الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية
روسيا ترتب أوراقها مع قادة الخليج وتعيد صياغة التحالفات
قراءة في نتائج جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف

كيوبوست
هناك شوق وتطلع دائم في أدبيات الفكر الاستراتيجي الروسي نحو المياه الدافئة؛ سواء أكانت مياه البحر الأبيض المتوسط أم الخليج العربي. والحقيقة أن موسكو لم تتوقف يوماً عن التواصل مع دول المنطقة حتى بعد زوال العصر الذهبي لعلاقاتها مع العرب، وذلك بعد مغادرة الاتحاد السوفييتي مسرح التاريخ. وقد تختلف أهداف ودرجات هذا التواصل؛ لكنه لم ينقطع حتى في ذروة انحدار القوة الروسية في التسعينيات، خلال عهد بوريس يلتسين.
ومع مجيء بوتين إلى السلطة، ومن ثم توافق أحداث عدة؛ مثل انشغال واستنزاف أمريكا بحروب لا تنتهي في العراق وأفغانستان، وانفجار الربيع العربي، وجدت موسكو الفرصة سانحة للعودة إلى منطقتنا بدورٍ مختلف؛ الاختلاف يأتي من تحليل بوتين ورفيقه سيرغي لافروف، لأحلاف وأوضاع المنطقة بناءً على خبراتهما المتراكمة أثناء عملهما في قلب البيروقراطية السوفييتية؛ ولكنه تحليل يخلو أيضاً من المنطق الأيديولوجي الماركسي الثوري الذي كان يحرك جزءاً من السياسات السوفييتية، والذي رأى في الوجود الأمريكي خطراً إمبريالياً رأسمالياً حقيقياً على خاصرة روسيا الضعيفة.
اقرأ أيضاً: نحن بحاجة للحديثِ عن بوتين!
وصاحَب التحليلَ والتفكير النظري، ممارساتٌ وتكتيكات جديدة على أرض الواقع؛ فالروس مثلاً ابتدعوا عسكرياً خلال تدخلهم في سوريا وقدموا نموذجاً جديداً في “الحرب المهجّنة” (Hybrid Warfare)، أما تفاهماتهم مع السعودية وتركيا وإيران، فهي تتحدث عن إتقان موسكو لعبة التوازنات بين العواصم المختلفة، دون أن تفقد مساحة التوافق والاختلاف مع هذه العاصمة أو تلك؛ وهو ما تعجز عنه الإدارات الأمريكية المتعاقبة في المقابل.

افتتح لافروف، هذا الأسبوع، جولة شرق- أوسطية له بزيارة أبوظبي، العاصمة الصاعدة التي تؤدي أدواراً متنوعة وتتبع استراتيجيات وتكتيكات قد تذكرنا بمهارة صانع القرار الروسي، وقد تحدثنا إلى مجموعة من الخبراء عن هذه الجولة والزيارة وما تعنيه.
كيف ترى موسكو أبوظبي والمنطقة؟

أجاب الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف، عن هذا التساؤل محللاً: “بشكل عام روسيا مُهتمة بتقوية مكانة الإمارات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. هناك مشتركات
عديدة بين الجانبين في ما يتعلق بتقييم مكامن التهديد للمنطقة؛ مثل مكافحة التنظيمات الإرهابية، كما أن موسكو تنظر بعين الرضا والإعجاب نحو أداء الإمارات العسكري؛ وهو ما يزيد من مصداقية الإمارات كشريكٍ فعال”. ولأن روسيا لا تريد خسارة محور إقليمي على حساب آخر، يؤكد سيمينوف أن: “مرونة أبوظبي، واستعدادها للتفاوض والمساومة الجيوسياسية مع دمشق وطهران، ستزيد من فرص اعتماد موسكو عليها”.

أما عن نظرة روسيا الأوسع إلى المنطقة، فقد تحاورنا مع سامويل راماني؛ باحث دكتوراه في جامعة أكسفورد، والذي يتخصص في السياسة الخارجية الروسية، عن أبعاد ومحركات هذه النظرة.. بدأ راماني تحليله بالإشارة إلى أن دور موسكو الخارجي ينبع من نظرتها إلى نفسها أولاً، “تريد روسيا تقديم نفسها كمساهم في أمن الخليج واستقرار المنطقة؛ وهو ما سيسمح لها أن تُروج لنظرة إيجابية كقوى كبرى تتولى بجدية مسؤولياتها في الحفاظ على استقرار النظام الدولي”.

ولأن الفكر الروسي ذو تقاليد لا تنقطع فجأة، يُشير راماني إلى التوصل بين الخط الروسي العام في بعض الملفات منذ الفترة السوفييتية وإلى الآن، “جوهر التوجه الروسي الحالي في الخليج وهو تشجيع الحوار بين الخليجيين والإيرانيين، هو في الأساس تكملة لأفكار ميخائيل غورباتشيف عن الأمن الدولي.. وعلى أية حال، فقد حاولت روسيا في الأعوام الـ30 الماضية أن تدخل الخليج كشريكٍ أساسي في ضمان أمنه؛ ولكنها فشلت.. وستظل موسكو تحاول تبني هذا الدور، وهو ما نراه في زيارة لافروف إلى أبوظبي”.
ولا يخفى على باحث مثل راماني أن موسكو تستفيد أيما استفادة من أخطاء واشنطن في السنوات الأخيرة، وكذلك تلعب موسكو على وتر إحساس بعض العواصم الإقليمية بأن واشنطن بدأت في إهمال المنطقة ومغادرتها تدريجياً، يفكّك راماني الصورة الكبيرة: “استغلت روسيا عدم الرضا لدى بعض عواصم المنطقة تجاه واشنطن؛ لكي تقدم نفسها كقوة كبرى ذات أجندة واضحة ولا تتغير بسرعة.. نجاح زيارة فلاديمير بوتين إلى الرياض وأبوظبي في أكتوبر 2019، يعود جزئياً إلى برود ردة الفعل الأمريكي تجاه إيران بعد هجمات البقيق، وكذلك الضوء الأخضر الذي منحته إدارة ترامب لأنقرة كي تبدأ عملياتها العسكرية في شمال سوريا”.

ولكن راماني يعود ويؤكد أن البراغماتية تحكم تفكير بوتين ولافروف: “نعم روسيا تريد استغلال تقلبات الدور الأمريكي؛ لكن موسكو لا تملك الرغبة والقدرة لكي تتحمل مسؤوليات الدولة الكبرى الضامنة لأمن الخليج.. ما تريده موسكو هو أن تكون متوفرة كعنوان إضافي يستطيع الخليجيون والعرب الآخرون أن يتحدثوا معه في حال عدم رضاهم عن واشنطن”.
اقرأ أيضاً: كيف تغير السلوك البحري الإيراني في الخليج بين فترتي أوباما وترامب؟
كيف ترى أبوظبي موسكو ودورها؟

يستطرد الأكاديمي الإماراتي د.البدر الشاطري، في تحليل الرؤية الإماراتية لدور موسكو الإقليمي، فيبدأ قائلاً: “هناك أربعة مشتركات كبرى بين العاصمتَين.. تعزيز دور الدولة الوطنية، ومكافحة الإسلام السياسي، وكذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة تحت أية حجة، والتوافق في أسواق النفط والغاز. هذه المشتركات الأربعة تجمع أبوظبي وموسكو بشكل قد لا يتوفر مثلاً في العلاقة مع عواصم غربية أخرى”.
ويُكمل الشاطري تحليله: “تلقى رغبة أبوظبي بإعادة تأهيل سوريا عربياً وإدخالها إلى جامعة الدول العربية رضًى لدى موسكو، وهو الملف الحاضر بقوة في زيارة لافروف”.