الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربيةمشاريع الخمسينمقالات
سبعة نجاحات لسبع إمارات
نجاحات غير ملموسة، ولكنها في غاية الأهمية للإمارات العربية المتحدة في الخمسين سنة الأولى من عمرها

كيوبوست
د.دينيس ساموت♦
بينما تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بالذكرى الخمسين لتأسيسها، يعدد كثيرون نجاحاتها العديدة البارزة، من البعثة إلى المريخ إلى معجزة تحويل دبي إلى عاصمةٍ عالمية، يعبِّر عنها معرض إكسبو 2020 الذي يقام الآن على أرضها.
ولكن هنالك بعض النجاحات التي يصعب تحديدها وقياسها، ولكنها لا تقل أهمية عن غيرها، وفهم نجاحات الماضي سوف يساعد البلاد على تحديد نجاحاتها المستقبلية. ورغم أني مراقب أجنبي يدرس عن كثب رحلة الإمارات؛ وجذورها وتاريخها خلال العقود الخمسة الماضية، فإنني دوماً أمام النجاحات المستمرة لدولة الإمارات أشعر بالذهول. هنا سوف ألقي الضوء قليلاً على نجاحات سبعة غير ملموسة، ولكنها في غاية الأهمية لأنها تشكل الأساس الذي ارتكزت عليه دولة الإمارات في اتحادها، وفي مسيرتها خلال الخمسين سنة الماضية.
اقرأ أيضاً: الإمارات العربية المتحدة تستعد للاحتفال بعيد ميلادها الخمسين
- صياغة وتشكيل الهوية الوطنية– الرحلة من مجموعة من القبائل إلى دولة ناجحة
كان لا بد من تشكيل الهوية الوطنية الإماراتية من الصفر. كان سكان الإمارات العربية المتحدة عند تأسيسها عام 1971 عبارة عن مجموعة من القبائل التي تربط فيما بينها بعض الروابط، والكثير من المنافسة، وحتى بعض العداوة. ولطالما حظيت حكمة حكام الإمارات بالتقدير والاحترام لتنحيتهم لخلافاتهم جانباً، وتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة. ولكن هذا الأمر بحد ذاته لا يفسر صمود الدولة وصلابتها، على مدى السنوات التالية. لقد كان تشكيل الهوية الوطنية الإماراتية عاملاً حاسماً في توطيد أسس الدولة. ولا شك في أن الدور الذي لعبه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -الذي يلقب بـ “الوالد المؤسس”- في السنوات الأولى كان على قدر بالغ من الأهمية.
كان رحمه الله فخوراً بالدولة الوليدة، وهو الرمز الموحد لهذه الدولة. ويمكن القول إن مشاريع جديدة طموحة مثل طيران الإمارات، وطيران الاتحاد، ومشاريع أيقونية مثل برج العرب، وبرج خليفة، ومشاريع ذات رؤية مستقبلية مثل مدينة مصدر، أعطت الشباب أسباباً جديدة إضافية ليفخروا بدولتهم الفتية. وقد تجلت الهوية الإماراتية في مواطنين ودودين وفخورين ومتسامحين يتطلعون إلى المستقبل، وهذه الهوية ساعدت في تشكيل الدولة، بقدر ما ساعدت الدولة في تشكيلها.

تُعتبر “مسيرة الاتحاد” التي تقام سنوياً بالتزامن مع العيد الوطني تعبيراً عن الرحلة التي قامت بها الدولة والتحول من مجتمع متعدد القبائل إلى دولة مواحدة. أشار ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في إحدى هذه الفعاليات عام 2018 إلى أن مسيرة الاتحاد تمثل رسالة حب وفخر بتاريخ الإمارات العربية المتحدة وتراثها، وكذلك بالقيم التي غرسها في المجتمع الإماراتي المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وقال: “إن مسيرة أبناء قبائلنا تعكس صورة وطنية مشرفة يعبرون فيها عن ولائهم وانتمائهم لوطننا، وعن إيمانهم بوحدتهم، وتمسكهم بالقيم الوطنية التي يستمرون في حملها عبر مسيرة تطور البلاد”. وأضاف الشيخ محمد: “تمتلك بلادنا هويتها وثقافتها وتراثها الذي نفتخر به، ونحن نعتز بتراث الإمارات وبالقيم الموروثة المتجذرة في مجتمعنا، ونسعى بكل إخلاص للحفاظ على وحدتنا للأجيال القادمة”. والنجاح في هذه المهمة كان أحد النجاحات الأساسية التي تحققت في الخمسين سنة الماضية.
- نظام فيدرالي تمكن من الصمود رغم خصوصية المجتمع
ظهرت الإمارات خلال الستينيات في ظلِّ واقع سياسي مضطرب، عندما كان العالم في أوج الحرب الباردة، وعندما كانت الإمبراطورية البريطانية، التي سيطرت على منطقة الخليج لعدة قرون، في أيام احتضارها الأخيرة. وقد ظهرت اتحادات فيدرالية في أجزاء مختلفة من هذه الإمبراطورية المحتضرة، وكان يُنظر إلى هذه الاتحادات على أنها الحل السحري للحفاظ على بعض مظاهر الاستقرار، وللحفاظ على نفوذ بريطانيا في فضاء ما بعد الاستعمار. وقد فعل الفرنسيون الشيء نفسه في إمبراطوريتهم التي كانت تلاقي المصير نفسه، إلا أن معظم هذه الاتحادات قد انهار.
اقرأ أيضاً: الإمارات العربية المتحدة.. أكثر الدول العربية ازدهاراً للعام الرابع عشر على التوالي
بحث البريطانيون في خيارات مختلفة لأطر العمل في منطقة الخليج بعد رحيلهم، وكان أكثرها قبولاً هو اتحاد إمارات الساحل المتصالحة السبع، مع قطر والبحرين. ولكن هذه الخطة بدت غير واقعية منذ البداية، وكانت الخطة البديلة هي اتحاد إمارات الساحل المتصالحة منفردة. وتكهن بعض الدبلوماسيين علانية بأن الفراغ الذي سيتركه الانسحاب البريطاني سيدفع بالإيرانيين والسعوديين للتحرك للحصول على حصتهم من الغنائم. ولكن نقطة التحول كانت في القرار الحاسم الذي اتخذه القادة، وخاصة الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ راشد بن سعيد المكتوم، بتبني مشروع اتحاد الإمارات السبع، بدلاً من تركه ليكون مشروع البريطانيين المنسحبين من المنطقة. كان ذلك القرار السبب وراء نجاح مشروع الاتحاد الذي أصبح فيما بعد دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما فشلت العديد من الاتحادات الأخرى التي أنشأها البريطانيون كجزء من استراتيجية نهاية إمبراطوريتهم.
والسؤال المهم هو كيف تمكن هذا الاتحاد من الصمود بينما فشلت الاتحادات الأخرى؟ السبب الرئيسي هو الاستمرار باحترام المبادئ التوجيهية التي اتفق عليها الشيخ زيد، والشيخ راشد، والقادة الآخرون. فالحكومة الاتحادية لها واجبات، ويترتب عليها التزامات، وتمتلك صلاحيات في عددٍ من المجالات المحددة بشكل واضح، بينما تحافظ الإمارات السبع على سيطرتها على القضايا الداخلية، بما فيها القضايا الاقتصادية.
وبطبيعة الحال كان هنالك خلال الخمسين عاماً الماضية بعض المناطق الرمادية، وكان لا بد من العمل على تسوية المشكلات. وعلى مدى خمسين عاماً أثبتت آلية عمل الاتحاد نجاحها. وهذا الإنجاز يستحق المزيد من الدراسة والتقدير؛ لأنه يجب أن يكون نموذجاً للمستقبل.

- أجيال شابة واثقة من نفسها
الإمارات العربية المتحدة دولة فتية معظم مواطنيها من فئة الشباب. ولطالما أثارت إعجابي ثقة الشباب الإماراتيين بأنفسهم، بالمقارنة مع أبناء جيلهم حتى من دول الخليج الأخرى. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الدولة تعيش حالة من الارتياح تنعكس على مواطنيها. لقد كان التسامح أحد العوامل الرئيسية التي رسمت مسار الإمارات العربية المتحدة خلال تاريخها القصير. كما أن جيل الشباب الإماراتي قد نشأ في بيئة معرضة لمختلف الثقافات والتأثيرات التي انصهرت في بوتقة اللغات والحضارات التي تساهم في النجاح الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وهذا ما أتاح الفرصة للشباب الإماراتي ليتعلم في وقتٍ مبكر كيف يتعامل مع أشخاص مختلفين في مواقف مختلفة. وعلى الرغم من ذلك، يبقى الشباب الإماراتي ملتزماً بالروابط الأسرية، وتمكنت البلاد من المحافظة على تراثها وتقاليدها بحيث لا يشعر الشباب بالغربة في وطنهم. ويمكننا في المجتمعات الأوروبية أن نتعلم دروساً حيث يثير وجود بضعة آلاف من المهاجرين الأجانب مخاوف وتوترات لا تستند إلى الواقع، وتكشف عن شعور مقلق بعدم الأمان وفقدان الثقة بالنفس.
اقرأ أيضاً: قصة الإمارات العربية المتحدة لا تزال في بدايتها
- سياسة خارجية تتجاوز وزنها
يمكن وصف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في الأعوام الخمسة والعشرين الأولى من عمرها بكلمة واحدة هي “الحذرة”. تقع الإمارات في منطقة صعبة أصلاً، وقد ازدادت صعوبتها منذ ثورة عام 1979 في إيران التي أطلقت العنان للمتطرفين الدينيين الذين تسببوا في توتر المنطقة وزعزعة استقرارها. كما أن مغامراً آخر يدعى صدام حسين حاول أن يتجاهل قواعد النظام الدولي، وألقى بالمنطقة في المزيد من الفوضى، وكان على السياسة الخارجية الإماراتية أن تتعامل مع هذه الحقائق. وقد تطورت ونضجت على مرِّ السنين، فمن جهة كانت استجابة للواقع على الأرض، ومن جهة أخرى تعكس رؤية البلد وتطلعاتها.
وعلى الصعيد العالمي، تًعتبر الإمارات العربية المتحدة دولة صغيرة، ولكنها في مجال السياسة الخارجية تلعب بأكثر من وزنها بكثير. وهي تستعد لاحتلال مقعد في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في الأسابيع المقبلة، ويمكن رؤية قادة الدولة حول الطاولة مع قادة دول أكبر بكثير لمناقشة القضايا الإقليمية والدولية الكبرى. لا تزال السياسة الخارجية للإمارات تشق طريقها نحو نجاحاتٍ أكبر في المستقبل، ولكن لا بد من تقدير ما تحقق من نجاحات.
- بوتقة عالمية تنصهر فيها مختلف الأديان والحضارات والعادات وتلقى كل الاحترام
حاولت جاهداً العثور على بوتقة عالمية أكثر إثارة للإعجاب من الإمارات، ولم أتمكن من ذلك. وبشكل أو بآخر فإن “إكسبو دبي 2020” هو نوع من التأكيد على ذلك. يلتقي الناس من مختلف الجنسيات والخلفيات في دبي لقضاء الإجازات، ولإنجاز الأعمال التجارية أو للعمل أو العلاج أو لعشرات من الدوافع والأسباب الأخرى. وبشكل عام يمكن القول إنه يمكن للأشخاص في الإمارات ممارسة ما يرغبون به طالما أنهم لا يتسببون بمضايقة الآخرين أو يؤذون مشاعرهم. ففي الإمارات لا يتوقف الأمر عند التسامح مع الأديان والثقافات المختلفة فحسب، بل يتم احترامها أيضاً.

- ريادة في الابتكار
أحد التوجهات التي تلقى اهتماماً متزايداً في الإمارات العربية المتحدة هو السعي للابتكار والتميز. ويمكن للمرء ملاحظة ذلك الآن في مختلف نواحي الحياة. وهذا الأمر ليس جديداً ولكنه يبدو لي أنه أصبح الآن نهجاً يميز العديد من القطاعات من الحكومة إلى الاقتصاد، ومن الخدمات إلى الإدارة. وخير مثال على ذلك برنامج الفضاء الذي أطلقته الإمارات مؤخراً. فبعد سنوات قليلة من الإعلان عن البرنامج أطلقتِ الإمارات العربية المتحدة “بعثة الأمل إلى المريخ” بنجاح في التاسع عشر من يوليو 2020 ووصلت المركبة بنجاح إلى مدار المريخ في التاسع من فبراير عام 2021.
ومع دخول المسبار إلى مدار المريخ بنجاح أصبحت الإمارات العربية المتحدة خامس كيان يصل إلى المريخ، وانضمت إلى وكالة الفضاء الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، ووكالة الفضاء الأوروبية، والهند. وبينما يقوم المسبار بجمع المعلومات العلمية، فإنه يدور حول الكوكب بالقرب من خط استوائه دورة كاملة كل 55 ساعة. وقد أطلقت حكومة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً برنامجاً يهدف إلى الدفع باتجاه بناء محطة صالحة للسكن على المريخ بحلول عام 2117. وفي عام 2019 أرسلت الإمارات أول رائد فضاء إماراتي إلى الفضاء، حيث أمضى الطيار السبق هزاع علي المنصوري ثمانية أيام في المحطة الفضائية الدولية، حيث قام بسلسلةٍ من التجارب، وقدم جولة في المحطة باللغة العربية.
اقرأ أيضاً: مؤشر القوة الناعمة 2021: تقدم عربي وتراجع أمريكي.. والإمارات ضمن العشرين الأوائل
وقد تجلى المنطق وراء هذه الرغبة في التميز في أوضح صوره في كلام نائب رئيس الدولة، حاكم دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي قال عندما تم الإعلان عن بعثة الأمل إلى المريخ عام 2014: “لقد اخترنا التحدي الملحمي للوصول إلى للمريخ لأن التحديات الملحمية تلهمنا وتحفزنا. واللحظة التي نتوقف فيها عن مواجهة مثل هذه التحديات هي اللحظة التي نتوقف فيها عن المضي إلى الأمام”.

- فضاء ثقافي نابض بالحياة
قبل أقل من سبعين عاماً لم يكن هنالك من بناء حجري في أبوظبي باستثناء منزل الحاكم، ومقر إقامة المعتمد البريطاني، ومكاتب شركة بريتش بتروليوم. وكان هذا هو النمط السائد على طول الساحل المتصالح. لكن مع التغيير، باتت الإمارات اليوم نقطة ثقافية ساخنة تتميز بمتحف اللوفر في أبوظبي الذي يعتبر المتحف الأكثر جذباً للزوار في العالم العربي. وتنتشر المتاحف والمعارض الفنية والمساحات الثقافية في أبوظبي ودبي والشارقة، وفي مواقع أخرى على مساحة الإمارات العربية المتحدة. ولكن أكثر ما يثير الاهتمام هو أن الشباب الإماراتيين يتدفقون على هذه المؤسسات ويتبنونها.
اقرأ أيضاً: بطولات وإنجازات عسكرية وإنسانية.. عودة الجنود الإماراتيين من اليمن
وأثناء زيارتي مؤخراً إلى أبوظبي، وعلى الرغم من جدول مواعيدي المزدحم تمكنت من تخصيص بعض الوقت لزيارة مركز منارة السعديات الثقافي لمشاهدة معرض رائد للصور، وفوجئت بأنني كنت الزائر الأجنبي الوحيد للمعرض. ولذلك، فإن الزعم بأن هذه المساحات الثقافية لا يشغلها سوى السياح والوافدين هو ببساطة عارٍ عن الصحة. إن تطور الإمارات العربية المتحدة كمساحة ثقافية نابضة بالحياة بين أوروبا وآسيا يجسد روح الدولة ويبشر بالخير لمستقبلها. وربما يكون فاتحة نهضة عربية جديدة لا تقوم على الثورات، بل على التعبير عن المشاعر بحرية تامة من خلال الفن والثقافة.
تستحق هذه النجاحات السبعة للإمارات السبع التي تشكِّل معاً دولة الإمارات العربية المتحدة كل التقدير والحفاوة. لكنها تواجه العديد من التحديات في مجالات عدة، مثل الاقتصاد والدفاع ونموذج الحوكمة والسياسات الاجتماعية التي ستختبر حكمة قادة الإمارات خلال العقود القادمة، ولكن حقيقة أن الإمارات العربية المتحدة هي قصة نجاح أمر واقع يجب الاعتراف به والاحتفاء به.
♦مدير لينكس يوروب ومقرها لاهاي. ([email protected]) قام بزيارات متكررة للإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الماضية، وأجرى أبحاثاً حول تاريخها كجزء من أطروحة الدكتوراه التي قدمها في جامعة أكسفورد، والتي تركز على نهاية الحقبة البريطانية في الشرق الأوسط.
لقراءة النسخة الإنكليزية: Seven successes for seven emirates