الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
سلاح “حزب الله”.. معضلة في الحراك اللبناني
في مقابلة مع "كيوبوست" يتحدث رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض، عن خطورة السلاح والتلويح غير المباشر باستخدامه، وإشكالية المواءمة السياسية في الجرائم.

كيوبوست
مع تصاعد الاحتجاجات في الشارع اللبناني وإصرار المحتجين على إسقاط النظام وجميع رموزه، تظل إشكالية السلاح غير الشرعي الذي يمتلكه “حزب الله” مهددًا حقيقيًّا للحراك؛ خصوصًا أن الحراك قام بالأساس على السلطة السياسية التي يشارك فيها “حزب الله” و”حركة أمل”؛ بسبب استمرار سياسات الفساد.
في مقابلة مع “كيوبوست”، يتحدث رئيس حركة التغيير اللبنانية إيلي محفوض، عن معضلة سلاح “حزب الله” في الحراك اللبناني والمصلحة المشتركة في وأد الحراك بين الحزب و”حركة أمل” من ناحية، والتيار الوطني الحر من ناحية أخرى.
مصلحة مشتركة وأولويات مختلفة
يرجع محفوض الوحدة الراهنة بين “حزب الله” و”حركة أمل” و”التيار الوطني الحر” إلى وجود مصلحة مشتركة؛ لكن مع أولويات مختلفة، فالتظاهرات التي خرج جزء منها من داخل البيئة الشيعية شكَّلت تهديدًا حقيقيًّا لمصلحة “حزب الله” و”حركة أمل”؛ لأن آخر مكان كان يمكن أن يتوقعوا ثورة بداخله هو بيئتهم التي يعتبرونها تابعةً لهم ومن ثَمَّ يحتكرون القرار الشيعي من خلال الثنائية المعروفة للحركة والحزب، فضلًا عن أن هذه الثنائية تخشى المستقبل لو أُقصيت الطبقة السياسية الموجودة؛ لأن مَن سيأتي سيبحث في مسألة السلاح الموجود خارج إطار الشرعية، فضلًا عما يشوب هذا الملف من فساد مفضوح.

يلفت رئيس حركة التغيير اللبنانية إلى وجود تناقض عقائدي كلي بين “حركة أمل” و”حزب الله” تاريخيًّا؛ لكن اجتماعهما هدفه المصلحة المشتركة، متمثلةً في تمكين الشيعة من الحصول على أفضل المواقع داخل السلطة، فأصبحت الثنائية في السلطة؛ خصوصًا أنه أصبح من النادر وجود نائب شيعي في البرلمان مثلًا من خارج هذه الثنائية. أما الفريقان فهما متناقضان على سبيل المثال دينيًّا؛ فشرعًا “حزب الله” يتبع الولي الفقيه في إيران، و”حركة أمل” لا تؤمن بولاية الفقيه، وهي ضدها، والإمام موسى الصدر الذي غيب كان ضد ولاية الفقيه ولديه أطروحات مختلفة، فمرجعيته كانت أقرب إلى المرجعيات العراقية لا الإيرانية.
وأشار محفوض إلى أن دور “حزب الله” في لبنان سيتراجع إذا تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة ولم يعد لها (إيران) وجود خارج حدودها وتحدد نفوذها في العراق واليمن وسوريا؛ لا سيما أن “حزب الله” يحصل على الحصة الكبرى من التمويل المالي لإيران، ومن ثَمَّ تجد نفوذ الحزب يصل إلى خارج لبنان وتجده متورطًا في أعمال في سوريا وحتى في مصر، مؤكدًا أن الحزب لم يعد بنفس قوته السابقة؛ خصوصًا في ظل العقوبات الأمريكية، لكنه أصبح يواجه أعباء غير مسبوقة.
وأضاف رئيس حركة التغيير اللبنانية أن هذه الأولويات تختلف عن أولويات العماد ميشال عون، الذي يسعى لمحاولة معالجة الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي أصبح يلامس كل الطبقات؛ بما فيها الجماهير التي تؤيده، لكنه تفاجأ بحجم المظاهرات التي جاءت بأعداد لم يكن يتوقعها أحد؛ خصوصًا أن المواطنين تركوا أحزابهم وطوائفهم ونزلوا إلى الشارع، فمَن نزل إلى الشارع يعرف أنه لم يعد أمامه خيار آخر، لأنه تحمل كل ما يمكن أن يتحمله.
اقرأ أيضًا: لبنان يترقب نتائج التأجيلات.. ومحطات الوقود تبدأ الإضراب
وأكد محفوض أن المتابع للأحزاب والتيارات السياسية في العالم يجد أنها تتأثر دائمًا برحيل المؤسس، وهو ما حدث في “التيار الوطني” بعد رحيل العماد ميشال عون، عن رئاسته، وتسليمه رئاسة التيار إلى صهره جبران باسيل؛ خصوصًا أن التيار انحرف عن مساره وأهدافه التي تجمع حولها أعضاؤه، ومع خروجه من السلطة سيضعف بشكل أكبر، صحيح أنه لا يزال الأقوى على الساحة المسيحية؛ لكن مع الوقت سيفقد قوته أكثر لصالح القوات اللبنانية التي بدأت تأخذ موقعًا متميزًا في السنوات الأخيرة، نظرًا لاعتمادها على عقيدة راسخة لا تعتمد على أشخاص؛ وهو ما جعلها تصل إلى شريحة أكبر من اللبنانيين، خصوصًا لدى جيل الشباب بالجامعات.
إسقاط النظام عبارة غير منطقية
رئيس حركة التغيير اللبنانية أكد أن الهتاف بعبارتَي “إسقاط النظام” و”كلكن يعني كلكن”، يعتبر غير منطقي؛ لأن الوضع في لبنان مختلف عن باقي الدول العربية التي شهدت حراكًا ثوريًّا في السنوات الماضية، فطبيعة النظام في لبنان برلماني، والنظام في لبنان يعني الدستور؛ فالأدق أن نطلب إسقاط الرئيس أو إسقاط الحكومة أو حتى حل مجلس النواب، وفي الوقت نفسه هناك وزراء يُشهد لهم بالنزاهة؛ سواء أكانوا حاليين أم سابقين، ومن ثَمَّ ليس من المنطقي إبعادهم بعبارة “كلكن يعني كلكن”، فالأزمة الحقيقية في وجود سلطة سياسية مرتمية في أحضان “حزب الله” وجعلته هو مَن يقرر السلم والحرب للدولة.
يؤكد محفوض رفض أية مواجهة عسكرية تكون بالداخل؛ لأن “حزب الله” هو الذي يحتاج إليها في الوقت الحالي، وبالتالي لا يجب إعطاؤه ذريعة للدخول فيها؛ خصوصًا في ظل القيادة الحكيمة للجيش اللبناني والتعامل بحكمة مع المواقف المختلفة، مشيرًا إلى أن هناك تحولًا كبيرًا حدث يرتبط بخروج معارضين من مناطق شيعية بالكامل ضد “حزب الله” ونصب الخيم بها؛ مثل صور على سبيل المثال، فالمواطنون كسروا حاجز الخوف ونصبوا الخيام ضد الحزب وقياداته. بالدارج اللبناني يمكن القول إن المواطنين أرسلوا رسالة مفادها: “إنت معك سلاح بس أنا ما بقيت خايف منك”.

سلاح حزب الله
رئيس حركة التغيير اللبنانية يتحدث عن قوة سلاح “حزب الله” حتى من دون التهديد باستخدامه مباشرةً، قائلًا: “ليس من الضروري أن أجلس للتفاوض معك وأنا أحمل السلاح؛ لكن مجرد علمي أن معك سلاحًا في سيارتك وأنك تستقوي به في الحديث يجعلني أتحدث معك من منطق المهزوم، ويجعلك تتحدث من منطق القوي الذي يفرض شروطه، وهذا ما يفعله (حزب الله) في مناقشات مجلس الوزراء، ولدينا تاريخ سابق قام فيه الحزب باستخدام السلاح”، مشيرًا إلى أن غياب التكافؤ بين القوى السياسية وامتلاك الحزب السلاح يجعلان أعضاءه يتحدثون دائمًا من منطق القوة.
واستطرد محفوض: “إذا كان الهدف بالفعل تقوية الدولة اللبنانية والدفاع عنها، فإن الحزب عليه تسليم سلاحه إلى الجيش اللبناني، أو على الأقل إرجاعه إلى مصادره في إيران أو بيعه؛ لأن وجود سلاح في أيدي أعضاء الحزب يهدد أمن لبنان، فإذا كان أفراد الحزب عندما نزلوا بعصيان قاموا بتكسير واجهات محلات وسيارات بمواقع الاحتجاجات، فكيف إذا نزلوا بالسلاح إلى الشارع؟! وفي النهاية تتحمل الدولة اللبنانية تبعات تصرفاتهم بإصلاح ما يدمرونه وتتحمل نتائج العقوبات الأمريكية على الحزب، ولا أحد يحاسبهم على أخطائهم؛ فالحزب يرغب في انتزاع دور الجيش اللبناني، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق”.
اقرأ أيضًا: لبنان يدخل أزمة صرف خانقة مع اختفاء الدولار
ولفت رئيس حركة التغيير اللبنانية إلى أن هناك استحالة في الجلوس مع الحزب ومناقشته؛ لأنه عندما رفع شعار لا حياة سياسية في ظل وجود سلاح الحزب، بدأت عملية الاغتيالات التي طالت رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.. وغيره، إلى أن جَرَت عملية مساكنة بأن لا تندفع إلى المواجهة معه؛ فهو يرغب في أن يسحب القوة السياسية إلى الشارع، ولا أحد يرغب في هذه المواجهة، ومن ثَمَّ جرت مسألة تنسيق الاختلاف بين “حزب الله” وسعد الحريري، خلال الفترة الماضية.
يؤكد محفوض أن ثمة عوامل تحمي سلاح الحزب في الوقت الحالي؛ بداية من الهيمنة الإيرانية، مرورًا بالشرعية التي اكتسبها أعضاء بالحزب من خلال مجلس النواب ووجودهم في الحكومة، فضلًا عن التفاهمات التي جرت مع حلفاء آخرين؛ في مقدمتهم التيار الوطني الحر وبعض الحلفات الآخرين من دروز وشيعة وسُنة، بجانب سياسة الأمر الواقع التي يمارسها الحزب وأصبحت تشكِّل أهم ركن في توفير الحماية للحزب.
وتابع رئيس حركة التغيير اللبنانية بأن الصورة المأخوذة عن الحزب كمقاوم للاحتلال الإسرائيلي انتهت بشكل كامل؛ ليس فقط بسبب المفاوضات التي يجريها مع الإسرائيليين ولو بطريق غير مباشر، ولكن لتحوُّل أهدافه؛ فالحزب كان ينظر إليه قبل عام 2000 في العالم العربي كتيار يقاوم الاحتلال، ليس في لبنان فقط ولكن في البلاد العربية؛ لكن اليوم تحوَّل من فصيل مقاوم إلى فصيل مرتزق يقوم باستئجار الأشخاص لتنفيذ أعمال تخريبية بالوطن العربي، وهو ما ظهر في أكثر من دولة عربية.
سلاح القوى الأخرى
يقول إيلي محفوض: “كرجل قانون، لا يمكن أن أتهم أحدًا بأن لديه سلاحًا ما لم تظهر أدلة ومستندات على ذلك، فمَن يقول، على سبيل المثال، إن القوات اللبنانية أو أية جهة أخرى لديها سلاح، فما الدليل على حديثه؟ هل قاموا بعمل حواجز على سبيل المثال وظهر سلاحهم؟ هل قاموا بالمشاركة في اشتباكات مسلحة؟ لكن ما يحدث هو تبادل اتهامات مرسلة من (حزب الله) و(حركة أمل) ومؤيديهما تجاه باقي القوى السياسية التي تعارض سياستهما القائمة على تطبيق المشروع الإيراني بالمنطقة، فمَن حمل السلاح خلال فترة الحرب الأهلية ليس بالضرورة أن يكون لديه سلاح حتى اليوم؛ فهناك عمليات بيع لأسلحة وتخلٍّ جَرَت بالفعل بعد اتفاق الطائف وتسلَّم جزء منها الجيش اللبناني”.

أزمة القضاء
يصف رئيس حركة التغيير اللبنانية ما يتم من الاعتداء على الممتلكات بالجريمة التي يجب أن تكون هناك محاسبة قضائية لمَن يقومون بها، مع إحالتهم إلى التحقيق ومحاكمتهم باعتبارها جناية لا جنحة؛ لكن للأسف الوضع في لبنان مختلف، فالنظام كما يصفه هو نظام التسويات، فبمجرد الجلوس إلى طاولة الحوار يقوم كل طرف بتقديم أوراقه؛ ومن بينها عدم محاسبة مَن ارتكبوا جرائم مَن لديه، وهو أمر سبق أن تكرر في أكثر من واقعة، واليوم الكاميرات قادرة على تحديد هوية الجميع؛ لكن القانون شيء والواقع شيء آخر في لبنان.
ونوه محفوض بأن سرعة استصدار الأحكام القضائية أمر مرتبط بكل قاضٍ، ويختلف من شخص إلى آخر؛ فهناك مَن يستصدر القرارات بعد أسابيع ومَن يستصدرها بعد سنوات، إلا إذا كان هناك قرار سياسي بالإسراع في الفصل في القضية، مشددًا على ضرورة عودة المحاسبة والابتعاد عن سياسة التسويات في التعامل مع الأحداث.