شؤون خليجية

سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الخامس

العودة إلى الضوء مرة أخرى

كتب – خالد العضاض

يناقش الجزء الخامس في سلسلة مراجعات سلمان العودة مواقف ومحطات تكشف عن تكتيكات سلمان العودة، وبداية انكشافه بين مريديه وأصدقائه في مجالسه، خصوصًا مواقف محددة عكست شخصية مراوغة حينًا ومتملصة ومتقولبة أحيان أخرى، وهذا بشهادة الكاتب ومقربين من العودة تكشفها الأحداث والمواقف التالية:-

مدخل: إبريل/نيسان 2002

سامر السويلم المعروف بخطاب

ونحن جلوس إلى مائدة طعام الغداء، على شرف بعض ضيوف سلمان العودة، وكان حدث الساعة حينها اغتيال سامر بن صالح السويلم المعروف بخطاب، في الشيشان، وقد كان أحد أشهر قادة ما يعرف بالأفغان العرب، الذي قاتلوا في أفغانستان، ثم طاجكستان، ثم داغستان، ثم الشيشان. كان الحديث يدور حول مسألة حقيقة الاغتيال الذي وصل خبره قبل أيام في نهايات إبريل/نيسان 2002، وقد كانت عملية الاغتيال نفذت قبل هذا التاريخ بأكثر من شهر في 20 مارس/آذار 2002، وما زالت الصورة مشوشة غير واضحة، فهل الرجل قتل؟ أم أنها إشاعة؟ وكانت هذه التساؤلات مدار الحديث على الطعام المذكور، ليفاجأ العودة المتحلقين على صحون الأرز، بأنَّ “خطاب” حيٌ يرزق!

وبين حيرة البعض وتهليل البعض وتكبيرهم، سادت فترة صمت قليلة، ليكمل ويقول: “ألم تقرأوا قول الله تعالى: (ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا، بل أحياء عند ربهم يرزقون)؟!”. كانت صدمة، وخيبة أمل كبيرة، ألقت بظلالها على السامعين. بعد اللقاء، همس في أذني أحد الحضور -من غير المتدينين مظهرًا- وكنت على معرفة به وبرجاحة عقله: “شيخكم يحترف “التورية” كما سمعت عنه”، وهي جملة مخففة عن قوله في أنه يحترف الكذب كما أخبرني بذلك بعد عشر سنوات من هذا التاريخ، كانت هذه اللفتة من العودة تشي بأسلوب المراوغة الكبير الذي سيتبعه لاحقًا مع الكل، حتى المقربين منه.

طالع الجزء الأول: سلمان العودة والفكر اليباب

 

عودة إلى ضوء الشمس مرة أخرى

لم تكن الأمور كما كانت عليه عندما خرج رموز الصحوة من السجن في إبريل/نيسان من العام 1999، ولم يكونوا هم أنفسهم كما كانوا من قبل.

توافد الناس على المنزل الجديد لسلمان العودة في حي البشر في بريدة، للتهنئة بالخروج من السجن. كانوا يأتون من كل مكان، ومن كل حدب وصوب، حسبما ذكر مرافقو العودة وقتها، ليس من المملكة فحسب، بل أيضًا من الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعُمان وغيرها.

كيو بوستس

أ.د. صالح السلطان

شخصيات نعرفها، وأخرى نسمع عنها، شخصيات مشهورة وأخرى مغمورة إلا عند ثلة من المهتمين، توافدت، وباحت مشاعرها في ذلك الفناء الذي اصطفت فيه جموع من الشباب على شكل سور بشري له باب ومدخل يطوق سلمان العودة، ليُفوِّج عليه المهنئين فُرادى واحدًا تلو الآخر، ولا يسمحون لأحد بالمكث إلا بأمر من المسؤول عنها حينها الأستاذ الدكتور صالح السلطان.

حصلت مواقف وأحداث كثيرة، وكانت كل ثانية في الاستقبال مسجلة بالصوت والصورة، وهذا من الأمور التي حسم أمرها داخل السجن: ضرورة التوثيق والتسجيل لكل شيء وأي شيء، والفرز يأتي لاحقًا.

مضت الأيام، والمكان مزدحم بالمهنئين، والمباركين، والمتفرجين كذلك، وحاول العودة كسر هذا الضغط لإيجاد فرصة لالتقاط الأنفاس والاختلاء بأسرته، فعقد العزم على السفر إلى مكة لأداء العمرة، وبعد العودة إلى مدينة بريدة حدد أوقات الزيارة بثلاثة أيام في الأسبوع فقط.

طالع الجزء الثاني: سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الثاني

مع مرور الأيام، كبر السؤال، وتكاثرت التساؤلات: هل خرجوا بدون قيد أو شرط كما يتم تداوله في أوساط الشباب الصحوي؟ أم أن هناك تعهدات وقيود وشروط؟! هل رفضوا فعلًا المال الذي قُدم لهم، والذي يغري أي أحد؟ هل رفضوا العودة إلى وظائفهم؟!

بعد سنوات من هذه التساؤلات، بدأت الأخبار تتسرب عن بعض ما حدث في السجن، كان الأكثر إثارة، أن هؤلاء الرموز المناضلين، سلموا القضية وباعوها بثمن بخس في أول احتكاك، وقدموا تنازلاتهم واعتذاراتهم المسجلة صوتًا وصورة، وهو ما تحدث عنه بعض الشباب الموقوف حينها على ذمة قضايا العودة والحوالي والعمر، والتي لم يكن لها قضية سوى التأليب، ثم التصعيد المغفل في مواجهة دولة ضاربة في عمق المجتمع والتاريخ، حينما شعروا أنَّ ثمة إجراء تم اتخاذه ضدهم. هؤلاء تحدثوا عن صمودهم في مواجهة التحقيق وتمنعهم، فما كان من المحققين إلا أن عرضوا عليهم تسجيلًا لأشياخهم وهم يعتذرون ويَعضُّون أصابع الندم.

والتساؤل الكبير الذي لم يجرؤ أيًا من الصحويين الكبار على محاولة التعاطي معه، أو على الأقل الاعتذار عنه علانية، لمَ كل ما حدث، قد حدث أصلًا؟ وما ذنب الشباب المسروق بسحر المرحلة، وأحلام الغد؟ وأين شعارات “احثوا في وجوهنا التراب إن كنا طلاب مال/منصب/شهرة …إلخ”؟

طالع الجزء الثالث: سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الثالث

 

بداية الاحتكاك مع رفقاء الأمس

بعد هدوء الزيارات، بدأت جلسات متقطعة في منزل العودة في حي البشر، وأحاديث عابرة عامة، وإجابات عن أسئلة، وهروب من بعض التساؤلات. توسع الأمر بالانتقال إلى منزله ومكتبه الجديد في مجمع الراجحي بجوار جامع الراجحي في حي الأمن ببريدة، وتوسع أكثر وأكثر حينما وضع خيمة كبيرة في الفناء الخارجي للمكتب، وانتقل من دروس التفسير والدروس العامة إلى درس بلوغ المرام الذي كان السؤال عنه يطول ويكثر، وفي أثناء ذلك ينتهز فرصة للسفر إلى دولة البحرين ليلقي دورة عن إدارة الوقت، جريًا على الموضة المستعرة حينها وهي دورات تنمية الذات، التي برز فيها كثير من منظري التيار الإسلامي والصفوف الثانية فيها بدءًا من العام 1996 تقريبًا.

وكان مرد هذا الخروج عن نسق محاضرات العودة العام، ولقاءاته، هو جس نبض الأمن السعودي: هل يتحفظ، أم يمررها كما جاءت؟ وهو ما كان. وبعد ذلك، زادت وتيرة اللقاءات والمحاضرات والدروس في الخيمة، حتى جاء موعد أول محاضرة رسمية في مكان عام هو جامع الراجحي في بريدة في آخر شهر مايو/أيار 2003، بعنوان: (رسالة العصر).

أحداث كبيرة مرت بين إبريل/نيسان 1999، ومايو/أيار 2003، لعل أبرزها على المستوى الشخصي للعودة، هي بدء التهامس بين الدعاة وطلبة العلم في بريدة عن تغير كبير طرأ على العودة بعد خروجه من السجن، وحديث عن خلاف كبير بينه وبين الحوالي والعمر. حول هذه التغيرات، كان صحويو بريدة ينتقدونه بشدة لمحاولة تبرئه من الرد على محمد الغزالي، وبعض آخر يعيب مبالغته في انتقاد الشيخ اليمني مقبل الوادعي في رده الشهير على يوسف القرضاوي المعنون: (إسكات الكلب العاوي، يوسف بن عبد الله القرضاوي)، وآخرون على بعض ما يحدث به جلسائه مما لا يليق بطلبة العلم والمشايخ. ثم تلا ذلك انقضاض الجهاديين وبعض التكفيريين عليه في كل حديث، ومناسبة، وفي ذلك بعض حكايات أحكيها لكم في الجزء السادس بمشيئة الله تعالى.

طالع الجزء الرابع: سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الرابع

حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة