الواجهة الرئيسيةترجماتغير مصنف
صراع العروش .. معركة من أجل الحياة
إميليا كلارك "دانيريس تارغريان": كنت عارية أمام ذاتي وتساءلت كم من الرجال علي أن أقتل لأثق بنفسي؟

كيوبوست – ترجمات
لحظات عابرة تلك التي يتّحد فيها العالم أمام شاشات التلفزة، وعادة ما تحدث تلك المشاهدات الكونية في مواعيد موسمية معينة مثل: نهائيات كأس العالم، أو أبطال أوروبا، أو حتى لقاءات الغريمين التقليديين ريال مدريد وبرشلونه، إلا أن أجزاء كثيرة من عالمنا اليوم، باتت تعيش تلك اللحظات “المجمّدة” المفارقة لمنطق الوقت؛ حين تشاهد “صراع العروش” المسلسل الذي دخل الحاضر عبر الأساطير والتاريخ المصنوع، وإسقاطاته على الواقع.
أم التنانين كما تلقب التي تلعب دور “دانيريس تارغريان” الممثلة الموهوبة إميليا كلارك، تكتب قطعة فنية شفيفة ورائقة حول تجربتها مع المسلسل الذي كسر كل الأرقام وبات محل نقاش وشغف وانتظار الملايين حول العالم .
معركة حياتي
“صراع العروش ليس إلا معركة من أجل حياتي” بهذه العبارة تفتتح “أم التنانين” سيرتها الخاصة التي كتبتها لصالح مجلة نيويوركر في عددها الأخير، والذي تكثف فيه علاقتها بالمسلسل، والكشف عن أسراره وأبوابه الخلفية، لكن تفتتح ذلك البوح بقولها: “بدا مع هذا المسلسل أن كل أحلام طفولتي قد تحققت، فقدت عقلي تقريبًا ثم حياتي. لم أتحدث عن هذه التجربة في العلن من قبل، لكن حان الوقت الآن”.
روح التحدي
بداية الحلم كان في 2011 حين قامت بتصوير الموسم الأول من صراع العروش “Game of Thrones“، وهي سلسلة من إنتاج شركة HBO تستند إلى روايات جورج آر مارتن “أغنية الجليد والنار“، ولكن هذه البداية جاءت بحسب إميليا دون أن تكون لديها أي خبرة احترافية، ومنحت دور أم التنانين Lady of Dragonstone، وهي قصة أميرة شابة يتم بيعها لأمير حرب من قبيلة الدوثراكيين، سكان البدو المتاخمين للبحر، وهي قبيلة لا وجود لها إلا في المخيلة الخصبة لكاتب الرواية.
في وقت سابق -كما تقول أم التنانين- “قال لي: كُتَّاب العرض إن شخصيتي مزيج من القديسين وفيها من نابليون، ولورانس العرب، لكني مع مرور الوقت شعرت بروح التحدي، مملوءة بالرعب من الدور الذي لا أفهمه، ومن الإيمان بما آمن به صانعو “صراع العروش”، وتتابع: “كنت عارية منذ الحلقة الأولى أمام ذاتي، ألعب شخصية امرأة قوية مضطرة لانتزاع أرديتها في كل مرة، مما جعلني أتساءل: كم من الرجال علي أن أقتل لكي أثق بنفسي؟”.
اقرأ أيضًا: ما هي جذور المحاربات الحسناوات في الكتب الهزلية والأفلام السينمائية؟
نوبات التعب
وتقول إميليا: إنها اضطرت لتخفيف توترها بالعمل مع مدرب خاص كل يوم، وأجبرتُ نفسي على التمارين الشاقة في صالة رياضية بشمال لندن، الصداع النصفي والإرهاق جعلني بالكاد أتذكر ارتداء حذائي الرياضي، شعرت بعدها بنوبات من الألم ونوبات التعب، أحسست أن ذهني أصبح تالفاً، لكني همست إلى نفسي: “لن أكون مشلولة بعد الآن “.
وتمضي في سرد لحظة فاصلة في حياتها بعد انتهاء حصة التدريب وعودتها متعبة: “الغثيان والشعور بطعنات في جسدي قد شق طريقه إليّ “. تعرضت إيميليا إلى وعكة صحية كما تعبر عنها: “في لحظات كنت أسمع بشكل مشوش صوت سيارة الإسعاف، و أحس برائحة المطهرات الطبية، واستمعت إلى صوت المسعف وهو يتصل بعائلتي في “أوكسفورد شاير” يخبرهم أني باتجاه غرفة الطوارئ “بمستشفى ويتنجتون” وضربات قلبي في أدنى مستوياتها انخفاضاً، أصبت بنزيف ينتج عنه نوع من السكتات الدماغية التي تهدد الحياة مع تمدد في الأوعية، وتمزق للشرايين وهي علامات بدت أن موتاً وشيكاً يدركني، ولم يكن ثمة بدٌ من جراحة للدماغ لإصلاح عقلي”.
حضور لافت
عن مسيرة حياتها تتحدث “أم التنانين” مستحضرة نشأتها في أكسفورد لأم من رائدات الأعمال عملت في التسويق والاستشارات الإدارية، وأب مهندس للصوت، لم يكونا ثريين لكنهما ناضلا من أجلنا لنحصل على كل شيء لا سيما في التعليم الذي يتطلب تكاليف مالية عالية، لا أتذكر كيف قررت الدخول في عالم التمثيل رغم أنني كنت أرافق والدي إلى العروض المسرحية، وكنت أشعر بكل الكواليس الأزياء والهمس في الظلام والنمائم للحضور، وحين أعلنت عن رغبتي لم يكن والدي سعيدًا رغم أنه كان يحظى بعلاقات جيدة في الوسط الفني لكنه ظل طول حياته شخصًا عصابيًا وعاطلًا عن العمل في أغلب فتراتها. في الخامسة من عمري حصلت على دور البطولة في مسرحية مدرسية، وحين وقفت أمام الجمهور كنت قد نسيت كل شيء تمامًا رغم محاولات المعلمين بمساعدتي، أصبحت أفضل كممثلة مع مرور الوقت، ولعبت أدوارًا عديدة منذ العاشرة من عمري، قبل أن أحصل على دورات مكثفة في مركز الدراما بلندن بالتزامن مع دراستي الجامعية، درست أهم الأعمال مثل: مسرحية “بستان الكرز لتشيخوف The Cherry Orchard“وصولاً إلى المسلسل الشهير”ذا واير The Wire“.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن لأفلام هوليوود أن تساعد في مكافحة المجموعات الإرهابية؟
عام الحسم
2010 شكلت عام الحسم بالنسبة لإميليا حين اتصل بها وكيل أعمالها، ليخبرها عن اختبارات للأداء تجريها شبكة HBO لصالح مسلسل “صراع العروش”، وكيف أنهم لم يصلوا بعد إلى اختيار الشخص الملائم للعب دور “دينيريس أم التنانين”، كانوا يبحثون بحسب إيميليا عن فتاة شقراء بيضاء مفعمة بالغموض، لكني كنت تلك البريطانية ذات الشعر الداكن المجعّد، انبعث الضوء في داخلي رغم مرضي بضغط الدم وانخفاض معدل ضربات القلب والكثير من الدوار المزعج الذي كان يطرحني أرضاً كل مرة منذ كنت في الرابعة عشر من عمري، لكن ذلك كله قابل للتعايش كجزء من ضغوطات الحياة، شرعت في قراءة المسلسل في استديو صغير بـ”سوهو”، ثم تلقيت مكالمة تخبرني بأن أدائي لم يكن كارثياً كما بدا لي، سافرت بعدها إلى “لوس أنجلوس”، وبدأت العمل المكثف بعد لقاء “ديسي فايس وديفيد بينوف” كاتبي العمل. قمت بقراءة مشهدين في قاعة مظلمة أمام جمهور من المنتجين والمديرين التنفيذيين، صرخت بعدها: “هل يمكنني فعل أي شيء آخر” ليرد علي “ديفيد”: “يمكن الرقص” لأجيبه: ب”أنني لست راقصة جيدة “، وبينما شرعت في مغادرة القاعة ركض الكاتبان باتجاهي ليقولا لي: “مبروك أصبحت الأميرة”، بالكاد التقطت أنفاسي، عدت إلى الفندق، وفي غرفتي اتصلت بكل من أعرف لأخبره بالأمر.

تجدد المرض
مرض إيميليا لازمها وهي تعمل على الموسم الأول واضطرت إلى إجراء عملية جراحية، وقبل تصوير الموسم الثاني كانت محبطة إلى الحد الذي جعلها تشك في قدرتها على المواصلة وبحسب عبارتها: “ظننت أني سأموت أثناء إقامتي في الفندق أو في الجولات الترويجية للمسلسل، ورغم تناولي لجرعات متكررة من المورفين والمهدئات أثناء اللقاءات الصحفية إلا أن التعب جعلني أواجه أسوأ شعور عرفته في حياتي”.
ردود الأفعال على الموسم الأول كانت أكبر من استيعابها بالنسبة لأم التنانين وحين اتصل بها أحد أصدقائها ليخبرها أنها نالت المركز الأول على منصة IMDB للأفلام، ردت ببرود بأنها لا تعرف الموقع، ومع بداية الموسم الثاني كانت تحدث نفسها كما تقول: ” أنا في العشرينات من عمري أنا بخير”، وحين بلغت الموسم الثالث تبقى على تأميني الطبي خمسة أيام، وكنت مضطرة لإجراء فحوصات إضافية على الدماغ قبل أن أقوم بالعملية الثانية تلك الرحلة التي امتدت من شريان الفخذ إلى الدماغ مع فرصة محفوفة بالمخاطر للنجاة، كان التشافي من الجراحة أشد وقعاً علي من الجراحة الأولى، وأكثر بشاعة من أي تجربة عاشتها “دينيرس”، وتم استبدال أجزاء من جمجمتي بالتيتانيوم مع قلق بالغ حول وظائف التركيز والانتباه لدي، والكثير من نوبات الهلع والخوف من الموت لم يكن الأمر عادلًا بالنسبة لي، لكني نجوت وشفيت أكثر بسبب الأمل الكبير الذي كان لدي.
اقرأ أيضًا: 10 روايات ممتعة اصطحبها معك أثناء السفر.
العمل الخيري
بجانب عملي في التمثيل قررت التعاون مع مؤسسة SameYou، التي تهدف إلى توفير العلاج للأشخاص الذين يتعافون من إصابات في الدماغ و السكتة الدماغية. أشعر بامتنان لا نهاية له لأمي وأخي، لأصدقائي. كل يوم أفتقد والدي الذي توفي بسبب السرطان في عام 2016، ولا يمكنني أبدًا أن أشكره بما فيه الكفاية على وقوفه بجانبي حتى النهاية.

في داخلي ما يبعث على الرضى، أنا محظوظة بوصول “صراع العروش” إلى نهايته، سأكون هنا في الحياة لرؤية نهاية القصة، وبداية القادم .
المصدر: مجلة نيويوركر.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا