الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

سامية سولو حسن.. امرأة من أرخبيل القرنفل على عرش “دار السلام”

لا أحد يدري كيف ستبدو الحياة السياسية في "دار السلام" بين يدي امرأة محجبة.. لكنّ المراقبين يرجحون أنها ستجعل العمل السياسي أكثر تسامحاً

كيوبوست- عبدالجليل سليمان

قبل ستة عقود، زِد عليها عاماً واحداً، كان الفرح طاغياً في بيت المُدرس “سولو حسن” بأرخبيل القرنفل والعطور الغافي على ساحل المحيط الهندي، فحين بُشِّر بالأُنثى مساء 27 يناير 1960، غمرت قلبه فرحة كبيرة وسربلته سعادة بالغة؛ فالنساء في أوساط مُسلمي زنجبار ذوي الأصول العمانية، لسن عورة ينبغي سِترها أو عار يجب وأده.  

عندما كانت تلميذة يافعة في مدارس تشاواكا وزيواني وماهوندا الابتدائية، ومدرسة نجامبو الثانوية؛ كانت نتائجها في المراحل التعليمية قبل الجامعية سيئة، كما صرحت بنفسها في مناسباتٍ عديدة.

وعقب إكمالها المرحلة الثانوية بمشقة وجهد بالغَين في عام1977 التحقت مباشرة بوظيفة كتابية في حكومة زنجبار، وترقَّت فيها حتى أصبحت مسؤولة عن التخطيط الحكومي عام 1987، نفس العام الذي تزوجت فيه بالأكاديمي الزراعي البارز حافظ أمير، ولهما أربعة أبناء وبنات؛ أبرزهم “موانو” النائب الحالي في مجلس النواب الزنجباري.

اقرأ أيضاً: العمانيون في زنجبار عالقون في شبكة قوانين التجنيس الدولية!

لم تيأس؛ حفزتها الوظيفة لمواصلة الدراسة، فشرعت في تطوير قدراتها الإدارية بجامعة دار السلام بتنزانيا، قبل أن تحط الرحال ببريطانيا لتلتحق بجامعة مانشستر؛ حيث حازت درجة أكاديمية في الإدارة، أهلتها لاحقاً لنيل الماجستير في ذات التخصص من جامعة نيوهامبشاير في الولايات المتحدة الأمريكية.

تقول سامية: “رحلتي في السياسة كانت طويلة وشاقة؛ لكنها كانت مثمرة، لأنني أسستها على مبدأين؛ المهنية والتركيز الشديد على كل ما أقوم بفعله”.

مسلمة رقيقة

سامية مع الرئيس التنزاني الراحل ماغوفولي

نتحدث هنا، عن أول رئيسة لجمهورية تنزانيا الاتحادية السيدة سامية سولو حسن، التي توصف بأنها قليلة ورقيقة الكلام؛ حيث تولت السلطة الخميس الماضي، وأدت القسم الدستوري يوم أمس الجمعة، وفقاً للدستور الفيدرالي، خلفاً للبلدوزر “جون ماغوفولي” الذي توفي، الأربعاء 17 مارس الجاري، إثر ضربة موجعة وجهها إليه “فيروس كورونا” الذي طالما نفاه عن الوجود وسخر منه، حياً؛ حينما أنكره وجوده، ثم دعا المواطنين، لاحقاً، إلى مواجهته بالصلاة والعلاج ببخار الأعشاب المحروقة، وميتاً؛ عندما قالت نائبته سامية حسن سولو، لأجهزة الإعلام إن رحيل الرئيس كان بسبب نوبة قلبية أفقدته حياته في مستشفى بالعاصمة دار السلام، بينما أكدت مصادر طبية متطابقة وموثوقة، للصحف التنزانية والعالمية، إن الفيروس التاجي كان المسؤول الأول عن إطاحة ماغوفولي عن الرئاسة والحياة.

اقرأ أيضاً: وساطة سعودية غير معلنة قد تكون خلف زيارة قطان إلى السودان

مسيرة طويلة

في مقدمة مراسم تشييع الرئيس ماغوفولي

بحلول عام 1988، كانت “حسن” أكملت صقل قدراتها بعد حصولها على مزيدٍ من الشهادات الدراسية والخبرات لترتقي مسؤولة عن التنمية في حكومة زنجبار، كما شغلت -قبل ذلك- منصب  مديرة مشروع لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، وفي وقتٍ لاحق في التسعينيات تم تعيينها مديرة تنفيذية للهيئة الحكومية لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية في زنجبار.

في عام 2000، تم ترشيحها من قِبل حزب “تشاما تشا مابيندوزي”؛ لشغل مقعد خاص في مجلس النواب في زنجبار، ثم عملت كوزيرة مفوضة بالحكومة المحلية للجزيرة، ورفعت شعار “توظيف الشباب والنساء أولاً”، فوجدت رواجاً ودعماً بين هاتين الفئتين.

لم يمضِ وقت طويل قبل أن يبدأ نجمها في التألق حين عيَّنها الرئيس الزنجباري السابق عُبيد أماني كرومي، وزيرة للعمل والنوع والطفل عام 2005، ثم وزيرة للسياحة والتجارة والاستثمار في حكومة الجزيرة عام 2008.

اقرأ أيضاً: قافلة مصرية- سودانية لمواجهة التطرف ونشر الاعتدال

بحلول 2010 انتُخبت سامية سولو حسن نائبة عن منطقة ماكوندوتشي، وتسلمت في مارس 2014 منصب نائب رئيس برلمان زنجبار بأغلبية 390 صوتاً، ما يعادل 74.6%؛ لتطيح بمنافستها أمينة عبدالله عمور، التي حصلت على 126 صوتاً بنسبة 24%.

لم تمكث كثيراً في منصبها حتى استدعاها الرئيس التنزاني الأسبق جاكايا كيكويتي، إلى العاصمة الاتحادية دار السلام؛ “حيث تتحد كل من تنجانيقا وزنجبار في فيدرالية واحدة تحت اسم تنزانيا”؛ لتتولى وزارة الشؤون الاتحادية في الحكومة المركزية، بجانب انتخابها نائبة بالبرلمان الفيدرالي، فأصبحت ممسكة بملف العلاقات بين الحكومة المركزية وزنجبار، كما اختيرت نائبة لرئيس المجلس الحكومي المُكلَّف بصياغة دستور اتحادي جديد، قبل أن يتوقف العمل في هذا الصدد؛ نتيجة للتوتر بين جزيرة زنجبار وبر تنجانيقا.

أن يفهموا ما أقول

تتحدث بهدوء إلى مناصري حزبها

ولما كانت حسن نصيرة بارزة للحزب الحاكم، ارتقت في المناصب حتى اختارها الرئيس السابق ماغوفولي، نائبة له عام 2015. وعندما أدَّت اليمين الدستورية كأول امرأة تنزانية تتولى منصب نائبة رئيس الجمهورية التي تقع في شرق إفريقيا، كان ذلك مفاجئاً بالنسبة إلى كل التنزانيين؛ إذ كيف تقفز امرأة، زنجبارية مسلمة تضع الحجاب، إلى هذا المنصب الرفيع، متجاوزة العديد من السياسيين البارزين في حزب تشاما (CCM) الحاكم، فضلاً عن التناقض الكبير بين شخصيتها وشخصية الرئيس الذي يبدو متسرعاً في كل شيء، لا يخشى الحديث بصوتٍ عال والتعبير عن مشاعره بوضوح، بينما تبدو هي أكثر هدوءاً وتفكيراً ومراعاة لمشاعر مَن تتحدث إليهم.

اقرأ أيضاً: تنافس روسي- أمريكي في مياه السودان الإقليمية

قالت عن نفسها، في خطابٍ لها العام الماضي: “قد أبدو شديدة التهذيب، لا أصرخ عندما أتحدث؛ لكن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة إليَّ، يتحقق دائماً؛ وهو أن يفهم الجميع ما أقول، ويتم إنجاز الأمور كما أقول”.

قال عنها أحد الصحفيين التنزانيين: ” لا يُمكن أن تكون مثل سلفها؛ إنها تُقدم لهجة تصالحية، ونبرة أكثر لطفاً، إنها قادمة من جزيرة صغيرة؛ حيث إذا عاملت الناس بشكل سيئ فستقابلهم بعد قليل في الأعراس والجنازات.. إنها من بيئة اجتماعية مختلفة تماماً”.

لم يكن هناك شك في أنها كانت شديدة الولاء للرئيس؛ لكنها لم تكن تخشاه، وإلا لما أقدمت على زيارة زعيم المعارضة التنزانية توندو ليسو، في مستشفى بالعاصمة الكينية نيروبي، بعد أن نجا من محاولة اغتيال عام 2017، رغم عدم رضا رئيسها عن تصرفها.

دار السلام بين يدي امرأة

مشهد من مراسم استقبالها عندما كانت نائبة للرئيس

الآن، وبعد توليها رئاسة البلاد لإكمال الدورة التي بدأها سلفها للأعوام الخمسة المقبلة، لا أحد يدري كيف ستبدو الحياة السياسية في “دار السلام” بين يدي امرأة محجبة من جزيرة القرنفل والعطور؛ لكن جميع المراقبين يرجحون أنها ستخاصم أسلوبه المتشدد، وستجعل العمل السياسي أكثر تسامحاً، وإن كانت ستجابه مقاومة من صقور حزبها، قبل معارضيها؛ خصوصاً من أولئك الذين يهيمنون على المخابرات والأمن ويُحكمون قبضتهم على مفاصل الاقتصاد، وسيحاولون توجيه قراراتها وأجندتها.

يذهب بعض المراقبين للأوضاع في تنزانيا، إلى أنه على الذين يتوقعون من الرئيسة الجديدة نهج سياسة مختلفة عن سلفها، حبس أنفاسهم والتمهُّل قليلاً؛ لأن سامية -حسب رأيهم- ربما ستُكافح من أجل بناء قاعدتها الجماهيرية الخاصة؛ تمهيداً لمرحلة انتخابية قادمة بعد خمسة أعوام، إنما أن يتوقع منها إحداث تغيرات جذرية، فإن ذلك محض وهم، لا أكثر.

بيد أن النائب البرلماني التنزاني جانواري ماكامبا، الذي عمل ضمن طاقم مكتبها، وصفها بالسياسي الأكثر دقة ورصانة في تنزانيا، وأضاف قائلاً: “لقد لاحظت عن كثب أخلاقيات عملها وطريقة اتخاذها القرارات ومزاجها الهادئ الذكي؛ إنها قائدة قوية وقادرة ومُرتبة للغاية، وستحدث الفرق، لا أشك في ذلك مطلقاً”.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان