الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
ساعات العمل الطويلة.. احذرها فإنها قاتلة!

كيوبوست
في تحليله لعلاقات الإنتاج، تحدث الفيلسوف الألماني كارل ماركس، عن مفهوم “الاغتراب” الذي يشعر به العامل تجاه السلعة التي ينتجها، ضمن نمط الإنتاج الرأسمالي، لأنه مستغل؛ فهو يبيع إنتاجه إلى المالك مقابل أجر من أجل العيش فقط، وحياته مُنصَبَّة على إنتاج أشياء لا يملكها، فتصبح جهود العامل سلعة يمكن شراؤها وبيعها، ومنتجه لا يجسد فرديته، فكل ذلك يقوده إلى الشعور بالاغتراب عن إنسانيته.
تصف نظرية الاغتراب الحالة المعنوية للعامل؛ لكن من الواضح أن ظروف العمل في العصر الحالي/ الحديث، تخطت الشعور ووصلت حد الإضرار بالصحة الجسدية لدرجة الموت؛ ففي دراسة نُشرت حديثاً حول ارتباط العمل لساعاتٍ طويلة بارتفاع أعداد الوفيات، كشفت منظمة الصحة العالمية عن أن مئات آلاف الأشخاص يموتون سنوياً، بسبب العمل لساعات طويلة، في مسار يزداد سوءاً تحديداً مع انتشار وباء فيروس كورونا.
مئات ألوف الضحايا
وأوضحت نتائج الدراسة، التي أُجريت بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، ونُشرت في دورية (البيئة الدولية)، استناداً إلى بيانات من 194 دولة، أن العمل لمدة 55 ساعة أو أكثر أسبوعياً مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 35 في المئة، وزيادة خطر الوفاة بسبب أمراض القلب بنسبة 17 في المئة، مقارنةً بأولئك الذين يعملون ما بين 35 و40 ساعة أسبوعياً.

وأوضحت الدراسة أنه في 2016 وحدها، توفي 745 ألف شخص بسبب الإصابة بسكتة دماغية أو أمراض القلب المرتبطة بالعمل لساعات طويلة، بينما أظهرت أن الأمر يزداد سوءاً؛ فقد ارتفعت نسبة حالات الوفاة جراء هذه الظاهرة بنسبة 30 في المئة مقارنة بعام 2000.
وذكرت أن معظم الضحايا (72%) كانوا رجالاً، وكانوا في منتصف العمر أو أكبر، وأن الأشخاص الأكثر تأثراً هم الذين يعيشون في جنوب شرق آسيا، وإقليم غرب المحيط الهادي، الذي يضم الصين واليابان وأستراليا. وغطت الدراسة الفترة ما بين عامَي 2000 و2016.
كيف يقتلنا العمل الطويل؟
حسب الدراسة، فإن العمل لساعات طويلة يسبب أمراضاً قاتلة للعاملين بطريقتَين؛ الأولى بسبب الإجهاد النفسي الناتج عن العمل لساعات طويلة، إذ يؤدي إلى تبعات فسيولوجية، تؤثر بدورها على نظام القلب والأوعية الدموية، وتقود إلى مشكلات تسبب تغيراً في الأنسجة.
وكرد فعل للإجهاد الذي يتعرض إليه العاملون، يسفر العمل لساعات طويلة عن ممارسات ضارة بالصحة؛ بما في ذلك التدخين وشرب الكحوليات والنظام الغذائي السيئ وقلة النشاط البدني وقلة النوم وسوء التعافي، وكلها عوامل تقود إلى الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، وهذه هي الطريقة الثانية.
اقرأ أيضاً: كيف قادنا وهم السعادة الفردية إلى الفراغ؟
ومع أن الدراسة هي الأخيرة بهذا الخصوص، فإن دراساتٍ وأبحاثاً سابقة تناولت الموضوع وفسَّرت الأسباب؛ ففي دراسة أجراها باحثون في كلية لندن الجامعية تبين أن المشاركين فيها، من أولئك الذين عملوا 55 ساعة أو أكثر في الأسبوع؛ كانوا أكثر عرضة بنسبة 40% للإصابة بالرجفان الأذيني، وهو أكثر أنواع عدم انتظام ضربات القلب شيوعاً، في السنوات العشر التالية مقارنة بأولئك الذين استمروا في العمل لمدة 35- 40 ساعة في الأسبوع.
وفي مقالة بعنوان “الإرهاق والسلوكيات الصحية لدى المهنيين الصحيين من سبع دولٍ أوروبية”؛ من تلك الدول بلغاريا وكرواتيا واليونان ومقدونيا والبرتغال ورومانيا وتركيا، اتضح أن ساعات العمل الطويلة تسبب الإرهاق؛ ما يدفع بمصابيه إلى تكرار استخدام مسكنات الألم، وممارسة الرياضة بشكل غير منتظم، وزيادة استهلاك الكحول، والوجبات السريعة.
وإلى جانب الاعتماد على الوجبات السريعة في أماكن العمل؛ فإن الأكثر خطورة هو ما ذكره موقع “Healthline” الطبي، فبدافع الإرهاق ينسى العاملون أو لا يتيح لهم وقتهم المضغوط، تناول الطعام وشرب الماء بكميات كافية؛ ما ينتج عنه نقص السكر في الدم والجفاف، وهذا يظهر على شكل تأثيرات صغيرة، كتشقق الشفاه مثلاً، إلا أنه مع مرور الوقت قد يفضي إلى الموت.

تجنب المخاطر
بعد نشر نتائج الدراسة الأخيرة، والتي أعدتها منظمة الصحة العالمية، ترددت مجموعة آراء حول الموضوع، ومن ذلك ما قاله المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في بيان: “لا توجد وظيفة تستحق التعرض إلى مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية أو أمراض القلب”.
وبناء على الدراسة، اقترحت منظمة الصحة العالمية حلولاً لتجنب العمل لساعات طويلة من حيث المبدأ؛ كأن تتدخل الحكومات لتنفيذ القوانين واللوائح والسياسات، التي تحظر العمل الإضافي الإلزامي وتقرر أقصى حد لعدد ساعات العمل.
كما طرحت اعتماد اتفاقيات المفاوضة الثنائية أو الجماعية، بين أصحاب العمل ورابطات العمال؛ من أجل ترتيب وقت العمل ليكون أكثر مرونة، وأن يتابع العاملون ساعات عملهم لكي لا تتجاوز الـ55 ساعة أو أكثر في الأسبوع.
وقبل أن يتم تطبيق تلك الحلول في مكان عملك يمكنك اعتماد خطوات، طرحتها مقالة بعنوان “فقط المرهقون يموتون صغاراً”، من شأنها تقليل خطر الوفاة الناتج عن العمل لساعات طويلة؛ وهي تركز على تغير السلوك، كالاهتمام -مثلاً- بنوعية الطعام، عبر تجنب الوجبات السريعة والمشروبات المُحلَّاة والوجبات الخفيفة المالحة من آلات البيع، واستبدال أكل صحي بها من المنزل.
اقرأ أيضاً: كيف ترتبط زيادة إنتاجية العامل بسعادته؟
الحركة؛ عبر دمج النشاط البدني خلال يوم العمل، كصعود الدَّرَج بدلاً من استخدام المصعد، والعمل واقفاً كلما أُتيحت لك الفرصة؛ لأن الجلوس يرتبط بارتفاع معدل الوفيات، إلى جانب متابعة حالتك الصحية باستمرار مع الطبيب.
وعلى عكس الصورة النمطية للعامل المجتهد بأنه صارم وحازم طول الوقت! تقترح المقالة العكس، لذلك عليك بالمرح؛ لأنه أفضل لصحة القلب، وأيضاً يزيد من الإنتاجية.