الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
“صوت الإمام”.. كشف آليات هيمنة الخطاب الديني
كيف يتشكل الخطاب الديني؟ ♦ وما الذي يوجه مساره؟ ♦ وما الموضوعات التي يتناولها؟ ♦ وهل تتجه موضوعات هذا الخطاب إلى مساعدة الناس على العيش ومواجهة تحديات العصر أم يقوم بعكس ذلك ويسحبهم إلى عوالم ماضوية أخروية يجاوز بهم الحاضر والمستقبل معًا؟!

كيوبوست

في عام 2007، صدر كتاب صغير الحجم بعنوان “صور من الخطاب الديني المعاصر” لأستاذ علم الاجتماع المعروف الدكتور أحمد زايد، وأثار الكتاب حينها اهتمامًا مستحقًّا ونقاشًا واسعًا، خصوصًا أنه كشف -وللمرة الأولى ربما- عن آليات تشكُّل الخطابات الدينية الرسمية؛ الإسلامية والمسيحية، على السواء، محللًا بنيتها العميقة ومعرّيًا المسكوت عنه في هذه الخطابات، من خلال تحليل طائفة واسعة جدًّا من أشكال وصور هذا الخطاب؛ خطب منبرية، وعظات كنسية، ومقالات رأي دينية.. إلخ.
اقرأ أيضًا: سلمان العودة والفكر اليباب
لكن الكتاب نجح إلى حد كبير في إلقاء الضوء على موضوعات الخطاب الديني في مصر المعاصرة، وخصائصه، وآليات إنتاجه؛ وذلك عبر تحليل نصوص من الخطاب صادرة عن مؤسسات دينية متعددة؛ إسلامية ومسيحية.
وبعد ما يزيد على عشرة أعوام، أصدر المؤلف الجزء الثاني بعنوان “صوت الإمام.. الخطاب الديني من السياق إلى التلقي”، مطورًا أدواته ومنهجيته، وموسعًا من زوايا النظر والتحليل؛ ليصل الكتاب إلى ضعف حجم الجزء الأول، ومغطيًا مساحات كبيرة من أشكال وتصورات وصور الخطاب الديني المعاصر. ولا يُخفى على ذي نظر أن موضوع الكتاب بالغ الخطورة، وينبغي أن لا يمر على القارئ مرورًا عابرًا؛ لأن قضية الخطاب الديني الآن تكاد تكون على رأس أهم القضايا التي تتحكم في تقدم المجتمعات العربية خصوصًا، والمجتمعات الإسلامية عمومًا؛ فإما الانحدار الذي يصل بنا إلى أسوأ أيام أفغانستان، وإما التقدم الذي يمكن أن يحقق أحلامًا كالأحلام التي حققتها ماليزيا في عهد مهاتير محمد، وما يماثل ماليزيا من النمور الآسيوية الصاعدة.
شاهد: فيديوغراف.. إعلان مراكش .. الإمارات و المغرب يُفَعِّلان “وثيقة المدينة” في زمن النبوة
ولأن أي بحث أصيل وحقيقي ينبغي أن يقوم على حزمة متماسكة من الأسئلة والتساؤلات؛ فقد بنى الدكتور زايد بحثه الواسع للخطاب الديني على هذه الأسئلة: كيف يتشكل الخطاب الديني؟ وما الذي يوجه مساره؟ وما الموضوعات التي يتناولها؟ وهل تتجه موضوعات هذا الخطاب إلى مساعدة الناس على العيش ومواجهة تحديات العصر أم يقوم بعكس ذلك ويسحبهم إلى عوالم ماضوية أخروية يجاوز بهم الحاضر والمستقبل معًا؟!

هل يمكن تجديد الخطاب الديني؛ أي خطاب ديني، من دون تفكيك التراث والتاريخ ونقدهما ومن دون فهم للعلاقات المتشابكة المعقدة الملتبسة للدين مع بناء الدولة الوطنية؟ إذن ومن خلال رؤية منهجية تحليلية منضبطة نظريًّا وتطبيقيًّا، يحاول الكتاب عبر فصوله الإجابة عن هذه الأسئلة وتوليد غيرها أيضًا.
اقرأ أيضًا: السوق الديني وصراعات رأس المال الرمزي
يتعامل الدكتور أحمد زايد مع مفهوم “الخطاب” بوصفه يشمل كل الأقوال المسموعة والمكتوبة والرموز والعبارات والأقوال؛ بل وأساليب السلوك باعتبار أن المجتمع ذاته يُفهم على أنه نص (Text) يخضع لنفس أساليب تحليل الخطاب. ورغم أن المصطلح يشير في اللغة إلى التعبيرات اللفظية؛ المكتوبة أو المرسلة، في الكلام؛ كالخطب والنصوص الدينية، كما يشير إلى المناقشات ومختلف صور التعبير اللغوي حول موضوع معين أو حول قضية معينة؛ فإن استخدامه في العلم الاجتماعي امتد ليشمل أكثر من معناه اللغوي، فهو يستخدم في العلوم الاجتماعية، بوصفه طريقة منظمة للتفكير؛ حيث تنتظم الأفكار المختلفة والآراء المختلفة في أنماط مختلفة من الخطاب.
شاهد: فيديوغراف.. وثيقة مكة المكرمة 2019
ويصبح الخطاب بهذا المعنى مرادفًا لمفهوم المدخل النظري أو المنحى النظري أو المنحى المنهجي أو أسلوب التناول أو الأطروحة.. وهنا يتسع مفهومه ليشمل صور الخطاب المختلفة في السياسة وفي الدين؛ بل وفي الحياة الاجتماعية اليومية أيضًا.
اقرأ أيضًا: دور الخطاب الديني الأصولي في إغواء الشباب نحو التطرف والعنف
وَفق المفهوم السابق للخطاب الديني، يمايز المؤلف بين ثلاثة مستويات-إجرائيًّا- من الخطاب الديني:
المستوى الأول، هو الخطاب الذي تنتجه المؤسسات الدينية؛ مثل الأزهر أو الكنيسة القبطية، أو الذي تنتجه نخبة دينية لها تأثير واسع في القراء أو المستمعين. المستوى الثاني، هو الخطاب الديني الذي ينتج في المساجد أو الكنائس، وهو خطاب متنوع يخضع للاجتهاد الشخصي في كثير من الأحيان، رغم أنه ينبع من المؤسسة الدينية رسميًّا. أما المستوى الثالث، فهو الخطاب الديني كما يتجسد في حياة الناس اليومية، وكما يعبر عنه الحديث اليومي للأفراد عبر تفاعلاتهم الاجتماعية. وإذا كان الجزء الأول “صور من الخطاب الديني المعاصر” قد ركَّز على تحليل الخطاب في مستواه الأول؛ فإنه هنا وفي “صوت الإمام” يركز على المستويين الثاني والثالث.
يمايز المؤلف بين ثلاثة مستويات من الخطاب الديني:
♦ الخطاب الذي تنتجه المؤسسات الدينية الرسمية
♦ الخطاب الديني الذي ينتج في المساجد أو الكنائس
♦ الخطاب الديني كما يتجسد في حياة الناس اليومية
هيكليًّا، يقع الكتاب في 285 صفحة من القطع الكبير، صادر عن دار العين للنشر، وينقسم إلى مقدمة وثمانية فصول: يؤسس الفصل الأول لإشكالية الدراسة، وسؤالها والاستراتيجية المنهجية، وأدوات التحليل والتفسير والتأويل. ويتناول الفصل الثاني أهم المقاربات النظرية السوسيولوجية الكلاسيكية والمعاصرة التي عالجت العلاقة بين الدين والمجتمع.
اقرأ أيضًا: من الخليج إلى المحيط .. ميثاق عالمي للتسامح وحماية الأقليات.
أما الفصلان الثالث والرابع، فيعالجان بُعْد تكوين الخطاب الديني، وأوضاع النخب الدينية. ويعالج الفصلان الخامس والسادس مضمون الخطاب الديني، والقيم التي يدعو إليها، من خلال تحليل عينة كبيرة من الخطب المنبرية؛ المكتوبة والشفاهية. ويختص الفصل السابع بدراسة أشكال تلقِّي الخطاب الديني؛ لاستكشاف أنماط هذا التلقي وأسراره وخبراته المعقدة. ويقدم الكتاب في الفصل الثامن والأخير رؤية استشرافية لدمج الخطاب الديني في قضايا النهضة والتنمية.
كتاب “صوت الإمام.. الخطاب الديني من السياق إلى التلقي”
المؤلف: أحمد زايد
صادر عن دار العين للنشر
285 صفحة ♦ 8 فصول