الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

زيادة إيران تخصيب اليورانيوم.. انتهاك جديد للالتزامات الدولية

تسعى إيران لممارسة ضغوط على الولايات المتحدة مع تسلم بايدن السلطة.. من أجل العودة إلى الاتفاق النووي من دون تعديلات جوهرية

كيوبوست

مع تزايد التوترات في المنطقة، أعلنت الحكومة الإيرانية استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%؛ في مخالفةٍ صريحة لتعهداتها السابقة بألا تزيد نسبة التخصيب على 3.67%، وهي النسبة التي رفعتها في 2019 إلى 5% بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرض العقوبات الاقتصادية على طهران.

محمود حمدي أبوالقاسم

جاء رفع تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في إطار تنفيذ القانون الذي أقره البرلمان، وتمت المصادقة عليه من مجلس صيانة الدستور، حسب محمود حمدي أبو القاسم؛ الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ومقره الرياض، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن هذه الخطوة تمت الموافقة عليها من قِبل المرشد ضمن عدة إجراءات تبناها القانون؛ منها منع عمليات تفتيش الأمم المتحدة، وإعادة العمل بمفاعل أراك للماء الثقيل، كما كان عليه قبل الاتفاق النووي عام 2015، فضلاً عن تركيب ثلاثة أجهزة طرد مركزي في أكبر موقع للتخصيب في نطنز.

اقرأ أيضاً: هل يكشف المستقبل القريب عن قنبلة نووية إيرانية؟

وأرجع أبو القاسم الغرض من وراء رفع تخصيب اليورانيوم إلى 20% تحديداً إلى مخاوف الولايات المتحدة والدول الأوروبية من خطورة برنامجها النووي، وأنها بعد هذا الإجراء ستكون قد قطعت مسافة كبيرة والمتبقي من أجل الوصول إلى قنبلة نووية أقل بكثير، مشيراً إلى أن هذا التطور بطبيعة الحال ستكون له تبعاته على طاولة المفاوضات؛ حيث ستكون معالجة القضية النووية ذات أولوية قصوى بالنسبة إلى الغرب والولايات المتحدة، وستقلل من الضغوط على بقية الملفات الأخرى؛ كملف الصواريخ الباليستية، وكذلك مطالب تعديل سلوك إيران الإقليمي.

ستزيد إيران من تخصيب اليورانيوم – أرشيف

مناورة واستفزاز

وقالت صحيفة “تاغستبيغل” الألمانية: إن الشيء الوحيد الذي يجيده النظام في إيران هو الاستفزاز واختبار الحدود التي يمكن أن تتحملها الدول الغربية، معتبرةً أن الخطوة الأخيرة تؤكد أن الصبر وصل إلى مداه الأقصى، بينما حذرت صحف إسرائيلية عديدة من خطورة العودة إلى الاتفاق النووي السابق، من دون تعديلات جوهرية على بنودٍ عدة.

يسري أبو شادي

لم تنفذ إيران حتى اليوم ما أعلنته، حسب الدكتور يسري أبو شادي؛ كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن إيران قامت في السابق برفع نسبة التخصيب إلى 200% وأنتجت 500 كجم من اليورانيوم المخصب، وقامت بالتخلص منها لاحقاً، معتبراً أن الإعلان الرسمي بمثابة عملية سياسية، ولا تكتسب فيها طهران أية تقنيات فنية إضافية، عما كان لديها من قبل.

وتوقع أبو شادي أن لا تنفذ إيران هذا الأمر، رغم إبلاغها الوكالة بشكل شفهي؛ خصوصاً مع رغبتها في تحديد المفاوضات ببرنامجها النووي دون غيره من الأمور الأخرى، لافتاً إلى أن الاتفاق النووي منع إيران من استخدام وحدات عالية التخصيب لليورانيوم؛ وهو ما ستعود إليه الآن.

تواصل ايران نشاطها النووي بما يخالف الاتفاقيات الدولية

مخاطر النووي

مهدي عقبائي

هذه الخطوة أظهرت أن النظام لم يتخل قط عن فكرة إنتاج قنبلة ذرية، حسب مهدي عقبائي، عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن هذه الخطوة ابتزاز صريح من النظام الذي سيكون قادراً على زيادة نسبة التخصيب بسهولة، بأية نسبة كانت، حتى أكثر من 20%، وقد تصل إلى 90%.

وأضاف عقبائي أن الخطوات المتخذة خلال الفترة الماضية من النظام الإيراني تؤكد عزمه السير في مشروع بناء القنبلة الذرية وعدم التخلي عنه؛ خصوصاً أن التحضيرات الآن لزيادة نسبة التخصيب إلى ما فوق الـ20%، مشدداً على ضرورة إعادة فرض قرارات مجلس الأمن بالوقف الكامل لتخصيب اليورانيوم، مع إغلاق المواقع النووية والتفتيش المفاجئ للمواقع الإيرانية؛ لمنع تصنيع القنبلة الذرية داخل إيران.

اقرأ أيضاً: من تاريخي إلى “كارثي”.. قصة الاتفاق النووي مع إيران

إيلي أبو عون

لكن مدير برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام إيلي أبو عون، يؤكد أن المجتمع الدولي يبالغ في أهمية القدرات النووية لإيران التي تسعى لاستخدام هذا الأمر كأداة ضغط، ولكي يكون التفاوض على البرنامج النووي بمفرده وليس ضمن مفاوضات تمشل أيضاً برنامج تطوير الصواريخ الباليستية، والنشاط العسكري الإقليمي الذي تقوم به.

وأضاف أبو عون أن خلال السنوات الماضية نجحت إيران في تطوير صواريخها الباليستية عالية الدقة وقامت بشحنها إلى لبنان وغزة؛ وهو ما يعني ضرورة السعي للحد من هذه النشاطات وليس مسألة تخصيب اليورانيوم فحسب.

اقرأ أيضاً: خيارات المواجهة الإسرائيلية للنشاط النووي الإيراني

أكبر انتهاك

الإعلان الإيراني هو أكبر انتهاك للالتزامات التي سبق أن تعهدت بها، حسب جوردان ستيكلر؛ الباحث بمنظمة “متحدين ضد إيران النووية”، ومقرها نيويورك، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن القرار هدفه زيادة الضغوط على إدارة بايدن المرتقبة؛ خصوصاً مع الاعتقاد بالقدرة على فرض مزيد من التنازلات، معتبراً أن قرار زيادة التخصيب ليكون بنسبة 20% يقلل بشكل كبير الوقت اللازم لإنتاج اليورانيوم الذي يمكن استخدامه في صنع الأسلحة النووية.

جوردان ستيكلر

وأضاف ستيكلر أن المجتمع الدولي سعى لضمان أن يكون أمام إيران عام على الأقل قبل أن تصل إلى هذه النسبة؛ لكن مع الإعلان الأخير فإن هذه الخطوة تمثل خطراً كبيراً بشكل حقيقي، وفي الوقت نفسه يجب فهمها من منظور السياسة الإيرانية التي واجهت ضغوطاً قصوى من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بما جعل النظام يعيش كابوساً اقتصادياً بجانب إخفاقات النظام الداخلية في معالجة العديد من القضايا؛ سواء خلال أزمة جائحة كورونا أو الفساد وسوء الإدارة، ومن ثمَّ فإن النظام في أمسّ الحاجة إلى تخفيف العقوبات.

اقرأ أيضاً: محسن فخري زادة.. تداعيات اغتيال الرجل الأول في المشروع النووي الإيراني

ترقب لبايدن

نمرود غورين

الشرق الأوسط يجهِّز نفسه لاستقبال إدارة بايدن، ويبدو أن إيران تحاول خلق شعور بالإلحاح لاستئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، حسب الدكتور نمرود غورين، رئيس مركز ميتيف الفكري للسياسة الخارجية، ومقره تل أبيب، الذي يؤكد لـ”كيوبوست” أن الخطوة الإيرانية بزيادة التخصيب ترى فيها طهران إمكانية تحقيق مزيد من المكاسب خلال المفاوضات، مشيراً إلى أن إدارة بايدن، والحلفاء الأوروبيين، سيعملون معاً على صياغة اتفاقية نووية محدثة، ومن المهم أن تشمل هذه الجهود التنسيق مع الحلفاء في الشرق الأوسط.

يرجح نمرود غورين أن تكون المسألة الإيرانية واحداً من أول موضوعات السياسة الخارجية على أجندة بايدن؛ خصوصاً مع السياسة المختلفة التي يتوقع أن يتبناها على العكس من سياسة ترامب، خلال السنوات الأربع الماضية. 

اقرأ أيضاً: الحرس الثوري الإيراني مهندس تأجيج الصراع المذهبي في البحرين

مقاومة مصطنعة

وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي، إن بلاده لا تتعجل العودة إلى الاتفاق النووي؛ لكنها ستتراجع عن الخطوات التي اتخذتها حال العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي.

يرى جوردان ستيكلر أن النظام الإيراني متمسك بفكرة المقاومة، وبالتالي يرفض الضغط عليه من أجل العودة إلى المفاوضات، ومن ثمَّ يلجأ إلى اتخاذ خطوات استفزازية؛ مثل استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، والتي يسعى من خلالها لصياغة رأي داخلي وخارجي لجمهوره بأنه لم يخضع للضغوط الأمريكية.

تجري إيران عمليات تطوير لصواريخها الباليستية – أرشيف

يلفت الباحث بمنظمة “متحدين ضد إيران النووية” إلى أن إدارة بايدن يجب أن تستفيد من حملة الضغط القصوى، وأن تمارس مزيداً من الضغوط على طهران، وأن تلزم النظام الإيران بالتراجع الفوري عن الخطوات التي قام بها مؤخراً من أجل إعادة الاندماج الاقتصادي في المجتمع الدولي، مع التحقق من تنفيذ الالتزامات الإيرانية، بجانب تحديد مواعيد صارمة؛ حتى لا تستنزف إيران الوقت بالمفاوضات، وتكون الإدارة الأمريكية الجديدة قادرة على اتخاذ قرار حاسم، سواء بإعادة فرض العقوبات أو إصدار عقوبات جديدة.

اقرأ أيضاً: خبراء: العقوبات الجديدة تزيد القيود على إيران

وأكد ستيكلر أن السهولة التي أعادت بها إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% تعني أن الصفقة التي كانت موقعة بها تحمل العديد من العيوب التي يجب معالجتها عند توقيع أية صفقة جديدة بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين؛ بحيث تتضمن تفكيك البنية التحتية النووية وعدم السماح بالتخصيب في المستقبل، خصوصاً أن الاستفزازات الإيرانية تجعل من الصعب الوثوق بأي تعهدات رسمية.

تهدد إيران الأمن في المنطقة

واعتبر محمود حمدي أبو القاسم، أن هذه الإجراءات بمجملها يهدف النظام الإيراني من ورائها إلى مراكمة مزيدٍ من الأوراق وتعزيز مركزه على طاولة المفاوضات مع إدارة بايدن التي يبدو أنها أكثر ميلاً نحو المسار الدبلوماسي والتفاهم مع طهران بدلاً من مسار المواجهة الذي اتبعه ترامب.

اقرأ أيضًا: الثورة الإيرانية التالية: لماذا يجب على واشنطن أن تسعى لتغيير النظام في طهران؟ (1)

وأكد أبو القاسم أن إيران ترفع من سقف تطلعاتها النووية ليس من أجل التهديد أو الوصول فعلياً إلى السلاح النووي، بقدر تعزيز فرصها على طاولة المفاوضات، لافتاً إلى أن إدارة ترامب لن يكون لديها وقت كافٍ أو تدابير تتعلق بالتعامل مع هذا التطور؛ حيث تستعد إدارة ترامب للمغادرة، والرئيس منشغل بقضية الانتخابات، إلا إذا كان ترامب قد يستغل الحدث من أجل الاستفادة منه بإثارة أزمة دولية، وتعقيد المشهد أمام إدارة بايدن القادمة.

ولفت الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ومقره الرياض، إلى أن بايدن يعتمد في مقاربته على الدبلوماسية كحل، وعلى معالجة الملف النووي كأولوية، وهو يدرك أن الخطوة الإيرانية هي لتعزيز موقفها على طاولة المفاوضات، ولدفع بايدن نحو مقاربة متوازنة تخص إيران، وعدم الضغط عليها لتقديم تنازلات في بقية الملفات الأخرى.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة