الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

صناعات الطاقة والغذاء أكثر ربحاً.. لماذا؟

زادت عوائد قطاع الغذاء في عام 2022 بنحو تريليون دولار عما كانت عليه في عام 2020، وزاد حجم سوق توليد الطاقة من 1.4 تريليون دولار في عام 2021 إلى 1.8 تريليون دولار في عام 2022.

 كيوبوست- منير بن وبر

 قالت غابرييلا بوشر، المديرة التنفيذية لمنظمة “أوكسفام إنترناشيونال”، إنه “في الوقت الذي كان فيه الناس العاديون يقدمون تضحيات يومية من أجل الضروريات؛ مثل الطعام، فقد تفوق الأثرياء حتى على أحلامهم”، وذلك في تعليق لها على التقرير الذي أصدرته المنظمة بعنوان “البقاء للأغنى”، والذي ورد فيه أيضاً أن ارتفاع أرباح الغذاء والطاقة زاد بشكل لافت للنظر من ثروات بعض المليارديرات في عام 2022. 

وفقاً لـ”أوكسفام” فإن 95 شركة للغذاء والطاقة قد ضاعفت أرباحها بأكثر من الضعف في عام 2022، وحققت 306 مليارات دولار من الأرباح “المفاجئة” التي راح أغلبها إلى جيوب المساهمين الأثرياء في تلك الشركات. 

اقرأ أيضاً: التكنولوجيا والتجارة الخضراء.. هل تجعلان عالمنا أفضل عما قريب؟

وفي حين أن تقرير “أوكسفام”، التي تركز على تخفيف حدة الفقر في العالم، يسلط الضوء على اتساع الفوارق بين الفقراء والأغنياء، إلا أن النتائج بشأن ازدهار قطاعَي الغذاء والطاقة عالمياً تمنحنا المزيد من المعطيات اللافتة للنظر؛ أهمها أن زيادة التحضر والتنمية الاقتصادية في العالم يقودان قطاع الغذاء والطاقة إلى الأمام بقوة، جنباً إلى جنب مع المنافع التي تقدمها التطورات التكنولوجية، وزيادة الوعي بالقضايا البيئية، وزيادة استثمار الحكومات، وهي عوامل يُتوقع أن تدفع إلى المزيد من النمو في المستقبل.  

زيادة في إيرادات الغذاء والطاقة عالمياً

تشير التقديرات إلى أن عوائد قطاع الغذاء في عام 2022 زادت بنحو تريليون دولار عما كانت عليه في عام 2020، كما زاد حجم سوق توليد الطاقة من نحو 1.4 تريليون دولار في عام 2021 إلى 1.8 تريليون دولار في عام 2022. ومن المتوقع استمرار قطاعَي الغذاء والطاقة في النمو خلال الأعوام المقبلة.

استثمرت “توتال” في مشروعات الطاقة الشمسية في اليابان- Total

هناك عدد من الأسباب وراء ازدهار صناعات الغذاء والطاقة عالمياً. أولاً؛ شهد عام 2022 انتعاشاً في الطلب العالمي، خصوصاً المنتجات الزراعية، كما يوجد عموماً طلب متزايد على الغذاء والطاقة مع استمرار نمو عدد سكان العالم؛ وهو نمو مدفوع بعوامل، منها زيادة مستويات التحضر والتنمية الاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، تسمح التقنيات الجديدة بإنتاج أكثر كفاءة؛ ما يؤدي إلى انخفاض التكاليف وزيادة الإنتاج. من جانبٍ آخر؛ لجأت العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى الاستثمار بكثافة في قطاعَي الطاقة والغذاء، من أجل زيادة أمنها الغذائي وتلبية احتياجات مواطنيها مع تزايد العقبات التي تفرضها الأزمات.

الوعي بالقضايا البيئية يؤثر بشكلٍ ملحوظ ومتزايد كذلك على ازدهار قطاع الغذاء والطاقة؛ إذ بات الناس يبحثون بشكل متزايد عن خيارات مستدامة عندما يتعلق الأمر باحتياجاتهم الغذائية والطاقة.

في السنوات القليلة الماضية، زاد الاهتمام بالأطعمة الصحية، كما دفعت أزمات تكاليف المعيشة إلى الاهتمام أكثر بتقليل الهدر في الطعام. في نفس الوقت، ومن بين عوامل أخرى، تؤدي زيادة مستوى الدخل في بعض البلدان، ونمو التصنيع في الدول النامية، إلى زيادة الطلب على الطاقة.

البيئة والتكنولوجيا تدفعنا إلى الأمام

زاد الاهتمام في موضوع الاستدامة خلال الأعوام الماضية، وهو توجه سيستمر خلال الأعوام المقبلة، ويدفع العديد من القطاعات إلى تبني المزيد من التقنيات والاستراتيجيات التي تحقق الاستدامة، كما يخلق أنماط استهلاك جديدة تدعم الغرض ذاته.

يمكن للتكنولوجيا والابتكار أن تخدم مختلف القطاعات؛ بما في ذلك الغذاء والطاقة، وتؤدي بالتالي إلى كفاءة الإنتاج وزيادة الطلب في أقسام مختلفة داخل كل قطاع.

اقرأ أيضاً: قوة الابتكار: كيف ستحدِّد التكنولوجيا مستقبل الجغرافيا السياسية؟

وتشير دراسات سوق متعددة إلى أن أزمة فيروس كورونا وآثار تغير المناخ وارتفاع تكاليف الطاقة؛ أثرت على اتجاهات الاستدامة في سوق الغذاء، حيث أصبح الناس أكثر اهتماماً بسلامة الغذاء ونوعيته، وحتى كيفية إنتاجه، كما باتوا أكثر ميلاً إلى الأطعمة النباتية الصحية والسؤال عن مزيد من الشفافية والوضوح للبيانات المدونة على المعلبات. وأصبح الناس والشركات أيضاً أكثر اهتماماً بتقليل الهدر إلى الحد الأدنى؛ سواء في مرحلة الإنتاج أو الاستهلاك. 

للتكيف مع توجهات السوق الحالية، تعمل العديد من الشركات على تبني الحلول التكنولوجية؛ مثل التشغيل الآلي (الأتمتة) والذكاء الاصطناعي، لتقليل الهدر وزيادة الإنتاج. كما تسعى لحلول الطاقة المتجددة؛ مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتقليل تكاليف الطاقة والمساهمة في حماية البيئة.

وعلى سبيل المثال، في عام 2022، أعلنت شركة “مارس لصناعة الحلويات” افتتاح أول مصنع مثلجات لها يعمل بالطاقة المتجددة مئة في المئة. إن مثل هذه الاستراتيجيات لن تؤدي إلى زيادة الإنتاج وحماية البيئة وتقليل التكاليف فقط؛ بل أيضاً يمكنها خلق وظائف جديدة، حيث تشير التقديرات إلى أن الانتقال إلى الزراعة المستدامة يمكن أن يخلق أكثر من 200 مليون وظيفة عبر نظام إنتاج الغذاء بأكمله بحلول 2050. 

مزرعة مستدامة في أبوظبي (الإمارات)- “ذا ناشيونال”

تعطينا تلك التوجهات فكرةً حول كيف يمكن أن تؤثر زيادة الوعي بالبيئة والتكنولوجيا على زيادة الطلب على منتجات الطاقة المتجددة عموماً في مختلف القطاعات؛ بما في ذلك الحكومية، ولدى مختلف المستهلكين. وفي هذا السياق، تشير التقديرات إلى أن حجم سوق الطاقة المتجددة زاد بمقدار 116 مليار دولار في عام 2022 مقارنةً بالعام السابق له، ومن المتوقع أن يبلغ حجمه في العام الجاري أكثر من تريليون دولار.  

وعلى الرغم من كل ما تحمله تلك التوجهات من إيجابيات؛ فإن زيادة الترابط العالمي، والأزمات الطبيعية أو تلك التي من صنع الإنسان، وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، تجعل مسألة ضمان التوزيع العادل للغذاء والطاقة غايةً في الأهمية.

ربما تمتلك الدول المتقدمة والغنية القدرة على التكيف مع التغيرات والتوجهات الحالية؛ لكن الدول الأقل حظاً قد لا تمتلك تلك المزايا غالباً، لذلك يجب أن تعمل الدول المقتدرة والمنظمات، على ضمان العدالة في توزيع موارد الغذاء والطاقة من خلال مختلف الوسائل؛ مثل برامج المساعدة الدولية والتعاون، بما في ذلك مساعدة الدول على الاستثمار في البنية التحتية والزراعة والطاقة المتجددة، وتعزيز الحفظ والاستهلاك المسؤول للغذاء والطاقة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج