الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
سيناريوهات التدخل التركي في محافظة إدلب السورية

كيوبوست
أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بدء أنقرة عملية عسكرية في شمال سوريا؛ تنفيذًا للتهديدات التي سبق أن أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشن حملة عسكرية واسعة في إدلب إذا لم تقُم الحكومة السورية بسحب قواتها المسلحة من محافظة إدلب بنهاية شهر فبراير الماضي؛ الأمر الذي يثير التساؤل حول سيناريوهات التدخل التركي في الشمال السوري، ومدى قدرة الجيش التركي، المتحالف مع التنظيمات الإرهابية، على استعادة الأراضي التي فقدتها الأخيرة في محافظتَي إدلب وحمص.
اقرأ أيضًا: المواجهة الروسية- التركية في إدلب.. بين خيارات الحرب والتهدئة
سياسات أنقرة السورية:
سَعَت أنقرة إلى توظيف عدد من الأساليب؛ في محاولة للضغط على الجيش السوري المدعوم من القوات الروسية، لوقف تقدمه في محافظة إدلب السورية، والتي تتمثل في التالي:
محاولة تحقيق مكاسب عسكرية “استراتيجية”: سَعَت أنقرة إلى قيادة التنظيمات الإرهابية الموالية لها في إدلب؛ لإبطاء تقدُّم الجيش العربي السوري هناك، فضلًا عن محاولة استعادة بعض المناطق الاستراتيجية من تحت سيطرته، وتحديدًا مدينة سراقب الاستراتيجية؛ نظرًا لكونها تشكل نقطة التقاء بين طريقَين دوليَّين، هما “إم 4” و”إم 5″، اللذان يربطان محافظات سورية عدة بعضها مع بعض[1]، فضلًا عن محاولة القوات التركية والتنظيمات الإرهابية استعادة السيطرة على جبل الزاوية للوصول إلى طريق حلب- جسر الشغور- اللاذقية، ومن ثَمَّ منع النظام السوري من تشغيل الطريقَين “إم 4″ و”إم 5” أمام حركة المدنيين وحركة التجارة، وهو ما ترفضه روسيا[2]؛ لذا تتواصل المعارك حول مدينة سراقب، وتقوم القوات الروسية بتوجيه ضربات جوية مكثفة ضد الفصائل الإرهابية المدعومة من تركيا؛ لتوفير الإسناد للقوات السورية للسيطرة عليها.

وعرضت موسكو على تركيا إقامة نقطة مراقبة مشتركة عند مدينة سراقب، وهو ما ترفضه أنقرة؛ نظرًا لأن ذلك الأمر سوف يسمح للنظام السوري وموسكو بتشغيل الطريقَين الدوليَّين “إم 4” و”إم 5″، وبالتالي يُفْقِد أنقرة أية أوراق تفاوضية يمكن أن توظفها للتحكم في مستقبل سوريا؛ خصوصًا أن المناطق المتبقية ضمن محافظة إدلب، والخاضعة للسيطرة التركية، سوف تتحول مع مرور الوقت إلى عبء اقتصادي على أنقرة، بالنظر إلى وجود نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري داخلها، وغياب أي موارد اقتصادية فيها يمكن أن تستند إليها أنقرة لإعاشة سكان المحافظة.
استدعاء المظلة الدفاعية الأمريكية: اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن غياب الغطاء الجوي للقوات التركية المنتشرة في إدلب يمثل “معضلة حقيقية”، ويمكن إرجاع ذلك إلى حقيقة أنه يجعل القوات التركية هدفًا سهلًا للطيران السوري، واتضحت هذه الحقيقة عندما سقط نحو 33 جنديًّا تركيًّا، في قصف جوي يُعتقَد أن موسكو شنَّته، وهي تدعم النظام السوري ضد محاولات التنظيمات الإرهابية المدعومة من القوات التركية لاستعادة مدينة سراقب.
اقرأ أيضًا: سوريا.. تنسيق عسكري سري بين الجيش التركي وجبهة النصرة في إدلب
ويلاحظ أن غياب الإسناد الجوي يحد من قدرة أنقرة على شن هجوم عسكري واسع في إدلب، ولذلك قام وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في أثناء لقائه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في الدوحة، في 29 فبراير 2020، بمطالبة واشنطن بإرسال صواريخ باتريوت لدعمها في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا[3]. كما طلبت أنقرة في أعقاب مقتل جنودها الثلاثة والثلاثين من حلف شمال الأطلسي التدخل بالاستناد إلى المادة 4 من معاهدة الناتو؛ لدفع الحلفاء إلى التحرك، والتي تنص على إجراء مشاورات في حالة شعرت إحدى الدول أن سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو أمنها معرض إلى الخطر، كما أنه يفتح الباب أمام احتمال تطبيق المادة 5 من اتفاقية الحلف، والتي تنص على دعم الناتو لأية دولة عضو، عسكريًّا، في حالة أصبحت هدفًا لهجوم مسلح[4].
غير أنه في المقابل، لم تلقَ روسيا دعمًا من جانب الحلف؛ فقد أكد الحلف تضامنه مع أنقرة، على لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، ينس ستولتنبرج؛ ولكن في الوقت ذاته أكد أن الحلف لن يتخذ تدابير ملموسة من أي نوع. ولم يختلف موقف الأوروبيين كذلك عن موقف الحلف؛ حيث اقتصرت مواقفهم على الدعم المعنوي. ويرجع ذلك إلى سياسات أردوغان التصادمية؛ خصوصًا إصراره على تنفيذ صفقة “إس- 400” مع روسيا، مع تجاهل الاعتبارات الأمنية لحلف شمال الأطلسي. ولذلك لم يعد بالإمكان أمام أنقرة اللجوء من جديد إلى واشنطن ضد روسيا؛ خصوصًا في ظل تفكير إدارة الرئيس الأمريكي في تقليل وجودها العسكري في سوريا.

تقديم نفسها كطرف فاعل في الحرب ضد النفوذ الإيراني: سَعَت أنقرة إلى إعادة تسويق دورها الإقليمي بما يخدم الأجندة الأمريكية في المنطقة، وتحديدًا في محاولة تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وهو ما اتضح من تأكيد أنقرة قيامها بشن عمليات انتقامية في سوريا؛ ردًّا على مقتل 33 جنديًّا من قواتها، إذ أكدت أنها قامت باستهداف مواقع متفرقة بريفَي حلب وإدلب، وتسببت في مقتل نحو 48 شخصًا، وأن من بين القتلى 14 عنصرًا وقياديًّا في ميليشيا “حزب الله” اللبناني[5]. ولا يبدو أن هذه السياسة قد تركت تأثيرًا يعتَد به على الموقف الأمريكي الرافض لمحاولة دفع الغرب للتصادم مع روسيا؛ تحقيقًا لمصالح أنقرة الخاصة.
الضغط على أوروبا بتوظيف ورقة اللاجئين: لجأ الرئيس التركي إلى تبنِّي سياسات انتقامية ضد دول الاتحاد الأوروبي عبر توظيف ورقته المفضلة ممثلةً في ورقة اللاجئين، وذلك عقب شعور الرئيس التركي بتخاذل أوروبا في نجدته بعد سقوط الجنود الأتراك في سوريا، فقد أكد مسؤول تركي كبير أن تركيا قررت عدم منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى أوروبا برًّا وبحرًّا؛ وذلك في محاولة لتصدير أزمة إدلب إلى الدول الأوروبية. غير أنه في المقابل، فإن هذا الإجراء قد لا يؤتي أهدافه المتوخاة من جانب أنقرة؛ فقد أرسلت اليونان وبلغاريا قوات إضافية إلى الحدود المشتركة بين كل منهما وتركيا؛ لمنع اللاجئين من عبورها[6].
اقرأ أيضًا: تركيا غير مرحَّب بها في الاتحاد الأوروبي
إقامة قناة دبلوماسية موازية مع روسيا: سعى الرئيس التركي، بالتزامن مع هذه التحركات تجاه الغرب، إلى إقامة مفاوضات مع موسكو سعى من خلالها إلى إقناعها بمراعاة المصالح التركية في سوريا؛ خصوصًا إجبار القوات السورية على الانسحاب من المناطق التي حررتها من قبضة التنظيمات الإرهابية، فضلًا عن شرعنة الاحتلال التركي لشمال سوريا، وهو ما لم تقبل به موسكو، والتي بدأت تتحسب لتنفيذ أنقرة تهديداتها بتوسيع تدخلها العسكري في سوريا، فقد أعلن الأسطول الروسي في البحر الأسود، في 28 فبراير 2020، إرسال سفينتَين حربيتَين مجهزتَين بصواريخ كروز موجهة من طراز كاليبر، إلى البحر المتوسط، باتجاه الساحل السوري[7]، بما يعنيه ذلك من اتجاه موسكو إلى تنويع ضرباتها في إدلب؛ بحيث لا تقتصر على الضربات الجوية باستخدام المقاتلات الروسية وحسب، ولكنها تمتد كذلك إلى توظيف صواريخ كروز الموجهة، إذا ما تطلب الأمر ذلك.
سيناريوهات العملية العسكرية:
أعلنت تركيا في 1 مارس 2020 أنها أطلقت عملية عسكرية ضد النظام السوري في إدلب في شمال غرب سوريا، والتي تعد امتدادًا لعملية “درع الربيع” القائمة بالفعل منذ 27 فبراير 2020، وإن كان الواقع العملي يكشف عن أن هذه العملية ما هي إلا امتداد للتدخل العسكري التركي القائم بالفعل منذ منتصف فبراير 2020. ومن جانب ثانٍ، حرص وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، على التأكيد أنه ليس لدى أنقرة “نيَّة” في الدخول في مواجهة مع موسكو التي تدعم النظام السوري. ولذا يمكن القول إن الخيارات التركية في سوريا، سوف تتراوح بين الخيارات التالية:
القيام بعملية عسكرية محدودة: قد يتمثل الهدف التركي من الإعلان عن العملية العسكرية في الحفاظ على ماء وجه أنقرة؛ خصوصًا بعدما وجدته من تردد أمريكي وأوروبي لدعمها، وقد يلجأ أردوغان إلى التركيز على بضعة أهداف عسكرية محدودة؛ مثل السيطرة على مدينة سراقب وجبل الزاوية، لامتلاك أوراق للضغط بها على دمشق وموسكو، لانتزاع مزيد من التنازلات تضمن المصالح التركية في الشمال السوري. وتتجنب في الوقت ذاته إثارة روسيا حتى لا تتدخل عسكريًّا بقوة ضده. كما قد يعمل أردوغان على تحقيق انتصارات عسكرية محدودة لتوظيفها داخليًّا وتعزيز شعبيته؛ خصوصًا بعدما سقط عديد من الجنود الأتراك في مهمة لا تحظى بدعم داخلي، وفي وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي.

شن عملية عسكرية واسعة: تسعى أنقرة وَفق هذا السيناريو إلى إخراج الجيش العربي السوري من المناطق كافة التي سيطر عليها في محافظتَي إدلب وحلب. غير أن هذا الخيار سوف تكون له تكلفة مرتفعة؛ نظرًا لأن موسكو لن ترضى بأن تتم عرقلة خططها في سوريا، والتي تنظر إليها باعتبارها مجالًا حيويًّا خاصًّا بها، ولا يجب على أية دولة أخرى مشاركتها فيه. وعلى الجانب الآخر، فإن وزارة الدفاع الأمريكية ترفض تلبية المطالب التركية بالحصول على منظومة باتريوت؛ فقد رفضت وزارة الدفاع الأمريكية الموافقة على طلب وزارة الخارجية بإمداد تركيا بهذه المنظومات، إذ أكد البنتاجون أن تزويد تركيا بهذا الدعم يعد عملية “غير مسؤولة”، ويمكن أن تترتب عليها مضاعفات دولية[8]، في إشارة إلى تسبب ذلك في تصعيد التوتر مع موسكو. ومن جهة أخرى، لا يجب إغفال أن زيادة أنقرة لتدخلها العسكري في سوريا سوف تدفع طهران، في المقابل، إلى توظيف ميليشياتها الشيعية ضد الجماعات الإرهابية والقوات التركية؛ بما يرفع من حجم الخسائر التركية في سوريا، ويحرج حكومة أردوغان داخليًّا.
افتعال أزمة دولية: قد تراهن أنقرة على زيادة حجم تدخلها العسكري في سوريا، والتسبب في أزمة جديدة بينها وبين روسيا، على غرار سقوط قتلى جدد من الجيش التركي، ومحاولة الضغط على واشنطن والدول الأوروبية من جديد للتدخل لدعمها عسكريًّا، أو على الأقل دفع الدول الأوروبية للضغط على موسكو لوقف عملياتها العسكرية هناك.
اقرأ أيضًا: لُعبة الإخوة الأعداء والأجندات الخفية لأردوغان وبوتين في سوريا
وفي الختام، لا تبدو الخيارات التركية في سوريا إيجابية، بالنظر إلى تراجع وزن أنقرة في المعادلة السورية، سواء لرفض الغرب دعمها في مواجهة روسيا، أو امتناع الكرملين عن التسليم بالمطالب التركية في سوريا؛ لذا فإن خيار أردوغان بالاعتماد على تنظيماته الإرهابية والجيش التركي يعد أمرًا محفوفًا بالمخاطر؛ خصوصًا أن استمرار المعارك حول سراقب وجبل الزاوية على مدى الأيام السابقة دون حسم يكشف على أن العمليات العسكرية في شمال سوريا لن تكون نزهةً للجيش التركي، على خلاف آمال أردوغان، كما أن أية انتكاسة كبيرة لأردوغان في سوريا سوف ترتد تداعياتها على شعبيته الداخلية، التي تراجعت بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية على مدى العامَين الأخيرَين.
المراجع:
[8]) https://www.politico.com/news/2020/02/28/turkey-patriot-missiles-pentagon-118256