شؤون دوليةملفات مميزة

سياسة الولايات المتحدة تجاه القوى النووية: صلابة ضد كوريا الشمالية، ومرونة ضد إيران

هل ستغير الولايات المتحدة سياساتها تجاه إيران؟

خاص كيو بوست – 

كشفت صحيفة التلغراف البريطانية أن هناك عوامل كثيرة خلف التقدم الذي تظهره كوريا الشمالية، والذي أسفر خلال الأيام الماضية عن تجربة إطلاق أول صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على ضرب الولايات المتحدة الأمريكية، وإصابة أهداف على بعد آلاف الكيلومترات بدقة.

وركزت الصحيفة في تقريرها الحصري على أن أحد هذه العوامل هو المساعدات التي تلقتها كوريا الشمالية من الحكومة الإيرانية، بما يشمل الدعم المالي والفني.

وكانت صحيفة نيو يورك تايمز قد أشارت إلى مجموعة من وثائق ويكيليكس تظهر قيام كوريا الشمالية ببيع ما مجموعه 19 صاروخًا متقدمًا من تصميم روسي لإيران، الأمر الذي يتيح لها أن تتمكن من ضرب أية عاصمة أوروبية تبعد آلاف الكيلومترات عنها.

وحول ما كشفته الصحيفتان، تظهر نقطتان إلى الواجهة؛ الأولى: التعاون الكبير بين البلدين، خصوصًا في مجال التسلح بالأسلحة النووية. والثانية: أن كلًا من إيران وكوريا الشمالية يملكان الآن عتادًا عسكريًا يمكنّهما من ضرب أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية من داخل أراضيها. إيران اشترت الأسلحة من كوريا الشمالية، وبالتالي أصبح بمقدورها ضرب أوروبا. أما كوريا الشمالية، التي باعت -وليس من المعقول أن تكون باعت كل الصواريخ التي كانت بحوزتها- فيبدو أن بحوزتها المزيد من هذه الصواريخ، لكن بدون معرفة تفاصيلها على وجه الدقة.

ولكن امتلاكها لهذه الترسانة من الأسلحة، وفي ظل التعاون الإيراني الكوري الشمالي، يزيد من مخاوف دول الشرق الأوسط المعادية لإيران؛ فالأخيرة، بات بمقدورها أن تضرب أي مكان في الشرق الأوسط بصواريخها. لم تكن تخوفات المملكة العربية السعودية من الصاروخ الذي أطلق على مطار الملك خالد قبل فترة وجيزة في غير محلها. على العكس، كان هذا الصاروخ الشرارة التي عبرت المملكة من خلالها عن مخاوفها من امتلاك إيران للأسلحة النووية والصواريخ بعيدة المدى من خلالها تكرارها التعبير عن تنامي خطر الصواريخ الإيرانية على المنطقة.

في كانون أول يناير 2017، كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تويتر قائلًا إنه لن يسمح لكوريا الشمالية بأن تمتلك سلاحًا نوويًا، فهل هذا ينطبق على إيران؟ في الواقع، إن منع كوريا الشمالية من امتلاك السلاح النووي يتضمن بالضرورة منعًا لإيران من امتلاك هذا السلاح على خلفية التعاون الكبير بينهما، لكن ترامب لا يرى ذلك؛ إذ ينتهج نهجًا مغايرًا مع إيران، ففي الوقت الذي يطلق فيه تصريحات نارية ضد بيونغ يانغ، يظهر تسامحًا مع برامج إيران وخططها في المنطقة.

ومع أن الشعب الإيراني يظهر بعض التسامح والرغبة في الانفتاح على المجتمع الدولي، الأمر الذي يعني إمكانية تأثره بالعقوبات الدولية الرادعة، إلا أن ترامب يصر على مواصلة العقوبات على كوريا الشمالية، التي لا يظهر شعبها رغبة في الخروج من قوقعة كيم جونغ أون، ما يعني أنها لن تتأثر كثيرًا بالعقوبات الدولية والحصار. لذلك، ليس من الواضح ما الذي يريده ترامب من الاستمرار في توجيه التهديدات إلى كوريا الشمالية دون إيران.

خميني وكيم جونغ اون

لقد بات من الواضح أن إيران وكوريا الشمالية أصبحا خطرًا مشتركًا على المنطقة العربية والعالم. لذلك، إن مجابهة أي منهما تستلزم بالضرورة مجابهة الآخر؛ لأنهما تحوّلا خلال الفترة الأخيرة إلى جبهة واحدة تتشارك الانعزال في مواجهة العالم برمته.

ولذلك يبدو أن الولايات المتحدّة اليوم بحاجة إلى المحافظة على قوة الردع ضد إيران بالطريقة ذاتها التي يجري ردع كوريا عبرها؛ فإعلان الولايات المتحدة تحريك أسطولها البحري في شهر حزيران الماضي من أجل الوقوف أمام تجارب كوريا الشمالية، يجب أن يتزامن مع تحريك قطع عسكرية برية وبحرية في محاولة ردع إيران، بدلًا من الاكتفاء بإبداء المرونة معها؟

 

في الواقع، تشير بعض المعطيات إلى أن خطورة امتلاك إيران لسلاح نووي أكبر من خطورة امتلاك كوريا الشمالية لهذا السلاح. من بين هذه المعطيات، أن إيران دولة ثيولوجية تؤمن بالأساطير الدينية إيمانًا عميقًا أعمى. وفي ظل هذه الحالة، ما الذي يمكن أن يحدث لو أن امتلكت هذه العقلية سلاحًا فتّاكًا بحجم السلاح النووي؟ لا يمكن تخيل ذلك، خصوصًا حين تلعب الأساطير الدينية المعيار الأول للتصرفات السياسية. كوريا الشمالية، على النقيض، دولة علمانية لا تؤمن بالأساطير الثيولوجية، ولا تضع لها اعتبارات حاسمة في اتخاذ القرارات السياسية. إضافة إلى ذلك، تؤمن إيران، على عكس كوريا الشمالية، بمبدأ “الجهاد، والغزو” من أجل تصدير الثورة. وهكذا قد تعطي إيران لنفسها حق استخدام السلاح النووي ضد أعدائها، بحجة الرغبة في نقل الثورة إلى هذه الدول، بينما ترغب، في حقيقة الأمر، في فرض وجهات نظرها السياسية ونشر أفكارها.

 

ومع ذلك، تستمرّ الولايات المتحدة بتصويب أسلحتها تجاه كوريا الشمالية، وتتناسى إيران، فهل ستشهد الأيام المقبلة تغيرًا في السياسات الأمريكية تجاه إيران؟ شاركنا برأيك.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة