الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
صراع بين الفلسطينيين وإسرائيل.. بطله الحمص والفلافل

كيوبوست- رام الله
لم يبقَ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مُقتصرًا على جدال سياسي حول أرض وحق وحتى أحقية وجود؛ بل امتد طويلًا ليشمل معارك أخرى أكثر ضراوة وتأثيرًا، جميعها متعلق بالتراث والهوية والتاريخ.
إسرائيل منذ نكبة عام 1948 تحاول بكل الطرق الملتوية تزييف التاريخ الفلسطيني وتغييره بما يتماشى مع أطماعها وأهوائها في وضع قدم لها على أرض فلسطين، رغم الفارق الزمني ودلائل الوجود الراسخة، ورغم اصطدامها بخط دفاع فلسطيني يُقاتل بشراسة للحفاظ على هويته.
اقرأ أيضًا: انفوغراف ..عرب إسرائيل فلسطينيون رفضوا التهجير
هذه المرة كان للأكلات الشعبية الفلسطينية نصيبٌ من هذا “الصراع المزور”؛ فدولة الاحتلال لم تبقِ أكلة شعبية ذات جذور فلسطينية إلا وسرقتها ونسبتها إلى تاريخها؛ بل وباتت تعرضها في معارضها الدورية ومطاعمها وفنادقها أمام الزوار على أنها “أكلات إسرائيلية تراثية”!

“الفلافل، الحمص، المسبحة، الشكشوكة، المفتول، المقلوبة، المنسف”، جميعها أكلات شعبية تفوح روائحها من مائدة المطبخ الفلسطيني؛ لكن تاريخها وهويتها قد سُرقا منذ اليوم الأول الذي لُفَّت فيه بالعلم الإسرائيلي ودخلت على القائمة الرئيسية لوجبات الطعام في المطاعم العبرية.
صراع المخزون التاريخي
الهدف الإسرائيلي الأكبر من هذه الخطوة ليس فقط صناعة تاريخ يهودي عريق مبني على ثقافات وهوية الغير؛ بل كان تفريغ الذاكرة الفلسطينية من مخزونها الثقافي والتاريخي، وإبقاءها ضعيفة تقبل الشك والتغيير.
ولعل أولى الحيل الإسرائيلية في اللعب على وتر الثقافة والتاريخ، بدأت منذ عام 1948؛ حين عمدت إسرائيل إلى تقديم الأكلات الشعبية الفلسطينية للسفراء والوفود الأجنبية الذين يزورونها على أنها “أكلات يهودية”، حتى بدأ الصراع يأخذ منحنيات أخرى عنوانها “الحرب من أجل الهوية”.

ورغم أن الاحتلال فشل نوعًا ما في “أسرلة” أطباق “المفتول والشكشوكة والمنسف والمقلوبة”؛ خصوصًا في تسويقها إلى الخارج؛ فإنه نجح في اختراق عقول الأوروبيين بـ”الفلافل والحمص والمسبحة”، بأنها أكلات إسرائيلية، من خلال زخم المهرجانات والمعارض والمسابقات والمطبوعات والصور التي تُنشر لها ويلفّها العلم الإسرائيلي.

تهويد الأكلات الفلسطينية و”أسرلتها” ما زالا مستمرَّين منذ 71 عامًا؛ فالمطاعم الإسرائيلية الآن تُعد أطباقًا فلسطينية بامتياز؛ كالحمص والفلافل، وتقدمها إلى الزبائن على وجبة الإفطار. كما بدأت فنادق شهيرة في تل أبيب في تقديم وجبة الفطور الفلسطينية المشهورة “الزيت والزعتر” إلى مرتاديها، بينما نشطت مطاعم إسرائيلية أخرى في سرقة إعداد كثير من الأكلات الشعبية التاريخية للفلسطينيين؛ ومنها: المفتول والقدرة والمجدرة والمقلوبة والكنافة النابلسية، بعد التعرُّف على طرق تحضيرها.

صناعة التاريخ المزيف
الباحث والمؤرخ الفلسطيني سليم المبيض، أكد في تصريحات خاصة أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن إسرائيل تسعى لسرقة التراث الفلسطيني وتفريغ محتواه، وقد وجدت في الأكل ضالتها بعد العنصرية والتهويد وسرقة الأرض والحقوق التي مارستها طوال السنوات الماضية.

ويقول المبيض: “دولة الاحتلال تحاول صناعة تاريخ مزيف لها عبر السطو على التراث الفلسطيني، واعتبار الأكلات الفلسطينية الشعبية منفذًا لصناعة هذا التاريخ وتصديره إلى العالم أجمع؛ ولكن في الحقيقة ما تقوم به هو خداع وتزييف وسرقة”.
اقرأ أيضًا: فرقة نسائية إسرائيلية من أصول يمنية تبهر العالم بموسيقى اليمن وتراثه
وتساءل المؤرخ الفلسطيني: “كيف لدولة مزعومة لا يتجاوز عمرها الـ72 عامًا، أن يكون لها تراث وأكلات شعبية عمرها قد يمتد إلى مئات السنين؟!”، موضحًا أن محاولات إسرائيل بناء علاقات مع الأرض من خلال سرقة التراث الفلسطيني ونسبه إلى عمرها القصير والتسويق له في الخارج فشل أمام الحملات الفلسطينية القوية التي عرَّت هذه المحاولات وكشفت عنها؛ بعد إصدار وزارة الثقافة الفلسطينية تعميمًا للعالم أجمع بقائمة بالتراث الفلسطيني الملموس وغير الملموس؛ لتوثيقه والحفاظ عليه، في رد قاطع على المزاعم الإسرائيلية.

يُذكر أن الاعتداءات الإسرائيلية على التراث الفلسطيني في أعقاب نكبة عام 1948 بدأت بتغيير الوجه العربي العريق للمدن الفلسطينية، وتخريب معالمها الأثرية وسرقتها، وإسكان المهاجرين الصهاينة في بيوت المواطنين الأصليين المهجَّرين قصرًا، كما قاموا بتغيير أسماء المدن والقرى والمواقع الجغرافية وتسميتها بأسماء عبرية، ومراسلة المؤتمرات الجغرافية الدولية؛ للحصول على موافقتها عليها، ومن ثَمَّ إرسالها إلى المؤسسات الدولية؛ بدءًا من الأمم المتحدة والمنظمات الثقافية ودور النشر الجغرافية المتخصصة في صناعة الخرائط.