الواجهة الرئيسيةفلسطينيات
“سيداو” في فلسطين.. معركة المرأة ضد العشيرة

كيوبوست – فلسطين
في كتابها الصادر عام 1986 بعنوان “نشأة الأبوية”، تعيد الكاتبة والمؤرخة النسوية الأمريكية جيردا ليرنر، بداية ظهور السلطة الأبوية إلى الألفية الثانية قبل الميلاد في الشرق الأوسط؛ حيث ترى أن السلطة الذكورية ليست سمة متجذرة مع ظهور الجنس البشري، بل إن العلاقة بين الجنسَين أخذت شكلها الهرمي الحالي بالتزامن مع بدء تاريخ الحضارة؛ فالمرأة كانت تعتبر العماد الأساسي للحفاظ على المجتمع البشري، وَفق ليرنر.
والمجتمع الأبوي أو البطريركي هو مجتمع يتمتع فيه الرجال بالسلطة على النساء؛ حيث يهيمن الذكور على رأس السلطة التنظيمية العامة للمجتمع وفي العلاقات الشخصية، ولأن القوة مع الرجال فإنها تكسبهم امتيازات لا تمتلكها المرأة.
اقرأ أيضًا: “MeToo”.. هل نجحت مع المرأة العربية؟
وتطرح ليرنر فكرة “خلق الوعي النسائي”؛ حيث إن النساء لم يكن واعيات بأنهن خاضعات للسلطة الذكورية، إلا أن وعيهن بدأ في التشكُّل تدريجيًّا وببطء، إلى جانب إنهاء السلطة الأبوية بواسطة ثقافة مضادة للثقافة التي عززت سلطة الرجال.
ليرنر وغيرها من نسويات ومنظمات عالمية، حاولن تتبع حالة المرأة في العالم، ووضع نظريات لإبطال أشكال التمييز كافة ضد المرأة؛ من ذلك اتفاقية “سيداو” للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979م، ووقعت عليها 189 دولة؛ من ضمنها 50 دولة أعلنت تحفظاتها.
مؤخرًا وقَّعت فلسطين على اتفاقية “سيداو”؛ الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا في فلسطين، بين معارضة عشائرية وشعبوية للاتفاقية، والتأييد لها كونها اتفاقية تسعى لإلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة.
اقرأ أيضًا: حقائق وأرقام: أين يقف العالم من ظاهرة العنف ضد النساء؟
رفض باسم العشيرة
جاء الرفض على عدة مستويات؛ كان أبرزها رفض عشائري، بعد أن أعلنت عشائر الخليل رفضها تطبيق اتفاقية “سيداو” في فلسطين، عبر بيان صدر عقب اجتماع عقده “حزب التحرير” مع عشائر محافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية، يوصي بالبراءة التامة من اتفاقية “سيداو” وكل ما يترتب عنها، ويحذر القضاة من العمل بقانون الحد الأدنى للزواج الذي تنص عليه الاتفاقية والمتمثل بـ18 سنة كحد أدنى.

كما رفض مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين كل مضامين اتفاقية “سيداو” وغيرها؛ التي تساوي الحقوق بين الرجل والمرأة، كالميراث؛ بحجة معارضتها للشريعة الإسلامية، معتبرًا أن القانون الفلسطيني ينص في مادته الرابعة على أن الإسلام هو الدين الرسمي، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع. وفي ما يتعلق بإجهاض الجنين، شدَّد المجلس على حرمته في مختلف مراحل الحمل، دون سبب شرعي أو صحي معتبر.
تزامن ذلك مع رفض شعبي واسع للاتفاقية في فلسطين؛ إذ نشر معارضون لها على مواقع التواصل الاجتماعي بنودًا اعتقدوا أنها تخالف العادات والتقاليد الفلسطينية والشريعة الإسلامية.
وعلى المستوى النقابي، رفضت نقابة المحامين، في بيان لها، تطبيق ونشر اتفاقية “سيداو” بشكلها الحالي ودون تحفظات، مؤكدة وجوب التقيُّد بما جاء في قرار المحكمة الدستورية الفلسطينية العليا، بشأن تطبيق الاتفاقيات الدولية على نحو لا يتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية.
أصوات خارج السرب
بما أن “سيداو” أثرت جدلًا في فلسطين، فإنها في مقابل المعارضة التي واجهتها لاقت تأييدًا شعبيًّا ومؤسساتيًّا؛ فقد رد المؤيدون للاتفاقية على الرفض العشائري والشعبي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقالوا:
أما مؤسساتيًّا، فقد استنكر الائتلاف النسوي الأهلي لتطبيق “سيداو” مخرجات البيان الصادر عن اجتماع عشائر الخليل، معتبرًا أن البيان يعود إلى عصر الجاهلية، ويسعى لترهيب المجتمع والمؤسسات النسوية الفلسطينية.
وأشار الائتلاف إلى أن البيان الصادر عن اجتماع العشائر جاء نتيجة نجاح المؤسسات النسوية في تطوير واقع ومشاركة المرأة الفلسطينية في مختلف الميادين، وعدم تمكُّن المجتمعين من تحقيق مآربهم إلا عبر ممارسة الإرهاب الفكري والتهديد والوعيد الشبيه بلغة الخطاب الداعشي.
وحمَّل الائتلاف المجتمعين نتائج المساس بعمل المؤسسات النسوية والعاملات فيها، وإحلال القبيلة وأعرافها ورؤاها مكانها، مؤكدًا مواصلة عمله؛ من أجل نيل المرأة حقوقها الإنسانية.
اقرأ أيضًا: في الأردن وفلسطين.. جريمة الشرف باب مفتوح لانتهاك حياة النساء
وعن سبب التحفظ على بيان اجتماع عشائر الخليل، تقول الناشطة النسوية ناهد أبوطعيمة: “إن اجتماع العشائر تهديد للسلم الأهلي، ومخالف لتوجهات وإرادة الحكومة الفلسطينية”، متمنيةً: “لو جاء موقف وجهاء العشائر وقت وقوع حالات قتل وحشية في الخليل بحق النساء”.
وطالبت أبوطعيمة المجتمعين بالكف عن الادعاء والمتاجرة باسم الدين، مشيرةً إلى أن وراء هذا الحشد حزبًا لا توجد على أجندته الوطنية والنضالية إلا لباس المرأة وزواج المرأة؛ في إشارة إلى حزب التحرير.
وتابعت الناشطة النسوية: “مطلوب من السلطة أن ترد الاعتبار لهيبتها وتردع هذا الخطاب الداعشي المتنمر على السلطة بكل مكوناتها”، لافتةً إلى أن خطاب الكراهية جاء اليوم ضد النساء، وغدًا ضد الحكومة وضد قطاع العدالة.