الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
سوريا تعود إلى “حضن العرب”.. “خطوة بخطوة”
الحديث عن سياسة “خطوة بخطوة” ليس جديداً؛ حيث سبق للمبعوث الدولي غير بيدرسون الحديث عن هذا الموضوع، لكنه اليوم يأتي من قاعدة مختلفة مرتبطة بـ”شرعية” وجود الحكومة السورية في النظام العربي.

كيوبوست
استعادت سوريا، الأحد، مقعدها في جامعة الدول العربية، عقب تبني القرار في اجتماع استثنائي مغلق لوزراء الخارجية العرب بعد غياب دام 12 عاماً.
تبِع الإعلان مباشرةً عن استعادة سوريا مقعدها، تصريح لأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قال فيه إن الرئيس السوري يمكنه الآن المشاركة في القمة العربية “إذا رغب في ذلك”.
من جهته، اعتبر مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة إيجابية، وأن التحديات التي تواجه المنطقة تحتاج إلى تعزيز التواصل والعمل المشترك؛ بما يضمن مصالح الدول العربية وشعوبها.
اقرأ أيضًا: الزلزال أعطى دفعة جديدة لتطبيع العلاقات العربية مع سوريا
وقال قرقاش، في تغريدة عبر ”تويتر”: “إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة إيجابية تعيد تفعيل الدور العربي في هذا الملف الحيوي”، واعتبر أن الإمارات مؤمنة بضرورة بناء الجسور وتعظيم المشتركات؛ بما يضمن الازدهار والاستقرار الإقليمي.
في وقت لاحق لصدور القرار العربي، اتصل الرئيس السوري بشار الأسد، برئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد. وعبَّر الأسد، خلال الاتصال، عن “تقدير سوريا الدورَ الذي تقوم به الإمارات من أجل لمّ الشمل وتحسين العلاقات العربية؛ بما يعزز التعاون العربي المشترك ويخدم مصالح الدول والشعوب العربية”، وَفق بيان للرئاسة السورية.

القرار وحيثياته
تضمن القرار الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، أن ”استئناف مشاركة سوريا في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، سيسري على الفور”، بينما دعا أيضاً إلى إصدار قرار بشأن الأزمة الناتجة عن الحرب السورية؛ بما يشمل اللاجئين في الدول المجاورة وتهريب المخدرات في المنطقة.
وقال أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في مؤتمر صحفي في القاهرة: “عودة سوريا لشغل المقعد هي بداية حركة وليست نهاية مطاف؛ بمعنى أن مسار التسوية للأزمة السورية سيأخذ مرحلة من الإجراءات”.

أما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فقد ذكر، الجمعة، أن عودة سوريا، التي لا تزال خاضعة لعقوبات غربية، إلى جامعة الدول العربية، “مجرد بداية متواضعة جداً لعملية ستكون طويلة جداً وصعبة وتنطوي على تحديات”.
من جهتها، انتقدت الولايات المتحدة، الأحد، قرار عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، قائلةً إن دمشق لا تستحق هذه الخطوة، كما شككت في رغبة الرئيس السوري بشار الأسد، في حل الأزمة الناجمة عن الحرب في بلاده.
اقرأ أيضًا: بشار الأسد في أبوظبي للمرة الثانية خلال عام
الخطوة التالية
معاون وزير إعلام سوري سابق، (فضل عدم الكشف عن اسمه)، قال لـ”كيوبوست” إنه يصعب التنبؤ بالخطوة التالية؛ وهي حضور سوريا القمة العربية، أو مَن سيمثلها؟
ورأى معاون الوزير السابق أن الخطوة القادمة ستكون سورية بعد خطوة الجامعة؛ لذلك لا يمكن الحديث إلا في ضوء فهم دمشق البيانات التي صدرت عن اجتماعات جدة وعمان والقاهرة، والتي أكدت العملية السياسية والقرار 2254، وإن اختلفت الكلمات من تنفيذ القرار إلى الانسجام معه. علماً بأن الإعلام السوري عند إيراده البيانات الصادرة، تجاهل موضوع القرار الدولي، كما تجاهل موضوع المخدرات.
وحول الموقف الأمريكي “المعارِض” و”المتفهم” بآن، قال المسؤول السوري السابق: أعتقد أن ما صدر من مواقف وبيانات عربية تمت بضوء أخضر أمريكي؛ إذ “يصعب الاقتناع بأن كل ما اتخذه العرب من قرارات صدرت في تحدٍّ للإرادة الأمريكية”، خصوصاً أن (جيك) سوليفان كان في إسرائيل ولديه اجتماع في السعودية.
وأردف المسؤول السوري السابق: “علينا انتظار اجتماع موسكو الأربعاء المقبل؛ لنرى إذا كانت المصالحات في المنطقة ستكتمل بين سوريا وتركيا. أما المعارضة؛ فالخارجية منها قد انتهت منذ زمن طويل، وأرى أن الداخلية منها قد تكون البديل الذي سيُقدّم ويتم إحياء دوره ليكتمل تنفيذ القرار الدولي”.
اقرأ أيضًا: سوريا محور حراك عربي مهَّدت له الإمارات.. هل يحضر الأسد قمة الرياض؟
“عملية” دبلوماسية
“تعود سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية ضمن ظرف سياسي لا يحمل ملامح حل الأزمة السورية، باستثناء قرار مجلس الأمن 2254”، وفقاً للكاتب والمحلل السياسي السوري مازن بلال، الذي يرى في تعليق لـ”كيوبوست” أنه إذا كانت المنظومة العربية اليوم تحاول وضع أرضية جديدة لمسألة الحل السياسي؛ فإن الدبلوماسية التي باشرت بها الأردن والسعودية أخيراً، هي “عملية” وليست مجرد إجراءات فقط، ويبرر هذا الأمر الحديث في نفس قرار مجلس الجامعة العربية عن سياسة “خطوة بخطوة”، وعن تشكيل لجنة متابعة للمباحثات التي جرت في عمان بشأن سوريا.

الحديث عن سياسة “خطوة بخطوة” ليس جديداً، كما يقول بلال؛ حيث سبق للمبعوث الدولي غير بيدرسون، الحديث عن هذا الموضوع؛ لكنه اليوم يأتي من قاعدة مختلفة مرتبطة بـ”شرعية” وجود الحكومة السورية في النظام العربي، إضافة إلى تحويل العلاقة مع سوريا إلى “عملية” متشابكة مع سياسات عربية وليس عبر مفاوضات أممية فقط.
ويعني ذلك، حسب الكاتب السياسي السوري، إعادة تحميل الأزمة السورية بشكل مستقل عن كل المسائل الإقليمية؛ خصوصاً الموضوع الإيراني، مشيراً إلى أن العملية السياسية في سوريا ستتطرق بالتأكيد إلى الشأن الإيراني؛ ولكن من خلال تفكيك تداعيات الأزمة، وليس عبر تحميل السياسات الإيرانية- السورية تبعات الأزمة.
ويذكر بلال أنه “في تحركات اليوم، يظهر أن الحديث عن أية دبلوماسية، سواء عبر المبعوث الدولي أو اللجنة العربية؛ لن يحمل معه التصعيد الذي ظهر سابقاً”، واللافت -حسب قوله- أن البحث مع الحكومة السورية يجري مستقلاً عن “الهيئات المعارضة”؛ فهو ينطلق مع اعتراف بشرعية الحكومة، حتى ولو كانت هناك عملية لحل الأزمة تضمن وَفق بيان جامعة الدول العربية سياسة “خطوة بخطوة”.
وأردف المحلل السوري بالقول: “بالتأكيد فإن الخطوات المطلوبة من طرف الحكومة السورية يمكن تحديدها ونقاشها؛ ولكن الطرف الآخر (المعارضة) لا يملك إمكانية تقديم أي شيء، فـ(الهيئات) التي ظهرت خلال جولات جنيف السابقة أصبحت على الأقل في هذه المرحلة خارج دائرة العملية السياسية؛ وهو ما يجعل أي تحرك دبلوماسي قادم هو باتجاه تفكيك ديناميكيات الأزمة، مثل وجود فصائل مسلحة أو لاجئين في دول الجوار، بينما ستبقى مسألة وجود قوة سياسية في مقابل الحكومة السورية أمراً مؤجلاً وصعباً”.

تفعيل العمل العربي المشترك
الباحثة والأكاديمية السورية ميس الكريدي، أوضحت في تعليق لـ”كيوبوست”، أن سوريا تتفهم كل الواقع العربي بمختلف مطباته، وبمختلف المآزق والتدخلات الدولية فيه، والقضايا الإقليمية وربطها بالمنهج الدولي.

وتعتقد الكريدي أنه كان من شبه المؤكد أنه سيتم التوصل لهذا القرار (إعادة سوريا إلى الجامعة العربية)؛ نتيجة الحاجة العربية إلى إعادة بناء صيغة مُجدية وبنَّاءة وقادرة على أن تكون فاعلة، من أجل تفعيل العمل العربي.
ولفتت إلى أن الخطوات السورية المتوقعة بعد العودة إلى الجامعة العربية، هي خطوات في إطار العمل العربي وتفعيله والمساعدة على إيجاد صيغة متوائمة مع التغيرات الاقتصادية الكبيرة والتحولات العالمية.
وذكرت الباحثة في الشأن السياسي أن التعاون مع المجتمع العربي سيكون في إطار إزالة آثار الحرب وعودة اللاجئين والتفكير في طريقة لإعادة الإعمار، وأيضاً على مستوى أمن الحدود والمنطقة ووحدتها وعلى مستوى قضايا كبرى؛ كقضية اللاجئين وسحبها من التداول الدولي.
أما في ما يتعلق بالمسائل الداخلية المتعلقة بالقرار السياسي السيادي لسوريا، فترى الكريدي أنه لن يكون مرتبطاً بأي تدخلات خارجية.
اقرأ أيضًا: زيارة الأسد إلى الإمارات.. خطوة مهمة على طريق عودة سوريا إلى الجامعة العربية
وتقول الكريدي إن سوريا ستجد آليات لتفعيل وتعزيز مسألة الحوار الداخلي، وأنه لن يكون مرتبطاً بأي شروط خارجية، مشيرةً إلى أن الوقت الحالي لن يشهد تشكُّل معارضة سورية حقيقية، بانتظار الإجراءات التي سيتخذها العرب في إطار التعاون العربي.
وأوضحت أنه سيكون هناك محددات لعلاقتهم مع بعض قوى المعارضة السورية، مبينةً أن مسألة متابعة سوريا لإعادة صياغة الحياة السياسية والإصلاحات السياسية المطلوبة هي شأن داخلي.
ورأت الكريدي أن منعكس العمل العربي المشترك لا يُقاس محلياً؛ بل على مستوى التغيرات في العالم أجمع، كون العالم يتجه ليكون متعدد أقطاب، وهذا الأمر يلقى ممانعة.
وبينت الكريدي أن سوريا حددت بوصلتها السياسية والاقتصادية بالاتجاه شرقاً، بينما تطمح بعض الدول العربية كذلك لأن تكون جزءاً من هذا التوجه، معتبرةً أن ذلك سيعكس العلاقات الإيجابية نحو دمشق.
وشددت الباحثة والأكاديمية السورية على أن وحدة سوريا هي جزء وأولوية للعمل العربي، وجزء من الأمن القومي العربي؛ لأنه في حال حصول أي تفكك أو تمدد للحركات الانفصالية أو الإرهابية، فسيكون تأثيرها كبيراً على المنطقة.
وختمت ميس الكريدي بالقول إن كل ذلك يشير إلى الدور المهم الذي تطمح إليه سوريا، مرجحةً أن يكون لدمشق دور في تحسن العلاقات العربية– الإيرانية، وأن الأيام ستُظهِر قدرة سوريا على إدارة الأزمات والخروج منها.