الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجية
سفيرة الإمارات في ألمانيا: احتياطي الإمارات الهائل من النفط لن يدوم إلى الأبد
صحيفة "بيرلينر تسايتونغ" التقت سفيرة الإمارات العربية المتحدة في ألمانيا حفصة العلماء.. لمناقشة اقتصاد الدولة وأجندتها الطموحة

كيوبوست- ترجمات
تشهد الإمارات العربية المتحدة تغيراتٍ هائلة؛ فبرنامج المريخ والعلاقات الجديدة مع إسرائيل، والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، تسير بخطى سريعة. صحيفة “بيرلينر تسايتونغ” التقت سفيرة الإمارات العربية المتحدة في ألمانيا، سعادة حفصة العلماء؛ لمناقشة اقتصاد الدولة وأجندتها الطموحة.
- لا تزال البنوك وشركات الطيران، مثل “طيران الإمارات”، هي أكبر الشركات الإماراتية، كيف سيتطور الاقتصاد؟
– الإمارات العربية المتحدة دولة فتية، وهذا العام سنحتفل بالذكرى الخمسين لنشوء دولة الإمارات، بعد اتحاد إماراتها السبع. وكدولة فتية لدينا الكثير من الشباب الذين يطمحون لتقديم مساهماتٍ إيجابية لمنطقتنا. والعديد من شركاتنا تسعى لأن تصبح من الشركات العالمية الرائدة. لقد ذكرت “طيران الإمارات”، هنالك أيضاً شركة “موانئ دبي العالمية”؛ وهي إحدى كبرى الشركات المشغلة للموانئ في العالم. تاريخياً، كانت الإمارات على الدوام مركزاً تجارياً، وكان ذلك على صعيد المنطقة في البداية، والآن أصبح على صعيد العالم.
- ما الدور الذي تلعبه الشركات الألمانية في كل هذا؟
– حالياً، هنالك ما يزيد على ألف شركة ألمانية عاملة في البلاد، وأكثر من 15.000 ألماني يقيمون في الإمارات، وهم يعملون فيها، ويبنون حياتهم. لدينا ثلاث مدارس ألمانية، من الصف الأول الابتدائي إلى الثانوية العامة، وبالطبع هنالك معهد غوته. والشركات الألمانية تلعب دوراً مهماً في دفع الابتكارات والتجارة.
اقرأ أيضاً: الإمارات العربية المتحدة تستعد للاحتفال بعيد ميلادها الخمسين
- في أي المجالات ترين فرصاً متميزة للابتكار في المستقبل؟
– لنتحدث عن الصناعات الفضائية، في الولايات المتحدة وأوروبا لا تعد هذه الصناعة جديدة؛ فهذه الدول تطلق أقماراً صناعية منذ وقتٍ ليس بالقليل، ولكن في العالم العربي فالأمر جديد كلياً. منذ بضعة أشهر أرسلنا مسباراً إلى المريخ ووصل إلى مداره المحدد، والإمارات العربية المتحدة الآن واحدة من خمس دول وصلت إلى المريخ، والأولى في العالم العربي، ومعظم المهندسين الذين عملوا على المشروع هم من الشباب، وترأست المشروع السيدة سارة الأميري، وزيرة الدولة للتكنولوجيا المتقدمة، ورئيسة مجلس علماء الإمارات، وهي أيضاً امرأة من جيل الشباب.

- بالحديث عن البرنامج الفضائي، ما الأهداف التي تسعون إليها من ورائه؟
– نحن على قناعةٍ بأن الفضاء سيلعب دوراً مهماً في المستقبل على الصعيدَين العلمي والاقتصادي؛ وهنالك الكثير من الفرص الناشئة عن خصخصة الفضاء، وكلما زادت المنافسة أصبحت الحلول أفضل وأقل كلفة. ونحن نشعر أن هنالك فرصاً في هذا المجال، ربما يحمل هذا المجال بعض المخاطرة؛ ولكنْ هنالك فراغ ونحن نتقدم لملئه. عندما أنشأنا ميناء جبل علي العميق في أواخر السبعينيات قال لنا الجميع “إنكم مجانين” وضحكوا علينا، والآن أصبح واحداً من أهم الموانئ العالمية، وقد اكتسبنا الخبرة والمعرفة لإدارة الموانئ وتشغيلها في مختلف أنحاء العالم. إذا لم تفعل شيئاً فإنك ستبقى في الماضي؛ الوقت لا يرحم، وعليك أن تستغله.
- إذن فالاستثمارات الأولية يجب أن تتحول إلى معرفة وخبرة؟
– هذا صحيح؛ فـ”طيران الإمارات” على سبيل المثال تأسست عام 1980، وفي ذلك الوقت قُمنا باستئجار طائرتَين من باكستان؛ لأننا كنا بحاجة إلى نقل الناس إلى دبي. واليوم أصبحت “طيران الإمارات” في طليعة كبرى شركات الطيران العالمية. عليك أن تبدأ من مكان ما وأن تثابر وتستمر، وهذ الأمر ينطبق على صناعة الفضاء.
اقرأ أيضاً: مؤشر القوة الناعمة 2021: تقدم عربي وتراجع أمريكي.. والإمارات ضمن العشرين الأوائل
- ماذا عن الطاقة المتجددة؟
– هنالك تقدم كبير في هذا المجال أيضاً. يرى كثيرون أن في الأمر تناقضاً؛ لأن الإمارات العربية المتحدة هي بلد مصدر للنفط والغاز، ويعتمد على ذلك إلى حد كبير، ولكن هذا ليس صحيحاً بالمجمل؛ فصناعة النفط والغاز حالياً تسهم في 30% من إجمالي الناتج المحلي فقط، بينما تكون هذه النسبة أعلى بكثير في العديد من الدول المجاورة لنا. ونحن نخطط للخروج التدريجي من مرحلة الاعتماد على النفط، ونرغب في أن نحتفل باليوم الأخير الذي ننتج فيه النفط، لا أن نحزن. تزداد أهمية الهيدروجين والطاقة الشمسية بشكلٍ كبير، وقد قُمنا ببناء اثنتين من كبرى محطات الطاقة الشمسية في العالم. ونرى إمكانات كبيرة في تطوير الهيدروجين الأخضر؛ خصوصاً بالتعاون مع ألمانيا.

- في الوقت نفسه، لا يزال النفط والغاز يشكلان مصدراً مهماً للعائدات المالية..
– يتساءل كثيرون لماذا نفعل كل ذلك، إن مواردنا الطبيعية لا تزال ضخمة للغاية؛ ولكننا نرى أننا نتحمل مسؤولية تجاه العالم أيضاً.
اقرأ أيضاً: ثقة في الاقتصاد الإماراتي.. سندات أبوظبي تسجل طلبات أضعاف المعروض منها
- لنتحدث قليلاً عن الشباب في الإمارات العربية المتحدة. عندما نتحدث مع الشباب العرب، يتشكل لدينا الانطباع بأنهم يحملون طموحاتٍ كبيرة للمستقبل، وفي الوقت نفسه نلاحظ أنهم يعانون صعوبات كبيرة في الاندماج في سوق العمل. كيف يمكن فعل ذلك بصورة أفضل في المستقبل؟
– في الواقع هذا الأمر يشكل تحدياً؛ لقد أجرينا دراساتٍ مستقلة، وسألنا الشباب العرب عن الدول التي يتمنون العيش والعمل فيها، وكان الجواب دائماً أنها الإمارات العربية المتحدة. ونحن قد أعددنا سياساتنا لهذا الأمر؛ لدينا وزارة متخصصة في تلبية احتياجات جيل الشباب. ونحن نشهد الكثير من الشباب الذين يصنعون مستقبلهم بأيديهم ويؤسسون أعمالهم الخاصة.

- ما دور المرأة في هذا السياق؟
– استمر دور المرأة بالتطور منذ تأسيس الدولة، والفضل في ذلك لقادة البلاد. من المهم جداً أن يكون لديك قادة حكماء يتطلعون إلى المستقبل؛ خصوصاً في منطقتنا من العالم، والأمر يبدأ من مواردنا. قال مؤسس دولتنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله: “مقابل كل دولار ننفقه أريد أن ندخر دولاراً للمستقبل”. واليوم أصبحت هيئة أبوظبي للاستثمار، إلى جانب صندوق التقاعد النرويجي، أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم. يجب ألا ننسى ماضينا؛ لقد كنا بلداً فقيراً، وحتى الستينيات لم يكن لدينا ما يكفي من الماء والكهرباء.
اقرأ أيضاً: كسر الصورة النمطية.. 11 صورة لصقارات إماراتيات
- ما علاقة ذلك بدور المرأة؟
– بدأت قضية تعليم النساء في تلك المرحلة. أنا أتذكر الوقت الذي لم نكن نمتلك فيه ما يكفي من المدارس لجميع الأولاد، وأصبح تعليم الأولاد مهمة وطنية. ويجب أن تحصل الإناث على التعليم نفسه الذي يحصل عليه الذكور. واليوم، أصبحت نسبة الخريجات في جامعاتنا تزيد على 60%.

- هل تنعكس هذه النسبة المرتفعة من الخريجات في سوق العمل؟
– يشكل الوافدون من مختلف دول العالم نحو 85% من سكان الإمارات، ولذلك فإن نسبة الرجال مرتفعة في اليد العاملة؛ ولكن إذا نظرنا إلى مواطني الإمارات العربية المتحدة فحسب، فإن النسبة ستكون مناصفة بين الجنسَين. والمثير للاهتمام هنا هو أن الحكومة أكثر تقدمية من كثيرٍ من العائلات، وهي ملتزمة بزيادة مشاركة النساء. وقد أصدرت قانوناً يفرض وجود امرأة واحدة على الأقل في مجلس إدارة كل شركة. وتشغل النساء نصف مقاعد المجلس الوطني الاتحادي، وقد تدخلت الحكومة هنا أيضاً؛ لأنه دون هذا التدخل كان الوصول إلى المساواة بين الجنسَين سيستغرق مئة عام.
- لقد تحدثتِ عن العمال الأجانب. ينتقد العديد من المراقبين ظروف العمل التي يعانيها العمال العاديون؛ لا سيما الآسيويين، وتتكرر الانتقادات حول ممارسات بعض أرباب العمل بحجز جوازات سفر موظفيهم على الرغم من أن القانون في الإمارات العربية المتحدة أصبح يحظر ذلك الآن..
– هذه قصص من الماضي؛ فهنالك قانون العمل، وهنالك قانون العمل الدولي الذي يفترض أن يحمي العمال من الاستغلال. وهذه أيضاً هي مسألة تعلم بالنسبة إلينا كدولة فتية. تقع بعض الأخطاء أحياناً؛ ولكن الأمر المهم هو أن نتعلم من هذه الأخطاء. والآن أصبح لدينا قوانين تحمي الناس من التمييز الديني أو العرقي؛ فأنا لمجرد كوني مواطنة إماراتية لا يمكنني أن أمارس التمييز ضد الآخرين، وإلا فسينتهي بي الأمر أمام المحكمة. ونحن بحاجة إلى هذه القوانين؛ لأنها شرط أساسي لازدهار بلدنا، ولذلك تأتي الكثير من الشركات الدولية إلى الإمارات للقيام بأعمالها التجارية.
اقرأ أيضاً: اليوم الوطني 49.. رؤية الشيخ زايد لا تزال حية وفعالة
- الاستثمارات الأجنبية موضوع مثير للاهتمام. ما الذي تسعون إليه بالضبط؟
– نحن نبحث عن شركاء يرغبون في الاستثمار معنا في الإمارات العربية المتحدة، وقد وضعنا برنامجاً لزيادة الإنتاج الصناعي إلى 300 مليار درهم (نحو 67 مليار يورو) ونطالب بدعم شامل. كما تحظى الزراعة المتطورة باهتمام خاص عندنا، فأثناء الجائحة أدركنا مدى اعتمادنا على الاستيراد، ونحن الآن نبحث عن حلول لإنتاج غذائنا محلياً، ونحن بحاجة إلى ابتكارات في هذا المجال؛ وبالطبع تلعب المياه دوراً مهماً في هذا الأمر.

- على هذه الخلفية، يبدو أن إسرائيل تلعب دوراً مهماً، فهي تمتلك خبرات واسعة في مجال المياه والتقنيات الزراعية. كيف ترين العلاقة بين البلدين؟
– إنها جيدة جداً، واتفاق تطبيع العلاقات لم يمض عليه أكثر من ستة أشهر، ونحن والإسرائيليون نطلق عليه تسمية “السلام الدافئ”. كان الجميع يقولون إن اتفاقيات السلام يمكن أن تحصل لأسباب جيوسياسة وأمنية فقط؛ ولكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، إنه يتعلق بالمستقبل، فبدلاً من تأجيج دوامة الفوضى وعدم الاستقرار والعنف في منطقتنا، جلست دولتان معاً وقالتا “دعونا نغير هذا الواقع نحو الأفضل”. لقد وقعنا اتفاقية تعاون مع معهد فايتسمان (معهد البحث العلمي في إسرائيل- المحرر)؛ بهدف إجراء أبحاث مشتركة في مجال الذكاء الاصطناعي. وهنالك تعاون قائم في قطاع الزراعة. وازدهرت الساحة بالفعل بين البلدَين؛ ليس هنالك من حدود للفرص المستقبلية.
اقرأ أيضاً: كيف يغير اتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي خارطة التحالفات في المنطقة؟
- تم مؤخراً الإعلان عن شراء شركة إماراتية حكومية لأسهم في أحد حقول الغاز الإسرائيلية، وهذا لم يكن وارداً على الإطلاق قبل بضعة أشهر..
– صحيح، حتى ميناء حيفا سيتم تشغيله من قِبل شركة موانئ دبي العالمية في المستقبل. وإذا فكرت في الأمر أكثر يمكنني أن أتصور أنه سيكون هنالك المزيد من التعاون؛ خصوصاً في مجال الهيدروجين الأخضر. وربما يكون هنالك تعاون ثلاثي مع ألمانيا كشريك في هذا المجال.
- لقد تغيرت صورة الإمارات العربية المتحدة كثيراً؛ فقد أثارت شركة موانئ دبي العالمية جدلاً كبيراً عام 2006 عندما أرادت أن تشغل بعض الموانئ في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حتى إن الرئيس جورج دبليو بوش، قد تدخل شخصياً في الأمر..
– والآن نحن بصدد استلام طائرات “35-F” من الولايات المتحدة! بالنسبة إلينا من المهم جداً بناء الثقة، وهذا ما نفعله في علاقاتنا مع إسرائيل؛ فإسرائيل ستشارك بجناحها الخاص في معرض إكسبو العالمي في الإمارات العربية المتحدة. وسوف ينفتح العالم بأسره للمرة الأولى منذ فرض قيود “كورونا”. ولن تشارك ألمانيا بجناحٍ واحد؛ بل بجناحَين، الأول مخصص لألمانيا، والثاني لمقاطعة بادن فورتيمبيرغ.

- كيف أثرت أزمة جائحة كورونا على السياحة؟
– السنة الماضية لم تكن سهلة قط. واليوم لا نزال نرتدي الكمامة في الكثير من الأماكن؛ ولكننا عدنا للانفتاح مجدداً. لدينا واحد من أعلى معدلات التطعيم في العالم؛ المطاعم والمتاجر مفتوحة، وكثيراً ما يخبرني أقربائي بأنهم يخرجون لتناول الطعام معاً مرة أخرى. ومع ذلك، فالقواعد والتدابير الوقائية لا تزال قائمة. يجب على العالم أن يمضي قدماً بمجرد اتخاذ تدابير السلامة. لا يمكنك إيقافه إلى الأبد.
- هل ستتغير طبيعة السياحة أيضاً مع تزايد أهمية مسألة الاستدامة عند الكثير من السياح؟
– لدينا بالفعل برامج سياحة مستدامة؛ ولكننا بحاجة إلى فعل المزيد. فنحن نستهلك أكثر مما ينبغي -وكذلك هي الحال على مستوى العالم- ويجب بحث هذه القضية على المستوى العالمي. ولا يمكن لدولة بمفردها أن تأخذ الأمر على عاتقها؛ فنحن جميعاً نتحمل المسؤولية، وهنا يأتي دور الشباب؛ مثل الناشطة المناخية غريتا ثونبيرغ، على سبيل المثال.
حفصة عبدالله العلماء: سفيرة الإمارات العربية المتحدة في ألمانيا منذ يونيو 2020، وشغلت في وقتٍ سابق منصب سفيرة بلادها في البرازيل، والجبل الأسود (مونتي نيغرو). تحمل درجة الماجستير في تحليل وتصميم وإدارة نظم المعلومات من كلية لندن للاقتصاد.
أجرى اللقاء: ماكسيميليان بوث
المصدر: بيرلينر تسايتونغ