الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

زواج الأطفال في اليمن… معضلة الدِين والقانون والحرب

يشهد اليمن شيوعاً ملحوظاً في زواج الأطفال بعد الحرب بسبب حالة عدم الاستقرار وتزايد معدلات الفقر والصراع

كيوبوست

يُعد اليمن موطناً لملايين الفتيات المتزوجات في سن الطفولة. وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) تُقدر نسبة الفتيات المتزوجات دون سن الثامنة عشر في اليمن بـ 32 في المائة. وهي مشكلة متأصلة في البلاد، ذات عواقب وخيمة على كلٍّ من صحة الأم ومستقبل الأسرة والأبناء.

الزواج المبكر شائع في كثير من دول العالم، وتختلف أسبابه من دولةٍ لأخرى. تُشير التقديرات إلى أن واحدة من كل خمس فتيات اليوم تقع ضحية للزواج المبكر في جميع أنحاء العالم، ويُتوقع أن يصل عدد الفتيات المتزوجات في سن الطفولة إلى 110 ملايين فتاة، بسبب تأثيرات جائحة كوفيد 19.

في اليمن، ينتشر زواج الأطفال في المناطق الوسطى والشمالية من البلاد. أكثر من أي منطقة أخرى، تغادر الفتيات في تلك المناطق الطفولة مبكراً، تاركة خلفها الفرص التعليمية والاقتصادية على ندرتها، لتعزل نفسها، وتتحمل عناء الأسرة والأبناء؛ معرضة صحتها النفسية والجسدية للخطر. علاوة ذلك، غالباً ما تنسحب الفرص الضائعة تلقائياً إلى الأبناء؛ مما يهدد مستقبل المجتمع ككل.

اقرأ أيضًا: اليمن.. الأولى في قائمة أسوأ الدول المتضررة من النزاع بالنسبة إلى الأطفال

أرقام وتوقعات

تستند إحصاءات منظمة اليونيسيف على بيانات المسح الديموغرافي والصحي لليمن لعام 2013؛ لذلك فمن المتوقع أن تكون الأرقام الحقيقية أكبر. وفقاً لتلك البيانات، فإن 32 في المائة من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل سن الثامنة عشرة، و9 في المائة قبل سن الخامسة عشرة. في المجمل، يوجد 4 ملايين فتاة في اليمن تزوجن في سن الطفولة، من بينهن 1.4 مليون قبل سن الخامسة عشرة.

يكشف تحليل منظمة اليونيسيف أن معدل زواج الأطفال في اليمن قد انخفض عموماً مقارنة بالعام 1988م. ومع ذلك، فمعدل الانخفاض ليس كافياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، الرامية إلى القضاء على زواج الأطفال في جميع أنحاء العالم بحلول العام 2030. وفقاً لتقرير اليونيسيف، المنشور في العام 2020، فإنه في حالة استمرار معدل زواج الأطفال في اليمن على حاله، فمن المتوقع أن تصل نسبة الزواج إلى 21 في المائة بنهاية العقد، أما إذا تضاعفت جهود تقليل المعدل فمن الممكن أن تصل إلى 9 في المائة.

طفلان يمنيان يرتديان ملابس الزفاف التقليدية خلال عرض أزياء مدرسي- صنعاء. Getty Images

يُشير زواج الأطفال إلى أي ارتباط رسمي، أو غير رسمي، بين طفل دون سن الثامنة عشرة وشخص بالغ، أو مع طفل آخر. يُعد زواج الأطفال في اليمن واحداً من أعلى المعدلات على مستوى العالم. غالباً ما ينتشر زواج الأطفال في الدول الفقيرة؛ إذ تبلغ نسبة زواج الأطفال في الكاميرون -مثلا- 30 في المائة، وفي إرتيريا 41 في المائة، وهي معدلات مقاربة لمعدل اليمن. لكنها تقفز إلى 52 و61 في المائة في كلٍّ من بوركينا فاسو وتشاد، على التوالي. 

قوانين غائبة

قبل أن تتوحد كل من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، جنوب اليمن، مع العربية اليمنية، شمال اليمن، في العام 1990م كانت قوانين الأحوال المدنية في البلدين تضع حداً أدنى للزواج. وفي حين أن ذلك الحد تم تعديله بعد الوحدة، فإنه أُزيل تماماً بعد سيطرة حزب الإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن، على المقاعد البرلمانية في نهاية التسعينيات.

كان الحد الأدنى للزواج في اليمن الشمالي هو 15 عاماً، و16 عاماً في اليمن الجنوبي. بعد الوحدة اليمنية، تم إقرار سن الخامسة عشرة كحد أدنى للزواج، سواء بالنسبة للذكور أو الإناث. تمت مراجعة وتعديل القانون لاحقاً، فبعد فوز حزب الإصلاح في الانتخابات البرلمانية في العام 1997 أصبح الجهاز التشريعي في البلاد متأثراً بشدة بالفكر الإسلامي المتشدد، ناهيك عن الطبيعية القبلية التي تميز بها الحزب. نتيجة لذلك، تم إلغاء السِن كشرط للزواج، واكتفى القانون بتحديد “قدرة” الفتاة على ممارسة الجِماع كشرط لصحة الزواج، دون أن يكون هناك أي معيار لتلك القدرة، كالعمر مثلاً.

لسنواتٍ لاحقة، كان هناك العديد من المطالبات بتعديل القانون ووضع معيار واضح لشروط الزواج، ولا يبدو أن شيئاً غير العمر يمكن أن يكون معياراً مقبولاً. لكن، كان أعضاء حزب الإصلاح يعارضون بشدة تحديد سن للزواج. في العام 2014م، تم طرح تحديد الحد الأدنى للزواج كأحد نتائج مؤتمر الحوار الوطني في اليمن. لكن، مشروع الدستور الجديد المُقترح لم يرَ النور بعد سيطرة المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من البلاد في 2014-2015. وبعد دخول البلاد في حالةٍ من عدم الاستقرار والصراع، من المتوقع شيوع زواج الأطفال أكثر من أي وقتٍ مضى.

اقرأ أيضاً: التعليم في اليمن يهدد بمزيد من العنف والفقر

أسباب ونتائج

تختلف الأسباب المحتملة للزواج المبكر من بلدٍ لآخر، ومن ثقافة لأخرى حتى داخل البلد الواحد. لا توجد دراسات دقيقة حول آثار الزواج المبكر على الفرد والمجتمع، لكنه يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان، ومن المتفق على آثاره الجسدية والنفسية حسب مراقبين ومجرّبين.

يُعد الفقر أبرز الأسباب المتفق عليها لزواج الصغيرات؛ قد تضطر الأسر الفقيرة إلى تزويج بناتها في سن مبكرة للتخلص من الأعباء المالية، أو رغبة في الحصول على منافع الارتباط بعلاقة النسب والمصاهرة، في الواقع، قد يكون السبب الأخير هذا دافعاً حتى بين الأسر الأكثر ثراءً! حيث تكون بعض الزيجات بين العائلات الثرية بهدف الارتباط بعلاقات عمل، أو الحفاظ على الثروة في إطار العائلة.

طفلة تدرس مع صديقتها في إحدى مخيمات النازحين باليمن- IRC

في بعض الثقافات، يُنظر إلى زواج الأطفال على أنه وسيلة لحماية “عذرية الفتيات”. ويعتقد أيضاً أن الفتيات المتزوجات أقل عرضة لممارسة الجنس قبل الزواج. ينظر البعض إلى زواج الأطفال كوسيلة لضمان عدم تمكن الفتيات من الزواج من شخص من اختيارهن عندما يبلغن سن الرشد؛ خصوصاً عندما تكون هناك قيود عائلية، كأن يكون من عادات العائلة حصر الزواج بالأقارب فقط.

من خلال التغاضي، أو حتى التشجيع، يمكن للقوانين العرفية أو المعتقدات الدينية أن تساهم في شيوع زواج الأطفال، بغض النظر عن الجدل الدائر حوله. فكما هو الحال في اليمن، عند مناقشة تحديد سن الزواج في البرلمان، كان العديد من رجال الدين يجادلون بأن التحديد مخالف للشريعة الإسلامية.

يشهد اليمن شيوعاً ملحوظاً في زواج الأطفال بعد الحرب، بسبب حالة عدم الاستقرار وتزايد معدلات الفقر والصراع؛ في مناطق سيطرة الحوثيين -مثلاً- يُشجع على الزواج المبكر للذكور والإناث على السواء للترويح عن الجنود من أهوال الحرب، وتعويض الخسائر في الأرواح.

اقرأ أيضًا: المغرب يقود الحرب ضد تجنيد الأطفال

يواجه ضحايا الزواج المبكر -ذكوراً وإناثاً- خطر التوقف عن مواصلة التعليم، وتحمل أعباء مالية وأسرية شاقة. بالنسبة للفتيات، على وجه الخصوص، فإنهن يتعرضن لمخاطر صحية ونفسية بسبب الحمل المبكر، والعزلة الاجتماعية الناتجة عن التفرغ لرعاية المنزل والأبناء، ويُحتمل تعرضهنّ للعنف نتيجة استعداء الأزواج الأكبر سناً.

يؤدِّي كل ذلك إلى ضياع عدد لا حصر له الفرص الاقتصادية والاجتماعية المحتملة في حالة مواصلة أولئك الصغار لتعليمهم، وتمتعهم بصحة جيدة ووقت كاف لاستكشاف مواهبهم وقدراتهم والاستفادة منها. يستحق فتيان وفتيات اليمن مستقبلاً مشرقاً وأملاً متجدداً، ولا طريق أسلم إلى ذلك من توقف العنف، وسيادة القوانين المنصِفة، والوعي المستنير.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة