الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

سبعون عامًا على حقوق الإنسان: انتصارات هامة وإخفاقات كبرى

انتهاكات حقوق الإنسان تتوسع حول العالم!

ترجمة كيو بوست عن مجلة “ذي كونفرزيشن” الأسترالية

بقلم أستاذ العلوم السياسية في جامعة بريتوريا البحثية، هينينغ ميبلر.

تشير المنظمات الحقوقية الرائدة في العالم إلى أن حقوق الإنسان في تدهور مستمر في مختلف بقاع الأرض، وهذا ما سلطت عليه الضوء مؤخرًا منظمة العفو الدولية، ومنظمة سيفيكس، وكذلك نشطاء حقوق الإنسان، وحركات العدالة الاجتماعية الدولية. كما أقرت هذه الجهات بحدوث تقلص متزايد في مساحة المجتمعات المدنية برغم وجود قوانين رسمية مدونة من المفترض أن تعمل على حمايتها.

اقرأ أيضًا: بالشواهد والأرقام: إيران بلا حقوق إنسان

قبل سبعين سنة، اعتمد أعضاء منظمة الأمم المتحدة –البالغ عددهم 58 عضوًا آنذاك– أول إطارين أساسيين في الجمعية العامة في باريس: اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في 9 ديسمبر/كانون الأول 1948، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/كانون الأول. في الوقت الحاضر، يجري الاعتراف بهذا الإنجاز فيما يعرف بـ”يوم حقوق الإنسان”، بينما تحتفل بعض الدول بهذا اليوم في إطار عطلة رسمية، لا سيما في نامبيا وكمبيوديا وجنوب إفريقيا.

جرى انتقاد “الإعلان العالمي” في كثير من الأحيان باعتباره “محاولة لنشر القيم الغربية بغرض الحفاظ على الهيمنة العالمية”، علمًا بأن صياغته جرت من قبل “الثمانية الكبار” ممثلين بأستراليا وشيلي والصين وفرنسا ولبنان والاتحاد السوفييتي وبريطانيا والولايات المتحدة. كلمات ذلك “الإعلان” تبدأ بالقول “يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة وحقوق الإنسان”. وبرغم الانتقادات، يمكنني الجزم في كتابي القادم أن الإعلان العالمي، وبالاشتراك مع ميثاق الأمم المتحدة، خدم كبوصلة لإنهاء الاستعمار خلال الخمسينيات. علاوة على ذلك، وبحسب دراسة تاريخية مفصلة وموثقة من قبل رونالد بروك، أدارت الحركات المناهضة للاستعمار في الماضي ظهرها لحقوق الإنسان ذاتها التي استخدمتها لتعبئة الجماهير ولكسب اعتراف بشرعيتها.

 

أين هو العالم بعد 70 عامًا؟

قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة، داغ همرشولد، ذات مرة: “لم يتم إنشاء الأمم المتحدة لجلبنا إلى الجنة، بل لإنقاذنا من الجحيم”.

ولكن للأسف، الكثير من الناس على الأرض ظلوا قريبين من الجحيم، لكن أعدادهم ستكون أكبر لولا وجود أطر الأمم المتحدة. صحيح أن العديد من مبادئ حقوق الإنسان التي جرى تبنيها خلال السنوات السبعين الماضية لم تحقق الثمار المرغوبة، لكنها بالتأكيد لم تخلق عبثًا.

اقرأ أيضًا: تفاصيل وأرقام صادمة أوردها تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تركيا

 

إخفاقات رئيسة

جرى توثيق الإبادات الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ببراعة كجزء من القانون الدولي في أعقاب محاكمات نورمبرغ، من قبل المؤرخ المؤلف فيليب ساندز. لكن الملاحقات القضائية الممأسسة لم تحصل سوى بعد اعتماد ميثاق روما الأساسي عام 1998، وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 2002. ومع ذلك، ظلت معظم جرائم الحرب خارج اختصاص المحكمة؛ لأن القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، فضلًا عن مجموعة من الدول الأخرى، رفضت المصادقة عليها.

كما أن المحكمة ذاتها عانت من انتكاسات كذلك؛ فقد انسحبت عدد من الدول الإفريقية منها، بعد أن شعرت بأن “القارة مستهدفة بشكل انتقائي”. وبالإضافة إلى ذلك، ترافقت العديد من مجالات التقدم بانتكاسات حاسمة أخرى. يرجع السبب في ذلك إلى حقيقة أن قضايا حقوق الإنسان في نظام الحكم العالمي غالبًا ما تكون ضحية لدوافع إستراتيجية انتهازية.

 

تطبيق انتقائي

تنعكس التناقضات في مجال تطبيق حقوق الإنسان على أنماط التصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. لدى هذا المجلس، الذي أنشأ عام 2006، 47 عضوًا يمثلون مناطق العالم بشكل نسبي. يجري انتخاب أعضاء المجلس لمدة 3 سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. في الواقع، هنالك العديد من الدول لديها مشاكل مع هذا المجلس، منها الولايات المتحدة؛ فبعد أن انضم أوباما عام 2009 إليه، انسحب منه دونالد ترامب في منتصف عام 2018. من بين أعضاء المجلس كذلك: الصين، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكاميرون، وإرتيريا، والفلبين.

اقرأ أيضًا: منظمة العفو: ترامب يمثل تهديدًا لحقوق الإنسان

تمارس بعض الحكومات في هذا المجلس “اقتراعًا كتليًا” ضمن تحالف جماعي في قضايا معينة، مثل مسألة حقوق المثليين. في منتصف عام 2016، صوتت البلدان الإسلامية والإفريقية ضد قرار، أو امتنعت عن تأييده، بشأن الحماية ضد العنف أو التمييز على أساس التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية. لكن هذا لم يمنع تبني الاعتراف والالتزام بحماية هكذا أقليات. هنالك نجاحات أخرى كذلك، شملت التحقيقات التي جرت نيابة عن مجلس حقوق الإنسان، ووثقت العنف الذي ارتكبه جيش ميانمار ضد الروهينغا. ولكن برغم تلك النجاحات المتقطعة، فإن الفشل في الالتزام بالمعايير المدونة لا يزال يميز سجل مسار الحكم العالمي. وفي كثير من الأحيان، يجري غض البصر عن انتهاكات لحقوق الإنسان، حتى دون إدانتها بأي شكل من الأشكال.

 

الكفاح متواصل

تتمثل المشكلة الرئيسة في طبيعة نظام الحكم العالمي، الذي تسيطر فيه الدول صاحبة النفوذ على صنع القرار في مجلس الأمن الدولي، مستفيدة من حق النقض (الفيتو)، الذي يمنحها وسيلة لوضع مصالحها فوق مصالح البشر، ويجعل من هيكلة نظام حقوق الإنسان العالمي أساسًا غير متوازن.

ونتيجة ذلك، تقوم بعض الدول بتطبيق الاتفاقات بشكل انتقائي وفقًا لمصالحها السياسية والاقتصادية. وبالفعل، هنالك معايير مزدوجة من قبل الحكومات التي لا تسمع ولا ترى إلا ما يناسب مصالحها الجيوإستراتيجية. وبرغم الإخفاقات، بقيت أطر الأمم المتحدة نقاطًا مرجعية لقياس مدى نفاق تلك الدول.

اقرأ أيضًا: كيف أعاد “داعش” العبودية؟

 

الخلاصة

برغم جميع أوجه القصور والعيوب المذكورة، لن يكون العالم مكانًا أفضل بدون الأمم المتحدة ومعاييرها للحكم الرشيد (برغم عدم تطبيقها من جميع الحكومات). قد لا يكون “يوم حقوق الإنسان” سبب للاحتفالات، لكنه سيبقى بمثابة تذكير مفيد بأن هنالك كفاحًا حاسمًا من أجل الاعتراف بكرامة الإنسان ورفاهيته.

 

المصدر: مجلة “ذي كونفرزيشن” الأسترالية

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة