الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.. الأبعاد والتداعيات

تعتبر الأحزابُ اليمينية نفسها موكلة بالدفاع عن الديانة والقيم المسيحية في مواجهة الديانات الأخرى، الأمر الذي يثير صراعاتٍ وانتقاداتٍ للديانات الأخرى ومعتنقيها، وخاصة الدين الإسلامي...

كيوبوست

في دراسةٍ جديدة نشرها مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، حاول الدكتور محمد عصام لعروسي، الخبير في الشأن الاستراتيجي والدولي، أن يغوص في ظاهرة صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، من خلال قياس التأثيرات المحتملة على الأنساق السياسية والاقتصادية والجيوسياسية.

وتنطلق دراسة لعروسي من الانتصارات المتتالية للأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات الأوروبية، في وقتٍ تراجعت فيه اقتصاديات العديد من الدول الأوروبية، وفشلت حكومات اليسار واليمين في تحقيق برامجها السياسية ووعودها الانتخابية، الأمر الذي منح “جاذبية سياسية” للخطابات القومية والمعادية للهجرة.

اقرأ أيضاً: حرق المصحف في السويد… عاصفة اليمين المتطرف تضرب السلم المجتمعي!

وخاضت دراسة الخبير المغربي في العوامل التي أفضت إلى انتشار أفكار وفوز أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، لتصل إلى سرد انعكاسات هذه الظاهرة، علاوة على تأثير هذا الصعود على مشروع الاتحاد الأوروبي، ثم على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، لكونها المنطقة المرشحة أكثر من غيرها، للتضرر من السياسات العنصرية لليمين المتطرف.

خرائط سياسية جديدة في أوروبا

اقتفت الورقة البحثية ذاتها ملامح خرائط سياسية جديدة في أوروبا، انطلاقاً من المجر إلى النمسا، مروراً بالسويد، ثم وصولاً إلى فرنسا وأخيراً إيطاليا، حيث استغلت أحزاب اليمين المتطرف ومن معها في التحالفات المبرمة إشكاليات الهجرة، وتردي الأوضاع الاجتماعية، وتداعيات أزمة كورونا، وانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، كما استثمرت بشكلٍ جيد “التراجع التاريخي لأحزاب اليسار”.

محمد عصام لعروسي

وسجلت الدراسة الجديدة أن معظم البلدان في العالم تمتلك أرضاً خصبة للسياسات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك المناطق التي لطالما اعتبرت “محصنة” ضدها، مثل أيرلندا والبرتغال وكندا وإسبانيا.

علاوة على ذلك، يمتد المشهد اليميني المتطرف على شكل عدوى تستشري وتنتشر، ما وراء أوروبا الغربية، حيث نمت وازدهرت أيضاً في وسط وشرق أوروبا بشكلٍ كبير خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وعرَّجت الدراسة على سرد أهم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، ومنها حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، الذي أسسه جان ماري لوبان في سنة 1972باسم الجبهة الوطنية من أجل الوحدة الفرنسية، وحزب البديل من أجل ألمانيا، وفورزا نوفا الذي يحمل شعار “الإيطاليون أولاً”، ومؤسسة “إخوة إيطاليا”.

اقرأ أيضاً: مؤامرة في ألمانيا تسلِّط الضوء على توجهات اليمين المتطرف

ووفقاً للدراسة، يعد المجال السياسي الرئيسي لليمين المتطرف المعاصر هو الساحات المحلية الوطنية، إذ يخوض معظم الفاعلين اليمينيين المتطرفين الانتخابات الوطنية، ويحشدون حول القيم والقضايا الوطنية “المزعومة”، كما أن اليمين المتطرف أصبح يتجاوز الإطار الوطني الضيق ليلامس البعد الدولي، ويصل إلى النطاقات فوق الوطنية والعابرة للحدود.

حققت القوى اليمينية المتطرفة تقدمًا في أوروبا والولايات المتحدة

استغلال الفشل وكورونا

تعزو الكثير من الدراسات نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى التغيير الذي طال طبيعة المنافسة الحزبية، إذ يرتكز هذا الطرح على أن أحزاب اليمين المتطرف تواجه بيئة مواتية، عندما تتقارب الأحزاب الرئيسية في فضاء السياسة، وتتشابه أهدافها وبرامجها.

وفي خضم هذه السياقات يتجه الناخبون إلى الأحزاب الشعبوية، بما في ذلك تلك الموجودة في أقصى اليمين، التي تنتقد الأحزاب الرئيسية لتواطؤها بدلاً من التنافس على السلطة.

أما الطرح الثاني، وفق دراسة لعروسي، فيذهب الى أن أحزاب اليمين المتطرف تعمل بشكلٍ أفضل عندما تتبنى الأحزاب اليمينية الرئيسية مواقف وسطية، لأن اليمين المتطرف لديه مساحة سياسية أكبر لاستغلالها، بينما هناك محللون يعزون نجاح اليمين المتطرف إلى الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم مؤخراً”.

عناصر متشددة في أوروبا- أرشيف

وتشير الوثيقة البحثية أيضاً إلى أن أحزاب اليمين المتطرف تستغل فشل السياسات الاقتصادية في عهد الحكومات اليمينية واليسارية التي فشلت في تحقيق أهدافها، من خلال ربط المهاجرين والأقليات بالصعوبات الاقتصادية وتحريك شعارات مثل “القضاء على البطالة” و”أوقفوا الهجرة”.

اقرأ أيضاً: انتصار ميلوني.. هل يشكل اليمين المتطرف مستقبلاً لأوروبا؟

ولم تقف الأحزاب اليمينية عند هذا الحد، بل استغلت أزمة فيروس كورونا لتأجيج المشاعر الساخطة لدى المواطنين، بسبب عدم استجابة الحكومات لوباء كورونا، والانتشار الواسع للمعلومات المضللة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وفرت مساحة أوسع للأفكار السياسية اليمينية المتطرفة والمحافظة التي تنم عن كره الأجانب، واستغلت تلك النقطة لترويج الأفكار المعادية للمهاجرين، باعتبارهم ناقلين للعدوى.

ولم يفت الدراسة الإشارة إلى أن قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تتجسد أساساً في استراتيجيات التعبئة الناجحة عبر تضخيم أخطاء الحكومات، كما أنها أكثر مرونة في التنظيم، ونخبها أكثر تفاعلاً مع المتغيرات الاجتماعية الحالية، ولديها قدرة كبيرة على التكيف مع تلك التغيرات.

وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في إيطاليا

انعكاسات

بعد أن أفرد لعروسي حيزاً معتبراً للموحدات العقدية الأيديولوجية والفكرية لمشروع اليمين المتطرف في أوروبا، اهتم في محورٍ آخر بأبرز انعكاسات وصول أحزاب اليمين المتطرف على المشهد السياسي في القارة العجوز، خاصة انعكاسات الترويج لخطابٍ تحريضي ضد مجموعاتٍ تصفها بأنها دخيلة على المجتمع، ومطالبتها بضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية.

وسجل المصدر أيضاً سياسة التحيزات الدينية؛ إذ تعتبر الأحزابُ اليمينية نفسها موكَّلةً بالدفاع عن الديانة والقيم المسيحية في مواجهة الديانات الأخرى، الأمر الذي يثير صراعاتٍ وانتقادات للديانات الأخرى ومعتنقيها، وخاصة الدين الإسلامي، ومن ثم يستمر الترويج لفكرة أنهم يشكلون بؤراً للإرهاب، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في مختلف أرجاء أوروبا، خاصة أن بروز اليمين المتطرف في أوروبا تزامن مع ظهور الإسلاموفوبيا في المجتمعات الأوروبية في السنوات الأخيرة.

اقرأ أيضاً: حرية التعبير في السويد والحركة اليمينية المتطرفة المتنامية

واستطردت الورقة البحثية بأن ما قد يفاقم مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، أو المهاجرين عامة، سعي بعض الحكومات الأوروبية في ظلِّ تصاعد الأحزاب اليمينة، واتساع القاعدة الشعبية المؤيدة لها يوماً بعد يوم بشكلٍ ملحوظ، للمزايدة على ما تطرحه أحزاب اليمين المتطرف، عبر تبني خطابٍ يتماهى مع خطاب تلك الأحزاب، بهدف استعادة الأصوات الانتخابية التي استحوذ عليها اليمين مؤخراً، الأمر الذي قد يدفع الحكومات إلى اتخاذ خطواتٍ ضد الجاليات المسلمة لتعزيز موقعها في الشارع الانتخابي.

منطقة “مينا”

وعرجت الدراسة على السياسات الأوروبية المحتملة إزاء الشرق الاوسط وشمال إفريقيا (مينا) في خضم وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، في سياق تنامي أزمات اللاجئين الضاغطة على أوروبا، وطبيعة التوازنات وخريطة التحالفات السياسية التي ستُساهم تلك التيارات في تشكيلها مع دول المنطقة.

ولفت لعروسي إلى أن الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها القارة الأوروبية، في الفترة الماضية، لعبت دوراً في خلق بيئةٍ حاضنة لنمو تلك التيارات، وخاصةً ترسيخ نظرتها السلبية للمهاجرين، لاسيما القادمين من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، بما جعل تلك التيارات المختلفة تتفق على كون المهاجرين يهددون القومية الأوروبية من خلال أسلمة أوروبا، بما يهدِّد الأفكار الأوروبية القائمة على العلمانية، وفصل الدين عن الدولة.

وتطرق المصدر إلى أهم الملفات التي ستسعى تلك التيارات للتعاطي معها في المنطقة، ومنها ملف الهجرة واللاجئين، إذ يُتوقع أن يعاني لاجئو دول منطقة الشرق الأوسط من سياساتٍ متشددة ضدهم.

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يعين “قيصراً” جديداً للإسلاموفوبيا

خلاصة

رجحت دراسة مركز أبعاد أن صعود اليمين الأوروبي سيدفع إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات السياسية في أوروبا، سواء على المستوى التشريعي والتنفيذي، وتحديد الأولويات بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تصارع لتصحيح مسار الاندماج الاوروبي، خاصة أن التيارات اليمينية تقف موقف المشكك في الاتحاد الأوروبي، لكنها في نفس الوقت غير قادرة على تغيير قواعد اللعبة السياسية بالكامل، وتحاول الاستفادة من الاتحاد للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لكن من دون التخلي عن الطموحات القومية السيادية ومواقفها من الهجرة والمهاجرين.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة