الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية

صراع شيعي – شيعي حول التأثير الإيراني داخل العراق

تنامي الأصوات الشيعية المطالبة بدولة ذات سيادة بعيدة عن الإملاءات الإيرانية

ترجمة كيو بوست عن مجلة ناشونال إنترست الأمريكية

بقلم الباحثة الأمريكية، صاحبة المؤلفات السياسية الكثيرة، جنيفي آبدو.

بعد أن نظر الكثير من العراقيين إلى الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على أنها “المنقذة” التي ساعدت البلاد في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، ها هي تقوم بزعزعة استقرار الحكومة العراقية الضعيفة والهشة، وتخلق توترات إضافية بين بغداد والعواصم الأخرى.

لم يفرح العراقيون إلا القليل عندما جرى تشكيل الحكومة العراقية في أيلول/سبتمبر المنصرم؛ فقد استغرق الأمر 5 شهور من الجدل في أعقاب الانتخابات الوطنية التي جرت في مايو/أيار. لكن الميليشيات، المعروفة باسم قوات الحشد الشعبي، تحولت إلى سلاح بيد إيران في العراق، عملت على تحطيم الوحدة الوطنية، وأصبحت قوة حاسمة في بلدٍ بدا متفائلًا قبل شهر واحد نحو المصالحة.

اقرأ أيضًا: الميليشيات الشيعية العراقية على أبواب اقتتال داخلي – شواهد وأسباب

لقد برزت حالة من الجمود المقيت حول منصب وزير الداخلية المقبل، الذي من المفترض أن يكون مسؤولًا عن الميليشيات. يصر الموالون لإيران، الذين يسيطرون على الميليشيات، على أن يصبح مرشحهم، فالح الفياض، المسؤول الرسمي عن قوات الحشد الشعبي، وزيرًا للداخلية العراقية. وفي الوقت ذاته، برز زعماء شيعة مرموقون يعارضون هذا المطلب، بغرض الابتعاد عن قبضة إيران على البلاد. في الواقع، ينطوي تحت مظلة قوات الحشد الشعبي أكثر من 60 ميليشيا عراقية، جميعها أنشأت عام 2014 بغرض محاربة الدولة الإسلامية، لكنها الآن أعلنت ولاءها لطهران.

عندما تشكلت الحكومة الجديدة في بغداد، جرى تأجيل اختيار منصب وزير الداخلية وغيره من المناصب الرفيعة. بالنسبة لهادي العامري، الموالي المؤثر لإيران، زعيم إحدى الميليشيات الشيعية، فيرغب بتعيين فالح الفياض. أما مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المثير للجدل، الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، فيرى أن جميع المتعاطفين مع إيران غير مرحب بهم في المناصب الحكومية.

كيو بوستس

ما هو مثير للاهتمام ومأساوي في الوقت ذاته، هو أن هذا الصراع العراقي يعكس تنافسًا شيعيًا داخليًا عميقًا لم يسبق له مثيل. في الماضي، تمحور الصدع السياسي الرئيس في الطائفية، لكن الانتخابات التي جلبت اثنين من السياسيين غير المنسجمين إلى السلطة -رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والرئيس برهم صالح- مكنت هؤلاء الزعماء الشيعة الذين يرغبون بكبح التدخل الإيراني. وخشية من انهيار الحكومة، التقى الرئيس صالح بالفياض في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وطلب منه سحب ترشيحه.

اقرأ أيضًا: مؤسسة أمريكية تكشف معلومات صادمة حول وكلاء إيران في المنطقة العربية

لقد توحدت الفصائل الشيعية المتنافسة بقيادة الصدر والعامري من أجل تشكيل الحكومة الجديدة، لكن هذا التحالف معرض للخطر؛ فقد كتب الصدر رسالة مفتوحة إلى العامري في نوفمبر/تشرين الثاني، قال فيها: “تحالفت معك يا عامري، وليس مع الميليشيات والفاسدين”، وأضاف: “اتفقنا على إدارة العراق معًا بطريقة صحيحة ونمط جديد، بغرض الحفاظ على سيادة واستقلال البلاد”، مؤكدًا على رغبته بكبح التدخل الإيراني.

في الحقيقة، هنالك قضايا مشتركة بين الفصائل الشيعية المناهضة لإيران، ما يجعل مسألة قمع الميليشيات المدعومة من إيران أولوية قصوى. هذه الميليشيات تخدم كجنود مشاة في حروب الوكالة الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهذا ما يجعل السياسيين المتحالفين مع العامري والفياض متحمسين لإحلال الميليشيات محل الجيش العراقي. هذا بالطبع من شأنه أن يمنح إيران جيشًا مستقلًا داخل العراق، يأخذ أوامره مباشرة من طهران، على غرار نموذج حزب الله في لبنان. كل ذلك يأتي في إطار “تصدير” أيديولوجية إيرانية إلى المنطقة، التي برزت في أعقاب ثورة 1979.

وإدراكًا منها لحقيقة خطر الميليشيات وطبيعتها كقوة مزعزعة للاستقرار داخل العراق، عملت الحكومة الأمريكية في السنوات الأخيرة على الضغط على الحكومة العراقية بغرض إخضاع الميليشيات لسيطرة الدولة. وقد حاول رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي الامتثال لمطلب الولايات المتحدة لكنه فشل في ذلك. وحتى لو وقفت أجزاء من الحكومة العراقية الجديدة وراء هذا المسعى، ستبقى المشكلة على حالها؛ لأن الميليشيات خاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني بصورة غير رسمية. هذه الميليشيات باتت أداة قوية لإيران للحفاظ على هيمنتها وتوسعها داخل الأراضي العراقية.

اقرأ أيضًا: هل فقدت إيران سلطتها الدينية على الشيعة العرب؟

وبرغم أن مجلس النواب الأمريكي أقر تشريعًا في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني يدعو إلى فرض عقوبات على اثنتين من الميليشيات المدعومة من إيران، إلا أن هذا لا يفعل الكثير لمساعدة الدولة العراقية في إجبار الميليشيات على طاعة القوات المسلحة، برغم خضوعها لسيطرة وزارة الداخلية بصورة شكلية. هذه الحقيقة المؤسفة دفعت المسؤولين الأمريكيين إلى زيادة الضغط على الميليشيات في إطار حملة أوسع ضد التوسع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان وسوريا والبحرين واليمن.

تؤكد مصادر عراقية رفيعة المستوى أن “من المستحيل إخضاع قوات الحشد الشعبي لسيطرة الدولة العراقية بسبب تبعيتها المباشرة للحرس الثوري الإيراني”. وهذا هو السبب الذي يدفع أصواتًا شيعية بارزة داخل الحكومة الجديدة إلى رفض تسلّم وكيل إيراني منصب وزير الداخلية العراقي. لقد تنامت الأصوات العراقية الشيعية المطالبة بدولة ذات سيادة، بعيدة عن المخلب الإيراني، وربما تكون هذه الأصوات هي الحل الوحيد لإبعاد الموالين لإيران عن المناصب الحكومية الحساسة. وبرغم جهود الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الإقليمية، قد يكون التنافس الشيعي – الشيعي حول ظاهرة النفوذ الإيراني في العراق هو الفيصل الأخير.

 

المصدر: مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية

حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة