تحقيق الاستقرار، فإن نقاط الضعف لا تزال موجودة.
صعود معارضي طالبان والاتجاه نحو حرب أهلية
منذ عودة نظام طالبان، نشطت قرابة ثماني مجموعات عسكرية ضد حكمها. أهم قوة معارضة هي جبهة المقاومة الوطنية بقيادة أحمد مسعود، التي تضم حسب بعض التقديرات ما يناهز 8,000 جندي، وتتألف من الجيش السابق، والميليشيات المحلية، والمتطوعين المدنيين.
اقرأ أيضاً: ماذا تعني عودة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان؟
إضافة على ذلك، تلتف بعض جماعات المقاومة حول بعض الأفراد، مثل الجنرال قدم شاه شاهيم -أحد الناجين من المؤسسات الأمنية للحكومة الأفغانية السابقة- الذي يوجد تحت تصرفه رجال من الوحدات الخاصة للجيش، والوحدات الموالية لوزارتي الدفاع والداخلية السابقتين. وتشمل الجماعاتُ البارزة الأخرى المجلس الأعلى للمقاومة بقيادة عطا محمد نور، والجنود الموالين لعبد الرشيد دوستم، والجبهة الوطنية للتحرير المتمركزة في غرب أفغانستان، بالقرب من الحدود مع إيران، وبعض قادة قبائل الهزارة والتركمان.
تستطيع هذه الجماعات تحدي طالبان في المناطق المحلية، ويمكنها مجتمعة إضعاف النظام الإسلاموي بشكلٍ كبير. علاوة على ذلك، توجد عناصر أخرى مناهضة يمكن أن تمثِّل مشكلة لطالبان، لا سيّما احتمال عودة جزء كبير من القوات الجوية الأفغانية، التي تمتلك حاليًا 62 طائرة عسكرية من بينها طائرات هليكوبتر موجودة في الدول المجاورة (طاجيكستان وأوزبكستان).

ثم هناك التهديد الداخلي الذي ينشأ بين قادة طالبان الساخطين، خاصة الأعضاء غير البشتون، الذين يمثلون قرابة 35,000 مقاتل. ولكن في الوقت الراهن، طالبان هي صاحبة اليد العليا في ساحة المعركة. وقد أرسلت طالبان قادة كبارًا إلى ولاية بنجشير والمناطق الشمالية، حيث أحرزت تقدمًا مطردًا في عزل مراكز المعارضة هذه، والتغلب عليها. وفي الوقت نفسه تقوم ببناء جيش قوامه 100,000 جندي في محاولة لمنع جماعات المعارضة من الاستيلاء على المزيد من الأراضي.
على الرغم من كل ذلك، لا تزال طالبان ضعيفة بنيويًا في مجالاتٍ عدة. عسكريًا، على الرغم من أن طالبان سرقت الأسلحة المتبقية من الجيش الأفغاني، التي تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، فإنها تفتقر إلى القدرة الكافية لاستخدامها، ناهيك عن التكتيكات المتقدمة. وفي حين أنه قد يكون اعتماد طالبان على الأسلحة الصغيرة، والهجمات الجماعية، كافيًا ضد المعارضين الذين هم أقل تسليحًا وأكثر تشتتًا، فإن الوضع العسكري آخذٌ في التدهور، وإذا وجدت جماعات المعارضة دعمًا أجنبيًا قويًا، فقد يزداد الوضع تدهورًا.
اقرأ أيضاً: الانتصار المر ..ما الثمن الذي دفعته الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب؟
من ناحيةٍ أخرى، لدى طالبان مؤيدون خارجيون، خاصة في باكستان، وقد تحصل على بعض الدعم السياسي الإضافي من روسيا كجزء من مواجهة موسكو المتصاعدة مع الغرب. لكن من غير المرجح أن يُترجم ذلك إلى برنامج تدريب وإعداد مُنظم يقود لتحسين القدرات العسكرية لطالبان. ثم هناك الصعوبات الاقتصادية.
انهيار الاقتصاد
هناك عوامل عدة دفعت الاقتصاد الأفغاني إلى حافة الانهيار، أبرزها تخفيض المساعدات الخارجية، وتجميد الولايات المتحدة لنحو 9 مليارات دولار، ورحيل النخب، وانهيار النظام المصرفي، والإجراءات التعسفية التي اتخذها مسؤولو طالبان. والنتيجة هي أن الاقتصاد في طريقه إلى الانكماش بنسبة 20% إلى 30% سنويًا.
في هكذا وضع، هناك حاجة ماسّة إلى الحصول على مساعدة من البنك الدولي، وتوسيع نطاق بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان، وزيادة الإعفاءات من العقوبات، وعقد مؤتمراتٍ دولية لتقديم المساعدة المالية للدولة، والضخ المباشر للنقد في الاقتصاد الأفغاني لتحقيق الاستقرار في نظام الطالبان. ولكن لأن ذلك سيكون نتيجة لهذه الإجراءات على وجه التحديد، فمعظمها لن يُنفذ أبدًا. وفي غياب هذه التدابير، فإن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والمجاعة المحتملة، التي أضحت أكثر خطرًا منذ أن أربكت الحرب الروسية على أوكرانيا سوق الغذاء العالمية، قد تزيد من إضعاف قبضة طالبان على السلطة.

الانقسامات الداخلية في نظام طالبان
لدى الفصائل الرئيسة الثلاثة في طالبان -الفصيل المتطرف (معظمهم من البشتون الشرقيين وشبكة حقاني)، والفصيل الأكثر اعتدالًا (معظمهم من البشتون الجنوبيين المتمركزين في قندهار)، وطالبان من غير البشتون (خاصة الأوزبك والطاجيك)- وجهات نظرٍ مختلفة حول جملة من القضايا.
في هذا الصدد، أدلى مؤخرًا مسؤول كبير في طالبان، هو شير محمد عباس ستانيكزاي، الذي يشغل اسميًا منصب نائب وزير الخارجية، بتصريحاتٍ تهدف إلى فتح المجال أمام فصائل طالبان لفرز خلافاتها، وتصحيح الأخطاء، والتوصل إلى توافق في الآراء. ومع ذلك، فقد تؤدي هذه العملية إلى إبراز الانقسامات داخل طالبان حول القضايا المهمة وتفاقمها.
وفي حين كانت طالبان قادرة على تجنيد غير البشتون في الشمال وأماكن أخرى لقضيتها، فلا يزال يهيمن على قيادتها الكادر نفسه من البشتون المتطرفين الذين حكموا أفغانستان في فترة التسعينيات، الذين يعارضون أي حل وسط بشأن أيديولوجية النظام وهيكل السلطة. وإذا تمكّنت طالبان من إيجاد صيغة ناجحة لتوحيد هذه الفصائل، فإنها ستعزِّز النظام؛ وإذا لم تستطع، فسوف تضعف قبضتها على الدولة، وربما يدفع ذلك بعض الفصائل غير البشتونية إلى بدء معارضة نشطة وعلنية.
اقرأ أيضاً: هل هناك طالبان “جديدة” في أفغانستان؟
الاعتراف الدولي بطالبان
يسعى الطيف الأكثر اعتدالًا داخل طالبان بشدة إلى الحصول على اعترافٍ دولي، حيث يرى في ذلك وسيلة لتعزيز النظام من خلال استعادة العلاقات التجارية وتدفق المساعدات، من بين أمورٍ أخرى. وحتى الآن، لم تعترف أي دولة بحكومة طالبان، وباستثناء الروس، المذكورين أعلاه، لم تُظهر أي دولة ميلًا جديًا للقيام بذلك.
على الجانب الآخر، قدّمت الأطراف الدولية الفاعلة الرئيسة -الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، وإيران والهند- صراحة أو ضمنيًا شروطًا مختلفة يتعين على حكومة طالبان الوفاء بها من أجل الحصول على الاعتراف، مثل تشكيل حكومة شاملة، وحماية حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب. ومن غير المرجح أن تفي طالبان ببعض هذه الشروط -فالمتطرفون الأقوياء لن يتخلوا أبدًا عن فرض نسخةٍ متشددة من الشريعة، على سبيل المثال- وفي بعض الحالات لا تستطيع طالبان تلبية تلك الشروط.
وجود الجماعات الإرهابية في أفغانستان
الشرط الأكثر وضوحًا الذي لا تستطيع طالبان الوفاء به لضمان الاعتراف الخارجي بها هو طرد الجماعات الإرهابية. ذلك أن طالبان ترتبط بعلاقاتٍ متشابكة جدًا مع تنظيم القاعدة، والجماعات المشتقة منه، مثل شبكة حقاني، والحزب الإسلامي التركستاني. وعلى الرغم من ادّعاء طالبان أنه لا يوجد مقاتلون أجانب في أفغانستان، تفيد الأمم المتحدة بأن معسكرات التدريب التي يديرها تنظيم القاعدة وشبكة حقاني قيد التشغيل، ومثلما حدث في المرة السابقة، أصبحت أفغانستان ملاذًا آمنًا لتنظيم القاعدة.

ثم هناك ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش. وعلى الرغم من مزاعم طالبان بأنها تقاتل تنظيم داعش- خراسان، فإن معظم الدول، لا سيّما الغربية، لا تثق كثيرًا في وعود طالبان. ففي الأشهر التي تلَت استيلاء طالبان على السلطة، نمت قوة ولاية خراسان بشكلٍ واضح في أفغانستان، ما أضعف نظام طالبان. ويُعزى ذلك في الغالب إلى أن طالبان غير قادرة على سحق الجماعة، ولكن هناك تعقيدات أخرى، لأن توسّع ولاية خراسان لا يشكّل تهديدًا لنظام طالبان فحسب، بل فرصة أيضًا.
على الصعيدين المحلي والدولي، وجود ولاية خراسان يجعل حركة طالبان تبدو أكثر اعتدالًا وقبولًا، وإذا أصبح المجتمع الدولي مقتنعًا بأنه يجب عليه التحرك ضد الأولى، فقد يختار القيام بذلك بالتحالف مع طالبان، كما حدث في بعض الأحيان عندما كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة موجودًا في أفغانستان. غير أن المساعدة الأمنية لطالبان لمحاربة ولاية خراسان، والاعتراف الفعلي بحكومةِ طالبان المصاحب لذلك، من شأنها أن تقوي قبضة طالبان على السلطة.
آراء طالبان بشأن تشكيل حكومة “شاملة”
تسببت سيطرة طالبان على معظم أرجاء أفغانستان، العام الماضي، إلى إنهاء محادثات السلام بين الأفغان، التي كان من شبه المؤكد أن طالبان غير صادقة في البدء فيها، والتي كانت على أي حال غير ذات جدوى. في الأشهر التي تلَت سقوط كابول، كانت هناك “حوارات” -بين طالبان وجبهة المقاومة الوطنية في طهران، وجولة من المحادثات بين طالبان والمجتمع المدني الأفغاني في النرويج– لكنها باءَت بالفشل، ولم يحدث تقدم كبير في المحادثات بين الأفغان.
اقرأ أيضاً: إمارة أفغانستان الإسلامية.. المأساة تبدأ من جديد
وعلى الرغم من أن طالبان تعتبر المحادثات بناءة من وجهة نظر تكتيكية، حتى في عقد مجلس زعماء القبائل الذي يُعرف باسم “اللويا جيرجا”، فإنها لم تُبدِ أي استعداد لوضع خارطة طريق لأفغانستان، تضم العناصر المناهضة لطالبان في نظام الحكم بطريقةٍ جدية، ما يعني أنه لا يمكن إحراز تقدم بشأن المسائل الأخرى مثل الفصل بين السلطات، والمشاركة الشعبية، أو دور الأقليات العرقية.
قد يُنظر إلى هذا النوع من السياسات الأحادية الأجانب على أنها استعراض للقوة من جانب طالبان، ولكن العواقب قد تضعفها في نهاية المطاف. وهناك عدد متنام من التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان، من التعذيب والقتل، إلى التهجير القسري، وتطهير المؤسسات من الموظفين الحكوميين، وحرمان النساء من التعليم. وإذا كانت إجراءات الترهيب هذه ستسهم في تقوية طالبان على المدى القصير، فإنها قد تثبت على المدى الطويل، داخليًا وخارجيًا، أنها تضر بمصلحتها.
النهج الإقصائي الذي تتبعه طالبان في المجال السياسي دفع المعارضة في الخارج إلى التشاور عن كثب مع الشركاء الإقليميين لتشكيل مجلس أعلى للمقاومة، وحشد الجماعات المسلحة، والمشاعر العامة المعادية لطالبان، داخل أفغانستان. وهذا من شأنه أن يضعف طالبان، وقد يتفاقم إذا قررت الأطراف الفاعلة الخارجية الرئيسة والجيران، الذين أكد معظمهم على الحاجة إلى تشكيل حكومة شاملة، أن الطريقة الوحيدة للوصول لهذا هي إجبار طالبان عسكريًا، أو الإطاحة بها. وثمة مؤشرات على أن هذا الأمر قد بدأ، منها اجتماع الولايات المتحدة بالجبهة الوطنية للمقاومة المناهضة لطالبان.

ومع ذلك، تتمتع طالبان ببعض المزايا، على الأقل إذا استطاعت الحفاظ على تماسكها، لأن جماعات المعارضة العسكرية والسياسية تفتقر إلى الوحدة العملية وتنقصها (في الوقت الحالي) الموارد المالية. وإذا استمرت جماعات المعارضة داخل أفغانستان وخارجها في العمل بطريقة مجزأة وغير متماسكة، فقد يصب هذا في مصلحة تعزيز قوة طالبان في أفغانستان، لأنه يمكنها التظاهر بأنها توفر الأمن والنظام للسكان الذين عانوا أربعة عقود من الحرب. أما إذا لم تستطع تحسين صورتها الأمنية والاقتصادية، وإذا ساعدت الدول الخارجية المعارضة على تنظيم نفسها في كتلةٍ أكثر تماسكًا، ووفرت لها موارد أفضل، فقد يؤدي ذلك في نهاية الطاف إلى ضعضعة طالبان.
زراعة خشخاش الأفيون وتجارة المخدرات
في ظل أن أفغانستان تنتج قرابة 85% من حصيلة الأفيون العالمي، تُقدِّر الأمم المتحدة أن الدخل من المواد الأفيونية في أفغانستان تراوح بين 1.8 و2.7 مليار دولار في عام 2021. وعلى الرغم من أن الاتجار بالمخدرات يعزِّز قوة طالبان، وسلطتها المالية والسياسية، فإنه يمكن أيضًا أن يشجِّع الجماعات الإرهابية الأخرى التي تعارض طالبان في الدولة، ويثير ردود فعلٍ سلبية من الجهات الفاعلة الأجنبية.
أزمة اللاجئين الأفغان والنزاعات الحدودية مع الجيران
من شأن الموجة الجديدة من المهاجرين من أفغانستان إلى باكستان وإيران وتركيا وأوروبا وآسيا الوسطى، وكثير منهم بشكلٍ غير قانوني، أن توسع من نطاق المعارضة الخارجية والمحلية لطالبان. تعود الزيادة الحاصلة في مغادرة الأفغان لوطنهم إلى عجز طالبان عن إدارة الدولة اقتصاديًا وسياسيًا. وفي حين أن هذه قد تكون فرصة للحدِّ من المعارضة السياسية لطالبان في الداخل، فإنها ستزيد من معارضيها في الخارج.
اقرأ أيضاً: في أفغانستان.. التاريخ يعيد نفسه
من ناحيةٍ أخرى، اشتبكت قوات طالبان مع إيران وتركمانستان وطاجيكستان وباكستان، على مدى الأشهر العشرة الماضية. وقد تسعى طالبان إلى خلق عدو خارجي لكسب شرعية داخلية، لكن عواقب الاشتباكات الحدودية مع الجيران، خاصة إذا ردَّت إحدى هذه الدول بجدية، يمكن أن تقوِّض طالبان في أفغانستان.
الآفاق المستقبلية
في ضوء المتغيرات التي قد تعزِّز قوة حركة طالبان أو تضعفها، تشير العديد من العوامل إلى ضعف الحركة. ففي الوقت الحالي، تُصنّف طالبان ضمن الحكومات المفلسة، مع تكاثر العلل المؤدية إلى ذلك، ما يهدِّد سلطتها السياسية وسيادتها بشكلٍ خطير. وفي حين أنه لا شيء مؤكد حتى الآن، فإن الكثير مما سيحدث سيتوقف على القرارات المستقبلية التي تختارها طالبان،سواء في المجالات الأمنية العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية أو الجيوسياسية. قد تدرك طالبان خطورة الوضع، وتتحرك في اتجاه التوصل إلى حل وسط، والإصلاح لتوسيع قاعدتها الشعبية، ما يسمح بتوطيد نظامها. غير أن تاريخ طالبان يشير إلى أن هذه لن تكون الاستراتيجية. وإذا ما واصلت انتهاج الأساليب القديمة، فقد يخيم عدم الاستقرار على نظام طالبان، وتلوح نُذر حربٍ أهلية في سماء أفغانستان.
♦باحث أول ومحلل للشؤون الدولية.
المصدر: عين أوروبية على التطرف