الواجهة الرئيسيةترجمات

زيارة بوتين إلى السعودية ترفع الستار عن الدور الجديد لروسيا في الشرق الأوسط

كيوبوست-ترجمات

لا يمكن إغفال الدلالات التي تختبئ خلف زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى المملكة العربية السعودية؛ فعلى ما يبدو أن هناك تعاونًا آخذًا في النمو بين موسكو والحليف التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعكس التأثير المتزايد لروسيا في منطقة الشرق الأوسط.

وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ عام 2007. وما بين الزيارتَين أصبحت تشكيلة القوى والتحالفات الدولية مختلفة بشكل لا يقبل الشك. فعلى سبيل التذكرة، كان بوتين قبل عام من زيارته تلك إلى السعودية ينتظر في سانت بطرسبرج مستعدًّا لاستقبال زعماء الدول الصناعية الثماني الكبرى، وهي القمة الثانية والثلاثون التي فضَّل بوتين أن يستضيفها في المدينة التي كان يعيش فيها عام 2006.

اقرأ أيضًا: نحن بحاجة إلى الحديثِ عن بوتين!

وكانت روسيا قد استُبعدت من مجموعة الدول الثماني الكبرى بعد هذا التاريخ؛ بعد قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم إليها عام 2014. ومن المدهش أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان قد دعا في أكثر من مناسبة إلى إعادة روسيا إلى الحظيرة مرة أخرى.

وشكَّل خروج روسيا من مجموعة الدول الصناعية الكبرى عائقًا ضخمًا أمام تنفيذ أجندتها الخارجية، ولم يكن احتلال شبه جزيرة القرم هو المرة الوحيدة التي تلجأ فيها روسيا إلى استخدام القوة في سياستها الخارجية؛ فقد عقب ذلك التدخل العسكري في سوريا عام 2015، وهو الفعل الذي أعاد ترتيب وضع الحرب الأهلية هناك؛ ما أدَّى إلى الحفاظ على بقاء بشار الأسد على رأس النظام السوري.

إعادة ترتيب الأوضاع

فمنذ بداية الأزمة السورية، وبينما كانت الولايات المتحدة على استعداد لتغيير استراتيجيتها في الدولة المنكوبة، كانت موسكو في صف نظام الأسد ولم تغيِّر موقفها حتى الحظة، ولا يمكن إنكار دور الضربات الجوية الشرسة التي قادتها موسكو ضد خصوم الأسد في سوريا، والتي أعادت ترتيب الأوضاع، وجعلت من روسيا أحد اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال اجتماعه بالرئيس الروسي في الرياض

وبينما تتسبب السياسات الخارجية الاعتباطية لإدارة ترامب في انصراف بلدان الشرق الأوسط عن أمريكا، تجد روسيا في هذا الأمر فرصة سانحة لإثبات نفسها كقوة عالمية صاعدة، فضلًا عن تقديم نفسها إلى العالم باعتبارها حجر أساس في عملية إعادة الاستقرار. ولدينا مثال حي وقريب العهد على ذلك السيناريو؛ ففي اللحظة التي سحبت فيها الولايات المتحدة قواتها العسكرية من شمال شرق سوريا تزامنًا مع غزو تركيا للمنطقة، كانت روسيا في الجهة المقابلة على أهبة الاستعداد للعب دور صانع السلام في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضًا: التوجه الروسي- الإماراتي في مكافحة الإرهاب.. انسجام في الرؤية والأهداف

وقد وصل بوتين إلى مطار الرياض، يوم الإثنين الماضي، في زيارة نادرة من نوعها إلى المملكة العربية السعودية؛ حيث تم استقباله بموكب تشريفي، وسارت عربته المصفحة برفقة الخيالة السعودية، وصولًا إلى قاعة الاستقبال، ثم التقى الملك سلمان برفقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ بغرض مناقشة بعض القضايا العاجلة المتعلقة بالأمن القومي لبلدان المنطقة وأسعار النفط والمعاملات التجارية بين البلدَين. وبهذه الطريقة صنع بوتين نقلة مباغتة تجاه واحدة من أهم حلفاء الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.

وقد صرَّح سفير السعودية بالمملكة المتحدة الأمير خالد بن بندر بن سلطان، إبان حضوره إحدى المناقشات المفتوحة بلندن، قائلًا: “نحن نشاهد تحوُّل روسيا إلى واحدة من أهم اللاعبين الدوليين في المنطقة، وسواء أعجبنا ذلك أو لم يعجبنا؛ فهي الحقيقة التي ينبغي علينا التعامل معها”. ولم يكتفِ ابن سلطان بذلك التصريح، بل أضاف: “على ما يبدو أن موسكو لديها قابلية لفهم الأوضاع في الشرق بشكل يفوق قدرات الغرب”.

صواريخ “S-400” التي تبحث السعودية شراءها من روسيا

وبينما أطلق بوتين بعض التصريحات، التي أُذيعت يوم الأحد السابق للزيارة على قناة “روسيا اليوم” الخاضعة لسطوة الكرملين، كان الرئيس الروسي حريصًا على طمأنة الأطراف المختلفة من خلال بعض الرسائل الموجهة؛ حيث نفى توافر أية نيّة لدى موسكو لمناصرة أية دولة على حساب أخرى، كما أضاف: “نحن نحاول بناء علاقات ثنائية بين موسكو وكل بلد على حدة، وليس هناك أي هدف من خلق تلك الصلات إلا تحقيق بعض الأهداف والتوجهات الإيجابية؛ فنحن لا نحاول بناء أي تحالفات مع أي طرف في مواجهة طرف آخر”.

الملف السوري

كان ترامب بانسحابه من سوريا يقدم هدية مثالية للروس؛ سواء قصد ذلك أم لم يقصد، فعلى الأقل ستجني موسكو بعض الفوائد على المدى القصير.. لدينا على سبيل المثال نجاح نظام بشار الأسد في تمديد نفوذه على كامل الإقليم السوري، وعلى قدر الفوائد التي ستجنيها روسيا من خلف هذا القرار؛ فإنها ستتعرض إلى عدة اختبارات قاسية. فهل ستنجح السياسة الخارجية الروسية إلى جانب مؤسستها العسكرية في اجتياز تلك الاختبارات؟ وعلى ما يبدو أن حتى أشد منتقدي روسيا يعترفون بنجاحها في تمديد نفوذها السياسي والعسكري بشكل هائل حتى الآن.

اقرأ أيضًا: تداعيات التدخل التركي في شمال شرق سوريا

وبينما أطلق الغزو التركي للمنطقة الشياطين من محبسها، أصبح على روسيا أن تستعد منذ الآن لمواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا؛ فهنالك أعداد كبيرة من المجاهدين المحتجزين من قِبَل الأكراد قد يجدون طريقهم للهرب خلال الحرب، وقد حدث ذلك بالفعل.

الرئيس بوتين يصافح بشار الأسد خلال لقائهما في منتجع سوتشي على البحر الأسود- مايو 2018

وكان بوتين قد أكد، خلال بعض التصريحات الأسبوع الماضي، خطورة الموقف في سوريا؛ حيث أشار إلى أن آلاف المجاهدين الذين اشتركوا في الحرب الأهلية السورية كانوا قد قدِموا من الأراضي الروسية، بالإضافة إلى بعض الدول التي كانت تتبع الاتحاد السوفييتي السابق؛ أي أن هناك احتمالية لأن يعود هؤلاء الناس إلى مواطنهم الأصلي مع تأزُّم الوضع، وهو ما يبشِّر باشتعال بعض المخاطر الأمنية في حال تحقق هذا الاحتمال.

اقرأ أيضًا: طموحات وألاعيب وأجندات خفية.. كيف تستغل تركيا مجاهدي وسط آسيا؟

بينما أشار المراقبون إلى ضرورة سعي موسكو لإجراء اتفاقية سلام طويلة الأمد بين النظام السوري والأكراد، فضلًا عن الدور المنوط بروسيا في منع اندلاع أية مواجهة عسكرية بين نظامَي بشار في سوريا وأردوغان في تركيا.

الأطراف كافة

ليس من المستغرب أن يتصدر الحديث عن النفط قائمة المباحثات الاقتصادية بين البلدَين؛ وهو الأمر الذي يمثل أهمية كبيرة للرياض وموسكو على حد سواء؛ حيث صرَّح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، ببعض الأمور لوكالة “رويترز”؛ تضمنت الإشارة إلى حدوث تفاهمات وتبادل للرأي بين البلدَين في ما يخص المشكلات الإقليمية جنبًا إلى جنب مع بعض الأمور المتعلقة بالسوق العالمية للطاقة وأسعار النفط، على أمل أن يسهم تبادل وجهات النظر في فك التعقيد الذي يحيط بتلك القضايا.

مانويل كيفيدو رئيس منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) يتوسط خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة السابق للسعودية على اليسار ومحمد باركيندو الأمين العام لأوبك على اليمين خلال المؤتمر الصحفي بعد اجتماع (أوبك) في فيينا- يوليو 2019

ويحيلنا هذا الأمر إلى التفكير في أن نجاح روسيا في إرساء التعاون المشترك مع المملكة السعودية سوف يصب في صالح شراكة أوسع وأكبر حجمًا؛ وهي الشراكة مع دول “الأوبك”، أحد أقوى المنافسين في سوق إنتاج النفط؛ حيث يمكن اعتبار زيارة بوتين إلى الرياض إشارة أخيرة إلى مساعي موسكو نحو تعميق هذا التعاون والترتيب له.

وكان بوتين في خطوة غير مسبوقة قد عرض على السعودية شراء الأسلحة الروسية عقب الهجمات الأخيرة التي استهدفت البنية التحتية للنفط السعودي، وذلك على الرغم من رفض موسكو اتهام إيران بالتخطيط للهجمات، وهو الاتهام الذي لم يتأخر في إعلانه كلٌّ من الرياض وواشنطن.

اقرأ أيضًا: لُعبة الإخوة الأعداء والأجندات الخفية لأردوغان وبوتين في سوريا

وربما تبدو الصورة بشكلٍ أوضح، إذا تأملنا الوضع كاملًا في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تسعى روسيا من جانب لإرساء شراكة مع المملكة، ومن جانب آخر ما زالت تبقي على دعمها لنظام الأسد، وذلك في ظل دعم إيران للنظام السوري ومنافستها الشرسة للمملكة على زعامة المنطقة؛ ما يعني أن روسيا أصبحت شيئًا فشيئًا قادرةً على التحدث مع الأطراف المتصارعة كافة.

ولا يمكن اعتبار تضاؤل تأثير الولايات المتحدة في المنطقة أمرًا مفاجئًا؛ فلدينا ورقة بحثية كانت قد صدرت في يناير الماضي، وأشارت في وقت مبكر جدًّا إلى وجود رغبة روسية عارمة في تصدُّر المشهد في منطقة الشرق الأوسط.

اقرأ أيضًا: إيران تخسر تعاطف المجتمع الدولي بعد الهجمات على منشآت النفط السعودي

المصدر: فوربس ونيويورك تايمز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة