الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
سيناريوهات انفراجة الأزمة الخليجية

كيوبوست – ترجمات
مُنيت كل المحاولات لوصف جماعة الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية خلال الفترات الرئاسية السابقة للولايات المتحدة الأمريكية بالفشل؛ لسبب بسيط هو أن التوصيف القانوني لما يمكن أن نسميه بـ”الجماعة الإرهابية” لم ينطبق تمامًا على جماعة الإخوان المسلمين.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أعاد المحاولة مرة أخرى خلال عام 2019 بناءً على طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو ما باء بالفشل أيضًا. وبالنسبة إلى الرئيس المصري فقد كان إصراره على ذلك الأمر بالذات نابعًا من رغبته في خلع مسمى الإرهاب على فرع جماعة الإخوان في مصر بالذات؛ لتحاشي عودة داعمي الرئيس المخلوع محمد مرسي إلى سدة الحكم مرة أخرى، وكذلك لعرقلة محاولات تركيا التدخل في مصر؛ وهو ما يعني أن السيسي لم يكن يرغب في توجيه أية ضربات إلى إخوان تونس أو الأردن، لكنه على الجانب الآخر كان يحاول توصيل رسالة بعينها إلى القيادات السياسية في قطر وتركيا.
اقرأ أيضًا: مسؤول أمريكي سابق يكشف كيف تدير أمريكا أزمات حلفائها كالأزمة الخليجية
وتعتمد سياسة مجلس الأمن القومي الأمريكي في حال التفكير في إطلاق مسمى الجماعة الإرهابية على جهة ما، على إدارة مكافحة الإرهاب، والتي بدورها انتهت إلى عدم الموافقة على القرار. ومن جانبها، لم تكن إدارة الشرق الأوسط راضية عن هذا الوضع؛ ما دفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها وإعادة المحاولة مرة أخرى، وربما تكون الاستراتيجيات الذكية التي اتبعتها قطر هي السبب في ذلك الأمر.
وربما ينجح الأمر حتى في غياب التعاون بشكل متزامن بين الجهات المختلفة، فإذا نجح محامو مجلس الأمن في استيفاء الشروط اللازمة لاتخاذ القرار؛ فإن ذلك سيؤدي إلى إعداد مذكرة سوف تُرفع بدورها للحصول على توقيع رئيس مجلس الأمن، وبالتالي اتخاذ قرار وصف الإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية، وهو ما قد يمثل تحديًا للعمل المشترك بين الوكالات المعنية بالأمر، ومن ثَمَّ تحديًا لنموذج مستشار مجلس الأمن برينت سكوكروفت، الذي يرى مجلس الأمن باعتباره جهة تنسيق، لكن ما ينبغي أخذه في الحسبان ساعتها هو أن الوثائق لابد أن تكون متضمنة ضمانات كافية من بينها كسب سكوكروفت في جانب القرار.
الحسابات التي على قطر التفكير فيها
أفضت القيادة السياسية القطرية قبل ذلك إلى المحاورين الأمريكيين عن بعض الأسباب التي تجعلها متمسكة بجماعة الإخوان المسلمين؛ من بينها أن الجماعة هي إحدى الاستراتيجيات المهمة التي تساعد النظام على الاستقرار وتضمن بقاءه، وهو ما يجعل الحكومة القطرية لا تكتفي بالإحجام عن شجب الجماعة أو محاكمة أفرادها؛ لكنها علاوة على ذلك تعمل على دعم فروعها في مناطق أخرى، مثل تركيا وشرق إفريقيا. ومن جانبها، تمتنع جماعة الإخوان المسلمين عن محاولة تحدي النظام القطري.
وفي حال توصيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، فإن ذلك القرار سيكون بمثابة هدية مثالية لمنتقدي النظام القطري، والمجموعة الرباعية التي تتألف من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لن تدخر جهدًا لاستغلال هذا القرار؛ لا سيما إذا كان القرار سيساعد على إفساد العلاقة الأمريكية- القطرية، ومن ثَمَّ ستقوم مجموعة هذه الدول باستغلال التوصيف الذي أصدرته الولايات المتحدة نفسها لإجبارها على التخلي عن قطر.
اقرأ أيضًا: تساؤلات تحيط بموقف مصر من المصالحة الخليجية
وفي حال رفض الحكومة القطرية التخلي عن الجماعة؛ فإنها ستكون مضطرة إلى خوض معركة خاسرة، فالبنوك القطرية منذ تلك اللحظة ستصبح تحت أعين المراقبين، وفي حال الإمساك بأي دليل يتعلق بدعم قطر للجماعة؛ فإن قطر سوف تتعرض إلى عقوبات اقتصادية ثانوية، ناهيك باضطرار الولايات المتحدة نفسها إلى إعادة التفكير في أمر القاعدة العسكرية الأمريكية في منطقة “العديد”.
ولعل إصدار قرار من هذا القبيل لن يتسبب لقطر إلا في الخسارة، وذلك في حال تمسكها بحماية جماعة الإخوان المسلمين؛ ففي أفضل الحالات ستتعرض قطر إلى تشويه سمعتها والإضرار بمصالحها ومواردها، وذلك بالطبع على حساب العلاقات القطرية- الأمريكية، لذلك إذا رغبت قطر في إبعاد نفسها عن خط النار، فإنها ستكون مطالبة حينذاك برفع يديها عن الجماعة، وهو ما قد يسهم في رأب الصدع وجذب الأطراف المتناحرة نحو التصالح.
الحل النهائي
الكرة الآن في ملعب المجموعة الرباعية؛ فالسعودية والإمارات ومصر لديها إصرار بالغ على أن الجماعة تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار حكومات ومجتمعات البلدان الثلاثة، وبمجرد شرح الأمر للبيت الأبيض سيتضح أن علاقة قطر بالجماعة هي السبب الرئيسي لكل هذا الخلاف. ومما لا شك فيه أن هذا هو المطلب الرئيسي الذي تتوجه به المجموعة الرباعية للبيت الأبيض، وتتمنى أن تحصل على صلاحية تنفيذ هذا المطلب.
اقرأ أيضًا: في شأن فرصة إدراج الإخوان المسلمين في قائمة التنظيمات الإرهابية
وفي حال إعلان قطر انفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين، فإن ذلك لابد أن تنتج عنه فرحة غامرة في صفوف القيادات السياسية في تلك البلدان، وهو ما سيدفعهم قدمًا إلى اتخاذ خطوات حاسمة نحو تأطير شروط قياسية تضمن التزام قطر بقرارها الخاص، ومن ثَمَّ مطالبة الولايات المتحدة والقوى الدولية الأخرى بمتابعة تنفيذ قطر تلك الوعود.

أما في حال عدم تحقيق المصالحة حتى مع اتخاذ قطر قرار الانفصال عن الجماعة والتزامها بتنفيذه، فإن ذلك الأمر لن يعني سوى احتمال واحد، وهو التخمين القديم الذي ليس بإمكاننا التأكد منه قبل تلك اللحظة، وهو أن الخلاف الناشئ بين بلدان الخليج هو أعمق من ذلك بكثير.
اقرأ أيضًا: مصادر لـ”كيوبوست”: الأزمة الخليجية تتجه إلى التهدئة.. والحل يحتاج إلى وقت
وقد أصرت القيادة المصرية على إرجاع تورطها في الخلاف الخليجي إلى أمر واحد هو دعم قطر لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهو الدعم الذي يعود تاريخه إلى نحو 50 عامًا. وعلى كلٍّ، لا يمكن أن نتجاهل شعور النظام المصري بالاستياء من النقص الفادح للدعم القطري منذ أن تولَّى هذا النظام مقاليد الأمور في مصر.
حدث سعيد
ينبغي إذن لأي حل متوقع لهذا الموقف أن يكون تدريجيًّا؛ فالتحقق من وفاء قطر بوعودها أمر ضروري لا محالة، ولعل صك مجموعة من المطالب الذكية لمراقبة الوضع حينذاك سيتطلب وقتًا كافيًا لمراقبة تحققها، أضف إلى ذلك أن المجموعة الرباعية قد تفكر في مطالبة قطر بالوفاء بوعودها بفتح مجالها الجوي للسماح لأُسر المواطنين من تلك البلدان بتبادل الزيارات مع أقاربهم، ساعتها سيكون على الولايات المتحدة بحكومتها وقطاعها الخاص أن تدعم هذا الوضع وتوطد علاقتها بالبلدان الخمس.
عمومًا، قد يثبت هذا العصف الذهني لتلك السيناريوهات المحتملة في المستقبل جداراته، وإذا أسهم الحظ في ذلك وتتابعت أحداث ذلك السيناريو، كما تضرب أوراق الدومينو بعضها بعضًا، فقد تنفرج الأزمة ونتوصل إلى وضع تربح فيه الأطراف كافة، حتى إذا لم يرضَ بعض الأطرف عن الوضع الجديد حينذاك.
المصدر: مركز أتلانتك كاونسيل