الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

ضفاف نهر دجلة الخصبة.. موطن أقدم وأعظم الحضارات

سمح نهر دجلة، إلى جانب نظيره الموازي نهر الفرات، بتطور الزراعة لأول مرة في العالم، وتنازعت قبائل المنطقة على نهر دجلة والمدن المحيطة به؛ لأن السيطرة عليه كانت بمثابة ضامن لزراعة محاصيل حيوية، مثل القمح والحبوب الأخرى.

كيوبوست

ازدهرت معظم الحضارات القديمة على ضفاف الأنهار؛ كنهر النيل في مصر، ونهر السند في الهند، والنهر الأصفر والأزرق في الصين، وأيضاً نهرَي دجلة والفرات بالنسبة إلى أقدم الحضارات على وجه الأرض؛ حضارات ما بين النهرَين (العراق حالياً). ودعم نهر دجلة، خلال تطور الحضارات القديمة على ضفافه، حياة ملايين السكان، كما تأسست بالقرب منه أكبر مدن العراق الحالية؛ بما فيها العاصمة بغداد.

مشوار نهر دجلة

ينبع نهر دجلة من بحيرة هزار في جبال طوروس شرقي تركيا، بعيداً عن منبع توأمه نهر الفرات بنحو 80 كيلومتراً، ويتغذى دجلة من الثلج الذي يتساقط سنوياً على مرتفعات شمال وشرق تركيا والعراق وإيران.

ويتدفق النهر في الحدود الشمالية- الشرقية لسوريا، قبل أن يدخل كردستان العراق، ويخترق إلى جانب نظيره الموازي؛ نهر الفرات، العراق، ليرويا جفاف أحد أكبر صحاري المنطقة.

 يقطع نهر دجلة نحو 1850 كيلومترًا، بينما يبلغ  طول نهر الفرات نحو 2800 كيلومتر، وهذا ما يفسر اسم نهر “دجلة”، الذي يرجع إلى الكلمة السومرية “Idigna”؛ بمعنى “النهر السريع”، كونه أقصر وأسرع مقارنةً بنهر الفرات.

اقرأ أيضاً: الأهوار في جنوب العراق مهددة بالانقراض

ويلتقي نهرا دجلة والفرات بالقرب من مدينة القرنة العراقية، ليشكِّلا معاً دلتا ضخمة تُعرف باسم “شط العرب”، قبل أن يصبا في الخليج العربي. ولدجلة عدة روافد؛ منها: نهر الزاب الصغير، ونهر الزاب الكبير، وخابور، ونهر ديالى، ونهر العظيم.

موطن حضارات

أسس نهرا دجلة والفرات للحضارة الإنسانية، فبفضلهما قامت حضارات بلاد ما بين النهرَين؛ السومرية والأكادية والبابلية والآشورية، في منطقة الهلال الخصيب، ابتداءً من القرن الرابع ق.م، وتأسست معهما أهم العلوم والابتكارات الإنسانية.

فقد سمح نهر دجلة، إلى جانب نظيره الموازي نهر الفرات، بتطور الزراعة لأول مرة في العالم، وتنازعت قبائل المنطقة على نهر دجلة والمدن المحيطة به؛ لأن السيطرة عليه كانت بمثابة ضامن لزراعة محاصيل حيوية، مثل القمح والحبوب الأخرى.

اقرأ أيضاً: السوداني وأردوغان.. المقايضة المستحيلة: “شهر المياه” مقابل “بي كي كي”

وإلى جانب الزراعة، أنتجت الحضارات التي قامت على ضفاف نهرَي دجلة والفرات، أول شكل للكتابة؛ الكتابة المسمارية السومرية، وتعتبر ملحمة جلجامش التي كُتبت في الألفية الثالثة ق.م، عن الملك السومري جلجامش؛ أقدم قصة أسطورية معروفة في التاريخ.

اللوح الخامس لملحمة جلجامش- scalar chapman

وفي بلاد ما بين النهرَين، اخترع الإنسان العجلة في الألفية الرابعة ق.م؛ إذ ابتكر السومريون أقراصاً خشبية غير مفرغة تُستخدم لتحريك العربات وتسهيل النقل. كما صمَّم السومريون نظاماً حسابياً معقَّداً خلال القرن الثالث ق.م، واعتبر بداية علم الرياضيات.

واستُخدم النهران؛ كلاً على حدة، كمعبر للنقل، واعتمدت المدن القديمة التي أُقيمت على ضفافهما كموقع رئيسي للتجارة، مثل مدينة لكش السومرية القديمة التي كانت نقطة التقاء نهرَي دجلة والفرات، إضافة إلى مدينة أور.

الوضع الحالي

لا يزال العراق يعتمد على نهرَي دجلة والفرات في زراعته، إلا أن نهر دجلة شهد مؤخراً جفافاً مقلقاً؛ إذ بان، نتيجة الجفاف، جزء من قاعه، وأصبح مجراه عبارة عن بقع مائية متفرقة وضئيلة، ما دفع الحكومة العراقية إلى تجديد مطالبة تركيا بضخ مزيد من المياه في النهر؛ لأن الأخيرة بدأت باحتجاز مياه دجلة منذ عام 2018، في خزانات أحد أكبر السدود على نهر دجلة، سد إليسو؛ ما خفض نسبة المياه المتدفقة إلى العراق، إضافة إلى عوامل أخرى؛ منها التغير المناخي وارتفاع درجة الحرارة.

شهد نهر دجلة مؤخراً جفافاً مقلقاً

فبعد احتلال العراق، تعرَّض البلد إلى حرب أخرى، استهدفت موارده المائية من قِبل دول المنبع، التي شرعت في عملية استغلال مياهه، عبر بناء العديد من السدود داخل حدودها؛ بهدف استثمار الواردات المائية دون الرجوع إلى حقوق الدول المتشاركة في الأنهار.

ومنذ عام 2017م، أدى نقص المياه في العراق إلى اتخاذ إجراءات مثل حظر زراعة الأرز؛ ما دفع مزارعين إلى هجر أراضيهم، كما شهدت مناطق الجنوب احتجاجات استمرت شهوراً؛ بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.

وتعبيراً عن أن الحل لعطش العراق قد يكون مؤقتاً، أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، نهاية شهر مارس، موافقة تركيا على زيادة الإطلاقات المائية لنهر دجلة إلى ضعفَين ولمدة شهر فقط، ويبدو أن ذلك لم يكن كافياً لمواجهة أزمة شح المياه في البلاد، وقالت الوزارة العراقية إن بغداد طالبت أنقرة بزيادة الإطلاقات المائية لنهر الفرات.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات