الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
سياسة بايدن الخارجية أقرب إلى الفوضى
حالة من التشويش تهيمن على الاستراتيجية الخارجية في الادارة الامريكية التي يعجز المراقبون عن تفسير تناقضاتها

كيوبوست- ترجمات
تؤكد كوري شايك، زميل أول ومدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أمريكان إنتربرايز، في هذا التحليل أن التفاؤل الذي وسم العديد من محللي السياسة الخارجية لوصول جو بايدن لسدة الحكم وأن الولايات المتحدة يمكنها أن تعود إلى كونها قوة استقرار في العالم، يبدو أن هذا التفاؤل تلاشى وبدلاً من ذلك، يسود الارتباك، في ضوء الانفصال الواضح بين أولويات الإدارة المعلنة وسلوكها الفعلي. ويبدو أن المحك الرئيسي هنا هو رغبة بايدن في حماية العمال الأمريكيين وتعزيز الصناعات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، مع ضرورة بناء تحالف لاحتواء تهديد الصين في الوقت ذاته. ويبدو أن الخلل الأساسي في استراتيجية الأمن القومي لبايدن غياب رؤية اقتصادية تسمح للولايات المتحدة ودول أخرى بتقليل اعتمادها على المنتجات والأسواق الصينية. ومع صعوبة حصول الولايات المتحدة على هؤلاء الحلفاء، تصعد أولويات أخرى إلى قمة الاستراتيجية الأمريكية ومنها الانفاق العسكري. لكن هنا أيضا يظهر خلل الاستراتيجية، وفقا لكوري، فلم ينتج عن اعتراف الإدارة بالتهديد العسكري الملح الذي تشكله الصين تغييرًا كافيًا في السياسة الفعلية، سواء ما يتعلق بميزانية الدفاع وكيفية نشر صانعي السياسة للقوات الأمريكية.
تبدو الاستراتيجية الخارجية للإدارة الحالية والتي تهدف ربط السياسات الاقتصادية بالسياسة الخارجية مشوشة وتجمع بين أكثر من هدف قد تتعارض في بعض منها، كما تشير كوري، فالبيت الأبيض يرغب في حماية الولايات المتحدة من الخراب المفترض لاستغلال الصين للعولمة، لكنه في الوقت ذاته يتحدث عن أهمية التحالفات وتضامن المجتمع الدولي، ما يعني تصادم حتمي في الأهداف.
اقرأ أيضًا: جو بايدن وفوضى الوثائق السرية!
على سبيل المثال، تجاهلت الإدارة الحالية مطالبات مستمرة من الحلفاء في شرق آسيا لمساعدتهم على تقليل اعتمادهم الاقتصادي على الصين، وقد طلبت أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية من الولايات المتحدة الالتزام بجدية أكبر بالتجارة الحرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن ثم فإن الاستراتيجية الأمريكية مطالبة أن تتجاوز فكرة عزل بكين، لأن تصبح واشنطن قادرة على صياغة سياسة اقتصادية إيجابية تقنع حلفائها بتطوير الأسواق وسلاسل التوريد المستقلة عن الصين. لكن يبدو بايدن مهتما فقط بتقلبات السياسة الاقتصادية الداخلية للولايات المتحدة، حيث يطالب الحلفاء بمواءمة اقتصاداتهم مع المعايير الأمريكية وتقديم القليل من التنازلات.
لا يمنع قانون إنشاء حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات لأمريكا (CHIPS) الشركات الأمريكية من استخدام المواد الصينية أو يعاقب الصين على الحصول على التكنولوجيا بشكل غير مشروع، ويمكن أن ينتهي الأمر واقعيا بمساعدة الشركات الصينية لأن الشركات الأمريكية التي تتلقى إعانات لا تزال تعتمد على التوريد من السلاسل الصينية. من جانب آخر فإن وزارتا الخزانة والتجارة في إدارة بايدن لديها سجل متقلب في فرض ضوابط التصدير.

وكما تشير كوري، يبو أن إدارة بايدن ركزت على الحمائية التجارية والدعم للشركات الأمريكية من خلال بناء جبهة موحدة مع الحلفاء، وكأنها تريد من الأوروبيين الترحيب بالجهود المبذولة لتقوية الاقتصاد الأمريكي، حتى لو جاءت على حساب الشركات الأوروبية. وفي الوقت الذي تتراجع فيه الحكومة الحالية في واشنطن عن دعم التجارة الحرة، فإن بكين تؤمن بذلك حيث أنشأت الصين أكبر منطقة تجارة حرة في العالم العام الماضي من خلال إطلاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة مع دول جنوب شرق آسيا.
إن الافتقار إلى سياسة اقتصادية متماسكة يمكن أن تدعم هدف استراتيجية الأمن القومي المتمثل في منافسة الصين يضع مزيدًا من الضغوط على مؤسسات أخرى خاصة الجيش. كان على الولايات المتحدة أن تتحدث بحزم عن الأمن في المنطقة لطمأنة الحلفاء، لكن الأمر فيما يبدو اقتصر على الحديث، فكانت تأكيدات البيت الأبيض أن القوات الأمريكية ستدافع عن تايوان في حالة وقوع هجوم صيني، خالي من أي فعل حقيقي مثل تعديل الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة، أو هيكل القوات أو تمركز ونشر الجيش لحساب هذا الاحتمال.
اقرأ أيضًا: عرض كتاب: حرب الرقائق، صراع الهيمنة على التكنولوجيا الأخطر في العالم
جعجعة بلا طحن
يدرك العديد من المسؤولين في الحكومة خطر احتمالية اجتياح الصين لتايوان، ففي مايو 2021، شهد قائد المحيطين الهندي والهادئ، الأدميرال فيليب ديفيدسون، أمام الكونجرس أن الصين من المرجح أن تهاجم تايوان أو تحاول حصارها من الآن وحتى عام 2027. ووصف أفريل هينز، مدير الاستخبارات الوطنية، احتمالية مهاجمة الصين لتايوان من الآن وحتى عام 2030 بالاحتمال الجاد، ومع ذلك، فإن أنشطة وميزانية وزارة الدفاع لا تعكس أيًا من هذه الإلحاح. تتضمن ميزانية الدفاع لعام 2022 ما قيمته 109 مليار دولار من الإنفاق على قضايا مثل التشرد وتغير المناخ وأبحاث الصحة العامة التي لا تعزز القوة العسكرية والتي ينبغي أن تكون من مسؤولية الإدارات الحكومية الأخرى. ووفقا لكوري لا يبدو أن إلحاح التهديد الصيني لتايوان قد تفاعلت معه وزارة الدفاع، وحتى مراجعة وضع القوات الذي جرى في وقت مبكر من تولي الإدارة لم يسفر عن أي تغييرات ذات مغزى.
يمكن أيضًا رؤية الاختلال في أهداف السياسة الخارجية لبايدن وسلوك الإدارة الفعلي في أداء وزارة الخارجية، فقد أعلنت الإدارة التزامها “بالارتقاء بالدبلوماسي” وزادت الإنفاق بنسبة 14 % ما أدى إلى توسيع صفوف السلك الدبلوماسي بحوالي 500 شخص. وأعلنت خطة إستراتيجية لحشد التحالفات لمواجهة التحديات العالمية، وتعزيز الرخاء العالمي، وتعزيز الحكم الرشيد والكرامة الإنسانية، وتنشيط قوتها العاملة، وتحسين الدعم القنصلي للأمريكيين في الخارج، لكن دلائل قليلة فقط تشير إلى أن وزارة الخارجية نجحت في رغبتها في “تحديث التحالفات وتنشيط المؤسسات الدولية”. بل في الواقع يظهر أن رئيس الاستخبارات الأمريكية بيل بيرنز، وليس وزير الخارجية أنطوني بلينكين، هو المبعوث المفضل للبيت الأبيض في اللقاءات الدبلوماسية الصعبة، سواء مع روسيا أو تركيا أو أوكرانيا.

وتقيم كوري فترة إدارة بايدن بعد أن انقضى نصف مدتها، وتقول: “لم تتمكن حكومة الولايات المتحدة من حل العناصر المتناقضة في استراتيجيتها الطموحة، كما أنها لم تقم بخطوات لازمة لتعويض سوء التقدير من خلال تعزيز إنفاقها العسكري والدبلوماسي. إن عدم قدرة الإدارة على صياغة سياسة اقتصادية دولية يعيق هدفها المركزي المتمثل في بناء تحالف دولي فعال لمواجهة الصين”. وترى كوري أن على إدارة بايدن أن تستفيد من الدعم الأمريكي العام للتجارة – والذي وصل، وفقًا لدراسة أجراها مجلس شيكاغو للشؤون العالمية عام 2021، إلى أعلى مستوياته على الإطلاق – وتوفير الدعم الذي يحتاجه الحلفاء لتقليص اعتمادهم على الصين. ويمكن للرئيس أن يصدر تعليمات إلى وزارة التجارة ووزارة الخزانة لتطوير سياسات تحويل التصنيع إلى الدول الحليفة، وتشجيع الدول على اعتماد المعايير الأمريكية من خلال منحها إمكانية الولوج إلى السوق الأمريكية بصورة أكبر، وتقدم إعفاءات واسعة للشركات من الدول الحليفة. ومن ثم على واشنطن أن تقرن الإجراءات العقابية التي تستهدف الصين بحوافز للدول الصديقة لتعديل اقتصاداتها بطرق تزيد من قوتها التفاوضية في التعامل مع الصين.
اقرأ أيضًا: استراتيجية بايدن في أوكرانيا لن تردع روسيا وستشجع الصين بشأن تايوان
من جانب آخر تنصح كوري في ختام تحليلها الإدارة بتطوير ميزانية أساسية أكثر واقعية لتنفيذ استراتيجيتها العسكرية، فلن تؤدي محاولة خفض التكاليف عن طريق الحث على إجراء إصلاحات في وزارة الدفاع والقوات المسلحة إلى تحقيق وفورات كبيرة، ولن يؤدي ذلك إلا إلى صرف الانتباه عن الحاجة الملحة إلى معالجة ما يهم حقًا وهو تحسين قدرة الجيش على القتال وكسب الحروب، وزيادة مخزونات الأسلحة الأساسية.
المصدر: فورين أفيرز