الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

روسيا في عهد بوتين.. العودة إلى القيصرية

كيوبوست

بدرجةِ حرارة شديدة البرودة، يمارس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طقساً روسياً أرثوذكسياً، يشبه المعمودية؛ لكن للبالغين، حيث يغطس في مياه باردة. كانت هذه إحدى الطقوس المحظورة أيام الاتحاد السوفييتي، أما اليوم فيمارسها الروس المؤمنون. كان هذا المشهد بداية فيلم وثائقي من إعداد “دويتشه فيله” بعنوان “فخر بوتين.. القوزاق والنضال والكنيسة“؛ استعرض محاولة الرئيس الروسي إحياء الحقبة القيصرية في روسيا، باستخدام القيم المحافظة من تلك الحقبة.

فعبر الإعلام يتم الترويج للعودة إلى القيم القديمة؛ مثلاً من خلال محطة “زارغراد” التليفزيونية الممولة من قِبل رجل الأعمال الروسي الأرثوذكسي والمقرب من بوتين، كونستانتين مالوفيف. ينتقد الصحفيون العاملون فيها، الغربَ باعتباره منحلاً وفاسداً، ويصفون المثلية على أنها خطيئة كبيرة، بينما تتبنى القناة قيم العائلة وتحارب الإجهاض. وإلى جانب الإعلام يعتمد بوتين طرقاً إضافية لتحقيق رؤيته.

رجل الأعمال الروسي كونستانتين مالوفيف- (alchetron)

كسب تأييد الطبقة الغنية

تؤيد الطبقة الغنية بوتين؛ لأن روسيا شهدت خلال حكمه نمواً اقتصادياً؛ فمنذ 1999 ازداد الدخل الفردي 10 أضعاف، إلى جانب تمسك الكثير من الروس بالتقاليد؛ لأن تاريخهم الحديث كان فوضوياً جداً، والتغيير يشعرهم بالخوف، وفق ما أورده الفيلم الوثائقي على القناة الألمانية.

ويظهر ذلك جلياً في محاولة نقل الحس الوطني والأرثوذكسي في روسيا، عبر تأسيس رجل الأعمال مالوفيف، مدرسة القديس باسيليوس في حي راقٍ في موسكو؛ يتعلم التلاميذ فيها التقاليد، واللغة “السلافونية” المستخدمة في القداديس الكَنَسية، وحسن التصرف وآداب السلوك والرقص الكلاسيكي. جدران المدرسة مزينة بصور القياصرة السابقين، والكتَّاب الروس المشهورين. أما الهواتف المحمولة فممنوعة؛ لتبقى هالة الماضي حاضرةً من دون تشويش. وفي هذا السياق، قال مالوفيف: “نريد أن تنطبع هذه الصور في قلوب التلاميذ. وحتى لو كان هذا من دون وعي منهم، سيبقى دائماً في أعماق ذاكرتهم شيء جميل يربطهم بتاريخ روسيا”.

استقطاب الفقراء

بوتين لا يعتمد على دعم الطبقة الغنية فقط؛ فقد كسب أيضاً تأييد الطبقة الفقيرة، إذ يستعرض الفيلم حياة الطلبة بمدرسة “شاختي” العسكرية ذات الطابع الأرثوذكسي في منطقة “روستوف”، والممولة من الأموال العامة، يتعلم فيها أبناء جماعة القوزاق، التي تعرضت في زمن الاتحاد السوفييتي إلى القمع، بينما عادت الحياة إلى ثقافتهم في فترة التسعينيات، وقام بوتين رسمياً بدمجهم في الجيش الروسي، بالاعتماد عليهم كركيزة لتقوية سلطته، وتتبنى الجماعة التي تقدم بخمسة ملايين شخص مبادئ: الوطنية والعسكرية والأرثوذكسية؛ وهي مزيج يتوافق مع التصورات المحافظة لبوتين.

اقرأ أيضاً: بوتين يكتب: الدروس الحقيقية للذكرى الخامسة والسبعين للحرب العالمية الثانية

يلينا؛ والدة أحد طلبة المدرسة واسمه غريغوري، تعمل في مختبر طبي، وتتقاضى 300 يورو شهرياً، وتعيش في منزل متواضع. وعن سبب دعمها بوتين، تقول: “يدعم بوتين إحياء الأرثوذكسية، وقد بنى العديد من الكنائس، بالنسبة إلينا نحن القوزاق هذا مهم للغاية”.

بناء الكنائس

منذ وصول بوتين إلى السلطة تشهد الكنيسة الأرثوذكسية ازدهاراً ملحوظاً؛ ففي العقدين الأخيرين تم ترميم أو إعادة بناء نحو 1000 كنيسة، ومنذ عامَي 2011 تم بناء 65 كنيسة في موسكو وحدها، بينما يتم التخطيط لبناء 150 كنيسة. فالفكرة بأن تكون لكل فرد من سكان موسكو كنيسة قريبة منه!

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة الأمريكية.. دروس أمس من الحرب الباردة مع روسيا ذخيرة لمعركة اليوم مع الصين

إلى جانب ما سبق، عُرضت المساحات الخضراء على البطريركية لبناء الكنائس؛ ما أدى إلى اندلاع صراع بين مجموعة من السكان وقيادة الكنيسة، حول تحويل متنزه تورفيانكا شمال موسكو إلى كنيسة، مع العلم أن أربع كنائس قائمة في المنطقة!

ونتيجة للصراع الدائر حول المتنزه، تعرضت المتحدثة باسم المجموعة وزملاؤها إلى هجوم من قِبل بلطجية؛ حيث تلقوا تهديدات فحواها: “سنقتلك باسم الإيمان”، بينما لم تتخذ الشرطة أي إجراء.

ذراع مسلحة

تعمل مجموعة تدعى “40*40” في خدمة الكنيسة؛ إذ تشكل الذراع المسلحة لها، وتتكون من مثيري شغب سابقين، وممارسي رياضات قتالية، وطلاب وعناصر شرطة، وخبراء تكنولوجيا معلومات، يكنون الاحترام لبوتين. يرى أرتيوم، أحد عناصرها، أن الرئيس بوتين يدعم الكنيسة، وهذا أمر كبير القيمة.

ويحمل أفراد المجموعة شعار “بوغاتير”؛ وهو فارس أرثوذكسي يدافع عن الكنائس بالسيف والدرع. خلال الحقبة السوفييتية كانت تلك الشعارات ممنوعة؛ لكنها تستخدم اليوم في روسيا لكسب الاحترام.

لوحة البوغاتيرات لفيكتور فاسنيتسوف- أرشيف

يرى متظاهرون أن المجموعة تتمع بدعم السلطات الحكومية؛ إذ كتب أحدهم إلى ناشط في قضية المتنزه عبر الإنترنت: “احفر لك قبراً في المتنزه وسأدفنك به”، وعندما أخبر الشرطة، قالت له: “عُد عندما تموت”!

القضاء على المعارضة

خلال سنوات حكمه الـ19 تخلَّص بوتين من خصومه؛ فحزبه “روسيا المتحدة” يمتلك 3/4 المقاعد في مجلس الدوما (البرلمان).

وفي الحديث عن خصومه، كان بوتين قد أنكر أية مسؤولية عن مقتل بوريس نيمتسوف، نائب رئيس وزراء روسيا، خلال فترة رئاسة بوريس يليتسن. اغتيل نيمتسوف في موسكو، وكان معارضاً لبوتين، وانتقد الفساد في ظل حكمه. جنازة نيمتسوف تحولت إلى مسيرات احتجاج ضد بوتين.

نائب رئيس وزراء روسيا سابقاً بوريس نيمتسوف- أرشيف

وكمثالٍ آخر، مُنع السياسي المعارض أليكسي نافالني من المشاركة في الانتخابات الرئاسية؛ بسبب إدانته بمخالفة مالية، وهو مقتنع بأن قيادة الكرملين تخافه. اعتُقل نافالني واحتُجز 8 ساعات بعد قيامه بتجمع، وقالت السلطات إن التجمع لم يكن مرخصاً، بينما كان مؤيدو مافالتي ساخطين ودعوا: “نريد روسيا بلا بوتين”.

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة