الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةمقالاتملفات مميزة

سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الرابع

تفاصيل دخول الصحويين السجن وتكتيكاتهم الموجهة لاستهداف الداخل السعودي

كيوبوست 

خالد العضاض 

يكشف خالد العضاض في الجزء الرابع من سيرة سلمان العودة تفاصيل دخول الصحويين السجن، وكيف تعاملت الدولة مع تصاعد دور الصحويين في التحريض على الدولة، وإشاراتهم لدفع الجهاديين نحو الداخل، وصولًا إلى تكتيات الصحويين في تسريب الأخبار والمواقف من داخل السجن.  

 

الخبراء والمختصون في منصة “كيوبوست”، نبهوني إلى أن العنوان ظَلم المقال كثيرًا، إذ إن المقال -بحسبهم- جاء كشفًا لتاريخ الصحوة بعمومها في فترات معينة، وليس حديثًا صرفًا عن شخصية صحوية فحسب، وهذا ذوق رفيع ولطف كبير في التنويه والتنبيه على الملحوظات التي تعتري مثل هذه المقالات. أشكرهم من جهة، ومن جهة أخرى قد أجد مبررًا لذلك هو أنه وحتى تستطيع إعطاء تصور دقيق عن الأبعاد والجوانب المختلفة للشخصية لا بد من الحديث عن الجو العام الذي عاشت فيه هذه الشخصية، لتعرف مدى تأثرها بهذا الجو، فضلًا عن أن تكون تلك الشخصية أحد أهم وأبرز الشخصيات المؤثرة والصانعة للحدث الصحوي وجوه العام، فالحديث عن الصحوة أو السرورية هو حديث عن سلمان العودة، والحديث عنه هو حديث عنها.

طالع الجزء الأول: سلمان العودة والفكر اليباب

 

محمد سرور

ما بين صحوية الإخوان السعوديين وصحوية السرورية

على كل، أستفتح هذا الجزء بتفريق القيادي الإخواني الأبرز سعوديًا الدكتور عوض القرني، بين الصحويين من الإخوان السعوديين، والصحويين من السرورية: بأن الإخوان يساندون أفرادهم بشكل كامل في حال الإيقاف على أي مستوى كان، سواءً كان الإيقاف عن الوظيفة أم بالحبس، وذكر أن أسرهم لا تفقدهم أبدًا من الناحية المادية، وأن هناك أناسًا متوارين عن الأنظار دورهم مُنصب على خلافة الأسير في أهله -كما عبَّر-، وأضاف أن سلمان العودة اعتمد على الشباب، ولكنهم جدار مائل غير ثابت فسقط به فور اتكائه عليه، وهذا الحديث من الدكتور عوض القرني الذي تم بيني وبينه كان قبيل خروج الصحويين بفترة غير طويلة، هو من باب التحليل وسبر الحدث، وليس بناء على معلومات.

تفاصيل دخول الصحويين السجن

إذًا، ما الأمر الذي استدعى سجن الصحويين؟ وما الذي حدث في السجن؟ وما الذي أحدثه السجن؟، يمكن إيجاز الإجابة عن هذه الأسئلة بالنقاط التالية:

  1. بدأت الصحوة –التي تألفت من أجزاء متآزرة- وتحديدًا الجزء السروري، مع الأزمة الخليجية 1990 بشقِّ الشرنقة والخروج بما لم يعهده الشارع السعودي، الذي لم ينس حادثة الحرم المكي 1979 بعد، فانطلقوا بمجموعة من المحاضرات والمكاتبات والتحركات التي حاولت الاستطالة على الدولة، وكسر هيبتها في المجتمع وفي نفوس الشعب، وساعد على استطالتهم في ذلك أمران: أولهما: السياسة السعودية المعروفة بإطالة النفس إلى أقصى حد ممكن، وفسح المجال للمخالف المناكف للعودة إلى جادة الصواب.
    عوض القرني وسلمان العودة

والأمر الثاني: التوجه العام الناجم عن الآثار النفسية لأزمة الحرب وأخطار صواريخ صدام ذلك الحين، الذي خلق حالة تديُّن قَلِقَة على كل مستويات المجتمع وطبقاته كالفنانين واللاعبين والمشاهير حتى الأفراد العاديين، وهو ما كوَّن شعبية جارفة للصحويين مكنتهم من النفوذ إلى مشاعر وعقول أفراد المجتمع، وبالتالي النفوذ إلى ثقافة المجتمع ككل.

  1. يقود الصحوة في ذلك الوقت، وبشكل غير مباشر خبراء تمرسوا على مواجهة الحكومات من خلال تجربتهم الحركية في بلدانهم، فكانوا يوجهون رموز الداخل بطريقة معينة للتعامل مع الحكومة السعودية كما تعاملوا مع حكوماتهم ذات يوم، دون إدراكٍ للفروقات الشاسعة بين المجتمعات والحكَّام، وهو ما أثر تأثيرًا كبيرًا على الأحداث التالية.
  2. المراقب لعمل وتحركات الإسلام السياسي عن كثب يدرك وبكل بساطة السيناريوهات المحتملة -التي تصل نسبة اليقين فيها إلى درجة عالية من الدقة- بما يمكن أن ينتج عن أي حراك إسلاموي، بسبب تكلس ثقافة العمل الحركي لهذه الجماعات، واعتمادها على قيادة الرمز الواحد وسبيله الأوحد في العمل والحل. شخصيات مثل محمد سرور بن نايف زين العابدين عرَّاب السرورية، أو عبد المنعم بن صالح العلي العزي، الذي يعرف باسم حركي هو: محمد أحمد الراشد، أو غيره من قيادات تنظيم الإخوان الدولي،
    محمد أحمد الراشد

    قاموا بتوجيه الدفة الحركية في الداخل السعودي بما اعتقدوا أنه سيصنع مكانةً وصوتًا واضحًا للحركيين، يُمكّنهم من الوصول إلى العمق السياسي، بعد وصولهم وبجدارة إلى العمق المجتمعي والثقافي السعودي عبر بعض المؤسسات الحكومية، فقاموا بمشاريع ومناشط عدة، منها على سبيل المثال إنشاء ما يسمى لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، وكان لمحمد سرور وعزام التميمي دور فاعل ومحوري في أعمال اللجنة والتعريف بها وتهيئة السبل لاستمرارها وتطور أعمالها، بل تطور الأمر إلى استقبالها في لندن وتهيئة كل الظروف الكفيلة بإنجاح مساعيها.

 

كيو بوستس

الإشارات الأولى لنوايا الصحويين 

  1. في بدايات عقد التسعينيات، شاعت نغمة وجملة نسمعها من رموز الصحوة، عما يخدم المرحلة وما لا يخدمها، بل تحدث الدكتور سلمان العودة في نوفمبر/تشرين الثاني 1990 في شريط (لسنا أغبياء بدرجة كافية) عن وسائل وطرق لمحاصرة وإنكار حدث قيادة المرأة للسيارة الشهير في ذلك العام، وأحال في الشريط المذكور إلى شريط آخر عنوانه (مصدر عزة المسلم) في إجابة عن سؤال يتكرر كثيرًا على الدعاة السياسيين في كل زمان ومكان، هو ماذا نفعل؟ وكيفية المواجهة؟ وغير ذلك من الأسئلة التي توجه في مثل هذه الأوضاع. ذكر العودة في الشريط الأخير العديد من وسائل الضغط على الحكومة، ووسائل تجييش المجتمع ضد الفكرة المزمع إنكارها، وأشار إشارة خفية إلى أن هناك ما يمكن فعله أكثر من ذلك، ولكن يا شباب الصحوة الزموا الهدوء، والسكينة السكينة! وإياكم وأعمالًا قد لا تخدم الدعوة في مثل هذه المرحلة! بمعنى أننا في مراحل قادمة سنتجاوز هذه الوسائل إلى غيرها.
  2. وفي عام 1990، زار عصام بن طاهر البرقاوي -الشهير بأبي محمد المقدسي- بريدة، والتقى بجمع من المشايخ من مختلف الأطياف والتوجهات.
    أبو محمد المقدسي
  3. وبعد هذه الزيارة بأشهر، كان واعظ صحوي يشرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب بين الأذان والإقامة من صلاة العشاء، ويطيل النفس في الحديث على شرح الكتاب وربطه بالواقع المعاصر، وكان يحضر جمع غفير من الشباب غض الإهاب قليل الخبرة والعلم. وفي ليلة من الليالي أثنى هذا الواعظ على المقدسي وعلى كتابه الشهير «الكواشف الجلية»، ولما لوعاظ الصحوة من قدسية لم يناقشه أحد، أو يعترض عليه أحد، والمفارقة أن الواعظ ذاته دشن موجة إيقاف الصحويين، إذ تم إيقافه في ديسمبر/كانون الأول 1992، وكان هذا الإيقاف سببًا في إطلاق لجنة الفقيه والمسعري، الذي تشظت لاحقًا، وفشلت وذهبت ريحها.
  4. الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم سابقًا

    في حفل حفظ السنة النبوية الأول في الربع الأخير من عام 1992، الذي أقيم في مدينة بريدة بحضور أمير منطقة القصيم حينها الأمير فيصل بن بندر. كان الشباب الصحويون يعلمون ضمنًا أن رمزهم الكبير الشيخ سلمان العودة يتجنب السلام على الأمير راعي الحفل، وهو ذاته بعد عقد من ذلك التاريخ كان يذرع ممرات موازية في الجمعية الخيرية في بريدة لمحاولة الالتفاف ليواجه الأمير ذاته من الأمام للسلام عليه، وفي حفل السنة المشار إليه تقدم سلمان العودة ليلقي أول أسئلة اختبار الحفَّاظ أمام الحضور، فكانت البداية مع حديث يدل بوضوح على عدم جواز الاستعانة بمشرك، وهو الذي لقي من الشباب إعجابًا شديدًا لجسارة الشيخ وجرأته في الحق، إذ لا يزال الجدل دائرًا حول حكم جواز استدعاء القوات الأمريكية للمعاونة مع الدول الشقيقة والصديقة في تحرير الكويت.

طالع الجزء الثاني: سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الثاني

إشارات الصحويين للدفع بالجهاديين نحو الداخل

  1. كان من ضمن أحداث حفل السنة النبوية وفعالياته أن أقيمت ندوة في محافظة الرس بعنوان: الجهاد في سبيل الله، ألقاها أربعة من رموز الصحوة على رأسهم سلمان العودة، وكعادتهم مرروا المعاني المناقضة لكل ما هو مواطنة ووطن، وتكلموا عن أن العز بالجهاد، والذل بتركه، وهذا معنى يراد من ورائه ما يراد، حتى وإن قال سلمان العودة: إنه ضد ذهاب الشباب للجهاد، وهذا صحيح بنسبة كبيرة، غير أنه ذكر السبب سرًا وجهارًا مرات عدة؛ هو أنه بذهاب الشباب هناك فإننا كمن يضع بيضه كله في سلة واحدة، فنحن بحاجتهم هنا أكثر، ولك أن تفسر هذه العبارة على ضوء ما حدث لاحقًا. وإن كان الله خيب ظنه وظن من كانوا على شاكلته.
  2. في الوثيقة الصحوية التي كتبها سليمان النهدي -أرجح أنه اسم مستعار- بعنوان: (لماذا خافوا من اللجنة الشرعية؟، طبعة أولى 1993) ذكر أن اعتقال الرموز الصحوية في ذلك الوقت كان إيذانًا بانطلاق الجهاديين من قمقمهم، وإيذانًا ببداية العمليات الجهادية في الداخل السعودي، التي كان يقف أمامها سدًا منيعًا الدعاة والمصلحون. ولم نفقه هذا الكلام جيدًا حينها حتى مع كثرة ترداد وعاظ الصحوة له في ذلك الوقت، إذ لم يكن من المتخيل أن يقوم مواطن سعودي بتنفيذ عملية انتحارية في الرياض أو الدمام أو جدة أو غيرها من مدن المملكة.
  3. ما قاله النهدي لم يُقصِّر رموز الصحوة في قوله وإيصاله واضحًا للناس، اسجنونا وستنفجر في وجوهكم فتنة التفجير والقتل والدمار. مضى هذا الكلام ولم نأخذه على محمل الجد كثيرًا على الرغم من بعض الحوادث الفردية التي لا يمكن حسبانها في سبيل العمل الجهادي «الإرهابي» داخل البلد، حتى جاءت السنة الكئيبة 1995، ففي نهار 13 نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام انفجرت سيارة مفخخة وسط الرياض خارج مبنى تابع لشركة فنييل الأميركية، نفذ هذا العمل الإرهابي الجبان أربعة سعوديين هم: رياض الهاجري، ومصلح الشمراني، وخالد السعيد، وعبد العزيز المعثم، الثلاثة الأوائل من خريجي الصحوة الذين انقلبوا إلى جهاديين يكفرون النَّاس بالظن والشبهة، ويرون حل الدماء المعصومة، أما الأخير فصحوي لفه أبو محمد المقدسي -التكفيري الأشهر في العقود الأربعة الأخيرة- تحت ردائه.
  4. قبل ذلك لم يعرف المجتمع السعودي الإرهاب إلا أحداثًا متفرقة تاريخيًا، لنقل تجاوزًا إنها بدأت مع الهالك جهيمان العتيبي وجماعته في عام 1979، ثم مجموعة أحداث متفرقة قام بها حزب الله الحجاز الشيعي، ولا يمكن اعتبار محاولة أحد الصحويين هو عبد الله الحضيف الانتقام من ضابط المباحث في الحادثة المشهورة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1994، إلا بداية شرارة أطلقت هذا المارد الذي زعم الصحويون ورموزهم أنهم يمسكون بزمامه، ويشار إلى أن حادثة التفجير تلك كانت ردة فعل على إقامة حد القصاص في الصحوي ذاته الذي نفذ هجومه على ضابط المباحث.

تفاصيل قرار الدولة إيقاف صحويين

  1. قامت الدولة بعد أخذ وجذب وطول نفس بإيقاف مجموعة من الرموز الصحوية، جُلُّها سرورية وقلة إخوانية، فانطفأت بذلك شرارة شر داخلية مكَّنت الحكومة من مواصلة السير بالمجتمع والدولة عبر حقول ألغام ذلك الزمان، وصولًا إلى الحدث الأهم في القرن الحادي والعشرين، أي حدث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، الذي ألقى بظلال ثقيلة على العمل الحركي الإسلاموي الذي بدأ قبل الحدث بزمن وجيز بعمل خطط بديلة ومحاولة خلق أدوار جديدة.
  2. صدور بيان من وزارة الداخلية، ومن أبرز ما جاء في هذا البيان -ملخصًا بتصرف-:
  • أن مجموع من جرى إيقافهم هم مائة وعشرة أشخاص.
  • سيتم النظر في إخلاء سبيل بعضهم حال استكمال التحقيقات الجارية معهم، مع ربط هذا الإخلاء بإحضار كفلاء لهم، والتعهد بعدم العودة إلى ما سبق وإن قاموا به أو شاركوا فيه.
  • من كان لهم دور رئيس بارز فيما حصل من أمور مخلة بأمن البلاد فسيتقرر النظر في أمرهم بعد انتهاء التحقيقات التي تجري معهم الآن، للكشف عن حقيقة ما كانوا يخططون له من إحداث الفوضى والخروج عن الجماعة، وهذا ما بدأوا بتنفيذه قبل أيام، دافعين معهم بأشخاص لهم التوجه والفكر المنحرف نفسه، وآخرين وقعوا تحت تأثيراتهم عن جهل وقلة علم.
  • وحماية للمجتمع من شرورهم، فقد جرى توقيف من تحرك منهم بقصد الفوضى، وفي مقدمة هؤلاء: سلمان بن فهد العودة، وسفر بن عبد الرحمن الحوالي، اللذين كانت لهما أعمال كثيرة مخالفة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم الملتزم للجماعة.
  • أشار البيان إلى: أن وكيل وزارة الداخلية أبلغ المذكورين قرارًا للوزارة يقضي بمنعهما من المحاضرات والندوات والخطب والدروس العامة والتسجيلات، والكف عن أي نشاط داخلي أو خارجي من هذا القبيل، دون أي التزام منهما.
  • وأضاف البيان: كل ذلك استدعى التدخل الفوري من قبل سلطات الأمن لإخماد نذر الفتنة وشرورها، التي بدأت تطل برأسها علانية، فجرى توقيف من أشير إليهم، لأنه لم ينفع معهم اللين والرفق، وكابروا وتمادوا…، وهو إجراء استلزمته مصلحة الأمة، ومن أجل حماية هذا المجتمع من أخطاء هؤلاء، ومن شرهم وشر أعمالهم.
  • وانتهى البيان إلى: أن وزارة الداخلية ستضرب وبكل قوة كل من يفكر في العبث بمقدرات البلاد، أو يريد الإخلال بأمنها.
  1. وفي أول تعليق له على بيان وزارة الداخلية السعودية، قال محمد سرور بن نايف زين العابدين: (إن بيان وزارة الداخلية كان بمثابة الإعلان عن معركة واسعة النطاق ومتعددة الجوانب ضد التيار الإسلامي، فهي من جهة كانت معركة السلطة بكل أجهزتها ابتداءً من الملك مرورًا بولي عهده، وليس كما أشاع البعض بأن وزير الداخلية هو الذي انفرد بهذا القرار).

تأثير المسعري والفقيه على الشباب الصحوي

  1. نشط المسعري والفقيه -وهكذا كنا نعرفهما بهذا الترتيب لأن المسعري كان الأعلى صوتًا وضجيجًا- في بث البيانات والنشرات الأسبوعية، التي يتداولها الشباب الصحوي على نطاق واسع.  
    المسعري والفقيه
  2. كان اهتمام الشباب الصحوي آنذاك بنشرات المسعري -كما كان يطلق عليها- أمرًا غير مرضٍ للجناح التربوي السروري، بل كان مقلقًا له بشكل كبير، وأشبه ما يكون بالأمر الوجودي، فهم على مجانفة وعدم موافقة منهجية مع مُصدِّري البيانات والمنشورات اللندنيين، لاختلاف التوجه، وكذلك على خلاف في الرأي مع الدعاة الموقوفين حول ما حدث، رغم أن الدكتور ناصر العمر أبرز قيادي تنظيمي سروري كان من ضمن هؤلاء الموقوفين.
    ناصر العمر و سلمان العودة

    وهذا يعطي صدقية أكبر إلى ما يدور بين أعضاء التنظيم الأكبر سنًا من معاصري البدايات من أن العمر قفز قسرًا إلى قيادة التنظيم بعد انسحاب الدكتور سالم الدخيل -رحمه الله- الذي وجد نفسًا تكفيريًا وثوريًا في التنظيم، لا يمكنه السكوت عنه أو الاستمرار فيه، ومن هنا وجد العمر نفسه الأحق بمكانة الدخيل، وهذا الذي لم يرضِ رفقاء العمل، لبعض الصفات الشخصية لدى الرجل والتي لا تناسب القيادة. ولحماية التنظيم من التفرق أو التشظي والانشقاقات، رضيت القيادات وفق اشتراطات معينة بأن يكون العمر رأس الهرم، مع تولي قيادات أخرى بعض المهام القيادية الأخرى، ومن هنا نعرف أن بعض القياديين الكبار الذي سَلِموا من الإيقاف كان لهم دور كبير في تماسك التنظيم بشكل كبير، وربما كانت لهم الكلمة الفصل في كثير من القضايا أكثر بكثير ممن يُظن أنه رأس الهرم، ولعل الاستطراد في هذه النقطة ليس هذا موضعه –وسيأتي مزيد بيان له في مقالات أخرى قادمة إن شاء الله- إلا أنه سيبيّن حقيقة ما حدث لاحقًا، ولماذا لم تنتهِ الصحوة أو تتلاشَ.

طالع الجزء الثالث: سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الثالث

ترويج ” بطولات” الصحويين داخل السجن

  1. كثرت الأحلام والرؤى، التي لم تنقطع طيلة خمس السنوات التالية لأول أيام الإيقاف، بل كانت تأتي بعض الرؤى من داخل السجن لبعض الموقوفين، كلها تشي بقرب الفرج، والنصر المؤزر، والعلو والرفعة بعد الضعف.
  2. كانت تأتي الأخبار من داخل السجن، ومن غرف التحقيق عن البطولات التي يحرزها الصحويون المرة بعد المرة، حتى إن تعليقات المحققين فيما بينهم تأتي إلينا كما لو كان الناقل معهم أثناء الحديث، فقد كانوا يقولون من ضمن ما يقولون نقلًا عن أحد المحققين: إن ذلك الشيخ -بدون ذكر اسم وكنا نعرف الإشارة متجهة لمن- حينما نطرح عليه السؤال يعطيك محاضرة لمدة ساعة ولا يتوقف، وآخر مصاب بجنون العظمة، لا يلقي بالًا للسؤال بل يظل يقرأ القرآن وكأن لا أحد أمامه، وينظر لكل محقق باحتقار شديد، مما يضطر المحقق من شدة الغضب إلى الخروج من غرفة التحقيق، طبعًا هذا ما كان يصلنا، لكن الحقيقة اتضحت خلاف ذلك تمامًا، كما سيأتي معنا في الأجزاء القادمة.

طالع الجزء الخامس: سلمان العودة والفكر اليباب – الجزء الخامس

ما بعد ترويج “بطولات” الصحويين

  1. مرت الصحوة السرورية، ببعض التخبط والضعف، وهذا ناتج من عوامل عدة، أهمها: التدقيق الأمني للمناشط، والخوف لدى العاملين الصحويين من الإيقاف، ظهور رموز صحوية لسد فراغ الرموز الموقوفة أقل بكثير منهم شعبيةً ووهجًا.
  2. برزت تدريجيًا مناشط صحوية جديدة لم تكن موجودة من قبل، وربما فتحت أعينهم عليها أزمة الخليج، مثل: الأعمال الخيرية، والأعمال التطوعية.
  3. تم قصر المحاضن التربوية المعروفة للصحويين مثل حلق تحفيظ القرآن الكريم، والمكتبات التابعة للجوامع والمساجد، على الغرض منها فقط، أي تلاوة وتحفيظ القرآن الكريم فحسب.
  4. تم تكوين جيوب أخرى متوارية للعمل التربوي، وهو ما عرف بالمجموعات الشبابية، فيكون الشاب المراهق، مع مسؤول في الحلقة، ومع آخر في المجموعة.
  5. استطاع التنظيم الصمود والتماسك بشكل جيد، مع الهزات المتوالية في السنوات الخمس لسجن الرموز الصحوية، وكانت أكبر الهزات التي تعرضت لها الصحوة، بعد أحداث صيف 1994، هي بوادر ظهور شباب التنوير الإسلامي -ولهذا حديث يطول- الذين خرجوا من إهاب الصحوة سروريها أو إخوانيها، أو حتى من الفضاء العام للتدين خارج التنظيمين.
  6. بعد فتح الزيارة للسجناء، قام سلمان العودة بمبادرة، تدل على كيف يفكر الرجل، وبأي طريقة يدير الأمور، إذ دخلت يومًا من الأيام على الشيخ حمود العقلاء الشعيبي –رحمه الله- وكنت أدَرسُ عنده في بعض المتون العلمية، وهذا في العام 1417 هجرية إن لم تخني الذاكرة، فلما أمسكت بيده -وكان كفيفًا- لنتجه للمكان المعتاد للدرس، قال لي: (كلا، دعنا نأخذ درسنا اليوم عند شجرة الشيخ سلمان -فك الله أسره-، فلما تسألت عن الخبر، قال: إنه أرسل لي سلامًا، ودعاءً، وغصن آراك -شجرة مسواك-)، علمت لاحقًا أنه أرسل عددًا من شتلات الآراك لعدد من المشايخ والدعاة.
  7. القاعدة استطاعت استمالة بعض الشباب الصحوي، وهذا أحدث عطبًا جديدًا في جسد الصحوة، وسيجد القاعديون الجدد بعد إطلاق سراح رموز الصحوة، أنهم أشد الأخطار على الجهاد، لتبدأ مسيرة درامية للعلاقة بين الطرفين.

 باحث مختص بعلوم الشريعة وأصول الدين، ومهتم بتاريخ الصحوة الإسلامية، وقضايا الإسلام السياسي، وكذلك قضايا التطرف والإرهاب. 

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة