الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
سد النهضة.. عودة السجال وتصاعد لغة الحوار مجدداً
تعود مصر والسودان وإثيوبيا إلى طاولة المفاوضات برعاية إفريقية بعد تحذير السيسي من عواقب عدم الاستقرار غير المحتمل في المنطقة نتيجة استكمال السد دون توافق ثلاثي

كيوبوست
بعد توقف دام شهوراً، تستأنف مصر والسودان وإثيوبيا المفاوضات الخاصة بسد النهضة عشية الذكرى العاشرة لوضع حجر أساس السد الذي ترى فيه القاهرة والخرطوم تهديداً مباشراً لأمنهما القومي، في وقتٍ يجتمع فيه وزراء خارجية الدول الثلاث في العاصمة الكونغولية كينشاسا، التي تترأس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، وذلك بعد أيام من تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تعهد فيها بالدفاع عن حصة مصر في مياه النيل.
عودة المفاوضات

إذا لم تكن مخرجات اللقاءات الجديدة بتوافق على اللجوء إلى الرباعية الدولية، فإنها ستكون مؤشراً سلبياً وليس إيجابياً، حسب الباحثة في الشأن الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أماني الطويل، التي تؤكد، لـ”كيوبوست”، أن جميع المؤشرات تشير إلى عدم قدرة الوساطة الإفريقية على ممارسة ضغوط تؤدي إلى إقرار اتفاق بين الدول الثلاث؛ وهو ما سيتوافر في الرباعية الدولية التي دعت السودان إليها، ووافقت عليها مصر.
يمثل نهر النيل أهمية سياسية وثقافية واجتماعية بالنسبة إلى البلدان الثلاثة، حسب الباحث بالمركز الدولي لدراسات المياه بدلفت، في هولندا، د.إيمانويل فانتيني، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن التفاوض لا يجري فقط على تقاسم المياه أو تشغيل السد؛ ولكن الأمر مرتبط بالهوية الوطنية والمشروعات السياسية في البلدان الثلاثة، الأمر الذي يصعب من الوصول إلى إيجاد أرضية مشتركة بشأن النقاط الفنية؛ بينما يعتبر الجزء الأصعب هو التوفيق بين الأجندات السياسية المختلفة لحكومات الدول الثلاث.
المفاوضات الناجحة تعتمد على الأخذ والرد بين أطرافها، حسب الأستاذ الزائر بكلية باتيل للاستدامة العالمية في جامعة ساوث فلوريدا، د.تيروسو آسيفا، الذي يشير، في تعليقٍ لـ”كيوبوست”، إلى أهمية فصل المفاوضات الخاصة بملء السد عن المرتبطة بتشغيله على المدى الطويل؛ بحيث يكون التفاوض على كل نقطة بشكل منفصل، مؤكداً أن الوصول إلى اتفاق خاص بالملء الخاص بالسد سيمنحهم وقتاً لبناء الثقة وتوفير ثقة متبادلة؛ بما يسمح بالتوقيع مستقبلاً على اتفاقية لتقاسم المياه تكون عادلة ومنصفة لجميع الأطراف.
اقرأ أيضًا: القصة الكاملة لسد النهضة: هل تسيطر إثيوبيا على نهر النيل؟

تباشر إثيوبيا تنفيذ السد استناداً إلى حق كل دولة في استغلالها مواردها الطبيعية بموجب القانون الدولي، حسب الباحث بمركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية الدكتور ناصر السر ناصر، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن أديس أبابا تدفع دائماً بعدم التزامها بالاتفاقيات القديمة الموقعة بين مصر والسودان لتقاسم المياه، باعتبار أنها لم تكن طرفاً فيها، وبالتالي ليس عليها الالتزام بها، بينما تدفع القاهرة والخرطوم بأن استغلال الموارد الطبيعية للبلدان يجب أن يكون بشكل عادل ومنصف، ولا يسبب إضراراً بالدول الأخرى أو انتفاعها من هذه الموارد.
ترقب وتغير
وتعهدت الرئيسة الإثيوبية سهلورق زودي، بالبدء في توليد الكهرباء من السد بعد 12 شهراً من الآن، في إشارة إلى تنفيذ الملء الثاني الذي سيحجب 13.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، لتكون داخل بحيرة السد الصيف المقبل، في وقتٍ أكد فيه الرئيس المصري أن عدم الاستقرار في المنطقة الذي سينتج إذا تم المساس بحصة مصر في مياه النيل، لن يتحمله أحد، بينما جرَت تدريبات عسكرية جوية بين مصر والسودان خلال الأيام الماضية.

تقول أماني الطويل إن تنفيذ الملء الثاني من دون استعداد السودان ومصر سيؤدي إلى التأثير سلباً على حياة الملايين، فضلاً عن القلاقل الاجتماعية التي ستحدث في البلدَين نتيجة نقص المياه؛ وهو ما يتفهمه السياسيون جيداً وسيكون هناك استعداد للتعامل معه.

ثمة أمور سياسية وفنية عالقة، حسب الباحثة الإماراتية في الشأن الإفريقي د.أمينة العريمي، التي أكدت لـ”كيوبوست”، في وقتٍ سابق، أن السودان ليس لديه مانع في الملء الثاني لسد النهضة؛ ولكن الخلاف يكمن في التوقيت، ففي الوقت الذي ترغب فيه إثيوبيا في ملء السد بين شهرَي يونيو وأغسطس، ترى السودان أن الأفضل هو شهر سبتمبر؛ حتى لا يتأثر قطاع الكهرباء السوداني بسبب انخفاض منسوب المياه، مشيرة إلى أن ذلك لا يعني أن القلق السوداني مختلف عن القلق المصري؛ فالقاهرة والخرطوم ترغبان في اتفاق قانوني توقع عليه أديس أبابا يتطرق إلى ضوابط تشغيل السد في سنوات الجفاف.
الموقف السوداني تغير، حسب الباحث بمركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية الدكتور ناصر السر، الذي يؤكد أنه خلال فترة حكم البشير كانت الخرطوم تلعب دور الوسيط؛ لكن الآن أصبح هناك تغير مع إدراك المخاطر الكبيرة التي يمكن أن يتعرض لها السودان؛ سواء بالجفاف في أوقات الصيف أو الفيضان الجارف مع وجود احتماليات بانهيار السد أو ضخ كميات كبيرة منه.
للسد تأثيرات إيجابية على مصر والسودان، حسب الأستاذ الزائر بكلية باتيل للاستدامة العالمية في جامعة ساوث فلوريدا، د.تيروسو آسيفا، الذي يرى، في تعليقٍ لـ”كيوبوست”، أن هناك فرصة كبيرة للتعاون بين البلدان الثلاثة من أجل الاستغلال الأمثل للسد، مؤكداً أن العقبة الحقيقية في هذا الأمر هي استخدام السد كأداة لتقاسم المياه في الوقت الذي لا ينبغي فيه هذا الأمر؛ لا سيما في ظل الموقف المصري والسوداني بتحميل إثيوبيا وحدها تداعيات الجفاف المستقبلي، وهو أمر غير منصف؛ حيث يجب أن تتشارك فيه البلدان الثلاثة.

يقول د.تيروسو آسيفا: إن السودان سيتأثر إيجاباً مع تنظيم ضخ كميات المياه، بما سيؤدي إلى ارتفاع إنتاج الكهرباء والإنتاج الزراعي والحماية من الفيضانات؛ الأمر الذي سيكون له تأثير إيجابي اقتصادياً متمثلاً في زيادة الناتج المحلي السوداني خلال العقود الأربعة المقبلة، أما بالنسبة إلى مصر فإن السد يوفر مكاناً لتخزين المياه؛ بحيث يمكن استخدامها في أوقات الجفاف وبدرجات حرارة مناسبة للتخزين على المرتفعات الإثيوبية؛ وهو رأي علمي يؤيده علماء من مصر والسودان، لافتاً إلى أن السد سيولد طاقة تخدم أكثر من 65 مليون شخص يعيشون بلا كهرباء.

يشير الدكتور الباحث بالمركز الدولي لدراسات المياه بدلفت، إيمانويل فانتيني، إلى الدور الذي لعبه التناول الإعلامي لمسألة السد؛ فمراجعة وسائل الإعلام العالمية والمحلية في هذا السياق تشير إلى أن غالبية ما جرى التطرق إليه وقع في فخ البحث عن المصلحة الوطنية؛ وهو ما ارتبط بنقص التحليل الإعلامي لجميع جوانب المشروع عبر النظر في كيفية توزيع المياه والموارد ذات الصلة، مثل الطاقة أو استغلال الأراضي في كل بلد.
وأضاف فانتيني أن هناك تساؤلات رئيسية إذا بحثت عن إجابات علمية لها لن تجدها في الإعلام؛ منها طريقة توزيع المياه في مصر، والإنتاجية التي تقدمها الأراضي الزراعية فيها، وكذلك السودان، بالإضافة إلى توزيع الطاقة في إثيوبيا وما سيولده السد وفائدته، وبدلاً من توفير الإجابات عن هذه التساؤلات تلقي الحكومات باللوم على الآخرين وتحملهم مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق.