الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
زلزال تركيا… العوامل الطبيعية لا تقف وحدها خلف المأساة
طبيعة المنطقة وعدم جاهزية المباني لتحمل نشاطاتٍ زلزالية بهذه القوة فاقم من حجم الخسائر البشرية والمادية

كيوبوست
أسفر الزلزال الذي ضرب تركيا عن أكثر من 13 ألف قتيل، وعشرات الآلاف من المصابين، وبلغت شدة الزلزال 7.8 درجة على مقياس ريختر، ويصنف على أنه زلزال مدمر، وامتد على مسافة نحو 100 كيلومتر على طول خط الصدع، مما تسبب في أضرارٍ جسيمة للمباني القريبة من الصدع.
وهذه المنطقة لم تشهد زلزالاً مدمراً منذ أكثر من مئتي عام، ولذلك فإن مستوى التأهب فيها أقل من المناطق التي اعتادت على التعامل مع الهزات الأرضية، وبحسب التقارير العلمية، فإن قشرة الأرض تتكون من أجزاء منفصلة ومتجاورة تسمى الصفائح، وغالباً ما تحاول هذه الصفائح التحرك، ولكن يمنعها من ذلك احتكاكها بصفائح مجاورة، وفي بعض الأحيان يتراكم الضغط الهائل ويؤدي إلى تحرك إحدى الصفائح فجأة، مما يؤدي إلى اهتزاز سطح الأرض، وفي هذا الزلزال كانت الصفيحة العربية تتحرك شمالاً، وتضغط على صفيحة الأناضول.
اقرأ أيضاً: قلعة “غازي عنتاب” الشاهدة على صمود المدينة دمرها الزلزال الأخير
منطقة حوادث
رغم عدم وقوع حوادث كبيرة في هذه المنطقة منذ عقود فإنها تُعتبر من المناطق النشطة على مستوى الزلازل بشكلٍ عام، بحسب رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية المصري، د.شريف الهادي، الذي يقول لـ”كيوبوست” إن البيانات التاريخية ترصد كوارث مماثلة.
وأضاف أن هذا الموقع من الأماكن النشطة التي تقع فيها الزلازل من وقتٍ لآخر، نتيجة احتكاك الألواح التكتونية، وهو أمرٌ يستغرق عدة سنوات من أجل الحدوث مجدداً، لكن علمياً يحدث زلزال رئيسي يتبعه ارتدادات أقل من الزلزال الرئيسي، وهو ما حدث حتى الآن، مشيراً إلى أن الأرض تستغرق عشرات السنين لتعود مرة أخرى من أجل تكوين الطاقة اللازمة لإحداث هزة أرضية بنفس القوة، وهو أمر قد لا يتكرر لأن خلال هذه الفترة قد تحدث زلازل خفيفة، وبالتالي تخرج الطاقة.

ونقلت “بي بي سي” عن البروفيسورة جوانا فور ووكر، رئيسة معهد الحدِّ من المخاطر والكوارث في جامعة يونيفيرسيتي كوليدج بلندن، قولها إنه “من بين جميع الزلازل المدمرة التي وقعت في الماضي كان هنالك زلزالان مماثلان لهذا الزلزال في الشدة، خلال العقد الماضي، وأربعة في العقد الذي سبقه”.
ولكن ليست شدة الزلزال وحدها هي ما يسبب الدمار، بحسب “بي بي سي”، فقد وقع هذا الزلزال في الساعات الأولى من الفجر عندما كان معظم الناس نائمين في بيوتهم، كما لعبت متانة المباني دوراً مهماً أيضاً، وتقول الدكتورة كارمن سولانا من جامعة بورتسموث: “للأسف، فإن البنية التحتية المقاومة للزلازل غير مكتملة في جنوب تركيا وسوريا”.
اقرأ أيضاً: لماذا تحدث الزلازل؟
هشاشة البناء
يدعم هذا الرأي ، شريف الهادي الذي يشير لـ”كيوبوست” إلى أن الخسائر الكبيرة في الضحايا ترجع إلى طبيعة المباني التي لا تتناسب مع حجم الهزة الأرضية، وهو أمر مرتبط ليس فقط بطبيعة المباني التي سقطت، ولكنه مرتبط بطبيعة التربة وهشاشة المباني بالنسبة لمواجهة مثل هذه الهزات الأرضية العنيفة، مشيراً إلى أن دولاً مثل اليابان تتعرض لهزات بنفس الدرجة، ولكن لا تتعرض لهذه الخسائر لكون المباني مجهزة للتعامل معها، ولاستيعابها.
وأضاف الهادي أن كل دولة تقوم بتحديد كود بناء، بناءً على عوامل علمية عدة، من بينها طبيعة التربة وموقع الأرض، وغيرها من الأمور، وهو كود يحدث باستمرار لكن نظراً لوجود عمليات تحايل بسبب ما قد يتكلفه الالتزام بالكود من أموال، فإن غالبية المباني لا تُبنى مستوفية الشروط بشكلٍ كامل، الأمر الذي تظهر آثاره في مثل هذه الحوادث المفاجئة.

وأكد أن كون مركز الزلزال هذه المرة في الأرض، وبمناطق سكنية، زاد من الخسائر على العكس من أن يكون المركز في البحر، وبالتالي تكون الخسائر أقل على الأرض، لافتاً إلى أن ما حدث سيدفع لإعادة النظر في أكواد البناء المعتمدة داخل هذه المنطقة.
شاهد: فيديوغراف… الإمارات توجه بمساعدات عاجلة لسوريا وتركيا بعد الزلزال

يتفق مع هذا الرأي، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، د.علاء النهري الذي يقول لـ”كيوبوست”، إن الدول الأقل نمواً تكون عادة أكبر في الخسائر من الدول المتقدمة لأسباب عدة مرتبطة بطبيعة العمليات الإنشائية، والالتزام بأكواد المباني، وغيرها من الأمور التي تضمن صمود المباني أمام الزلزال المفاجئ، لافتاً إلى أن الزلزال الذي حدث مُدرج في الفئة المدمرة.
يختتم النهري حديثه بالتأكيد على عدم القدرة على التنبؤ بحدوث الزلزال قبل وقوعه بأي شكل من الأشكال، وحتى موجات تسونامي لا يمكن توقعها إلا قبل حدوثها بدقائق قليلة من خلال أجهزة الإنذار المبكر المتقدمة، مشيراً إلى أن الزلزال نتج عن انزلاق الصفائح الأرضية، وبالتالي حدثت الهزة الأرضية التي تُعتبر واحدة من أقوى الهزات بالمنطقة منذ عقود.