الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

صعود حسن نصر الله ودوره في صراعات الشرق الأوسط

كيوبوست

مَن هو نصر الله؟

ما إن بلغ حسن نصر الله السادسة عشرة من عمره تقريباً، حتى ترك لبنان للدراسة في العراق؛ حيث انضم هناك إلى مجالس علماء الدين من الشيعة في النجف، مركز الحوزة العلمية الشيعية في العراق. لم ينشأ نصر الله في عائلة متدينة أو ميسورة الحال؛ إذ ولد وسط عائلة كانت قد نزحت من إحدى قرى لبنان طلباً للرزق إلى برج حمود، إحدى بلدات جنوب لبنان، إلا أن حسن نصر الله أبدى اهتماماً بدارسة علوم الدين والسفر لأجل ذلك.

أثبتتِ السنوات القليلة اللاحقة لدراسة حسن نصر الله في العراق قيمة عالية للشاب الذي لم يبدأ حياته بعد حينها؛ حيث بدأ في العراق ببناء علاقة متينة بعالم الدين والقيادي اللبناني عباس الموسوي، والذي أسس مع رفيقه، صبحي الطفيلي، جماعة حزب الله اللبناني في عام 1982.

اقرأ أيضاً: جهود حزب الله وإيران لنشر التطرف في إفريقيا

كان لوجود نصر الله المبكر في جماعة حزب الله، والدور الذي قام به منذ بداية عقده الثالث، أثر عظيم في  تشكيل كل تاريخ الرجل؛ وانطباع على كل مناحي حياته؛ بدءاً من اغتيال رفيقه عباس الموسوي عام 1992، وتصنيفه كإرهابي من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 1995، مروراً بمقتل ابنه، هادي نصرالله، في عام 1997، ووصولاً إلى ما يفرضه عليه دوره من قيود وخوف، كما حدث مؤخراً بعد اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة؛ حث قلل نصر الله من تحركاته خوفاً من أن يلقى المصير ذاته.

بدأ حسن نصر الله في اكتساب شعبيته وشهرته بشكلٍ كبير منذ توليه منصب الأمين العام الثالث لـ”حزب الله” في عام 1992؛ خلفاً لزميله عباس الموسوي، والذي كان قد اُنتخب ليكون الأمين العام الثاني للحزب بعد رفيقه صبحي الطفيلي في عام 1991؛ لكن ما لبث أن اغتيل بغارةٍ جوية إسرائيلية في العام التالي.

اقرأ أيضاً: تجارة المخدرات جزء لا يتجزأ من نشاط “حزب الله” الإجرامي العالمي

 لكن النشاط الديني والسياسي والعسكري لنصر الله بدأ قبل ذلك بأعوام؛ حيث انضم إلى حركة المحرومين اللبنانية، وجناحها العسكري “أمل” في عام 1978، والتي تم تأسيسها بواسطة رجل الدين الشيعي والسياسي موسى الصدر في عام 1974؛ لكن نصر الله سرعان ما انشق عن حركة “أمل”، وأسهم في تأسيس حركة حزب الله، بجناحَيها السياسي والعسكري.

أُنشئت جماعة حزب الله لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وكذراع لإيران في صراعها مع إسرائيل والوجود الغربي في المنطقة، كما يسيطر الجناح السياسي للجماعة على مقاعد في البرلماني اللبناني منذ عام 1992. وعلى الرغم من أن نصر الله لا يشغل أي منصب سياسي في لبنان؛ فإنه يمتلك نفوذاً كبيراً يعتبره البعض أكبر من أي مسؤول لبناني.

نصر الله الشاب مع رفيق دربه قاسم سليماني أمام خامنئي

النفوذ الكبير لحسن نصر الله على “حزب الله”، والدولة اللبنانية، كان مثار جدل كبير بين مؤسسيه وأعضائه؛ إذ عارض الأمين العام الأسبق صبحي الطفيلي، دخول “حزب الله” في الانتخابات النيابية اللبنانية، كما وقف ضد أسلوب الاستبداد والانفراد بالقرار داخل “حزب الله”، وتهميش مبدأ الشورى تحت قيادة حسن نصر الله.

 بلغت مواقف الطفيلي المعارضة مرحلة حرجة في عام 1997؛ حينما دعا إلى “ثورة جياع” في لبنان، وهو الأمر الذي أدَّى إلى فصله من الحزب. ومع ذلك، فلا يزال الطفيلي، إلى الآن، أحد أشرس المعارضين لـ”حزب الله”؛ إذ يتهم الحزب وقيادته بالمساهمة بفاعلية في فساد لبنان وتخريبه، وتدميره مع دولٍ أخرى؛ مثل سوريا والعراق واليمن، من خلال التحالف مع إيران وخدمة أجندتها المتطرفة.

اقرأ أيضاً: زيادة إيران تخصيب اليورانيوم.. انتهاك جديد للالتزامات الدولية

نصر الله في الخارطة الإقليمية

من المُمكن النظر إلى حسن نصر الله بوصفه يجسد عدة هزاتٍ زلزالية في أرضية منطقتنا؛ ومنها التآكل التدريجي للمنظومة الإقليمية التي نتجت عن اتفاقية سايكس- بيكو، واستقرت لزمنٍ طويل في المشرق، وبالذات بلاد الشام، ومنها تحول شيعة لبنان من كونهم القاعدة الشعبية للتيارات اليسارية والقومية إلى حاضنة الإسلام السياسي الثوري؛ ومنها النجاح الذي حققه المد الإيراني، ومنها سطوع نجم التنظيمات المسلحة، وتأسيسها كيانات تشبه في أدوارها ووظائفها الدولة الحديثة.

إذن نصر الله ليس مجرد زعيم لميليشيا دينية، ويختبئ تحت الأرض، في أحد سراديب بيروت؛ بل هو تجمُّع لعدة شخصيات تحت عمامة سوداء واحدة. فهو سياسي يرقص بدقة على حبال السياسة اللبنانية الداخلية، وهو قائد حزبي أشرف على تطور حزبه عسكرياً، وهو خطيب بليغ يسحر عقول الكثيرين في منطقتنا، ويذكرهم بزعماء شعبويين آخرين.

“موديل” نصر الله

حدث أمر غير مألوف في مايو من عام 2000؛ لأول مرة تنسحب إسرائيل من أرضٍ عربية بلا اتفاقية سلام وبلا ترتيباتٍ أمنية، وبلا حتى تواصل علني أو غير علني. للكثيرين في لبنان والمنطقة، كانت هذه لحظة أثبت فيها “حزب الله” أن العرب قادرون على “المقاومة” وبنجاح، أما في الجانب الإسرائيلي فقد كانت هذه هي “لحظة فيتنام” للبعض؛ حيث يهتز الجيش الإسرائيلي بكل قدراته الخارقة أمام ميليشيا بدائية التسليح.

وفي عام 2006 أتى تقرير لجنة فينوغراد، التي كُلفت بتقصي مُعطيات ونتائج حرب صيف ذلك العام بين “حزب الله” وإسرائيل، أتى ليـؤكد مخاوف الكثيرين حول توسع قوة الحزب وتأثيره البالغ على معنويات الإسرائيليين، فذكر بصراحة فظة: “لا تستطيع إسرائيل أن تنجو في هذه المنطقة.. إلا إذا آمن الرأي العام في إسرائيل والبلدان المحيطة بها، أننا نمتلك القيادة السياسية والعسكرية التي ستمكنها من ردع أي طرف يريد إلحاق الأذى بنا”.

اقرأ أيضاً: دور حزب الله في شرق أوسط متغيّر

هل كانت إيران تحلم بهذا النجاح الباهر في يونيو 1982 عندما حط 500 عسكري من أفراد الحرس الثوري رحالهم في مطار دمشق الدولي، وتوجهوا إلى وادي البقاع بنية مقاومة إسرائيل؟ الجواب هو غالباً لا. وهنا يدخل نصر الله إلى المشهد الإقليمي، الشاب القادم من خلفية طبقية فقيرة أو “معتّرة” كما يقال في اللهجة اللبنانية، هذا الشاب الذي لم يُكمل تعليمه الديني، والذي بدا غريباً بنظاراته الجامعية بين شباب مُسلح، سيكون حلقة الوصل بين طهران، وجمهور متزايد من الشباب الغاضب داخل طائفته، وسيكون العقل المُدبر الذي سيحول “حزب الله” من مجرد عصابة مسلحة تختطف رهائن مدنيين، وتقوم بهذا التفجير أو ذاك، إلى منظمةٍ تعمل كالساعة السويسرية في تحقيق أهدافها المختلفة في الداخل والخارج، منظمة وصفها المُرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، بأنها “من أعظم نجاحات سياسة إيران الخارجية.. وسنكرر هذا النموذج في كل أنحاء دار الإسلام، إلى حين تحرر جميع المسلمين”.

ولا يبدو أن الزعيم الإيراني كان غارقاً في أحد تخيلاته الثورية، أو كان يبيع لمواطنيه شعارات براقة؛ فالإيرانيون راقبوا تصاعد أداء “حزب الله” العسكري أمام إسرائيل عبر السنين؛ وهو ما سيغريهم بتكرار النموذج لاحقاً في العراق واليمن، وأينما وُجدت مساحة تضعف فيها الدولة ومؤسساتها، ووُجد جمهور محلي يستجيب للخطاب الإيراني.

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب غضبت الحكومة اليمنية من حزب الله وهددت بالتصعيد

هنا نرى إحدى مساهمات نصر الله الرئيسية في النظام الإقليمي، سوف يكون محركاً أساسياً ليس فقط في التمدد الإيراني أو تنامي نفوذ طائفته؛ بل وفي انقسام منطقتنا إلى معسكرَين، “محور المقاومة والممانعة”، ودول الاعتدال العربي. وسوف تزيد انتصاراته العسكرية من رصيد محور المقاومة جيوسياسياً، وكذلك ستضاعف الإحساس بالخطر لدى خصومه، وستعمق الشرخ الطائفي في جسد منطقتنا، الذي لم تعرفه بهذا العمق مُسبقاً.

سنوات “الربيع العربي”

كان تدخل الحزب في الحرب السورية الراهنة نقطة فاصلة في تاريخ الحزب؛ فالحزب هنا أصبح ذا مصالح جيوسياسية تتعدى جنوب لبنان وشمال إسرائيل، وسوف يشرف نصر الله على تحول جديد في أداء الحزب عسكرياً؛ بحيث أصبح شبيهاً في بعض الأحيان بالقوات النظامية، من حيث تنظيمها اللوجستي وتكتيكاتها في أرض المعركة، قاتل الحزب بجانب الجيش النظامي السوري، وأضحت سوريا ساحة تدريب للحزب ليس في ما يتعلق بالقتال، بل وإقامة منظمات شبيهة به؛ حيث كان له دور كبير في تأسيس وتدريب ميليشيات “فاطميون” و”زينبيون”.

الحرب أنهكتِ الحزب، وأدت إلى تململ بين قواعده الشعبية؛ لكن نصر الله كان حريصاً على الخروج من الأزمة السورية بأكبر الأرباح، وهو ما ظهر في تضاعف قوة الحزب العسكرية، فحسب التقديرات يقود نصر الله ما يزيد على 20,000 مقاتل متمرس، و10,000 صاروخ، بالإضافة إلى ترسانة متطورة من أنظمة الدفاع الجوي والطائرات بلا طيار. كما اقتنى الحزب، لأول مرة، قوته المدرعة الخاصة به.

“حزب الله” يستعرض دباباته ومدرعاته في بلدة القصير السورية عام 2016

لكن تظل الحرب السورية، وفقاً لنصر الله، “مشروعاً سياسياً”، ونصر الله هنا يتحدث بوصفه منظر الحزب الاستراتيجي أيضاً وليس واجهته فقط، ولكن ما عناصر هذا المشروع؟ نستطيع أن نستخلص بعضها من خُطب نصر الله؛ فهو يريد أن يكون لـ”حزب الله” دور فاعل في بناء “سوريا الجديدة” ما بعد انتهاء الحرب، ومن ذلك بعض الامتيازات الاقتصادية، بل وأيضاً إعادة تأسيس وتدريب الجيش السوري النظامي؛ لكن الأولوية الأهم لنصر الله هي في تقوية حضور الحزب في جبهة الجولان مقابل إسرائيل، هذا ما سيمنحه عمقاً استراتيجياً يفتقده الآن في جنوب لبنان.

اقرأ أيضاً: هل نقل “حزب الله” نترات الأمونيوم إلى أوروبا؟

وهنا سنرى أيضاً مساهمة أخرى لنصر الله في النظام الإقليمي؛ حيث سينقل بعض ملامح مشروعه السياسي في سوريا إلى اليمن، إذ سيتولى الحزب تدريب كوادر الحوثيين في وادي البقاع؛ بل وسيستقبل جرحاهم في مستشفياته في بيروت. لم يعد نصر الله لاعباً مهماً في المشرق فحسب؛ بل توسع دوره أيضاً للجزيرة العربية.

فهل ستكون هذه النهاية؟ أم أنه سيتوسع لمناطق أخرى؟ وهل هناك من معادلة إقليمية قادرة على استيعاب الحزب على أقل تقدير؟

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة