الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
صراع سياسي يفتح أبواب الصومال على المجهول
مخاوف من الفوضى التي ستوفر أرضية لعودة الحركات الجهادية المتطرفة إلى المشهد الصومالي مرة أخرى

كيوبوست- عبد الجليل سليمان
مثلما جرت العادة في الصومال منذ فقدان الدولة عقب سقوط نظام الديكتاتور محمد سياد برّي، 1991، فكلما اقترب الشعب من صناديق الاقتراع فتح المتنافسون على السلطة صناديق الذخيرة وعبؤوا بنادقهم وأحالوا البلاد رماداً وهشيماً أكثر مما هي عليه في الواقع.
وها هو التاريخ يُعيد نفسه مجدداً مع اقتراب انقضاء فترة رئاسة محمد عبدالله فرماجو؛ فبعد أن تجاوزت مقديشو طيفاً من المعارك الدامية التي اندلعت في شوارعها وساحاتها في أبريل من العام الماضي، بسبب سعي الرئيس المنتهية ولايته في 7 فبراير 2021، إلى تمديدها دون تنظيم انتخابات؛ حيث أعلن في 16 سبتمبر تعليق الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء الذي رفض القرار، ونشر كل فريق فصائل مدججة بالسلاح في أرجاء من مقديشو، قبل أن يعودا إلى التفاهم أواخر أكتوبر ووجها دعوة مشتركة لتسريع العملية الانتخابية.
اقرأ أيضاً: الوجود التركي في الصومال.. مصالح متبادلة أم زواج كاثوليكي؟
وعادت المواجهات بين الرجلَين مجدداً بعد أن اختتمت انتخابات مجلس الشيوخ أعمالها في جميع الولايات من أجل اختيار 275 نائباً لمجلس النواب و5 هيئات تشريعية تمثل أعضاء مجلس الشيوخ؛ الأمر الذي يثير الكثير من المخاوف داخلياً وإقليمياً ودولياً حول إمكانية حدوث صراع مسلح بين الفرقاء السياسيين يمكن أن يذهب بالبلاد إلى حالة من الفوضى توفر أرضية لعودة الحركات الجهادية المتطرفة إلى الواجهة مرة أخرى بعد انحسار أنشطتها في السنوات الأخيرة.

ويعتقد مراقبون للأوضاع في الصومال، الدولة الهشة التي تشغل موقعاً استراتيجياً في منطقة القرن الإفريقي، المطلة على مضيق باب المندب وخليج عدن، أن عناصر حركة شباب المجاهدين الصومالية المتطرفة، لديها القدرة على العودة السريعة حال انفلات الأوضاع الأمنية؛ فرغم طردها من العاصمة مقديشو بالقوة من قِبل قوات تابعة للاتحاد الإفريقي عام 2011، فإن جيوباً من الحركة لا تزال تسيطر على بعض المناطق الريفية وتشن هجمات روتينية على العاصمة.
حكم البندقية
بالنسبة إلى عبدالقادر حكيم، الباحث السياسي في شؤون القرن الإفريقي، فإن فرماجو يستقوي بحلفائه، إثيوبيا وإريتريا وتركيا وقطر، فبعد أن شارك بشكل ما في الحرب الأهلية الإثيوبية بجانب رئيس الوزراء آبي أحمد علي، ضد تمرد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ربما يريد مكافأة على ذلك بالحصول على رئاسة دون استحقاق انتخابي.
اقرأ أيضاً: تركيا تستغل نفوذها في الصومال للوصول إلى القمر!

لكن هذا الاتجاه صعب تحققه في بلد كالصومال، يضيف حكيم في حديثه إلى (كيوبوست)، مفسراً ذلك بأن التناقضات والتعقيدات الداخلية والخارجية لن تسمح لفرماجو بأخذ الرئاسة دون دفع ثمنها بالخضوع لإرادة الشعب، وإلا ستكون النتيجة خضوعه لأحكام البندقية، وهذا لم يكن مقبولاً حتى من أقرب حلفائه؛ فلا أحد يريد مزيداً من التوترات في المنطقة بعد الهدوء النسبي في إثيوبيا.
تهديدات أمريكية
وفي السياق ذاته، كان مكتب إفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأمريكية لوَّح بأن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي حيال كل مَن يعمل على عرقلة مساعي السلام في الصومال، وأبدى المكتب دعمه لما سمَّاها جهود رئيس الوزراء في إجراء انتخابات سريعة وذات مصداقية.
اقرأ أيضًا: هل يستضيف تنظيم “الشباب المجاهدين” داعش في الصومال؟
يجب على كل الأطراف التوقف عن اتهام فرماجو روبلي، بالتدخل في تحقيق حول قضية تتعلق بمصادرة أراضٍ، وقد سحب تفويضه لتنظيم الانتخابات. بدوره، اتهم روبلي فرماجو بمحاولة “انقلاب على الحكومة والدستور وقوانين البلاد” وتخريب عملية التصويت. كما دعت سفارة الولايات المتحدة في الصومال الطرفَين إلى التهدئة الفورية واتخاذ ما من شأنه إزالة التوتر فوراً والامتناع عن التصريحات الاستفزازية من أجل تجنيب البلاد العنف.

ورغم إعلان المتحدث باسم الحكومة الصومالية، في 9 يناير 2022، توصل الأطراف الصومالية إلى اتفاق بشأن الانتهاء من الانتخابات التشريعية في موعد أقصاه 25 فبراير المقبل، وأنه تم التوصل إلى الاتفاق بعد المؤتمر الذي عقده المجلس الاستشاري الوطني الذي التأم أسبوعاً كاملاً في العاصمة مقديشو، بحضور رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس، ومحافظ إقليم بنادر، ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي…
مَن يُعيد الثقة؟

رغم كل ذلك؛ فإنه لم ينتهِ الصراع بين فرماجو وروبلي بعد، حسب الخبير في شؤون القرن الإفريقي فتحي عثمان؛ خصوصاً بعد انفراط الثقة بينهما، عقب محاولة الأول تعليق سلطات الثاني، في 27 ديسمبر العام الماضي؛ من أجل تعطيل عملية الانتخابات والاستمرار في السلطة، فضلاً عن تجاهل الاتفاق الأخير وضع بنود صارمة للحيلولة دون المساس بالعملية الانتخابية مجدداً، ولربما رضخ فرماجو خشيةً من التهديد الأمريكي المباشر بعقاب كل مَن يعرقل المسار نحو الانتخابات.
اقرأ أيضاً: “الجمر المدفون”.. وثائقي يسلط الضوء على التغلغل التركي- القطري في الصومال
إلى ذلك، يختتم فتحي عثمان حديثه إلى (كيوبوست)، بقوله: يعوِّل الرئيس المنتهية ولايته، فرماجو، في تنفيذ خطته للالتفاف حول الانتخابات أو عرقلتها، على موالين له ذوي ميول إخوانية؛ تم تكريسهم في مفاصل الدولة والجيش والبرلمان؛ منذ وصوله إلى السلطة عام 2017، كما ظل الرجل يراهن على موقف رئيس الوزراء نفسه قبل أن يتغير ذلك لاحقاً، فضلاً عن ولاء حكام الولايات الكبيرة والمؤثرة، وعلاقاته القوية مع بعض الدول؛ مثل إثيوبيا وقطر وتركيا، بهدف تخفيف الضغوط الدولية.