الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

سوريا.. بين مطرقة الزلزال وسندان العقوبات

أسئلة كثيرة تُطرح أمام المجتمع الدولي حول مدى أخلاقية استمرار العقوبات المفروضة على سوريا.. والتي تحول دون وصول المساعدات إلى المنكوبين

كيوبوست

رصدت محركات البحث منذ وقوع كارثة الزلزال في كل من تركيا وسوريا، صوراً لمئات الطائرات الدولية التي تحلق فوق الأجواء التركية حاملةً المساعدات لنجدة المنكوبين من ضحايا الزلزال؛ لكن المشاهد الصادمة كانت في خلو الأجواء السورية، التي تعاني نفس الكارثة، من أية حركة مماثلة؛ بسبب العقوبات الدولية المفروضة على النظام في سوريا، ما دفع لطرح سؤال أخلاقي كبير، هو: ألا يحتم المشهد المأساوي كسر مثل هذا الحصار وإدخال المساعدات بشكل فوري عبر قنواتها الرسمية؟

وبينما يبدو أن الكارثة الإنسانية التي خلفها الزلزال قد كسرت جمود العلاقات بين دمشق وعدد من العواصم العربية، التي سارعت للاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد؛ لعرض الدعم والمساندة، إلا أن المجتمع الدولي بقي مكتوف الأيدي في محاولة لإيجاد صيغة تضمن وصول المساعدات دون تجاوز حاجز العقوبات الدولية.

شاهد: فيديوغراف.. الإمارات توجه بمساعدات عاجلة لسوريا وتركيا بعد الزلزال‎‎

وعلى هذا الأساس، وصل إلى دمشق قبل قليل مدير منظمة الصحة العالمية؛ لزيارة وتفقد المناطق المنكوبة، غداة موافقة الحكومة السورية على إيصال مساعدات إنسانية إلى مناطق خارج سيطرتها في شمال البلاد، وَفق ما نقلت وكالة الإعلام السورية الرسمية (سانا)، وإشراف الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر العربي السوري على توزيع هذه المساعدات؛ بمساعدة منظمات الأمم المتحدة، ما سيكفل وصولها إلى مستحقيها.

ازدواجية غربية

تعرضت سوريا إلى كارثة إنسانية، حسب الكاتب والمحلل السوري غسان يوسف، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن تأخر المساعدات الدولية ساعد في زيادة عدد الوفيات، وعدم القدرة على إنقاذ الأحياء تحت الأنقاض، في وقت لعبت فيه الفرق العربية التي وصلت سريعاً للمساعدة دوراً مهماً في هذا الأمر.

غسان يوسف
تعرضت سوريا لكارثة إنسانية- وكالات

يتفق معه في الرأي الكاتب والمحلل السوري أسامة دندورة، الذي ينتقد، في تعليق لـ”كيوبوست”، الازدواجية الغربية في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، فبينما هناك عشرات الآلاف من المنكوبين نتيجة الزلزال، لم تهبط طائرة واحدة من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي في سوريا لتقديم المساعدة الإنسانية والمساهمة في الأعمال الرامية للتعامل مع تداعيات الكارثة، على العكس من مواقف عدة دول عربية.

أسامة دندورة

وأضاف دندورة أن هناك أولوية في الوقت الحالي لأن تسبق الجهود الإنسانية الأولوية السياسية؛ نتيجة الحاجة الماسة إلى تأمين الحاجات الطبية والعلاجية لعشرات الآلاف من المتضررين؛ لا سيما أن الحصار الدولي المفروض على دمشق منذ سنوات أثَّر على قدرة الجهات السورية في ما يتعلق بالاستجابة السريعة لمثل هذه الكارثة.

كسر القطيعة

ويرى الكاتب الإماراتي محمد خلفان الصوافي، أن الظرف الحالي يدعو إلى كسر القطيعة العربية لسوريا، لكونه ظرفاً إنسانياً بحتاً ولا يمكن التقليل من ناحية أنه أقرب إلى الالتزام الأخلاقي، وأن عدم الوقوف مع السوريين في هكذا ظرف يجعل مصداقية الخطاب العربي التقليدي حول العلاقة العربية الأخوية محل تساؤل؛ بل يمكن أن تكون هذه الكارثة “فرصة مواتية” لتبرير الانفتاح العربي من الدول المترددة في اتخاذ تلك الخطوة صراحةً واستثمارها في تحريك الملفات السياسية.

فرق الإنقاذ في سوريا- وكالات

ويتحدث أسامة دندورة عن انفتاح على أطراف عربية عدة؛ سواء من مصر أو حتى العراق الذي اتخذ موقفاً واضحاً بعد ساعات من وقوع الزلزال، وصولاً إلى تونس التي أعلنت استئناف العلاقات الدبلوماسية، وهي أمور تتماشى مع “الظرف القاهر” الذي تمر به سوريا في الوقت الحالي، مؤكداً أن الظروف مواتية “سياسياً” في الوقت الراهن لعودة سوريا إلى محيطها العربي.

زيد بن كمي

يصف الكاتب والمحلل السعودي زيد بن كمي، الوضعَ في سوريا بالمأساوي، مؤكداً في تعليق لـ”كيوبوست”، أن المساعدات العربية لم تتأخر في الوصول إلى الشعب السوري وكذلك الشعب التركي، لافتاً إلى أن الجميع يضع أمام أعينه الظرف الإنساني الدقيق الذي يمر به المتضررون من الزلزال.

يشير محمد خلفان الصوافي إلى حدوث أكثر من خرق سياسي في العلاقات السورية- العربية بطرق مختلفة؛ مثل الاتصال بين الرئيسَين المصري عبدالفتاح السيسي والسوري بشار الأسد، لأول مرة، منذ أكثر من عقد، والسعودية التي فتحت باب التبرع وحصيلته كانت كبيرة، وقد يشير إلى احتمالية مبادرة سياسية سعودية تجاه سوريا لتأكيد دورها القيادي العربي الجديد، أما دولة الإمارات فقد كانت السباقة عبر اتصال الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، بالرئيس السوري، وكانت من أولى الدول العربية في تقديم المساعدات والمشاركة الفعالة في عمليات الإنقاذ.

تعرضت سوريا لزلزال مدمر- وكالات
محمد خلفان الصوافي

وأضاف أن باقي الدول العربية، بدءاً بالعراق ومروراً بسلطنة عمان والبحرين ودول المغرب العربي، لا تعاني كثيراً في علاقاتها مع سوريا، والجميع قدم مساعدات إنسانية وفرق إنقاذ، وسياسياً ليس لديهم مانع في إعادة سوريا إلى الحضن العربي.

يشيد غسان يوسف بالدور العربي والخليجي الكبير في المساعدات خلال الأيام الماضية، معتبراً أن خطوة الانفتاح العربي والدولي على سوريا قد تساعد على تحسين العلاقات على المستوى السياسي وتوفير المساعدات للمتضررين والمشردين نتيجة الكارثة.

يدعم هذا الرأي زيد بن كمي، الذي يشير إلى أن النظام السياسي السوري يسعى لإصلاح العلاقات السياسية مع دول المنطقة؛ وهو الأمر الواضح في التصريحات الرسمية.

ويختم محمد خلفان الصوافي بأن الرهان السياسي حالياً هو على قدرة الرئيس بشار الأسد في الاستفادة من الكارثة؛ لفتح طريق على العرب والعالم، وبشكل خاص مع جاره التركي.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة