الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةمصطفى سعيد
زرياب.. والأساطير في الموسيقى مع مصطفى سعيد (فيديو)

كيوبوست
ما سمعناه الآن هو آلة اسمها “قمبوس” أو “الطربي”؛ تُستعمل في اليمن وإندونيسيا وزنجبار وبعض المناطق الأخرى، وهذا هو الاسم الحالي لها، لكن يبدو أنه منذ أكثر من 1400 سنة إلى 1500 سنة كان يوجد شيء يشبه هذه الآلة، قد يكون أقل في عدد المفاتيح أو يختلف قليلًا في الشكل؛ لكنه يرتكز على نفس المنطق، وكان يُسمى “بَربَط” أو عودًا.

حلقتنا اليوم ليست عن الـ”قمبوس”، وإنما مقدمة عن فكرة الأساطير في التاريخ شرقًا وغربًا دون استثناء. وفي الموسيقى حدِّث ولا حرج، ولن نبعد كثيرًا؛ ففي أوروبا مثلًا “موزارت” رغم أنه لا يبعُد عنّا سوى قرنَين ونصف القرن ليس أكثر؛ فإن كم الأساطير التي حُكيت عنه أكثر من حقيقة حياته فعلًا.
اليوم أسطورتنا زرياب؛ هذا الموسيقي المشهور المرتبط في أذهان الناس بالأندلس وحضارة الأندلس والبكاء على أطلال الأندلس.. إلى آخره. هناك مذهبان؛ إما تمجيد ونسب تقريبًا كل شيء في الحياة في الموسيقى إليه والعكس، وإما وجود أناس آخرين ينكرون وجوده أصلًا. العلم يقول إن زرياب ليس هو مَن أضاف الوتر الخامس (العود الأندلسي أربعة أوتار)؛ لكن الدوزان الخاص به مختلف. الوتر الخامس في العود زاد في مرحلة لاحقة وسوف نتكلَّم عن هذا في حلقة العود.
اقرأ أيضًا: كيف تعالج اكتئابك بالموسيقى؟
نحن فعلًا لا نعرف ماذا كان يلحن زرياب، وإنما الألحان الباقية من وجود العرب في الأندلس ألحان لاحقة لهذا العصر بكثير. لم يدوِّن زرياب عن الموسيقى لا في التنظير الموسيقي ولا في ما عمله. أما وجوده فمذكور من أول كتاب “الأغاني” للأصفهاني، في حكاية يحكيها عن حلم المأمون بأنه ذهب للغزو وأقام في حصن لمسلمة بن عبد الملك، وجاءت نوبة “مخارق” في الغناء، فغنَّى صوتًا في مديح بني أمية، فاغتاظ المأمون وألقى بالقدح من يده وسأله عن سبب فعله هذا؛ لتشاؤمه بما غنَّى مخارق، فأجاب مخارق: مولاكم في الأندلس يتمرَّغ في الديباج والقصور، وأنا مولاهم هنا لا أكاد أجد قوت يومي. ويمكن لمَن أراد الرجوع إلى كتاب “الأغاني”، والشاهد هنا أن زرياب وجد وفعلًا سافر إلى الأندلس. أما السرديات الموجودة وتقول إن إسحاق الموصلي قال له إما أنا وإما أنت.. إلى آخره، فتبدو خيالًا من الإخباريين المغاربة في القرن الثامن أو التاسع الهجري؛ لأن أبا الفرج في كتاب “الأغاني” وغير أبي الفرج، لم يتركوا خبرًا عن إسحاق أو عن إبراهيم الموصلي إلا وذكروه سندًا، فلماذا لا تُذكر هذه الحكاية إلا بعد قرون علمًا بأن “الأغاني” وغيره كان أيضًا يَذكر بعض المآخد عليهم؛ خصوصًا عند إبراهيم مثلًا، كالبخل وحب جمع المال.. إلى آخره، وتسوؤه أكثر من حكاية بأنه قال لزرياب إما أنا وإما أنت في المكان. يبدو أن زرياب رحل إلى الأندلس بإرادته.
(موسيقى)
في بلاط بني أمية في قرطبة عومل أحسن معاملة، ويبدو أنه هو الذي نظم سمر هذا البلاط؛ أي بروتوكول هذا البلاط بتعبير اليوم. وأكيد أنه كان له باع في الموسيقى في أدب الطعام، فهو الذي بدأ تنظيم النوبات وتنظيم الموسيقى للبلاط وتنظيم المائدة.. إلى آخره. من هنا ذاع صيته، وعند بداية سقوط الدول الإسلامية في الأندلس دولة تلو الأخرى، بدأ الإخباريون سرديات وأساطير للبكاء على الأطلال.
اقرأ أيضًا: لماذا تجعلنا الموسيقى نشعر بالسعادة؟
إنما لو نريد أن نعرف فعلًا بعض هذه الأوجه الموسيقية، فمن الممكن أن نرى ابن باجة والمخطوطات الموجودة عند بلاط الفونسو، وأكثر من هذا. ولكن زرياب شخصية وجدت، وما حيك عنه من أساطير أكثر مما نعرف عنه.
ونختم هذه الحلقة مع العود الأندلسي والطبع الأندلسي.
(موسيقى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع الحلقة:
- كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني.
- “اللهو والملاهي” لابن خرداذبه.
- رسالة التيفاشي في النغم.
- رسائل ابن باجة.
- مخطوطات ألفنش الثاني.
الموسيقى:
- تسجيلات مؤتمر الموسيقى الشرقي الأوّل، القاهرة 1932.
- فرتاش قنبوس حسن العجمي.
- إصدار عن مخطوطات بلاط ألفنش الثاني.